• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

22 سبتمبر 2022

الإعجاز في بشرية النبي صلى الله عليه وسلَّم

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

       الإعجاز في بشرية النبي صلى الله عليه وسلَّم

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ – الحمد لله الذي أكرمنا بالانتماء لدين الإسلام، وأعزنا وشرفنا فجعلنا من أمة خير الأنام، والشفيع الأعظم لنا وللخلق جميعاً يوم الزحام، سيدنا محمد إمام كل إمام، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي أشرقت أنواره بدءاً على عوالم عالين فسجدوا لأبيه كما أمرهم رب العالمين، وأشرقت أنواره للأنبياء والمرسلين فبلَّغوا رسالات الله بتوفيق من رب العالمين، وأشرقت رسالته ختماً علينا جميعاً وعلى جميع الأكوان فأصبحت شمساً مشرقة متلألأة إلى آخر الزمان، صلى الله عليه وعلى آله أهل العيان، وأصحابه أهل البيان، وآل بيته أهل الإكرام من حبيب الله عز وجل ومن حضرة الرحمن.

عندما يحل شهر ربيع الأول تهبُّ نسماته على القلوب فتمحو كل ما فيها من ذنوب ومن لغوب، وتجعلها دائماً وأبداً تحيا الحياة القرآنية بفضل حضرة علام الغيوب سبحانه وتعالى.

نتذكر ولا تسعنا الساعات ولا الأيام ولا الأوقات في الحديث عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، لكننا عملاً بأمر الله لنا في قوله سبحانه وتعالى لنا: ” وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ ” يعني تذكروا وافتكروا وتدارسوا نعمة الله عليكم، ولم يقُل نعم الله، ولكن (نعمة الله) فما هذه النعمة؟ ” إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ” (103آل عمران) ما النعمة التي ألَّف الله بها بين القلوب ومحا بها الأضغان والأحقاد والعلل من النفوس؟ هو رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

فأمرنا الله أن نتذكره، وينبغي علينا أن نتذكره على الدوام، ولا يغيب عنا بحضرته وأنواره وإشراقاته نَفَساً ولا أقل، لكننا من طبيعتنا السهو والنسيان، فنحاول أن نأخذ بأيدي إخواننا المؤمنين أجمعين إلى محبة النبي العدنان صلى الله عليه وسلَّم.

أوليته في البدء

الرسول صلى الله عليه وسلَّم له أولية في البدء، والذي درسناه في المدارس أنه وُلد يوم عشرين من شهر أبريل في مكة المكرمة، وهذا ميلاد الجسم، لكن الحقيقة النورانية المقدسة الإلهية من قبل القبل، قال صلى الله عليه وسلَّم للعرباض بن سارية رضي الله عنه في الحديث الصحيح:

{ إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ }[1]

يعني آدم كان لم يُخلق بعد، وسُئل صلى الله عليه وسلَّم:

مَتَى جُعِلْتَ نَبِيًّا؟ قَالَ:

{ وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ }[2]

وهل يوجد شيء بين الروح والجسد؟ الإنسان إما جسد أو روح، أو جسد فيه روح، لكن ما معنى بين الروح والجسد؟ يعني لم يكن آدم موجود.

فهذا أول بداية ظهور الحضرة المحمدية، ولذلك أنبأ عن هذه الحقيقة فقال صلى الله عليه وسلَّم:

{ كُنْتُ أَوَّلَ النَّبِيِّينَ فِي الْخَلْقِ وَآخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ }[3]

أول العابدين

من أول نبيٍّ خلقه الله؟ سيدنا محمد، لكن نلاحظ أن هناك فرق بين النبوة والرسالة، فكل كلامه هنا عن النبوة، والنبوة تكون للحقيقة النورانية الروحانية، لكن الرسالة يعني رسالة أُنزلت عليه ليبلغها لمن حوله ولا بد أن يكون مثله مثلهم ليجالسهم ويواكلهم ويعلمهم كيف يأكلون وكيف يشربون وكيف يصلون، فلابد أن تكون هنا المثلية، وهذا عندما نزل إلى الأرض بهيكله الشريف صلى الله عليه وسلَّم.

نريد دليلاً من القرآن أنه كان بمفرده، قال تعالى: ” قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ” (81الزخرف) من أول العابدين لله؟ ليست الملائكة ولا الأنبياء والمرسلين، ولكن سيد الأولين والآخرين، كيف يعبد الله؟ كانت عبادة خاصة بينه وبين مولاه، لا يستطيع أن يُخبرنا بها لأننا لن نستوعبها، ولن تستطيع قلوبنا وعقولنا أن تهضمها، عبادة خاصة بينه وبين مولاه سبحانه وتعالى، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أول العابدين لرب العالمين.

ميثاق النبيين

ثم أراد الله سبحانه وتعالى أن يُثبت إمامة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يجعله إمام الأنبياء والمرسلين أجمعين، فخلق الله تبارك وتعالى أرواح الأنبياء وجمعهم، أين؟ لا ينفع في هذا الكلام أين؟ ولا متى؟ لأن عند الله سبحانه وتعالى لا توجد هذه الأحوال.

فنحن كلنا سندخل الجنة إن شاء الله، والجنة ليس فيها ليل ولا نهار، ولا أيام الأسبوع، ولا الصيف ولا الشتاء ولا الربيع ولا الخريف، وكل الملكوت الأعلى على هذه الكيفية.

فالذي نظم هذه الأمور عندنا الشمس والقمر والنجوم، لكن الجنة ليس فيها شمس ولا قمر غير الشموس التي جمَّلها المليك القدوس وهم كُمَّل الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين، والذين يقول فيهم صلى الله عليه وسلَّم:

{ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ عَلَى عَمُودٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ فِي رَأْسِ الْعَمُودِ سَبْعُونَ أَلْفَ غُرْفَةٍ يُضِيءُ حُسْنُهُمْ أَهْلَ الْجَنَّةَ كَمَا تُضِيءُ الشَّمْسُ أَهْلَ الدُّنْيَا }[4]

من الذي يضيئ؟ هؤلاء، لأن النهار سينتهي ومعه الشمس والقمر، فما مصدر الإضاءة؟ النورانيين الذين نوَّرهم وجمَّلهم وكمَّلهم رب العالمين تبارك وتعالى.

فجمع الله تبارك وتعالى أرواح النبيين أجمعين، سأل أبو ذر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وقال: كم النبيون؟ فقال صلى الله عليه وسلَّم:

{ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ نَبِيٍّ }[5]

المذكور منهم في القرآن خمسة وعشرين، لكن صاحب القرآن يقول: ” مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ” (78غافر).

لكن جملتهم مائة وأربعة وعشرين ألف نبي، اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلَّم مرتين، مرة عند أخذ الميثاق الأول الذي أخذه الله، ومرة في ليلة الإسراء والمعراج في بيت المقدس ليجددوا العهد والميثاق في زمن رسالته، كان العهد والميثاق الأول في زمن نبوته، فيريدون أن يجددوه في زمن رسالته ليكونوا من أمته صلى الله عليه وسلَّم.

وسجل الله عز وجل هذا العهد والميثاق في القرآن، وانتبهوا من دقة ألفاظ الرحمن سبحانه وتعالى: ” وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ” ميثاق من؟ النبيين، يعني كانوا لا يزالون أرواحاً وليسوا أجساماً، وبعد ذلك: ” ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ ” ليس نبي ولكنه رسول، فهو رسول الأنبياء: ” مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ ” لأنه خاتم النبيين، وخاتم تُقرأ بالفتح وبالكسر، خاتَم النبيين وخاتِم النبيين، هو الخِتم الذي يوثق به الله سبحانه وتعالى أقوال وأفعال النبيين وأممهم، لأنه مصدقٌ لما معهم.

ماذا يفعلون؟ ” لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ” أول واجب على الأنبياء والمرسلين الإيمان بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” وَلَتَنْصُرُنَّهُ ” كيف ينصروه؟ يبينوا لأممهم أوصافه ونعوته ويبشرونهم بزمن مجيئه: ” وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ” (6الصف) يعني كلهم يعرفون، حتى أن اليهود قبل بعثته كانوا يعرفون وقت ولادته، وهاجروا من بلاد الشام، منهم من سكن في المدينة، ومنهم من سكن في مكة، ومنهم من سكن على عرفات، لماذا؟ قال لهم كبيرهم: ظهر الليلة نجم أحمد، نجمٌ مخصوص في السماء، فجاءوا ليلحقوا به، هل يعرفونه؟ يقول الله تعالى: ” يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ” (146البقرة) هل يوجد من يتوه عن عياله؟ لا، فهم يعرفونه بالضبط كما يعرفون أولادهم تماماً بتمام، كيف؟ بتعريف الأنبياء والمرسلين لهم.

” قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا ” والإصر يعني العهد والميثاق: ” قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ” (81آل عمران) وماذا يشهدون؟ يشهدون جماله وكماله وأنواره حتى يعرفوه صلى الله عليه وسلَّم بذاته النورانية صلوات ربي وتسليماته عليه.

هذه الدورة الثانية لرسول الله، فالدورة الأولى كان بمفرده يتعبد لحضرة مولاه، والدورة الثانية كانت أخذ الميثاق للأنبياء والمرسلين، ومن الذي أخذ الميثاق له؟ الله، حتى نعرف قدر حضرة النبي، ومن الذي واثق الأنبياء بالنبي؟ الله سبحانه وتعالى.

وبعد ذلك أراد الله عز وجل أن يُظهر أنواره للملأ الأعلى، فخلق الملائكة وخلق آدم وقال لهم: ” إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ” (30البقرة) وأمرهم أن يسجدوا لآدم، لماذا؟ للنور الذي انتقل إلى ظهر آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام، والنور الذي ظهر في ظهر آدم كان نور رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، ولذلك يقول سيدي علي وفا رضي الله عنه وأرضاه:

لو أبصر الشيطان طلعة نوره

في وجه آدم كان أول من سجد

أو لو رأى النمروز نور جماله

عبد الجليل مع الخليل ولا عند

لكن جمال الله جَلَّ فلا يُرى

إلا بتخصيصٍ من الله الصمد

تنقل النور المحمدي

الملائكة شاهدوا النور، وهذا النور هو نور رسول الله الذي ظهر في وجه آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام، ليتنقل بعد ذلك كما قال فيه رب العزة: ” وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ” (219الشعراء) يتقلب في الأصلاب الطاهرة، والبطون الطيبة النقية، قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ، وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ، مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى أَنْ وَلَدَنِي أَبِي وَأُمِّي }[6]

ينتقل هذا النور على الدوام في أصلاب الأنبياء والمرسلين الذين عمَّروا الدنيا بالنيابة عن حضرته، حتى يُهيئوا الأرجاء بالنور التام عند بعثة النبي المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.

وهذا الذي يستند إليه كثير من العلماء العاملين في أن المذكور في الآيات مع سيدنا إبراهيم كان عمه وليس أباه، لأن إبراهيم وُلد يتيماً، ولأن الله قال: ” وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ” (219الشعراء) فكيف يأتي من ظهر رجل يصنع الأوثان والأصنام ويبيعها في الأسواق؟! ولذلك قال الله مؤيداً هذا القول: ” وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آَزَرَ ” (74الأنعام) لو كان أبوه الحقيقي كانت الآية: (وإذ قال إبراهيم لأبيه) بدون ذكر اسم آزر، لكنه ذكر الاسم لأنه عمه، كما نقول كلنا: أبي فلان وأبي فلان يعني أعمامي، لكن أبي فقط يعني والدي.

إظهاره بالرسالة

حتى ظهر نوره صلى الله عليه وسلَّم في الخافقين، عندما ننظر في الحضرة المحمدية بهذه الأطوار القرآنية نجد أن له بها دورة قدسية مع الحضرة الإلهية، ودورة نورانية صِرفَة مع النبيين والمرسلين، ودورة نورانية ملكوتية مع ملائكة رب العالمين عندما أُمروا بالسجود لآدم، ودورة كونية عندما أرسله الله وبعثه وكلَّفه بالرسالة لنا وللخق أجمعين.

