سؤال: تزوجت عن حبٍّ، ولكن بعد الزواج وجدت زوجي يهملني ومشغول بعمله ولقمة العيش، وبمجرد أن يعود إلى البيت يأكل وينام ولا يتقرب مني إلا إذا أراد حقه الشرعي، وكأنه يرى – حسب تعبيرها – أن الحب هو الجنس فقط!! وأصبحت لا أسمع منه حلو الكلام … دلني ماذا أفعل؟ .. وأرجو منك أن تنصحه وتتدله على الطريقة الصحيحة للعناية العاطفية بالزوجة.
———
أهم ما تحتاجه أي أنثى: الكلمة الطيبة التي فيها مودة، وتعبر عن مكنون القلب من المحبة، وتعبر عن مدى إعجاب الإنسان بها، واهتمامه بشخصيتها.
كل أنثى – مهما كان شأنها – تحب أن يكون لها كيان، وتحب أن تنال الإعجاب من أي إنسان، وما حدث في عصرنا الآن من مشاكل سببه: هذا الحرمان.
الرجل يرى أن كل همها هو الناحية الجنسية، وهذا هو همه فقط!! ويكون في يومه قد أسمعها كلاما يسمم بدنها، وربما يكون قد ضربها، ثم يقول لها: أريد حقي الشرعي. أي حقٍّ يا أخي؟!! قدِّم يا أخي!! الكلمة الطيبة!! .. المعاملة الحسنة!!، أليس لها رغية كما أن لك رغبة؟! أليس لها قلب كما أن لك قلباً؟!!
فلما تجد هذا الحرمان – نتيجة الوسائل الحديثة: أولاً: الوظائف التي خرجت لها النساء، وثانياً: وسائل التواصل الاجتماعي – فتفرح لما واحد في العمل يسمعها كلمتين حلوين وتعمل علاقة معه وتترك الثاني، أو أحد يضحك عليها على النت ويسمعها كذلك كلمة حلوة!! .. لماذا؟ هكذا طبيعة الأنثى: “والغواني يغرَّهن الثناء”، تريد أن تسمع الكلام الطيب. ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم أباح للرجل أن يكذب في إحدى ثلاث؛ إحداهن: (أن يكذب على زوجته ليرضيها)[1].
يكذب عليها ليرضيها ليس في المرتب، فالكل لا يخفى عليه المرتبات ولا العلاوات ولا الدخل!! .. إنها لا تريد إلا الكلام الطيب الذي يجب أن تسمعه كل أنثى .. وإذا لم يكن عندك قابلية لها ؛ اصنَّع .. مثِّل أنك تحبها وأسمعها هذا الكلام الحلو – حتى لا تحاول أن تسمعه من غيرك – فتكون قد عملت عملاً تؤجر عليه وتثاب عليه.
دائماً يجب أن تثني عليها على أي عمل قدَّمته لك ولأولادك في المنزل؛ ستأكل – بدلاً من تقول لها: ما هذا الأكل الذي صنعتيه اليوم؟!! سدِّتِي نفسنا!! … سددت نفسها بهاتين الكلمتين – أقول لها: الله يفتح عليكِ، الأكل اليوم أحسن من أي أكل في المطاعم، لم أرى حلاوة مثل ذلك – وليس فيه حلاوة ولا حاجة!! .. الدين أمرنا بذلك .. لماذا يا إخواني؟ حتى استقطبها، لأنه لا يوجد شيء يصدُّ المرأة من ناحية زوجها إلا هذا!! .. اللسان !! .. الكلمة الطيبة!! ..
ما الذي يجعلها تميل لفلان في العمل أو على النت؟ .. تريد أن تسمع منه الكلام الذي لا تسمعه عندك!! .. وأنت دائماً مكشَّر ومبوِّز، وإذا تكلمت تتكلم بالكلام الذي يتعب القلب والروح، فهي تقول: أتركه مقفولاً ولا أكلمه .. وتتكلم في الناحية الثانية .. لماذا؟ .. أنت وضعتها في هذا الأمر.
تعالوا لنرى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان يعامل زوجاته؟ .. يقول لهن مرة – للسيدة عائشة: (أنتِ أحب نسائي إليَّ) قال: فلا تخبر بذلك أحداً من زوجاتك، قال: سأخبرهن جميعاً !! وأعطاها خاتماً. وذهب إلى الثانية وقال لها: (أنتِ أحب نسائي إليَّ) وأعطاها خاتماً. وتجمعوا آخر النهار فقال لهن: (أحب النساء إليَّ صاحبة الخاتم) .. من هي صاحبة الخاتم؟ .. كلهن!! أنظر إلى الحكمة النبيوية لرسول الله صلى الله عليه وسلم!! لم تحذث غيرة ولا مشاجرة، ولا عركة ولا غيرها … لأن المعاملة بالحكمة التي كان عليها صلى الله عليه وسلم.
ما الذي جعله – صلى الله عليه وسلم – عندمت دخل مكة – أين ننصب الخيمة يا رسول الله؟ قال: عند قبر خديجة!! ..حتى يعلمنا الاحتفاظ بالجميل وحُسن الصنيع مع الزوجة – مع أنها فارقت الدنيا وذهبت إلى الله عزَّ وجلَّ !! .. حتى وهو داخل إلى مكة أراد أن تكون الخيمة عند قبر السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها.
ولذلك هي نفسها – لما نزل عليه الوحي، لأنها تعلمت منه فهو الاستاذ!! .. ماذا قالت التلميذة للاستاذ: (إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتساعد الضعيف، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الدهر)!! .. ما هذا؟!! هذا بعض ما سمعته منه!! .. تعلمت منه فتقول له ما سمعته!! … لكنك تقول لها: أنتِ كذا وكذا وكذا .. ماذا تقول لك؟!! ستقول لك: وكذلك أنت كذا وكذا … الأم والأب يسبُّوا بعض ويشتموا بعض والأولاد تسمع وتتفرج … وهذه ذرية نربيها، ونحن قدوة .. وما ينشَّأوا؟ كما هم يشاهدون!!
فالمرأة المسلمة – يا إخواني – والمرأة ضعيفة .. أي إمرأة ماذا تريد؟ الكلمة الطيبة … والكلمة الطيبة ولو وراءها حقيقة، لأن حضرة النبي صلى الله عليه وسلم سمح لنا فيها. لما جاءت واحدة أيام خلافة سيدنا عمر رضي الله عنه، وزوجها يقول لها – وكأنه أخذ بعض أخلاق من في عصرنا الآن: إتك لا تحبيني، فتقول له: إني أحبك فيقول لها: إتك لا تحبيني، فتقول له: إني أحبك، فيقول لها: احلفي، فأبت .. قال لها: إذن أنت لا تحبينني.
ذهب الرجل إلى سيدنا عمر رضي الله عنه وقال: إمرأتي لا تحبُّني، طلبت منها أن تحلف على ذلك فأبت. فأرسل إليها سيدنا عمر رضي الله عنه وسألها: لماذا لم تحلفي؟ قالت: هل أحلف بالله كاذبة؟!! فقال رضي الله عنه: (ليس كل البيوت تبنى على الحب) .. أنتم في بيت، وبينكما الآن صلة، ولكما أولاد .. إذن نحن فوق هذه التفاهات كلها ..
انظر إلى نفسك أنك قدوة وهؤلاء الأولاد تتعلم منك، وهي نفسها كذلك قدوة وهؤلاء الأولاد تتعلم منها، وأنت المسئول الأول والأخير – وليس أبوها – أبوها كان مسئولاً عنها قبل أن تأتي عندك .. جاءت عندك؛ من المسئول عنها وعن تربيتها وتعليمها كل أمور الزواج؟ أنت .. وأولادك وبناتك يطلعوا مثلها. ما موقفك عندما تأتي البنت لأمها في مثل هذه الحالة؟!!.
إذن نحن كلنا – يا إخواني – كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يكرمهن إلا كل كريم، ولا يهينهن إلا ليئم)[2] … هي تريد فقط الكلمة الطيبة.
إياك أن تظل تضغط إلى أن نصل إلى درجة الكُره .. إذا كرهتك فلا تريد منك شيئاً؛ لا تريد منك عفشاً، ولا تريد منك مؤخراً، ولا تريد أي شيءٍ .. مادام وصلنا إلأى درجة الكُره … وهذه وللأسف تحصل في كثير من بيوتنا الآن مع أنهم أناس مثقفون وعلى درجة عالية من الثقافة … بل بعضهم من المشايخ والأئمة الذين يعتبرون أنفسهم مشايخ للناس، وموجهين للناس، وأن معهم بصيرة، وأن لهم كرامات!! … أين هي كراماتك؟!! .. أصلح هذه أولاً : (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) (90:الأنبياء)
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يصلح أحوالنا وأحوال زوجاتنا، وأحوال أولادنا وبتاتنا، وأحوال إخواننا المسلمين أجمعين، ويرزقنا النطق بالكلمة الطيبة في كل وقت وحين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
*****************
[1]أخرج الترمذي في باب البر وأحمد في المسند عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا ثلاثاً؛ كذب الرجل على امرأتهليرضيها، ورجل كذب ليصلح اثنين، ورجل كذب في خديعة الحرب). وقال العز بن عبد السلام رحمه الله :”الكذب مفسدة محرمة إلا أن يكون فيه جلب مصلحة أو درء مفسدة , فيجوز تارة ويجب أخرى ، وله أمثلة :أحدها : أن يكذب لزوجته لإصلاحها وحسن عشرتها فيجوز . وكذلك الكذب للإصلاح بين الناس وهو أولى بالجواز لعموم مصلحته – ثم ذكر صوراً أخرى يجوز فيها الكذب – ثم قال: التحقيق في هذه الصور وأمثالها أن الكذب يصير مأذوناً فيه” انتهى من (قواعد الأحكام ص/112).
[2]روى ابن عساكر عن عليٍّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله و أنا خيركم لأهلي، ما أكرم النساء إلا كريم، و لا أهانهن إلا لئيم).