ومن حب النبي صلى الله عليه وسلم وحرصه الشديد على هذه الأمة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يبحث في أحوال الأمم السابقة ويعلم أن الله عزَّ وجلَّ لا يرد له طلب، فأراد أن يجعل الله كل خير أعطاه الله عزَّ وجلَّ للأمم السابقة لهذه الأمة المحمدية، ومعه ما لا يُحد من فضل الله عزَّ وجلَّ.
أعطاه الله عزَّ وجلَّ بصيرة نورانية، كان بهذه البصيرة ينظر في آفاق الله عزَّ وجلَّ العلوية ويرى فيها، فكان ينظر في أحوال الأمم السابقة ويتحدث عنها، وكان ينظر إلى ما يحدث في هذه الأمة إلى يوم القيامة، بل يرى يوم القيامة وما فيه، وينظر إلى الجنة وما فيها، وقال صلى الله عليه وسلم معبراً عن ذلك بعد أن كان يُصلي بصحبه الكرام ثم نظر إليهم وقال:
كان يرى ما يفعلون، وإن شئت قلت: كان يرى من وراءه كل الأمم السابقة من آدم إلى عصره، ويرى كل من أمامه إلى يوم القيامة، فهو صلى الله عليه وسلم حدَّثنا عن كل شيء سيحدث لنا في الدنيا إلى يوم الدين.
ونظر صلى الله عليه وسلم ببصيرته النورانية في دواوين الأعمال الإلهية، هذه الدواوين موجودة تحت عرش الرحمن، وكل إنسان منا له ملف يسجل فيه الملائكة الكرام الكاتبين عمله، بالصوت والصورة، وليست الصورة الظاهرة فقط بل معها النوايا الباطنة، لذلك يقول الله: (يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) (40النبأ)، ليس يرى، ولكن ينظر أي: يشاهد كل أعماله في الدنيا.
والنبي صلى الله عليه وسلم عند بحثه في ملفات السابقين ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَبِسَ السِّلاحَ فِي سَبِيلِ اللهِ أَلْفَ شَهْرٍ، قَالَ: فَعَجِبَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (1: 3القدر)، لِلَّذِي لَبِسَ السِّلاحَ فِيهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ[4].
من يقوم ليلة القدر تُكتب له عبادة مقبولة عند الله عزَّ وجلَّ أفضل وخير من عمل هذا الرجل لمدة ألف شهر. متى تكون ليلة القدر؟ قال صلى الله عليه وسلم:
المسلمون يجِّدون ويجتهدون في بداية رمضان فيملأون المساجد، ثم تجد المساجد تقل منهم رويداً رويداً حتى إذا جاءت العشر الأواخر تجد المساجد كما كانت قبل رمضان!! مع أن العشر الأواخر هي المهمة، لكن التوفيق من الله، فالذي يُحبُّه الله يوفِّقه للقيام بهذه الليالي، فقد ورد في الأثر:
((إذا أحب الله عبداً وفقه لأفضل الأعمال في أفضل الأوقات)).
فيُحيي هذه الليالي العشر الأواخر، أو على الأقل الليالي الفردية، والإنسان إذا كان مريض أو عنده عذر ولا يستطيع أن يُحيي هذه الليالي فماذا يفعل؟ قال الرءوف الرحيم صلى الله عليه وسلم:
لذا يحرص المؤمن على ألا تفوته صلاة العشاء في جماعة ولا صلاة الصبح في جماعة، إذا واظبت على صلاة العشاء والصبح في جماعة في العشر الأواخر فإني قد أحييت ليلة القدر، ويُكتب لي عند الله أني عبدت الله عبادة مقبولة لمدة ثلاثة وثمانون عاماً وأربعة أشهر، غير إكرام الله عزَّ وجلَّ له الذي لا يُحد ولا يُعد.