وبعد ذلك دورة أُخروية يُعلي الله فيها مقامه، ويرفع فيها شأنه، ويبعثه فيها في المقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون والآخرون صلى الله عليه وسلَّم.

وكما قلت أنه لكي يُوجد في الكون ويبلغ الرسالة لا بد وأن يكون بشر مثلنا، سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه وأرضاه قال في ذلك: إنما أرسله الله في صورة بشرية ليُعلِّمنا كيف نُصلي وكيف نصوم وكيف نحج وكيف نأكل وكيف نشرب وكيف نتعامل، وغير ذلك من الأمور، قال صلى الله عليه وسلم:

{ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي }[7]

وقال:

{ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ }[8]

نورانية بشريته

لكن كثير من المشوشين يقفون عند هذه النقطة ويقولون: إنه كان مثلنا، ويقولون: أن النبي يقول: ” إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ” (110الكهف) يعني أنا مثلكم، لكن الآية ليست هكذا، وحضرة النبي فصلها وفسرها، فعندما كان عنده أربع سنين وكان عند السيدة حليمة السعيدية مرضعته، وإخوته من الرضاعة أخذوه معهم إلى البيداء ليُسرِّي عن نفسه، فأسرعوا إلى أمهم ذات يوم وقالوا لها أدركي محمداً فقد أخذه ثلاثة نفر، فأسرعت وقالت له: ماذا جرى لك؟ قال:

{ عَمَدَ أَحَدُهُمْ فَأَضْجَعَنِي عَلَى الأَرْضِ إِضْجَاعًا لَطِيفًا، ثُمَّ شَقَّ مَا بَيْنَ مَفْرِقِ صَدْرِي إِلَى مُنْتَهَى عَانَتِي، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ لَمْ أَجِدْ لِذَلِكَ مَسًّا، ثُمَّ أَخْرَجَ أَحْشَاءَ بَطْنِي، ثُمَّ غَسَلَهَا بِذَلِكَ الثَّلْجِ، فَأَنْعَمَ غَسْلَهَا، ثُمَّ أَعَادَهَا مَكَانَهَا، ثُمَّ قَامَ الثَّانِي مِنْهُمْ، فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: تَنَحَّ، فَنَحَّاهُ عَنِّي، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَوْفِي، فَأَخْرَجَ قَلْبِي، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَصَدَعَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْهُ مُضْغَةً سَوْدَاءَ فَرَمَى بِهَا، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ يُمْنَةً مِنْهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا، فَإِذَا أَنَا بِخَاتَمٍ فِي يَدِهِ مِنْ نُورٍ يَحَارُ النَّاظِرُونَ دُونَهُ، فَخَتَمَ بِهِ قَلْبِي، فَامْتَلأَ نُورًا، وَذَلِكَ نُورُ النُّبُوَّةِ وَالْحِكْمَةِ }[9]

وخاتم النبوة كان في الجهة اليُسرى من حضرته صلى الله عليه وسلَّم، وكان مكتوب عليه بأنوار القدرة:

{ تَوجَّه حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّكَ مَنصُورٌ }[10]

ولذلك عندما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلَّم إلى الرفيق الأعلى أصحابه لم يكونوا مصدقين في هذا الوقت، حتى سيدنا عمر قال: من قال إن محمداً قد مات ضربت عنقه بهذا السيف، وسيدنا عثمان لم يستطع أن يمشي ووقع على الأرض، أُخذوا جميعاً في هذا الوقت، وواحدة من الصحابيات الجليلات وهي السيدة أسماء بنت عميس زوجة سيدنا أبي بكر قالت لهم: أدخلوني عليه، وبعد ذلك وضعت يديها على كتفه الأيسر وقالت: لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لأن خاتم النبوة قد رُفع، يعني لم يعد موجود.

وبعد أن ختموه بالخاتم قال بعضهم:

{ زِنْهُ بِعَشَرَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنُونِي بِهِمْ فَرَجَحْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِمِائَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنُونِي بِهِمْ فَرَجَحْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِأَلْفٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنُونِي بِهِمْ فَرَجَحْتُهُمْ، فَقَالَ: دَعُوهُ، فَلَوْ وَزَنْتُمُوهُ بِأُمَّتِهِ كُلِّهَا لَرَجَحَهُمْ }[11]

يعني هو يساوي الأمة كلها، (مثلكم) في الآية يعني قدركم كلكم، إذا كان فرد واحد وهو سيدنا إبراهيم قال فيه الله: ” إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ” (120النحل) فكيف يكون سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقد قال عن سيدنا أبو بكر رضي الله عنه:

{ لَوْ وُزِنَ إِيمَانُ أَبِي بَكْرٍ مَعَ إِيمَانِ النَّاسِ لَرَجَحَ إِيمَانُ أَبِي بَكْرٍ }[12]

فكيف برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ شيء فوق الطاقة والإمكان.

ومع ذلك نقول لهم: تعالوا بنا على قدرنا، وليس لنا شأنٌ بالمجاهل العلية التي أشرنا إليها، هل كان جسده الشريف صلى الله عليه وسلَّم مثلنا أم لا؟ لم يكن مثلنا، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا مشى لا يُرى له ظل، سواء كان في المصباح أو في الشمس، وما الشيء الذي لا يُرى له ظل؟ النور، وكما يقول أصحابه:

{ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلَّم إِذَا تَكَلَّمَ رُئِيَ كَالنُّورِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ ثَنَايَاهُ }[13]

يعني من بين أسنانه ويشاهدوه، والآخرين لماذا لا يرون؟ كما قال الله: ” وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ” (198العراف) لا يروا النور الذي فيك، ولذلك كانوا يقولون: يتيم أبي طالب، محمد بن عبد الله، لأنهم لا يروا إلا الظاهر، لكن النور الذي جعله الله فيه وهو سر رسالته لا يراه إلا أحبابه والمقربون من حضرته صلوات ربي وتسليماته عليه.

السيدة عائشة رضي الله عنها شاهدت هذا النور على حقيقته ذات مرة، وهذا الحديث يرويه الإمام النيسابوري في كتابه العظيم (شرف المصطفى صلى الله عليه وسلَّم) وهذا الكتاب من أفضل الكتب في السيرة النبوية، تقول:

{ اسْتَعَرْتُ مِنْ حَفْصَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ إِبْرَةً كُنْتُ أَخِيطُ بِهَا ثَوْبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَقَطَتْ مِنِّي الإِبْرَةُ، فَطَلَبْتُهَا فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهَا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَبَيَّنْتُ الإِبْرَةَ مِنْ شُعَاعِ نُورِ وَجْهِهِ }[14]

خصوصيات هيكله المبارك

لا نستطيع حصر المرات التي رأى فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلَّم حضرته على حقيقته، لكن كان هناك حقائق أخرى ظاهرة في هيكله الشريف تُبين خصوصيته.

عينيه ليست كأعيننا، ولا أُذنه كآذاننا، ولا شيء من جسمه يشبهه شيء من أجسامنا، ونأخذ مثالاً واحداً: كان صلى الله عليه وسلَّم يرى ما لا نرى، ينزل الأمين جبريل يراه ويحادثه والجالسين لا يرونه ولا يسمعون حديثه ولا يحسون بشيء، بماذا يراه؟ بعينه، فهل عينه كأعيننا؟! لا.

وكان صلى الله عليه وسلَّم يُصلي بالمسلمين، وبعد انتهاء الصلاة يقول:

{ يَا فُلَانُ، أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ؟! أَلَا تَرَى كَيْفَ تُصَلِّي؟ إِنَّكُمْ تَرَوْنَ أَنَّهُ يَخْفَى عَلَيَّ شَيْءٌ مِمَّا تَصْنَعُونَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى مِنْ خَلْفِي كَمَا أَرَى مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ }[15]

كان يرى ما يفعله الأعداء في بيوتهم، ويُخبر بأخبار لا يطلع عليها المسلمون الجُدد غيرهم، كيف عرفت هذا يا رسول الله؟! في غزوة بدر كان من ضمن الأسرى عند المسلمين أبناء العباس بن عبد المطلب عمه، فجاء العباس ليفديهم وطمع أن النبي سيجامله، والنبي لم يكن عنده مجاملة، فقال له:

{ يَا عَبَّاسُ، افْدِ نَفْسَكَ وَابْنَ أَخِيكَ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ، وَحَلِيفَكَ عُتْبَةَ بْنَ جَحْدَمٍ، أَحَدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ، قَالَ: فَأَبَى، وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ مُسْلِمًا قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اسْتَكْرَهُونِي، قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِشَأْنِكَ، إِنْ يَكُ مَا تَدَّعِي حَقًّا، فَاللَّهُ يَجْزِيكَ بِذَلِكَ، وَأَمَّا ظَاهِرُ أَمْرِكَ، فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا، فَافْدِ نَفْسَكَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَخَذَ مِنْهُ عِشْرِينَ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، احْسُبْهَا لِي مِنْ فِدَايَ. قَالَ: لَا، ذَاكَ شَيْءٌ أَعْطَانَاهُ اللَّهُ مِنْكَ، قَالَ: فَإِنَّهُ لَيْسَ لِي مَالٌ، قَالَ: فَأَيْنَ الْمَالُ الَّذِي وَضَعْتَهُ بِمَكَّةَ، حَيْثُ خَرَجْتَ عِنْدَ أُمِّ الْفَضْلِ، وَلَيْسَ مَعَكُمَا أَحَدٌ غَيْرَكُمَا، فَقُلْتَ: إِنْ أُصِبْتُ فِي سَفَرِي هَذَا فَلِلْفَضْلِ كَذَا، وَلِقُثَمَ كَذَا، وَلِعَبْدِ اللَّهِ كَذَا؟ قَالَ: فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عَلِمَ بِهَذَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ غَيْرِي وَغَيْرُهَا، وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ }[16]

أحد الكافرين اسمه عُمير بن وهب، كانوا يلقبونه بشيطان قريش، اتفق مع جماعة من أهل مكة أن يذهب لمحمد ويقتله، واتفق مع صفوان بن أمية أن يقضي دينه ويرعى عياله، ودخل المدينة فرآه سيدنا عمر وهو يعرفه، فأشار إلى الأنصار أن التفوا حول حضرة النبي، فإني لا آمن عليه من هذا الخبيث، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:

{ مَا جَاءَ بِكَ يَا عُمَيْرُ؟ قَالَ: جِئْتُ لِهَذَا الأَسِيرِ الَّذِي فِي أَيْدِيكُمْ، فَأَحْسِنُوا فِيهِ، قَالَ: فَمَا بَالُ السَّيْفِ فِي عُنُقِكَ؟ قَالَ: قَبَّحَهَا اللَّهُ مِنْ سُيُوفٍ، وَهَلْ أَغْنَتْ شَيْئًا؟ قَالَ: اصْدُقْنِي، مَا الَّذِي جِئْتَ لَهُ؟ قَالَ: مَا جِئْتُ إِلا لِذَلِكَ، فَقَالَ: بَلَى، قَعَدْتَ أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرْتُمَا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ قُلْتَ: لَوْلا دَيْنٌ عَلَيَّ، وَعِيَالِي! لَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْتُلَ مُحَمَّدًا، فَتَحَمَّلَ لَكَ صَفْوَانُ بِدَيْنِكَ وَعِيَالِكَ عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي لَهُ، وَاللَّهُ حَائِلٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَقَالَ عُمَيْرٌ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدْ كُنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ نُكَذِّبُكَ بِمَا كُنْتَ تَأْتِينَا بِهِ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَمَا يَنْزِلُ عَلَيْكَ مِنَ الْوَحْيِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَحْضُرْهُ إِلا أَنَا وَصَفْوَانُ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُ مَا أَتَاكَ بِهِ إِلا اللَّهُ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانِي لِلإِسْلامِ، وَسَاقَنِي هَذَا الْمَسَاقَ }[17]

