• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:58 PM

Sermon Details

14 مارس 2019

إشرقات نورانية فى زيارة سيدى أبو العباس المرسى

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

سيدنا أبو العباس المرسي رضي الله عنه

زيارة الصالحين التي علَّمها لنا أكابر الصالحين؛ أن الإنسان يستلهم روح العبد الصالح التي توجَّه إليه بالزيارة لكي يأخذ منه قبساً يقول فيه الله:

” لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاولِي الأَلْبَابِ ” (111يوسف).

العبرة من حياة الصالحين

ما العبرة التي يأخذها منه؟ وما الدروس التي سيتفيدها منه؟ وخاصة السالكين في طريق الله، والراغبين في عظيم فضل الله، والطامعين في نوال إكرام حبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلَّم، لأن هؤلاء القوم يقول قائلهم:

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم

إن التشبَّه بالرجال فلاح

ولذلك الإستلهامات لا تكون قصصاً فقط، ولكنها مليئة بالدروس والحكم والعظات والإشارات التي نحن جميعاً في أمَّس الحاجة إليها إذا أردنا أن نكون من أهل القرب إلى الله سبحانه وتعالى.

ماذا تعني كلمة الصالح؟ الذي جاهد نفسه، وأصلح قلبه حتى صار صالحاً لتلقي العطاءات للفتوحات الإلهية، لأن الله عز وجل يتنزَّل على قلوب الصالحين بما يُحبه ويرضاه منهم في كل وقت وحين، وعطاءات الله لا تنزل إلا على القلوب السليمة التي يقول فيها الله: ” إِلا مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ” (89الشعراء).

ولذلك جهاد هؤلاء القوم يبدأ بجهاد النفس، ثم تصفية القلب، ثم التوجُّه بإخلاص وصدق لله، لا طلباً لأمور دنيوية، ولا حتى لعطاءات أُخروية، وإنما كما قال الله في أهل القرب للحبيب صلى الله عليه وسلَّم: ” وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ” (28الكهف) لا يريدون إلا وجه الله تبارك وتعالى.

هؤلاء الأقوام لهم حالٌ جمَّلهم به الله، لا يحظى به إلا من يُسلِّم لهم أحوالهم، لأنها فضلٌ من الله، وتوفيقٌ من الله جل في عُلاه.

نسبه

سيدي أبو العباس المرسي هو اسمه أحمد، والعباس كُنية باسم ابنه، كسيدي أبو الحسن الشاذلي فاسمه عليّ، والحسن اسم ابنه، كالمعتاد أننا ننادي أي أب باسم إبنه الأكبر، وهذا على سبيل التوقير والإحترام، وهذا أسلوب تبناه الحبيب صلى الله عليه وسلَّم وورثه لنا على الدوام.

وأبو العباس ينتسب إلى سيدنا سعد بن عُبادة الخزرجي الأنصاري، يعني هو من الأنصار من قبيلة الخزرج، وهذه نضع تحتها خطوط، لأن بعض الناس نتيجة العصبية غير المرضية يدَّعي أنه لن ينال الولاية ولا القطبانية ولا الوراثة إلا من كان من ذرية الحسن والحسين، وهذا تحجير لفضل الله سبحانه وتعالى.

وإلا من الذي نال رتبة الصديقية؟ سيدنا أبو بكر، ومن الذي نال رتبة الفراسة النورانية؟ سيدنا عمر بن الخطاب، وكان صلى الله عليه وسلَّم يقول:

{ إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ }[1]

وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم كانوا كلهم أقطاب وأنجاب وأوتاد، وينتسبون روحانياً إلى حضرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلَّم، لأن المهم النسب الروحاني.

سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه سُمي المرسي لأنه وُلد في مدينة مرسية في أسبانيا الآن، وكانت تُسمى بلاد الأندلس، وكانت كلها مسلمين، ونسأل الله أن يردها إلى الإسلام كاملةً إن شاء الله، والحمد لله هناك صحوة إسلامية عظيمة الآن، وبدأوا يرجعون إلى الإسلام، وهذه عظمة دين الله سبحانه وتعالى.

مع أنهم شنُّوا حرباً شرسة على الإسلام، فعندما نشطت في السبعينيات من القرن العشرين، الجماعات التي تدعوا إلى الإسلام سألوهم: من أين عرفتم الإسلام؟ واحد منهم على سبيل المثال قال: جدتي عندما أوشكت على الموت قالت لي: يا بني أنا مسلمة، وأقول: لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، وأوصيك بهذا الدين، وإياك أن تنساه.

