Sermon Details

الحمد لله ربِّ العالمين، وسعنا بعظيم نُعماه، وأغدق علينا من سماء برِّه أنواره العلية وضياه، وجعل أجسامنا ترتع في النعم الظاهرة، وقلوبنا تتمرغ في الأنوار الإلهية الباطنة. سبحانه .. سبحانه، يتجلى باسمه الكريم على الصائمين، فلا يدع باباً للخير إلا ويدخلهم فيه، ولا يترك خزينة من خزائن برِّه إلا ويعطيهم منها، ولا يدع لهم ذنباً فعلوه إلا غفره بمنِّه وفضله ورحمته.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، رحيم بعباده المؤمنين، ورحمن لهم وللخلق أجمعين، نادى في قرآنه الكريم عباده المذنبين والتائبين، والراجين لفضله في كل وقت وحين، فقال لهم أجمعين: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (156الأعراف).
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، وصفيُّه من خلقه وخليلُه، أعطاه الله عزَّ وجلَّ ما لم يعط أحداً من النبييين والمرسلين، ومن أجله أعطى أمته ما لم يعط مثيله لأي أمة من العالمين.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، كنز الحق الملئ بالأنوار الإلهية، والعطايا الربانية، واجعل لنا أجمعين نصيباً في الدنيا من عطائه، ونصيباً في الآخرة من شفاعته، واحشرنا أجمعين في زمرته في جنة النعيم، آمين .. آمين، يا ربَّ العالمين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
إن فضل الله عزَّ وجلَّ علينا معشر الصائمين لا يعدُّ ولا يحدّ، ولا يستطيع أحدٌ من الأولين ولا الآخرين – مهما أوتي من بيان وفصاحة لسان – أن يبين ذرة من فضل الله عزَّ وجلَّ علينا جماعة الصائمين.
يكفينا أن نعلم أن الله عزَّ وجلَّ جعل هذا الشهر معرضاً لرحمته التي تنزل بها لأمة سيدنا محمدٍ أجمعين، والتي نرجو أن نكون منهم في الدنيا ومعهم يوم الدين.
وسع الله هذه الأمة بفضله، فجعل لجميع الصائمين .. أن الله عزَّ وجلَّ يغفر ما مضى من الذنوب، ويجعل أوقاتهم كلها طاعات، حتى نومهم الذي يستعينون به على قيام الليل جعله تسبيحات، وجعل نفقاتهم على أهليهم وأولادهم أجوراً مضاعفات، وجعل دعواتهم في شهر رمضان كلها مستجابات. قال صلى الله عليه وسلَّم:(نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، ودعاؤه مستجاب، وعمله مضاعف)[1]وقال صلى الله عليه وسلم عن نفقة الصائم:(نفقة الصائم على أهله في رمضان كالنفقة في سبيل الله؛ الدرهم بسبعمائة ألف درهم)[2]وجعل الله عزَّ وجلَّ لائحة الأجور الإلهية فيه مضاعفة أضعافاً كثيرة؛ فالفريضة فيه تعدل سبعين فريضة فيما سواه في الأجر والثواب، والنافلة فيه تساوي فريضة فيما سواه عند يوم الحساب بين يدي الكريم الوهاب، والنفقة فيه أفضل النفقات، والصدقة فيه لمن يفعلها هي أكرم الصدقات. قيل: يا رسول الله، ما أفضل الصدقة؟ قال:(صدقة المؤمن في شهر رمضان)[3]ثم زادنا الله عزَّ وجلَّ من إكرامه وبرِّه فجعل لأهل الخصوصية منحاً إلهية يوزعها عليهم في الليالي القدرية في العشر الأواخر من شهر رمضان:منا من يعطيه الله عزَّ وجلَّ ثواباً خيراً من عمل ألف شهر في طاعة الله وعبادته، كلها عبادة خالصة مقبولة عند الله، وهذا لمن حافظ على صلاة الفجر وصلاة العشاء في جماعة في العشر الأواخر من رمضان، لقوله صلى الله عليه وسلم:(من صلَّى العشاء في جماعة والفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله)[4]وقوله صلى الله عليه وسلم:(من صلى العشاء في جماعة فقد أخذ بحظه من ليلة القدر)[5].أما الذي يحيي هذه الليالي في طاعة الله بالصلاة والذكر والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير لله، والاستغفار لله، والصلاة والتسليم على حبيب الله ومصطفاه، والتدبر والتلاوة مع الترتيل لكتاب الله .. فهؤلاء لهم أجور تصلهم فوراً مباشرة من حضرة الله عزَّ وجلَّ على يدي ملائكة الله، فقد قال صلى الله عليه وسلم:(إذا كانت ليلة القدر نزل جبريل في كبكبة من الملائكة ومعه ثلاثة ألوية: لواء ينصبه على ظهر الكعبة، ولواء ينصبه على ظهر بيت المقدس، ولواء ينصبه على مسجدي هذا)[6].ثم يأمرهم فيتفرقون .. (فلا يدعون عبداً لله قائماً أو قاعد، راكعاً أو ساجد، إلا ويسلمون عليه ويصافحونه)[7].(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ. سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر) (سورة القدر) |