وهذه الأحداث مليئة بها كتب السيرة، إذا كان صلى الله عليه وسلَّم يقول فيمن يتقي الله منا:

{ اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ }[18]

فكيف بالنبي بماذا ينظر؟ بالله، لأن الله قال لجماعة فينا:

{ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا }[19]

وهذه مرتبة أعلى من فراسة المؤمن، فما المرتبة الأغلى والأغنى يا رسول الله؟ التي إليها الإشارة بقول الله: ” سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا ” (1الإسراء) رأى كل آيات الله من العرش إلى الفرش إلى الجنة إلى غير ذلك، وحكى ذلك، كيف رآها؟ أعطاه الله سمعاً من سمعه، وبصراً من بصره، ولذلك قال في شأنه: ” إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ” (1الإسراء) سميع بسمع الله الذي خلعه عليه، وبصير ببصر الله الذي تفضل به عليه، فبصر رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ليس كبصرنا، ولذلك أخبرهم عن الأولين، وعن كل شيئ سيحدث في الدنيا إلى يوم الدين، وعما يحدث في القيامة لنا وللخلق أجمعين.

كيف شاهد ذلك؟

الصالحون قالوا في هذا الحديث:

{ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى مِنْ خَلْفِي كَمَا أَرَى مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ }[20]

يعني أرى من خلفي من قبل القبل كما أرى من في الأمام إلى يوم الزحام، فهو شاهد هذا كله من فضل الله ومن إكرام الله، ومع ذلك هو النبي الوحيد الذي حفظه الله فلم يُذكِّره إلا بالعبودية وتمسك صلى الله عليه وسلَّم بنفسه لنا أجمعين بالعبودية: (أشهد أن محمداً عبده) أولاً، ثم (ورسوله) لنعرف أنه عبدٌ لله، ولكن كما قال ربنا في القرآن: ” إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ ” (59الزخرف) أنعم عليه المنعم، فماذا تنتظر بعد ذلك؟ وهو يعترف بذلك، ولا ينسب فضلاً من ذلك إلى نفسه، بل يعترف بكل الفضل والخير إلى ربه تبارك وتعالى.

إذاً بصر رسول الله ليس كبصرنا، تضيف السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها فتقول:

{ كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَرَى فِي الظَّلمَاءِ كَمَا يَرَى فِي الضَّوءِ }[21]

حدقتنا هذه لا ترى إلا إذا واجهها نور، لكن عندما تكون في مكان مظلم فلا ترى شيئاً، لكنه كان صلى الله عليه وسلم يرى في الظلام كما يرى في النور التام صلوات ربي وتسليماته عليه.

بركة ريقه

العالم الآن كله يُحذِّر من أن يقبل أحدٌ أحداً، أو يأخذ شيئاً من ريق أحد، لماذا؟ لأن الفم موضع الجراثيم والميكروبات والفيروسات كلها، وهو السبب الأول للعدوى، لكن عندما ننظر إلى ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم نجده غير ذ     لك، ففي غزوة خيبر استعصى عليهم فتح الحصن، وفي آخر يوم قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ }[22]

الصحابة أصحاب المواهب الكبيرة تطلعوا لهذا المنصب، فسيدنا عمر يقول: ما تطلعتُ إلى القيادة إلا في هذا اليوم لرغبتي أن أفوز بهذا الذي قاله النبي، وفي الصباح قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟ فَقِيلَ: هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، قَالَ: فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ، حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ }[23]

ريق النبي شفاء من كل داء، فعن أبي إمامة رضي الله عنه قال:

{ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ بَذِيئَةُ اللِّسَانِ قَدْ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْهَا، وَبَيْنَ يَدَيْهِ قَدِيدٌ يَأْكُلُهُ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِيدَةً فِيهَا عَصَبٌ فَأَلْقَاهَا إِلَى فِيهِ، فَجَعَلَ يَلُوكُهَا مَرَّةً عَلَى جَانِبِهِ هَذَا وَمَرَّةً عَلَى جَانِبِهِ الْآخَرِ، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَلَا تُطْعِمُنِي؟ قَالَ: بَلَى، فَنَاوَلَهَا مِمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَتْ: لَا إِلَّا الَّذِي فِي فِيكَ، فَأَخْرَجَهُ فَأَعْطَاهَا فَأَلْقَتْهُ فِي فَمِهَا فَلَمْ تَزَلْ تَلُوكُهُ حَتَّى ابْتَلَعَتْهُ، فَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ تِلْكَ الْمَرْأَةِ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْبَذَاءِ وَالذَّرَابَةِ }[24]

وتحكي كتب التاريخ والسير أن:

{ عَمِيرَةَ بِنْتَ مَسْعُودٍ دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ وَأَخَوَاتُهَا يُبَايِعْنَهُ، وَهُنَّ خَمْسٌ، فَوَجَدْنَهُ وَهُوَ يَأْكُلُ قَدِيدًا، فَمَضَغَ لَهُنَّ قَدِيدَةً ثُمَّ نَاوَلَنِي الْقَدِيدَةَ فَمَضَغَتْهَا كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ قِطْعَةً، فَلَقِينَ اللَّهَ وَمَا وَجَدْنَ لِأَفْوَاهِهِنَّ خُلُوفًا }[25]

فكنَّ أنقى الناس أفواهاً بدون استخدام سواك أو غيره وكل ذلك بسبب ريق رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

وكان في صبيحة كل يوم بعد صلاة الفجر كثيرٌ من العرب كل واحد منهم معه كوز فيه ماء، ويقول: يا رسول الله بئرنا ماؤها ملحٌ ونريد أن تتحسَّن وتكون عذبة، فيأخذ قدراً من الماء في فيه ويتمضمض به ثم يردُّه إلى الكوب ويأمره أن يضعه في البئر، فيتحول الماء فوراً إلى ماءٍ عذب، وهذه ليست حادثة واحدة بل أحداثٌ كثيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

واحد من أصحاب حضرة النبي من الأنصار كان متزوجاً من أربعة، فتحكي واحدة من نسائه، فتقول: كنا نشتري أفخم أنواع العطور ونضعها ولا نستطيع أن نساويه في رائحته مع أنه لا يضع عطراً، فلما تحيرنا فكنا نأتي بأفخم أنواع العطور، ولا تزال رائحته زكية فسألناه: فقال: وأنا صغير حدث في ظهري بثور، فأخذتني أمي إلى حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم فأخذ من ريقه ودهن به ظهري، فانطفأت البثور ووُجدت هذه الرائحة إلى يومنا هذا.

لنعرف أن سيدنا رسول الله له خصوصية في كل أعضائه البشرية، والكل يحفظ كلام سيدنا حسان بن ثابت في هذا الأمر الذي يقول فيه:

وأجمل منك لم تر قط عيني

وأكمل منك لم تلد النساء

خُلقت مبرَّءاً من كل عيبٍ

كأنك قد خُلقتَ كما تشاء

ولا نستغرق في بيان أعضائه الشريفة لأنها كانت لها خصوصيات أكرمه بها ربه تبارك وتعالى، لماذا؟ دلائل على نبوته، ودلائل عن أن الله عز وجل هو الذي اجتباه واصطفاه وجعله رسولاً إلى كافة بريته صلى الله عليه وسلَّم.

التعريف بحضرته

ولذلك نحن كلنا أجمعين في حاجة إلى أن نجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، كيف نجلس معه؟ نقرأ كتاباً يتكلم عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم بشرط أن يكون فيه نورانية وفيه شفافية وفيه روحانية، فتشعر وأنت تقرأ الكتاب كأنك مجالس لخير البرية، وإذا أخذتك سِنَةٌ من النوم ربما تراه عند تغميض عينيك، أو تراه عند منامك صلوات ربي وتسليماته عليه، وقد قال:

{ مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ، فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي }[26]

وفي نفس الوقت نأخذ معنا نساءنا وبناتنا وأولادنا ونخصص لهم كل يوم وقت، وتقول لهم: تعالوا أكلمكم عن سيدنا رسول الله، ليعرفوه على حقيقته ويؤمنوا بصدق نبوته، حتى يكرمهم الله عز وجل ببركته، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم هو سبب رفع البلاء والوباء والغلاء وكل عناء عن هذه الأمة: ” وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً ” (64النساء) لماذا يأتوه هو؟ ليستغفروا الله، هل يكفي استغفار الله فقط؟ لا، فأنت تقدم طلباً بالمغفرة، ولا بد أن يُصدِّق عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ويرفع الطلب إلى الغفور تبارك وتعالى.

ولذلك عندما كان صلى الله عليه وسلَّم في غزوة الأحزاب واليهود الذين كانوا معه في المدينة وكان بني قُريظة اتفقوا معهم أن يشتركوا في الدفاع عن المدينة، فخانوه وغدروا وتحالفوا مع الأعداء، وبعد أن أرسل الله الريح في ليلة شاتية باردة في غير أوان الشتاء قلعت خيام الأعداء، وكان الجو والليل شديد الظلام، وقلعت أوتاد الخيل والجمال، وجعلت الخيل والجمال تركض بسرعة هنا وهناك وتدوس على كل من يقابلها، وهم فكروا أن النبي والذين معه هجموا عليهم، فأمسكوا بالسيوف وأخذوا يضربون بعضهم بعضاً، لأنه لا يرى أحد منهم أحد، فكلما قابله أحد يضربه، بعد ذلك جمعوا حاجاتهم ومشوا، فذهب الرسول إلى بيته وخلع ملابس الحرب، فنزل الأمين جبريل وقال له:

{ قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ، وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَاهُ، فَاخْرُجْ إِلَيْهِمْ، قَالَ: فَإِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: هَا هُنَا، وَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ }[27]

ثم نادي الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه:

{ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ }[28]

فهم جماعة منهم أنهم يصلون العصر أولاً ثم يتوجهون لبني قريظة، وجماعة فهموا أنهم لا يصلون إلا إذا توجهوا إلى بني قريظة، فكادوا أن يختلفوا، فأقر النبي هؤلاء وهؤلاء، لأنه صلى الله عليه وسلَّم كان ميسراً.

وأثناء ذهابهم لبني قريظة قالت اليهود: نريد أن نتكلم مع أبو لُبابة فقد كان صاحبنا في الجاهلية قبل الإسلام، فذهب إليهم أبو لبابة فسألوه: ماذا ترى يا أبا لُبابة؟ فأشار بيده إلى رقبته، يعني أن الرسول قادم ليذبحكم، فيقول: أدركتُ أنها خيانة عُظمى لله ولرسوله، كيف أعرفهم بهذا الأمر؟ ماذا يفعل؟ رجع وربط نفسه بحبل في عامود من أعمدة المسجد النبوي ونذر أن لا يُفك الحبل حتى يتوب الله عليه، فلما سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلَّم حكوا له ما حدث، فقال:

{ أَمَا إِنَّهُ لَوْ كَانَ جَاءَنِي لاسْتَغْفَرْتُ لَهُ، أَمَا إِذْ فَعَلَ مَا فَعَلَ، فَمَا أَنَا بِالَّذِي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانَهُ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ }[29]

يعني لماذا لم يأتني ويريح نفسه مما عمله في نفسه؟ وأنا أسأل له الله وينتهي الأمر.

التوسل بحضرته

فأنا إذا عملت ذنباً فما الذي أحتاجه؟ إما أن أذهب عند رسول الله وأستغفر الله، وإما أن أتوسل إلى الله وأنا في مكاني برسول الله، كما فعل سيدنا آدم، قال صلى الله عليه وسلم:

{ لَمَّا اقْتَرَفَ آدَمُ الْخَطِيئَةَ، قَالَ: يَا رَبِّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ لَمَا غَفَرْتَ لِي، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: يَا آدَمُ! وَكَيْفَ عَرَفْتَ مُحَمَّدًا وَلَمْ أَخْلُقْهُ؟ قَالَ: لأَنَّكَ يَا رَبِّ لَمَّا خَلَقْتَنِي بِيَدِكَ وَنَفَخْتَ فِيَّ مِنْ رُوحِكِ رَفَعَتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ عَلَى قَوَائِمِ الْعَرْشِ مَكْتُوبًا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَعَلِمْتُ أَنَّكَ لَمْ تُضِفْ إِلَى اسْمِكَ إِلا أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْكَ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: صَدَقْتَ يَا آدَمُ، إِنَّهُ لأُحِبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ وَإِذْ سَأَلْتَنِي بِحَقِّهِ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ، وَلَوْلا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُكَ }[30]

أنا لا أستطيع أن أذهب إلى المدينة، فماذا أفعل؟ أسأل الله وأتوسل بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فيرفع عني الله عز وجل البلاء.

دخل نبي الله صلى الله عليه وسلَّم في وفاة السيدة فاطمة بنت أسد أم الإمام عليّ وكان يعتبرها أُمه بعد أمه، فنزل في حفرتها وخلع قميصه وأمرهم أن يدثروها به يعني يكفونها به بعد الكفن، وقال:

{ اللَّهُ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، اغْفِرْ لأُمِّي فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ، ولَقِّنْهَا حُجَّتَهَا، وَوَسِّعْ عَلَيْهَا مُدْخَلَهَا بِحَقِّ نَبِيِّكَ وَالأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِي، فَإِنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }[31]

من الذي قال هذا الكلام؟ سيدنا رسول الله بذاته، وجاءه رجل أعمى يشكو له ذهاب بصره، فقال له:

{ أَوَتَصْبِرُ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ لِي قَائِدٌ، وَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ، فَقَالَ: ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فَيُجَلِّي لِي عَنْ بَصَرِي، اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي، قَالَ عُثْمَانُ بن حنيف: فَوَاللَّهِ مَا تَفَرَّقْنَا، طَالَ بِنَا الْحَدِيثُ حَتَّى دَخَلَ الرَّجُلُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ ضَرَر }[32]

وفي رواية أخرى:

{ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لِيَ، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ }[33]

بعض المغالطين يقولون: هذا كان كلام حضرة النبي؟ نقول لهم: سيدنا عثمان بن حنيف رضي الله عنه وكان من الصحابة الأجلاء، يقول: { أَنَّ رَجُلا كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَاجَتِهِ، وَكَانَ عُثْمَانُ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَلا يَنْظُرُ فِي حَاجَتِهِ، فَلَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ فَشَكَى إِلَيْهِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ: ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ، ثُمَّ ائْتِ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فَتَقْضِي لِي حَاجَتِي، وَاذْكُرْ حَاجَتَكَ، ثُمَّ رُحْ حَتَّى أَرْفَعَ، فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ وَصَنَعَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَى بَابَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَجَاءَ الْبَوَّابُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ عَلَى عُثْمَانَ، فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى الطِّنْفِسَةِ، فَقَالَ: انْظُرْ مَا كَانَتْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ }[34]

وهذا أمر مجرب مع الصالحين إلى يومنا هذا وإلى أبد الآبدين، ولكن التجربة في هذه الأمور تحتاج إلى الثقة واليقين، يعني لو فعلت ذلك وأنا عندي شك لن ينفع، فلا بد أن أعمله وأنا مطمئن القلب أنه سيحدث، فما دمت مطمئن القلب على الفور سيحقق الله سبحانه وتعالى لي مرادي إن شاء الله رب العالمين.

القصص في هذا الأمر ليس لها نهاية، فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في الدنيا كم ذهب إلى الصالحين وفرَّج كربهم، وكم ذهب إلى المنقطعين وأخذ بأيديهم، وكم ذهب إلى الضالين في البيداء والصحراء وأرشدهم إلى الطريق، وكم جاء إلى المسلمين في الشدات والمعارك وبشرهم بنصر الله.

وآخرها المعركة التي حضرناها في عام 1973م عندما كان رجل صالح قال للدكتور عبد الحليم محمود رحمة الله عليه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وهو ذاهب إلى سيناء وبشرني بالنصر، وقال الرجل: أخبر المسلمين ولا تذكر اسمي، وصعد الدكتور عبد الحليم محمود على منبر الأزهر وقال: أخبرني رجلٌ من الصالحين أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلَّم ومعه أصحابه المباركين والأولياء والصالحين وقال: هيا بنا إلى سيناء، وحدث النصر.

فالبشريات كثيرة في هذا المجال في كل المعارك الإسلامية الكبيرة على مر التاريخ.

هذا أمر في أيدينا وسهل ويقضي كل شيء ويفك كل كرب، وينقذ الإنسان من كل الأهوال والطغيان، فلِمَ لا نستخدمه؟ الشيخ البوصيري رضي الله عنه يقول:

ما سامني الدهر ضيماً واستجرتُ به

إلا وجدتُ جواراً منه لم يُضمِ

لم يأتني ضيم ذات يوم من الأيام إلا وقلت واستجرت بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال هذا الكلام في قصيدته التي نرددها وهي البُردة، وكان قد أُصيب بالشلل ولا يستطيع المشي، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في المنام، فمسح على رجليه وخلع النبي بردته وأعطاها له، فلذلك نالت الشُهرة، وكان ينشد النبي في المنام، فقال: (فمبلغ العلم فيه أنه بشر) ووقف، فأكملها النبي وقال: (وأنه خير خلق الله كلهمِ) ولذلك الذين يينشدون البُردة لا بد وأن يكرروا هذا البيت، لماذا؟ تبركاً لأن الذي قاله حضرة النبي، فيقولون دائماً:

مولاي صل وسلم دائماً أبداً

على حبيبك خير الخلق كلهمِ

فنحن فتح الله لنا باب الاستجابة من الكريم الوهاب سبحانه وتعالى، وقال لنا في القرآن: ” وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ” (189البقرة) لماذا نترك هذا الباب؟! ولكن لا نمسك في هذا الباب ونترك الفرائض التي كلَّفنا الله بها، كبعض الجُهال يدَّعي أنه يحب النبي ولا يصلي ولا يعمل بأوامر الله، لكن من أحب النبي يتابع النبي: ” قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله ” (31آل عمران) يعني امشوا ورائي، فيعمل الإنسان بما كلَّفه به مولاه، ويتابع رسول الله، ويملأ قلبه بحب الله ورسوله، وبعد ذلك إذا وُجد معه ضيمٌ أو مسَّه ألم أو أصابه همٌّ أو أصابه غمٌّ يرجع إلى الله، ويتوسل بحبيب الله ومصطفاه، يجد هذا الأمر قد فرجه عنه الله في أقل من لمح البصر.

ولا يجعل ذلك اختباراً ويقول: أعمل هذا الدعاء وأتوسل بحضرة النبي وأنظر هل سيفك الله كربي أم لا؟ لا يجوز ذلك، فالدعاء يحتاج إلى اليقين: قال صلى الله عليه وسلم:

{ ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ }[35]

والدعاء يحتاج إلى:

{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ }[36]

ونحن متعجلون وأريد عندما أدعو تكون فوراً الإجابة، وهذا الكلام للآخرين عندما يكون واحد غير تقي أو مُبعد ويطلب من الله، فيقول الله لملائكته كما أخبر صلى الله عليه وسلم:

{ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَدْعُو اللَّهَ عز وجل وهُوَ يُبْغِضُهُ، فَيَقُولُ: اقْضِ لِعَبْدِي هَذَا حَاجَتَهُ بِإِخْلاصِهِ، وعَجِّلْهَا، فَإِنِّي أُبْغِضُ أَنْ أَسْمَعَ صَوْتَهُ }[37]

وعندما يكون إنسان يحبه الله يقول الله:

{ يَا جِبْرِيلُ اقْضِ لِعَبْدِي هَذَا حَاجَتَهُ، وأَخِّرَّهَا، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ صَوْتَهُ }[38]

يريدك أن تتمتع بالمناجاة ويتلذذ القلب بحلاوة القرب من حضرة الله وحلاوة التوسل بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يفرج كروبنا، وأن يرفع عنا همومنا وغمومنا، وأن يجلي بفضله من صدورنا أحزاننا، وأن يجعل القرآن العظيم نور صدورنا وربيع قلوبنا وجلاء حزننا وهمنا، وأن يرفع عن بلدنا هذه النكبات والبلاءات ويفرج عنا الكروبات، ويجعلنا في أرغد عيش وأصلح حال إلى يوم الدين، ويفجر لنا الخيرات من الأرض والسماء ويجعلها مباركات، ويغنينا بفضله عن جميع من سواه.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

[1] مسند أحمد وابن حبان عن العرباض بن سارية رضي الله عنه

[2] مسند أحمد والحاكم في المستدرك

[3] مسند الشاميين للطبراني وأبي نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه

[4] اتحاف الخيرة المهرة للبوصيري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

[5] الحاكم في المستدرك والطبري عن أبي ذر رضي الله عنه

[6] المعجم الأوسط للطبراني ومصنف ابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه

[7] البخاري ومسلم عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه

[8] سنن البيهقي عن جابر رضي الله عنه

[9] تاريخ الطبري، والمطاالب العالية لابن حجر، ودلائل النبوة للبيهقي عن شداد بن أوس رضي الله عنه

[10] البداية والنهاية وسير أعلام النبلاء

[11] تاريخ الطبري، والمطاالب العالية لابن حجر، ودلائل النبوة للبيهقي عن شداد بن أوس رضي الله عنه

[12] الفوائد المجموعة للشوكاني

[13] معجم الطبراني وسنن الدارمي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

[14] تاريخ دمشق لابن عساكر، ودلائل النبوة للأصبهاني والنيسابوري عن عائشة رضي الله عنها

[15] مسند احمد وابن خزيمة عن أبي هريرة رضي الله عنه

[16] مسند أحمد ودلائل النبوة لأبي نعيم عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما

[17] تهذيب الآثار للطبري، ومعجم الطبراني، وشعب الإيمان للبيهقي

[18] جامع الترمذي والطبراني عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه

[19] صحيح البخاري وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه

[20] مسند احمد وابن خزيمة عن أبي هريرة رضي الله عنه

[21] رواه البيهقي عن عائشة رضي الله عنها

[22] البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه

[23] البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه

[24] المعجم الكبير للطبراني ومجمع الزوائد لابن حجر عن أبي إمامة رضي الله عنه

[25] المعجم الكبير للطبراني ومجمع الزوائد لابن حجر

[26] صحيح مسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه

[27] البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها

[28] البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما

[29] جامع البيان للطبري

[30] دلائل النبوة للبيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

[31] معجم الطبراني وحلية الأولياء لأبي نعيم عن أنس رضي الله عنه

[32] دلائل النبوة للبيهقي والدعاء للطبراني عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه

[33] جامع الترمذي وابن ماجة عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه

[34] دلائل النبوة للبيهقي والدعاء للطبراني عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه

[35] جامع الترمذي ومسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه

[36] أورده الطبراني في الدعاء وابن عدي في الكامل

[37] معجم الطبراني عن جابر رضي الله عنه، والترغيب في الدعاء للمقدسي عن أنس رضي الله عنه

[38] معجم الطبراني عن جابر رضي الله عنه، والترغيب في الدعاء للمقدسي عن أنس رضي الله عنه

 درس بعد صلاة العشاء مسجد الحاج حسن مغاغة – المنيا  الخميس 26 من صفر 1444هـ 22/9/2022م1

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid