Sermon Details
الأنوار في حياة الأخيار
نعمة الإيمان
نورانية الرسول
نور الإيمان
مثل نوره
الحفاظ على نور الإيمان
الشكر على نعمة الإيمان
: الأنوار في حياة الأخيار[1]
بسم الله الرحمن الرحيم – الحمد لله الذى منَّ علينا بأفضل منَّةٍ تفضل بها على الخلق أجمعين، وهى منة الإيمان والنبيِّ العدنان والقرآن. والصلاة والسلام على مَنْ جعله الله عزوجل فى ظاهره قرآن، وفى باطنه قرآن، فكان متحركاً بالقرآن، عاملاً ومتخلقاً بالقرآن، سيدنا محمد وآله وصحبه، والناهجين على سبيله، وعلينا معهم أجمعين بمنِّك وجودك وكرمك .. يا أرحم الراحمين.
نعمة الإيمان
لو تدبرنا فى كلام الله مليَّا لعلمنا مدى حُبِّ الله لنا، وعطفه علينا، وحنانه عزوجل علينا – جماعة المؤمنين، فإن الله عزوجل لم يوكِّل شأن الإيمان إلى أنفسنا لكي نتفكر فيه ونختار، أو نشغل العقل – والعقل لا يدرك هذه الأطوار، العقل لا يدرك إلا الأشياء المحسوسة الملموسة فينا وفيما حولنا من الحياة الدنيوية، لكن الإيمان معنى علوى نورانى لا يطلع عليه العقل، ولا يدركه أي إنسان إلا إذا أعانه وقواه على الإحساس به حضرة الرحمن عزوجل، فلا يوجد أحد فينا خُيِّر واختار، ولا أحد فينا ترك لنفسه لكي يختار المنهج الذى يرضى العزيز الغفار، لكن من فضل الله علينا خلقنا وأهلنا، وأودع بذاته العلية وكتب بمداد كلماته النورانية فى قلوبنا الإيمان، هدانا للإيمان وقال لنا فى القرآن:
} قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ{ (17الحجرات)
فهو الذى اختار لنا الإيمان .. متى اختار لنا الإيمان؟ منذ أن خلق الأرواح وجمعت كلها فى حضرة الكريم الفتاح. يحدثنا عن كيفية دخول الإيمان فى أرواحنا النبيُّ الكريم الذى علَّمه الله عزوجل ما لم يكن يعلم، فيقول صلى الله عليه وسلم متحدثا وواصفا هذه اللحظة:
{ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ وَأَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ ، فَمَنْ أَصَابَهُ ذَلِكَ النُّورُ اهْتَدَى ، وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ فَلِذَلِكَ أَقُولُ : جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ عزوجل }[2].
هل يوجد أحد فينا خُيِّر واختار فى هذا اليوم؟!!
كنا أرواحاً قبل خلق الدنيا كلها، وآدم والأجسام، والسماوات والأفلاك وغيره، لكن من ساعة الخلق الأول إختار الله لنا النور الذى به نستقبل الإيمان، وندرك معانى القرآن، ونصدِّق بالنبيِّ العدنان، ونستجيب لله عزوجل فى كل ما أمر وكل ما نهى فى كل وقت وآن.
النور الذى وضعه لنا عبارة عن جهاز استقبال بسيط يستقبل الأمواج النورانية من ربِّ البرية، ومن الحضرة المحمدية.
والذى معه جهاز تلفزيون وجهاز الاستقبال فيه عطلان، هل يصدر صوتاً أو صورة؟!! أبداً!
لماذا؟
لأن جهاز الاستقبال فيه عطلان.
فالإرسال موجود فى كل زمان، وفى كل فضاء، وفى كل مكان، مثل التلفزيون الذى يوجد معنا الآن، ولكن يحتاج جهاز استقبال ليستقبل هذا الإرسال، فمنَّ الله على المؤمنين وجعل مع كل مؤمن جهاز استقبال!!
ولكن الجماعة الآخرين لا يوجد معهم هذا الجهاز!!
ولذلك مهما ينادى عليه حضرة النبى صلى الله عليه وسلم، وينادى عليه العلماء، وينادى عليه الحكماء، لن يسمعهم حتى قال الله له:
} إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى{ (80النمل)
وهل الرسول كان يذهب إلى المقابر ويدعو الموتى؟ لا، ولكن الموتى هم الذين ماتت قلوبهم!! لا يوجد فيها النور الذى يستقبل النور من حضرة الله، والنور من رسول الله، والنور من كتاب الله.
نورانية الرسول
الله كما وصف نفسه: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ (35النور)، وصف حبيبه وقال فى شأنه:
} قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ{ (15المائدة)
من النور؟ رسول الله، والكتاب المبين هو كتاب الله. والبعض يقول لى: أن النور هو الكتاب المبين؟ لا – يوجد بينهم حرف واو، والواو يعنى ما بعدها غير ما قبلها، ولو قلنا جاء محمد وإبراهيم، هل هم واحد؟ لا، ولو قلنا جاء محمد إبراهيم يبقى هذا رجل واحد، والواو عندنا فى اللغة تقتضى المغايرة؛ أي: الذى قبلها غير الذى بعدها.
والدليل المحسوس الملموس إن رسول الله نور – وهناك أدلة كثيرة – { كان صلى الله عليه وسلم إذا مشى لا يُرى له ظل }[3]، فأى شخص فينا يمشى فى الشمس أو الأضواء لابد أن يكون له ظل، أما الذى لا يوجد له ظل المصابيح فقط، فكان صلى الله عليه وسلم إذا مشى لا يوجد له ظل، وكان صلى الله عليه وسلم – كما يقال فى شأن حضرته: { إِذَا تَكَلَّمَ رُئِيَ كَالنُّورِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ ثَنَايَاهُ}[4]. كان يخرج كلامه نوراً لا يراه إلا المقربين من أحبابه، ولكن الجماعة الآخرين لماذا لا يروه؟ كما قلنا ليس معهم جهاز استقبال، ولذلك قال الله له فيهم:
} وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ{ (198الأعراف)
لكن الظاهر يروه، ولا يرون النور الإلهى الربانى الذى يوجد داخل هذا الظاهر.
وحضرة النبى صلى الله عليه وسلم كان دعاؤه مجاباً، فما دعا الله فى أمرٍ إلا وأجابه مولاه، ويوجد معنا آلاف الروايات فى هذا المجال التي تبين كيف استجاب الله له دعاءه، وكان دائماً ملتزماً مع صلاة الصبح – أحياناً بين ركعتي السنة والفريضة، وأحيانا بعد التشهد فى السنة أو الفريضة – كان دائما يقول:
{ اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي لِسَانِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، اللَّهُمَّ وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، وَاجْعَلْ أَمَامِي نُورًا، وَمِنْ خَلْفِي نُورًا، اللَّهُمَّ وَأَعْظِمْ لِي نُورًا }[5]
يطلب من الله أن يجعله كله نور، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم نور الله عزوجل، فالله عزوجل نور، والنبي صلى الله عليه وسلم نور، والقرآن الذى أنزله الله لنا نور:
} مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ { (52الشورى)
زود الله لنا في الآيات شيئاً آخر؛ أن الهداية بيد الله: ﴿ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى﴾ (120البقرة). ولكن جعل فى القرآن هداية، وجعل لحضرة النبي أيضا هداية: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ (52الشورى).
نور الإيمان
إذاً الله نور، والرسول صلى الله عليه وسلم نور، والقرآن نور، من الذى ينتفع بهذا النور؟ من وهبه الله عزوجل من عنده فى قلبه نور، فيُدرك هذه الأنوار ويتفقه فى هذه المعانى والأسرار، ويستجيب لله عزوجل فى كلِّ أمر على إختلاف الليل والنهار، وعلى اختلاف الأوامر فى كل الأدوار، لأن الله جهَّزه بذلك فجعله من المؤهلين لحسن الإتباع للنبيِّ المصطفى ولكتاب ربِّ العالمين عزوجل.
إذاً من فضل الله علينا أن الله عزوجل جعل لنا نور الإيمان فى قلوبنا، …. ثم زاد الله عزوجل من فضله وجوده بعدما وضع النور …… كَتَبَ الإيمان بذاته …. لكي لا يمحوه أحد …. أو يغيره أو يبدِّله:
} أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ { (22المجادلة)
من الذى كتب فى قلبى وقلبك الإيمان؟ الله عزوجل!! وهل بعد أن كتب ربُّنا الإيمان – هل يستطيع الشيطان أن يغيِّر لنا الإيمان؟ لا، ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾ (65الاسراء) – من جهة الإيمان، أما سلطانه أن يوسوس لنا فى لحظات السهو والغفلة والنسيان لكي نعصى، أو نبتعد، أو نتكاسل عن أداء ما كتبه الله لنا عزوجل.
والله عزوجل – من أجل ذلك – فتح لنا على الدوام العبادات والقربات لكي يمحو كل الإساءات وكل السيئات، وكل السهو والغفلات التى فعلها الإنسان، والتى فعلها عن وسوسة الشيطان، أو عن دسائس النفس، أو عن قرين السوء الذى زين له أمر من الأمور، فدعانا الله وقال لنا:
{ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ {(10إبراهيم)
ولكن تعالوا بين يدى الله للخمس فرائض التى كتبها الله لكي تجدوا مغفرة الغفور، وتوبة التواب، وعفو العفو عزوجل، ولكن بيَّنها لنا حضرة النبىُّ وقال لنا فيها:
{ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا }[6]
إذا أتينا للقاء الله استجابة لنداء الله يغفر الله لنا عزوجل!! لماذا؟ لأن أصل الإيمان ثابت ولم يتغير ولم يتحول، لأن الذى كتبه هو مقلب القلوب عزوجل.
مثل نوره
وجعل الله عزوجل للشيطان حدوداً لا يستطيع أن يتجاوزها إلى الإطار الذى وضعه فى قلبك للإيمان – لأنه محفوظ بحفظ الرحمن؛ لا يقدر الشيطان أن يدخل إلى قلب أى مؤمن، ولكن يوسوس له فقط. وأين يوسوس له؟
﴿ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ﴾ (5الناس).
الوسوسة هنا فى الصدور، ولكن القلب لا يستطيع الشيطان أو أى جان أن يقترب من قلب أهل الإيمان، لأن نور الإيمان يحرقه فوراً؛ لأنه من نور حضرة الرحمن عزوجل. وما وصف النور الذى يوجد فى قلوبنا؟ ربنا عزوجل وصفه لنا – اليوم – لكي نعتز به، ونهتم به، ونعرف قدرنا وقيمتنا عند ملك الملوك عزوجل:
} اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ { (35النور)
أى كائن فى ملك الله أو ملكوته فيه شفافية، أو نورانية، أو روحانية، أو شيء يدل على الإلهام، يكون ذلك نتيجة قبس النور الذى نزل عليه من عند الملك العلام عزوجل، لكن ما شكل نوره فى صدورنا أو فى قلوبنا؟!! ﴿ مَثَلُ نُورِهِ ﴾ فى قلب العبد المؤمن – مثلٌ ربُّنا ذَكَرَهُ لكي نفهم هذه الحقائق، ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ (43العنكبوت) – مثل نجفة كبيرة فيها مصباح واحد، والمصباح من زجاج والنجفة لا يوجد بها نور، وهذا زجاج شفاف لكن فيه مصباح يستمد الكهرباء وإذا استمدها ينوِّر، فينوِّر المصباح كلُّه والمشكاة كلُّها.
فجسمك أنت هو المشكاة، وقلبك هو الزجاجة الرقيقة الشفافة الروحانية التى أوجدها فيك الله جلَّ فى عُلاه، وجعل فى وسط هذا القلب مصباحاً – وهو الإيمان الذى ينير هذا الكيان، وينير الطريق للإنسان فى الحياة الدنيا لينال فيها رضا الرحمن، وإذا اهتدى بهذا الإيمان سيسير ويعرف الحلال من الحرام، ويعرف الطيب من الخبيث، ويعرف السيء من الأسوأ، ويعرف الحسن من الأحسن؛ يميز به بين الناس، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ }[7].
وقال الله عزوجل عن المؤمنين: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ﴾ (122الانعام). وهذا هو نور الإيمان يا أحباب، والله يعلم أننا فى الدنيا فى ظلمات لا عدَّ لها، غير الظلمات التى نحن فيها الآن ظلمة الليل، فهناك ظلمة الكفر موجودة فى الأكوان، وظلمة الزور الذي انتشر فى كل مكان، وظلمات الباطل التي يستهويها كثير من بنى الإنسان، وهناك ظلمة الشهوات التي تعمى الإنسان عن طريق الحق القويم والمنهج المستقيم إذا غلبته الشهوة يضرب بالشريعة عرض الحائط لكي ينال شهوته، أو يحصل على لذته.
وما الذى يجعل الإنسان يتغلب على كل ذلك؟ نور الإيمان الذى جعله فى قلبه حضرة الرحمن عزوجل، ﴿ مَثَلُ نُورِهِ ﴾ فى قلب عبده المؤمن ﴿ مِشْكَاة ﴾ – وهى جسمه – ﴿ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾ – وهو الإيمان، وأين المصباح؟
﴿ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ﴾، وهو القلب الشفاف النورانى النقى الصافى،
﴿ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ }، من أين تأتى؟ ﴿ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ ﴾ (35النور)، وهى شجرة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) صلى الله عليه وسلم، ﴿ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ ﴾ لأن الشرق – ربنا رمز له فى القرآن، والغرب رمز له فى القرآن: ﴿ مَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ َ ﴾ (44القصص)، فالغربية يعنى يهودية أو موسوية، والشرق: ﴿ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ﴾ (16مريم). وماذا يعنى الغرب؟ يعنى أن شمس الروح ليست مشرقة عليه؛ فكل همِّه فى الدنيا وجمعها، والحصول على شهواتها ومناصبها وحظوظها وأهوائها، مثل اليهود. والشرق أى أنه مهتم بالإشراقات ويتوجه إلى الله بالكلية بالعبادات مثل الرهبان والأحبار، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {لاَ رَهْبَانِيَّةَ فِي الإِسْلاَمِ}[8] ـ ولكن المسلم جعل الله عزوجل فى دينه وفى سلوكه قوام الدنيا وصلاح الآخرة؛ لأن معه المنهج الأكمل الذى نزل به السيد الأكمل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الحفاظ على نور الإيمان
وكل المطلوب من المؤمن لكي يسير على هذا النور على الدوام – ما هو؟ أن يجعل زجاجته شفافة، ولا يجعل دخان الذنوب والمعاصى يسترها ويغطيها ويحجب النور الموجود فيها؛ ويسير مثل الأعمى لا يرى ولا يعرف الحق ولا الحقيقة. فعليه على الدوام أن يحافظ على هذه الزجاجة، وقرأ صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى فى سورة المطففين:
﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ﴾ (المطففين).
والآية واضحة!! ران: أى غطّى، والذى يغطى على القلوب ما يكتسبوه من الذنوب والمعاصى والسيئات والغفلات، فتبدأ تغطى – وفى هذا الوقت تضعف الرسالات الإلهية التي تأتى للقلب، وتقل الإشارات النورانية – التي يصدرها القلب للأعضاء؛ ويسير الإنسان كما أمر ربنا، ولا يسير وهو حيران فى الدنيا؛ ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾، لا يأتى لهم إلهام ولا نورانية، ولا توفيق ولا تأييد، ولا تعضيد ولا تعزيز، ولا فيه إجابة ولا إغاثة إذا استغاث أو دعا الله عزوجل؛ لأن الخط مقطوع بينه وبين الله. فحضرة النبى لما قرأ الآية قال:
{ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ:
} ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ {}[9]
فتسوَّد الزجاجة الشفافة!!
لو جئنا بأى مصباح وطلوناه طلاءًا أسوداً، هل نرى نورها؟
لا، نفس الحكاية!! إذا أذنب العبد ذنبا كان نكتة ـ ليست نقطة ولكنه قال: نكتة ونكته أى أثر يترك أثرا ـ فإذا توالت الذنوب فذاك الران أى يزداد الغطاء.
فإذا سار الإنسان فى دنياه فى عمى عن حضرة الله وعن المنهج الصحيح الذى ارتضاه له الله، وعن الطريق القويم الذى سار عليه سيدنا رسول الله!!!
فإنه يتخبط فمرة يُصيب وثلاث مرات يُخطئ، فيتخبط هنا وهناك!!
لماذا؟
لأنه لم يستخدم بكفاءة الآلة الربانية التى جعلها فى قلبه – عزوجل، لكي تنير لنا كل حياتنا الكونية، الشمس تنور الأرض، لكن الإيمان ينير القلوب!! الشمس تنير الأرض ونعرف نسير ونعرف الطريق، والإيمان يضىء القلوب ويوضح لنا كيفية المسير إلى اللطيف الخبير، فتجعل الإنسان يسير دائماً بنور الله، ويعرف ما الذى يحدث هنا، وسيكون مثل الجماعة الذين يقول الله فيهم:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ﴾ (9يونس)
يهديهم عن طريق الإيمان.
فالإيمان هو الميزان الذى يسير به، وهو الكشاف الذى يكشف به كل الأمور؛ وأي شخص يُشاوره فى رأى فيُلهمه الله بالصواب، وأى شخص يحاول أن يأخذه إلى طريق فسيكتشف بنور الله فيعرف هل يمشى معه أم لا!
والذى يسير بهذه الكيفية يا أحباب سيكون فى الدنيا ما شكله؟!! سيكون شكله مثل الجماعة الذين يقول فيهم الله:
}إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ { (30فصلت)
إذا لم يجد أعواناً من الإنس ستأتى له معونة من الملائكة، ويكونون طوع أمره، ويقولون له: نحن رهن إشارتك!! ويسهل الله له كل أمر، ويُيسِّر الله عزوجل له كلَّ حال!!
وهذا السلاح الفعال الذى فعله سيدنا رسول الله فى أصحابه المباركين؛ وهو السلاح الفعال الذى سار به الصالحون إلى يوم الدين!
وهو السلاح الفعال الذى يجرِّب به الصالحون الأحباب من الأتقياء وأهل الخشية أجمعين؛ لكي يسيروا دائماً فى الدنيا بنور الله، فينهض الإنسان لا يُخشى عليه طالما يسير بنور الله، فلا تخشى عليه شرًّا قطّ، لأنه فى حفظ الله، وفى رعاية الله، وفى كنف الله، وفى ستر الله، ومعه معونة الله، ومعه إمداد الله.
قال الله تعالى فى كتاب الله:
] إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا [ (النحل128).
معهم بلطفه وتوفيقه وتأييده، وإلهامه وعلمه وحلمه …
ومعهم بكل كنوز فضل الله، وخير الله، وبرّ الله ….
والذى معه الله يا هناه فى هذه الحياة!! يقول له الله:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
كل الذى يريده فى الدنيا سيأتى له ولا ينقص من أجره فى الآخرة شيء:
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ (97النحل).
الشكر على نعمة الإيمان
إذا أكرمه الله عزوجل بهذه الكرامة، وبقي معه هذا النور الذى يسير به شكراً على هذه النعمة، فلابد أن يحاول أن يأخذ بأيدى عباد الله لكي يكونوا مثله ومعه:
} يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ { (35النور)
ففرض عليه شكراً لله على عطاء الله :
-
أن يحاول أن يأخذ بأيدى الآخرين, وأن يدلهم على الطريق القويم، والمنهج المستقيم الذى سار عليه؛ وهو منهج رسول الله وصحبه الكرام والتابعين والصالحين من أهل الله أجمعين فى الدنيا إلى يوم الدين.