أكثر من سبعمائة سنة وهم يكتمون هذا الدين إلى أن أظهره رب العالمين في هذه الأيام بفضل الله، وبركة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

فوُلد في مَرسيِّة، وأبوه كان رجلاً من كبار التجار، ولأنه من كبار التجار أرسله للكُتَّاب، فحفظ القرآن، وتفقَّه في دين الله تبارك وتعالى.

وكان للأب ولدان هما أحمد ومحمد، ولم يكن معه غيرهما، وعزم الأب على أن يذهب لحج بيت الله الحرام هو وزوجته وأولاده الإثنين، وركبوا السفينة، وفي وسط البحر مقابل تونس هاج الموج وغرقت السفينة، واستُشهد الأب، واستُشهدت الأُم، ولم ينجوا إلا الولدين أحمد ومحمود، فذهبا إلى تونس.

فمحمد اختار أن يمارس مهنة أبيه وهي التجارة، وأحمد كان شيخه الذي يُحفِّظه القرآن رجلاً من الصالحين من أهل البصيرة، وكان معظم مُحفظي القرآن على هذه الشاكلة، لماذا؟ للحديث الذي يقول:

{ خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ }[2]

فكان شيخه من أهل البصيرة، وكان معجباً به، فاختار سيدي أبو العباس أن يُحفِّظ القرآن كشيخه الذي تعلم على يديه في مكتب التحفيظ في بلده مرسية.

في صحبة أبو الحسن الشاذلي

ظهر في هذا الوقت في تونس سيدي أبو الحسن الشاذلي، وسيدي أبو الحسن رضي الله عنه مكث في غار في جبل بجوار بلد اسمها شاذُلة بتونس سبع سنين، ولذلك سُمي الشاذلي، وظل طوال هذه المدة متفرغاً لعبادة الله، وطاعة الله سبحانه وتعالى، حتى فتح الله عليه وسمع نداءاً من الله عز وجل يقول: يا علي انزل اهد الناس إلينا، قال: قلت: يا سيدي تتركني لخلقك هذا يُطعمني وهذا يحرمني؟ قال: أنفق ولا تخشى من ذي العرش إقلالاً، إن شئت من الجيب، وإن شئت من الغيب.

يعني تريد أن نضع المال في جيبك وما تحتاجه تأخذه فلا مانع، وإن أردت أن ينزل لك من فضل الله في وقته، فلا مانع، لأن الله إذا أقام رجلاً لدعوته أعانه وقواه بمعونته وتوفيقه سبحانه وتعالى.

فيحكي سيدي أبو العباس ويقول: جاءني رجلٌ وقال لي: هل زرت الشيخ أبو الحسن الشاذلي؟ فقلت له: لا ، فقال لي: أفلا تأتي معي لنزوره؟ فقلت له: حتى أستخير الله:

{ مَا خَابَ مَنِ اسْتَخَارَ، وَلا نَدِمَ مَنِ اسْتَشَارَ }[3]

قال: فاستخرتُ الله تعالى فرأيتُ في هذه الليلة رجلاً جالساً يلبس برنوساً أخضر – والبرنوس كالعباءة، ولكن يلبسه أهل المغرب وتونس والجزائر – يقول: ووجدتُ رجلاً عن يمينه ورجلاً عن يساره، فسلَّمتُ عليه فقال لي: وصلت يا خليفة الزمان.

يقول: وفي الصباح قلت للرجل: هيا بنا، فذهبت ووجدتُ الشيخ بهيئته التي رأيتها في المنام، يلبس البُرنوس الأخضر، ورجل عن يمينه، ورجل عن شماله، فسلمتُ عليه، وعندما سلمتُ عليه قال: عثُرت على خليفة الزمان!.

فسألني عن اسمي، فحكيتُ له نسبي إلى سعد بن عبادة الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه، فقال: رُفع لي اسمك منذ عشر سنوات وأنا أنتظرك.

وتتلمذ على يد سيدي أبو الحسن الشاذلي، وتربي على يديه، إلى أن وصل إلى حال يقول فيه شيخه سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: أبو العباس منذ أن وصل إلى الله لم يُحجب أبداً!.

لم يحجبه شيء عن الله طرفة عين ولا أقل، لماذا؟ لأنه مشغولٌ بالكلية بالله سبحانه وتعالى، وليس له هدف أو غرض فاني أو داني، وإنما غرضه وهدفه كله في رضاء الله تبارك وتعالى.

وذات مرة أراد الدخول على الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه، والشيخ أبو الحسن كان له خادم اسمه الشيخ ماضي بن سلطان، وكان قد انضم إليه عندما كان قادماً من تونس إلى مصر، وكان هذا الخادم هو الذي يُدخل الناس على الشيخ، فمنعه من الدخول، وحدث شدٌّ بين الخادم وبين أبي العباس، فإذا بالشيخ أبو الحسن ينادي على ماضي ويقول له: يا ماضي لا تُعنِّف أبا العباس، فوالله لهو أعلم بأزقة السماء منك بأزقة الإسكندرية!!.

يعني يعرف طرق السماء أكثر من معرفتك بطرق الإسكندرية، لماذا؟ لصفائه ونقائه وإقباله بالكلية على الله تبارك وتعالى.

وكما يحدث في كل زمانٍ ومكان، فإن قاضي قضاة تونس وكان اسمه ابن البراء حسد الشيخ أبو الحسن الشاذلي عندما وجد الخلق يلتفون حوله، وقال: لماذا يلتَّف الناس حول هذا الرجل، وأنا قاضي القضاة ولا أحد يلتَّف من حولي؟!!، فوشى بوشاية إلى ملك تونس، وقال له: هذا الرجل علوي، يعني من العلويين، وأتى ليُمهِّد لهم ليأخذوا منك الملك وتكون الدولة تابعة للعلويين.

إلى الإسكندرية

والملوك دائماً يخافون على كراسيهُم، فحدث سوء فهم بينهم، فرحل الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه وأرضاه إلى مصر، لأن سيدنا رسول الله جاءه في المنام وقال له: يا علي إذهب إلى الإسكندرية فإنك ستربي هناك أربعين رجلاً: فلان وفلان وفلان … وأعطاه كشفاً بأسماء الرجال الذين سيربيهم.

فمشى، ومعه أبو العباس، ومعه الشيخ ماضي، ومعه تلاميذه الأجواد، فقال لسيدنا رسول الله في المنام: يا سيدي الطريق طويل، والجو صيفٌ، والماء شحيح، فكيف أمشي؟ فقال صلى الله عليه وسلَّم له: إذا أقمناك أعناك.

فمشى – كما تحكي الروايات – وفوقه سحابة تُظلهم طوال الطريق من تونس إلى الإسكندرية، وكلما نضب الماء الذي معهم أمطرت السحابة الماء، فيشربون ويملأون أسقيتهم، واستمروا في المسير حتى وصلوا إلى الإسكندرية.

خليفة الشيخ

وهنا لنا لحظة لنعلم ما كان عليه السلف الصالح في اختيار من ينوب عنهم بعد انتهاء مدتهم ووفاتهم، فالشيخ أبو الحسن كان عنده أولاد من الصُلب، منه ومن زوجته، ولكن الشيخ كان لا يُنيب عنه إلا من يختاره الله، ويُشير إليه رسول الله من خاصة أحبابه ومريديه، وهذا لا شأن له بالنسب.

وكذلك سيدي أبو العباس المرسي كان عنده أولاده، ولكن لمن أعطى الطريق بعده؟ لياقوت العرش، وهذا شيء من الغرائب، لأنه ذات يومٍ كان جالساً مع أصحابه فقال لهم: اصنعوا لنا اليوم ثريد ولحم، والثريد هو الفتّة، قالوا: ولِمَ؟ قال: الآن وُلد ياقوت العرش ببلاد الحبشة.

وكان في هذه الأيام يذهب التجار إلى هذه البلاد ويمسكون بالأطفال الصغار ويأتون بهم ويبيعونهم على هيئة عبيد، فكان من جملة من أتى به التجار (ياقوت)، وكان التاجر الذي أتى بياقوت من أحباب سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه وأرضاه.

وأثناء قدومهم هاج الموج في البحر، فقال الرجل: يا رب بحق سيدي أبي العباس المرسي نجنا، ولله عليَّ نذرٌ إن أنجانا الله لأهب هذا العبد لسيدي أبي العباس المرسي، وكان هذا العبد هو ياقوت.

فسكن الموج في الحال، وسارت السفينة، وبعد سيرهم إذا بياقوت يُصاب بمرض جلدي في رأسه، فقال التاجر: هل أُعطي للشيخ هذا العبد المريض؟!، واختار عبداً آخر أجلد منه وأقوى، وقال: هذا الذي أُعطيه للشيخ.

وكان من عادة سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه أنه كان يخرج تقريباً كل يوم هو وأصحابه من بعد صلاة العصر يمشون على شاطيء البحر يتريضون رياضة بدنية ورياضة روحية، فيتفكرون في آلاء الله، ويوجههم التوجيه الصحيح الذي ينبغي أن يسيروا عليه حتى يصلوا إلى الله.

فذات يومٍ قال لهم: هيا نذهب جهة الميناء، وعند الميناء كانت الباخرة قد وصلت، فنزل التاجر وسلَّم عليه وأخذ يشكره وقال له: ببركتك أنجانا الله، وجاء بالعبد الذي اختاره ليعطيه له، فقال له: لا، بل نريد عبدنا، فقال له: إنه مريض، فقال: وما شأنك؟!.

فأخذه ورباه وزوَّجه ابنته، وصار هو الوارث والخليفة عنه بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، وسمَّاه بياقوت العرشي لأن قلبه كان دائماً يطوف بعرش الرحمن!.

وذات يوم دخل ملك مصر وهو السلطان حسن على سيدي أبو العباس المرسي، فلم يقُم له، وسلَّم عليه جالساً، ثم دخل عليه ياقوت العرش فقام له، فالسلطان أخذته الغيرة، كيف يُسلِّم عليَّ وهو جالس ويقف لهذا الرجل؟! فقال الشيخ: يا ياقوت أنا صدري ضيق، وأُشعر بحرج وألمٍ شديد، فبكى ياقوت، وكانت السماء صحو، فإذا بالسماء تتلبَّد بالغيوم، فقال: يا ياقوت الحمد لله فرَّج الله عني وشرح صدري، فتبسَّم ياقوت، فانقشعت السُحب من السماء!!، فقال سيدي أبو العباس للملك: أنتم ملوكٌ أرضية، وهؤلاء ملوكٌ سماوية.

هؤلاء ملوك في السماء العلوية، فإذا كنت تقول في نفسك إنه عبدٌ فإن الله يقول فيه:

” إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ ” (59الزخرف) عبد وأنعم عليه مولاه، فماذا تريد بعد ذلك؟!.

فهذه الوراثة التي رأيناها في الصالحين الصادقين، لا يُورث الخلافة لابنه من صُلبه، كما نرى المشاكل الموجودة في هذا الزمان، وربما ابنه لا يعلم حتى الكيفية الصحيحة للوضوء، ولا يعلم أحكام الصلاة، فهذا لا يجوز من الصادقين في طريق الله تبارك وتعالى، ولكنه يُنيب عنه أشبه الناس به في القرب من ربه، وفي الوصل بنبيه صلى الله عليه وسلَّم.

أقام سيدي أبو العباس المرسي في الإسكندرية مع سيدي أبو الحسن الشاذلي، وكان سيدي أبو الحسن الشاذلي يحجُّ كل عام.

وفي الحج كانوا يركبون في النيل من الإسكندرية إلى القاهرة، ومن القاهرة إلى قنا، وفي قنا ينزلون ويركبون الإبل إلى شاطئ البحر الأحمر، وهناك بلدة موجودة على شاطئ البحر مقابل جدة، فيركبون منها السفينة إلى جدة، وكان هذا طريق الحج لكل من يحُج من مصر، أو من بلاد المغرب.

والصالحون لهم بصائر يهبها لهم رب العالمين يقول فيها لحبيبه ومصطفاه: ” قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ” (108يوسف) ما الشرط الأول الذي تعرف أن هذا الرجل من ورثة رسول الله؟ أن يكون معه شيء من البصيرة، فإن لم يكن معه البصيرة فكيف سيُعرِّف غيره؟! هو لا يرى فماذا سيُريه؟!.

فلما وصل الشيخ أبو الحسن الشاذلي في رحلته الأخيرة إلى بلدة أخميم في صعيد مصر، قال للخادم: أحضر فأساً ومقطفاً، فقال له: لماذا؟ فقال: في حُميثرة سوف ترى، فجهز فأساً ومقطفاً.

وكان الشيخ أبو الحسن قد سأل الله عز وجل أن يقبض روحه وهو ساجد، وفي مكان لم يُعص الله فيه قط، يعني لم تظهر فيه أي معصية من المعاصي، وهؤلاء قال فيهم الله: ” لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ” (34الزمر) كل ما يتمناه يُعطيه له الله على الفور.

وحُميثرة مكان في وسط الصحراء، ولم تكن بلداً، لكنهم كانوا ينزلون بجوارها لأنه كان فيها بئر ليتزودوا بالماء، وإن كان الماء ليس عذباً إلى حد ما ولكنه ماء.

وكان ذاهباً في العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، ولذلك مولده يكون في العشر الأوائل من ذي الحجة، وإن كان بعض المدَّعين يرتكبون أموراً تسيئ إليه وإلى طريقه وإلى الدين، فهناك جبلٌ يصعدون إليه يوم عرفة ويقولون: نحن قد حججنا، وهل هذا يصح؟! لا، وهل هو فعل ذلك أو أمر بذلك؟! لا، لكن الجُهَّال هم من يفعلون ذلك.

وأعداء الصالحين يقولون: إن الصوفية يفعلون كذا وكذا وكذا، وهؤلاء لا شأن لهم بالصوفية، فهؤلاء جُهَّال لم يمشوا على المنوال الذي كان عليه رضي الله عنه وصحبه البررة الكرام، ولا شأن لنا بهم.

ففي حُميثرة دعا سيدي أبو الحسن المريدين وأوصاهم، وقال لهم: إذا أنا متُّ فعليكم بأبي العباس المرسي، ثم قال لهم: إنه رجلٌ من رجالات الله، وهو بابٌ من أبواب الله سبحانه وتعالى لمن أراد أن يوصِّله الله إلى رضاه.

وانفرد بأبي العباس بعد أن صرف المريدين وأوصاه بأمور، ثم قال للخادم اعطني شربة ماء من البئر، قال: ياسيدي عندي ماءٌ عذبٌ، قال: أريد شربةً من البئر، فجاءه بشربة من البئر فأخذها وتمضمض بها ثم أنزلها في الكوب وقال له: ألقِ بهذا الماء في البئر يكون عذباً إن شاء الله، وهذا ما حدث فعلاً، فوضع الماء في البئر فصار ماءه عذباً فراتاً!.

وصرف سيدي أبو العباس المرسي في الثُلث الأخير من الليل، وأخذ يُصلِّي، وهو في الصلاة سجد وأطال، قال ابنه: فظننا أنه نام، فحركناه فإذا هو ميت، فمات وهو ساجد كما طلب، وتحققت نبوءته، فاحتاجوا هنا إلى الفأس والمقطف، وحفروا له ودفنوه.

وقال تلاميذه: نرجع هذا العام عن الحج، فقال سيدي أبو العباس: أمرني الشيخ أن أُكمل بكم الحج هذا العام، وأخبرني أن الله سيؤيدنا بآياتٍ في هذا الحج.

وتولى سيدي أبو العباس المرسي خلافة الطريقة الشاذلية، ومكث في الإسكندرية ثلاثة وأربعين سنة متفرغاً بالكلية للدعوة إلى الله تبارك وتعالى، ليس له شأنٌ إلا بالدعوة إلى الله، وإرشاد الخلق إلى المنهج الصحيح الموصِّل إلى حضرة الله سبحانه وتعالى، وكان منهجه يقوم على العلم والعمل.

لا بد من العلم الشرعي أولاً، ثم العمل بما علم، قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ مَنْ عَمِلَ بِما عَلِمَ أَوْرَثَهُ الله عِلْمُ ما لَمْ يَعْلَمْ }[4]

وجمع الله عليه الرجال الصالحين، وفتح الله عليه من الفتوحات الإلهية ما لا تحويه أوراق ولا كلمات الكاتبين.

فكان مثلاً درسه الذي اشتهر به، كان يطلب من أحد تلاميذه أن يقرأ له في بابٍ من أبواب كتاب الرسالة للإمام القُشيري، وكتاب الرسالة كل باب يبدأ بآية قرآنية وحديث، فكان يقرأ الآية ويقرأ الحديث ثم يقول له: كفى، وينطلق في شرح الحديث بفيوضات إلهية لا عدَّ لها ولا حدَّ لها.

الكلام في شأن سيدي أبي العباس كثيرٌ وكثير، ولكن أكتفي بهذا النذر اليسير.

وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

[1] صحيح البخاري ومسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه

[2] صحيح البخاري والترمذي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه

[3] معجم الطبراني ومسند الشهاب عن أنس رضي الله عنه

[4] حلية الأولياء لأبي نعيم وأحمد عن أنس رضي الله عن

الإسكندرية – مسجد سيدي علي الموازيني 7 من رجب 1440 هـ 14/3/2019م9




Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid