قرأتُ لفضيلتكم في كتابكم {همة المريد} أن طهارة القلب تكون بالعلم اللدني، ويقول الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:
[القلب بيت الرب، فطهره له له بالحب].
فما الفرق بين طهارة القلب بالعلم، وبين طهارة القلب بالحب؟
الجواب:
طهارة القلب تحتاج إلى إرادة داخلية تكون من ذات العبد، وفيها تظهر همته وعزيمته، وأقوى هذه الإرادات المحبة إذا تمكنت من القلب والفؤاد، فقد قيل:
[حبة المحبة لا تبقي في القلب لغير المحبوب حبة].
وحبة المحبة تحتاج إلى من يرعاها، ومن يرعاها هو العارف الرباني الذي يلهمه الله تبارك وتعالى بالعلوم الوهبية والأسرار القرآنية، فإذا استمع إليه السالك في طريق الله، وكان مأخوذاً بكله نحو مولاه، وغير مشغولٍ بمفاتن هذه الحياة، فإن العلم الإلهامي يكون كماء المطر لحبة المحبة في قلبه، ينميها ويُرعرعها حتى تخرج في قلبه شجرة باسقة الأغصان، وهي التي يقول فيها الرحمن تبارك وتعالى:
﴿ ضَرَبَ اللهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً ـ وهي التي يسمعها من العالم العارف بعد المحبة التي تمكنت في فؤاده.
وهي شجرة المحبة التي تُزرع في قلوب الأحبة ويخرج منها المودة والإخلاص والخشوع والزهد والورع والتوكل على الله، وكل الصفات العظيمة التي يحبها الله عز وجل.
هذه الشجرة أصلها ثاب في قلب العبد المراد، وفروعها التي تجتنى منها الثمار في سماء القرب من حضرة الله، لأن الله هو الذي يجني هذه الحقائق، وهو الذي يُثيب عليها، وهو الذي يعطي الأجر العظيم والدرجات الكبرى عليها، ولا يستطيع أحدٌ من الأولين ولا الآخرين أن يُثيب أي عبدٍ على هذه الثمار التي أشرنا إلى بعضها ولم نذكرها كلها.
فشجرة المحبة زرعها الله سبحانه وتعالى في قلوب المحبوبين بذرة نبتة طيبة في قوله:
﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ (54المائدة).
إذا وُجدت هذه الشجرة في القلب ووُجد من يهتم بها، ويهتم بسُقياها بالعلم النافع، وتأديبها بالأدب النبوي الرافع، فإنها تنتج إنساناً رحمانياً يقول فيه الرحمن:
يعلمه العلوم القرآنية الظاهرة والخفية، ثم يأذن له بالنطق بلسان البيان ليُعلم من حوله من بني الإنسان، بعد تعليمه من حضرة الرحمن سبحانه وتعالى:
هو العلم لا يُجلى بغير الحقائق وعلمٌ بكشفٍ فيه قرب لخالقي
وما العلم إلا ما يعلمه العلي وآي يعلمكم ــ أي آية:
﴿ وَاتَّقُوا الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله﴾ (282البقرة). ـ
وما العلم إلا ما يعلمه العلي وآي يعلمكم دليلٌ لصـــــــادق
وفي أول الرحمن نورٌ لمهتدي فيه علم القرآن جذب الموفقِ
وحبة المحبة وُضعت في قلوب الأحبة من الأزل القديم، وهي سرٌ من أسرار ذات الله سبحانه وتعالى وبها ينال العبد في الدنيا والآخرة كل تعظيم.
وهي تحتاج في الدنيا إلى من يربيها وينميها ويهذبها ويؤدبها حتى تُؤتي ثمارها المرجوة، فتكون نافعةً لنفسها، ونافعةً لبني جنسها.
ولنا مثال لذلك في عالم النبات، فالنبات الذي يضع الإنسان حبته في الأرض ويشرف على تنميته وسقياه وتسميده وتهذيبه ويشرف عليه حتى يُؤتي ثماره، يؤتي ثماراً طيبة.
أما النبات الذي ينبت من نفسه، ولا يُشرف أحدٌ عليه، ولا يهتم به أحد فنسميه نبات الشيطاني، والنبات الشيطاني لا يكون له ثمار، وإنما يكون حطباً للنيران، لأن هذه هي سنة الرحمن في الأكوان.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهل هذه المحبة، وأن يُعطف علينا قلوب الأحبة لتروي ثمرة المحبة، من سماء فضل الله، ومن مُزن سيدنا رسول الله.
وصلى الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آلبه وصحبه وسلَّم.
وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
الخميس: 7/7/2021 موافق 28 ذي القعدة 1442 هـ دار الصفا الجميزه
لقاء الأحبة على برنامج التواصل الإجتماعي زووم ـ على الإنترنت