صوم شهر رمضان فريضة لقول الله تعالى: “ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ” (183البقرة) هذه الفريضة لها ركنان أساسيان، الركن الأول هو النية، والركن الثاني هو الإمتناع عن جميع المفطرات من أذان الفجر إلى غروب الشمس، والنية لا بد منها لقوله صلى الله عليه وسلَّم:
ونية صيام هذا الشهر الكريم استحب بعض الأئمة الكرام كالإمام الشافعي أن تُجدَّد كل ليلة باعتبار أن كل يوم وليلة عملٌ مستقل، ورأى الإمام مالك تيسيراً للمؤمنين أن الإنسان يكفيه نية واحدة لسائر الشهر، يعني يستطيع من بعد غروب آخر يوم من شعبان أن يقول: نويت صيام شهر رمضان ثلاثين يوماً لله تبارك وتعالى، وبذلك يكون قد نوى صيام الشهر كله.
ووقت النية وقت الليل، من بعد أذان المغرب إلى مطلع الفجر، فيجوز للإنسان أن ينوي في هذا الوقت، لكن كيف ينوي بعد المغرب ثم يأكل ويشرب بعدها؟! هو نوى صيام اليوم، وصيام اليوم يبدأ من طلوع الفجر.
فيجوز أن أنوي الصيام من بعد المغرب، ويجوز أن أنويه قبل النوم، ويجوز أن أنويه قبل صلاة الفجر، وليس شرطاً للمرء أن يتلفظ بالنية، ولكن أن يعمل عملاً يدل على أنه يريد الصيام، يعني من تسحَّر ولو بجرعة ماء فقد نوى الصيام، لأنه يتسحر لكي يصوم، فهذه نية وتكفيه هذه النية للصيام إن شاء الله.
إذاً النية ليس شرطها أن تكون بعد السحور قبل الفجر، لكن يجوز من بعد المغرب، ولذلك نحن نستحب أننا إذا كان عندنا فتية وبنات صغار فعلى الفور بعد صلاة العشاء في آخر يوم من شعبان، أقول لهم: قولوا ورائي: نويتُ صيام شهر رمضان ثلاثين يوماً لله تبارك وتعالى، وبذلك أكون قد اطمأننت أنهم قد نووا، وهو الركن الأول من أركان الصيام.
نفرض أن إنسان نسي النية حتى أذَّن الفجر، فهذا لا يصح صيامه في هذا اليوم، قال صلى الله عليه وسلَّم:
وهذا في الفريضة، لكن في صيام النوافل يجوز، فتجوز النية في وقت الظهر وهذا إذا لم آكل ولم أشرب من بعد الفجر، والرسول صلى الله عليه وسلَّم كان يفعل ذلك، لكن الفريضة لا بد أن تكون النية قبل صلاة الفجر ليكون قد نوى أداء هذا العمل لوجه الله سبحانه وتعالى.
خفايا النية
ونحن نضيف جزئية بسيطة المفروض أننا كجماعة المؤمنين نحرص عليها حتى نرتقي في الأجر والجزاء عند الله، فالأجر والجزاء على قدر النية، لماذا أنوي أن أصوم؟ أنوي الصيام ليغفر لي ربي ما تقدم من ذنوبي، والله يُعطيني هذا الثواب، أنوي صيام هذا العام لكي أكون من عتقاء الله من النار، وهذه نية أُخرى والله يعطيني هذا الأجر وهذا الثواب، أنوي الصيام ليشفع لي الصيام يوم القيامة، والله يعطيني على قدر هذه النية، أنوي الصيام لأشرب من حوض الكوثر يوم القيامة شربةً هنيئة لا أظما بعدها أبداً … كل هذه نوايا، ويجوز أن يجمع الإنسان كل هذه النوايا ليأخذ هذا الأجر كله.
وهناك نية أعظم منها وهي أن أنوي الصيام لأكون من الذين يُقال لهم يوم القيامة: ” وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ” (22-23القيامة) لأن أجر الصيام الأعظم هو النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى.
صلاة التراويح وفضلها
بعد ذلك علينا صلاة التراويح، ولماذا سموها التراويح؟ لأنهم كانوا بين كل ركعتين يجلسون قليلاً يروحون عن أنفسهم، إما أن يسبحوا، أو يقرأوا القرآن .. أي شيء يروِّح عن النفس.
وصلاة التراويح سُنَّة، والسُنَّة خذ منها ما شئت، أنا مشغول فآخذ ولو ركعتين، أو آخذ أربعة، والذي يأخذ ما شاء فله أجره عند ربه عز وجل.
لو صلينا ثمان ركعات كالمتعارف عليه، وبهذا نأخذ بحديث السيدة عائشة:
}مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلَّم يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً[4] {
ثماني ركعات التراويح، واثنين الشفع، وواحدة الوتر، ولم ترد قراءة محددة لصلاة التراويح، لأن رسول الله صلاها ثلاثة أيام، ولما كثُر الناس وملأوا المسجد لم يخرج وقال لهم:
والذي يريد أن يصلي التروايح بعشرين ركعة، عليه أن يُصلي ثمانية في المسجد ثم يذهب ويكمل العشرين ويطول فيهم كما يشاء.
بعد صلاة العشاء مباشرة نقوم إلى صلاة السُنَّة، وبعد أن نصلي السُنَّة نأخذ بما توارد عن السلف الصالح فنقرأ مع بعضنا سورة الإخلاص ثلاث مرات، وبذلك نكون كأننا قد قرأنا القرآن كله مرةً واحدة.
ثم نقوم إلى صلاة التراويح، وبعد أول ركعتين نُصلِّي على رسول الله بأي صيغة حتى نكون قد تروحنا، وبعد الأربعة نعيد مرة ثانية قراءة سورة الإخلاص ثلاث مرات لنكون كأننا قد قرأن القرآن كله مرة أخرى، وبعد الست ركعات نروِّح عن أنفسنا بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وبعد الثماني ركعات نقرأ سورة الإخلاص ثلاث مرات، ثم صلاة الشفع والوتر.
والمرأة المرضعة ليس عليها صلاة التراويح في المسجد، حتى لا تأتي بالرضيع و تُحدث ضوضاء في بيت الله، ولنكون في صفاء مع الله.
وكذلك من كان عنده ولد يستطيع الصلاة ويعرف آداب الصلاة فيُحضره معه، ولكن نلاحظ أن الأولاد الصغار حريصين دائماً على اللعب، وقد ورد ببعض الأثر: ((الشيطان يلعب بالصبيان لعباً)) ولعبهم في المسجد يضر، لأنه قد يملأ الأكواب بالماء من أجهزة التبريد ويُلقي بها على فرش المسجد، ولن نستطيع تجفيفها، لذلك على ولي الأمر أو ولية الأمر أن يلاحظوا هذا الأمر ملاحظةً جيدة، حتى نكون في بيت الله في خشوع تام في الصلاة إن شاء الله.
وفقنا الله جميعاً لما يحبه ويرضاه، ووفقنا الله عز وجل للصلاة والصيام والقيام وتلاوة كتاب الله.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
[1] مسند الشاميين للطبراني عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه