سؤال: كيف وظَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم إمكانيات صحابته المتفاوتة
في خدمه الدِّين والحياة؟
==========================
رسول الله صلىالله عليه وسلمأعطاه الله بصيرة نورانية، فكان يتفرَّس في وجوه العباد، فيعرف قدراتهم وطاقاتهم وإمكانياتهم، فيضع الرجل المناسب في المكان المناسب – وهذا ما نحتاج إليه الآن – لصلاح أحوال أُمتنا، وقيام دولتنا إن شاء الله.
ماذا نحتاج؟ الكفاءة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يرى هذا الرجل يصلح لهذه المهمة، فيُكلفه بها، ولو كان داخلاً إلى الإسلام حديثاً، وغيره من السابقين في دين الله ومن المقدمين في الإسلام، ولكن هذا يصلح لهذه المهمة خيراً منه!! دخل خالد بن الوليد وعمرو بن العاص في الإسلام في عام الفتح، وكان النبيُّ على وشك عقد الراية لجيش يغزو في إحدى جهات الجزيرة العربية، وعندما أسلم عمرو أصدر له في الحال قراراً لقيادة هذا الجيش، وكان من جنود هذا الجيش أبو بكر، وعمر وهما منكبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم!! لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
بيَّن صلى الله عليه وسلمخصائص أصحابه ليراعوها عند توظيف قدراتهم وإمكانياتهم في المجالات المختلفة، فقال صلى الله عليه وسلم: {أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ بْنُ كَعْبٍ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ} (سنن الترمذي وابن ماجة ومسند الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه).
فوزَّع التخصصات صلى الله عليه وسلم على حسب الكفاءات، وكان صلى الله عليه وسلم لا يستحي في ذلك، فعندما احتار المؤمنون في الكيفية التي ينادون بها إلى الصلاة، بعضهم قال نتخذ بوقاً – مثل الذي يستخدمه اليهود، وبعضهم قال نتخذ ناقوس بجرس – مثل الذي يستخدمه النصارى. لكن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كره ذلك، فذهبوا مشغولين بهذا الأمر، وكانوا من شدة شغلهم تنام أجسادهم وتصعد أرواحهم إلى ملكوت ربِّهم لتأتي بالخبر من عند الله عزَّ وجلَّ. فرأي سيدنا عبد الله بن زيد رؤيا في منامه يرويها فيقول: { طَافَ بِي، وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: مَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلاةِ. قَالَ: أَفَلا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى.قَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.
فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَقَالَ: إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلالٍ، فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ، قَالَ: فَقُمْتُ مَعَ بِلالٍ، فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ، وَيُؤَذِّنُ بِهِ، قَالَ: فَسَمِعَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، يَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي أُرِيَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ } (مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وأبي داود).
من الذي رأي الأذان؟ عبد الله بن زيد رضي الله عنه، إذاً مَن الأَوْلى بالأذان؟ من وجهة نظرنا وفكرنا نحن يكون عبد الله بن زيد، ولكن المصطفى صلى الله عليه وسلم اختار شخصاً صوته ندي، لأن صوته الندي سوف يؤثر في القلوب ويشدِّها إلى الله عزَّ وجلَّ.
ليس هناك مجاملة لقريب أو عزيز، ولا حياء في دين الله، فالأهم الكفاءات وليس القرابات، ولا نراعي المجاملات، ولا المحسوبيات، وهي التي نراها في زماننا هذا، ولكن يجب أن نراعي الكفاءات، حتى تنصلح أحوالنا ونصل إلى المراد، كما كان يفعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم.
******************************
الحلقة السادسة عشر من برنامج أسئلة حائرة وإجابات شافية لفتاوى فورية
المسجد العتيق – طفنيس – الأقصر 20 من ربيع الأول 1434هـ الموافق 1/2/2013م