Sermon Details
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خصَّنا من بين خلقه أجمعين، بأكبر مِنَّة وأعظم نعمة أرسلها إلى الخلق من البدء إلى الختام، وهو سيدنا مُحَمَّدٍ عليه من الله أفضل الصلاة وأتم السلام. والصلاة والسلام على الحبيب المحبوب، الذي جعل الله U محبَّته عامرةً في القلوب، وسرَّه عند ربِّه مكنون في عالم الغيوب، وبيمناه وحده طهور المشروب الذي مَنْ سقاه بيده كان لله U وليًّا ومطلوب.
اللهم صَلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا مُحَمَّدٍ وآله النجباء، وأصحابه الأتقياء الأنقياء، وورثته ورثة النور والعلم والهدى والحكمة والبيان، وكلِّ مَنْ سار على هديه إلى يوم الدِّين، وانظمنا في عقدهم، وامنحنا مددهم، واجعلنا في زُمرتهم في الدنيا ويوم الدين وفى جنة النعيم، آمين .. آمين، يارب العالمين.
إخواني وأحبابي: بارك الله U فيكم أجمعين
بداية أشكر باسمكم فضيلة الشيخ محمود (مدير أوقاف إسنا) على تشريفه لنا، وفضيلة الشيخ عسكر، وإن كنت – أقول ذلك من قلبي – كنت أودُّ الاستزادة من علمهما، فإني أرى بعين الله علوماً ناتجة عن تقوى الله جلَّ في علاه.
ونحن في هذه الليلة من ليالي رسول الله r ينبغي علينا أجمعين أن نطالع في حضرته، وأن ننظر في أنوار سيرته، وأن نقتبس من فِيهِ طرائف حكمته، لنعلم قَدْرَنا عند الله إِذْ خصَّنا بهذا الحبيب صلوات ربى وتسليماته عليه.
نحن لو عرفنا ما لنا عند الله ببركة رسول الله، وسجدنا بين يديه إلى يوم الدين، ما وفَّينا ببعض ذرة من نعم الله الواردة إلينا ببركة سيد الأولين والآخرين r. والله U هو الذي يذكِّرنا في قرآنه بهذه النعمة التي لا يضارعها في الدنيا ولا في الآخرة نعمة!! ﴿(#rãä.ø$#ur |MyJ÷èÏR «!$# öNä3øn=tæ ﴾ ما هذه النعمة؟ ﴿øÎ) ÷LäêZä. [ä!#yôãr& y#©9r‘sù tû÷üt/ öNä3Î/qè=è% Läêóst7ô¹r‘sù ÿ¾ÏmÏFuK÷èÏZÎ/ $ZRºuq÷zÎ) ﴾ (130آل عمران).
ونحن أهل الإسلام، وأهل مصر والعرب والمسلمين غير المنتسبين للجنس العربي – كلُّنا في هذا الوقت والحين – في أَمَسِّ الحاجه إلى نعمة الأُلفة التي جاء بها سيِّد الأولين والآخرين r. وذكَّرنا الله U بهذه النعمة لنعلم – علم اليقين – أن الأمة طالما كان أهلها جميعاً في ألفة ومودَّة ومحبَّة، وشوق وعطف، ورحمة وحنان، فهي في عناية الرحمن، تتنزل عليها الخيرات من السماء، وتخرج عليها البركات من الأرض، ويستعصى على أي إنسان – كائناً من كان – أن يفرِّق جمعهم، أو يشتِّت شملهم، أو يهزم جيشاً لهم.
كل ما تتعرض له الأمة – إن كان من فُرقَة وشتات – هو السبب الأساسي في جميع المحن التي نتعرض لها في هذه الأوقات، ولذا نحن يا أحباب – في أيام حضرة النَّبِيِّ- أدعو نفسى وإخوانى جميعاً أن نتكاتف ونتعاون ونتآزر، أن نضع أيدينا فى أيدي بعض، ونضع الخلافات كلَّها جانباً، ولا يكون عندنا أغلى من الحب لله، ولا أعظم من الحبِّ في رسول الله r.
سيدنا رسول الله r وصفه الله لنا في الآيات القرآنية في مواضع لا تحدّ – لكى لا يأتي أحد من المتشددين ويقول: لماذا تزيدون فى محبَّة حضرة النَّبِيِّ؟ – من الذي يستطيع أن يوفِّيه قدره؟!! الإمام ابن الفارض t – الذي ملأ الدنيا بالقصائد في العشق فى الذات الإلهية، والمدح والثناء للحضرة الربانية – رُوىَ عنه أنه لما توفاه الله رآه أحد أصحابه في المنام، فقال له: ياسيدي لِـمَ لَـمْ تمدح رسول الله r في نَظْمك – أي: في شعرك؟ فقال الرجل – من عالم البرزخ بعد أن مات جسده في دار الدنيا:
| أرى كلَّ مَدْحٍ في النَّبِيِّ مُقَصِّــــــــــــرا | وَإِنْ بَالَغَ المُثْنِي عَلَيْهِ وَأَكْثَرا | |
| إِذَا كَانَ اللهُ أَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ | فَمَا مِقْـــــدَارُ مَا يَمْدَحُ الوَرَى |
الذي يريد أن يرى مدح رسول الله يراه في كتاب الله, بضع كلمات من آية تحتاج في فك رموزها إلى كتب، لو كتبت بالأقلام تملأ الدنيا من البداية إلى النهاية، ما هذه الآية؟ ﴿!$tBur »oYù=yör& wÎ) ZptHôqy úüÏJn=»yèù=Ïj9﴾(107الأنبياء).
لكي ترى رحمة رسول الله للإنس والجن، والمسلمين والكافرين، والحيوانات والطيور والحشرات والأسماك في البحار، والملائكة في ملكوت الله، وغيرها من الأشياء التي تَشْهَدُ على عظمة قدرة الله، يحتار اللبيب الفصيح في هذا الأمر إلا إذا ألهمه الله في ذلك علماً جلَّ في علاه،.
ونحن ربُّنا U يقول لنا: ﴿s% öNà2uä!$y_﴾!! مرَّةً يقول لنا: ﴿ôs% Nà2uä!%y` ÆÏiB «!$# ÖqçR Ò=»tGÅ2ur ÑúüÎ7B﴾ (15المائدة). وكما جاء لأهل زمانه جاء لنا ولمن بعدنا إلى أن يرث الله Uالأرض ومن عليها، ما الذي جاءنا من الله؟ (نُورٌ)!! و(كتاب مبين)، لو كان الكتاب المبين هو النور ما جاء الله U بينهم بواو العطف، لأن واو العطف تقتضى المغايرة، (نور)، و(كتاب)، لو كان الكتاب هو النور لكانت الآية (قد جاءكم من الله نورٌ كتاب مبين)، فلو قلت: جاء محمد وإبراهيم، فهذا شخص وهذا شخص, ولو قلت: جاء محمد إبراهيم، فهو شخص واحد وإن تعددت الأوصاف، لكنه شخص واحد. فالنور شيء والكتاب شيء, يذكرنا ربُّنا في هذه الآية بالنور الأعظم الذي وضعه الله U في قلوبنا، والذي ورد في الحديث الذي يقول فيه r : )إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَهُمْ فِي ظُلْمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَخَذَ مِنْ نُورِهِ فَأَلْقَاهُ عَلَى تِلْكَ الظُّلْمَةِ، فَمَنْ أَصَابَهُ النُّورُ اهْتَدَى، وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ ( ([1]).
نور الإيمان مَنْ الذي رَكبه لنفسه؟ أم اشتراه؟، أو اقتناه أو جاء به؟ لا يوجد أحد لا من الأولين ولامن الآخرين!! ﴿$tB |MZä. Íôs? $tB Ü=»tGÅ3ø9$# wur ß`»yJM}$# `Å3»s9ur çm»oYù=yèy_ #YqçR Ïök¨X ¾ÏmÎ/ `tB âä!$t±®S ô`ÏB $tRÏ$t6Ïã ﴾ (52الشورى)، الإيمان نفسه هدية من الله، عطية من الله، ببركة نور الله الذي استودع في قلوبنا ذرة منه، ونور الله هو نور حبيب الله ومصطفاه r. وحتى ربنا U ذكرنا أن كل أعمال الإيمان الفضل فيها، والقيام بها، بمعونة حضرة الرحمن!! هو الذي حبب إلينا الإيمان، وزيَّنه في قلوبنا: ﴿|=¬7ym ãNä3øs9Î) z`»yJM}$# ¼çmuZyur Îû ö/ä3Î/qè=è% ﴾ (7الحجرات)، وهو الذي كرَّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان!! وهو الذي اصطفانا وجعلنا من الراشدين.
ولذلك ذكرنا دائماً أن نتلو في كل ركعة من ركعات الصلاة ما به نُقِرُّ ونعترف بمعونة الله وفضل الله علينا في طاعة الله، فنقول كما علمنا الله: ﴿x$Î) ßç7÷ètR y$Î)ur ÚúüÏètGó¡nS ﴾(5الفاتحة). لا نستطيع أن نعبده إلا بتوفيقه ومعونته، ولا حول لنا عن معصيته إلا بحفظه وصيانته، فالأمر كله والفضل كله: ﴿ö@è% ¨bÎ) @ôÒxÿø9$# ÏuÎ/ «!$# ÏmÏ?÷sã `tB ä!$t±o﴾ (73آل عمران).
هذا الفضل العظيم يا أحباب ذكَّرنا الله U به في القرآن حتى نعرف أن نور الرحمن وهو نور الإيمان السابق لنا قبل ظهور الأكوان، سيأتي نور الله اللاحق وهو نور النبي العدنان ومعه نور القرآن!! والقرآن نور، والنبي نور، والإيمان نور، والله نور، إذا وقع النور على النور يصير المرء كما قال الله: ﴿ îqR 4n?tã 9qçR 3 Ïöku ª!$# ¾ÍnÍqãZÏ9 `tB âä!$t±o ﴾ (35النور).
ومرَّةً يقول الله U لنا معدِّداً لنا حرص نبينا علينا: ﴿ôs)s9 öNà2uä!%y` Ñ^qßu ô`ÏiB öNà6Å¡àÿRr& îÍtã Ïmøn=tã $tB óOGÏYtã ëÈÌym Nà6øn=tæ úüÏZÏB÷sßJø9$$Î/ Ô$râäu ÒOÏm§ ﴾ (128التوبة). وكل صفة من هذه الصفات تحتاج إلى كتب وقواميس ليس لها أولية ولا أخريه، لا بداية ولا نهاية!! من أين هذا الرسول؟ (مِنْ أَنْفُسِكُمْ)، وهناك قراءة: (مِنْ أَنْفَسِكُمْ) ،هذا صحيح وهذا صحيح، لكن ما الذي بعدها؟ ﴿Ítã Ïmøn=tã $tB óOGÏYtã ﴾، وهذه محتاجه وقفه …
سيدنا رسول الله r شملنا بعطفه أجمعين، وشمل الأمة بعطفه إلى يوم الدين، وشمل برحمته الأمة يوم القيامة في أشياء لاعدَّ لها ولا حدَّ لها. كلُّ أنبياء الله السابقين – كما ذكرنا القرآن – الذي كان يدعو لنفسه فقط، ولا يدعو لغيره لا من أهله ولا من أبناء أمته!! الذى يطلب من الله السلام عليه، وعلى نفسه فقط!! ﴿ãN»n=¡¡9$#ur ¥n?tã tPöqt N$Î!ãr tPöqtur ÝVqãBr& tPöqtur ß]yèö/é& $|ym ﴾ (33مريم). لكن سيدنا رسول الله كان لا هَمَّ له إلا هذه الأمة!! كاشفه الله U بما حدث للأمم السابقه – الذين كذبوا أنبياءهم ورسلهم فنزل عليهم عذاب الإستئصال، منهم من أطاح الله به بالغرق، ومنهم من أهلكه الله بالصيحة، ومنهم ومنهم، فأخذ يدعو الله U حتى قال له مولاه: ﴿ $tBur c%2 ª!$# öNßgt/ÉjyèãÏ9 |MRr&ur öNÍkÏù ﴾ مادمت أنت فيهم فليس هناك عذاب إستئصال، رفع الله عذاب الإستئصال – حتى للمشركين والكفار إكراماً للنبي المختار r – فلا يوجد عذاب استئصال إلى يوم القيامة. ونحن ماذا نفعل؟ أمر بسيط وسهل!! نلتزم الإستغفار: ﴿ $tBur c%x. ª!$# öNßgt/ÉjyèãB öNèdur tbrãÏÿøótGó¡o﴾ (33الأنفال). وهذه هي الطاعة والعبادة التي نسيتها معظم الأمة في زماننا هذا.
لو رجعنا للإستغفار، الروشتة الخاصه به في كلام العزيز الغفار: ﴿ (#rãÏÿøótFó$# öNä3/u ﴾ ماالنتيجة؟ ﴿ ¼çm¯RÎ) c%x. #Y$¤ÿxî ﴾ (10نوح) بهذا نكون قد ضمنا الآخرة، والدنيا؟ ما الذى نحتاجه فيها؟ الماء، نحتاج إلى المال، نحتاج إلى العيال، نحتاج أن نعيش عيشة فيها فخفخه – ﭬيلات وحدائق غنَّاء – كل ذلك في الإستغفار!! ﴿ È@Åöã uä!$yJ¡¡9$# /ä3øn=tæ #Y#uôÏiB . /ä.÷ÏôJãur 5AºuqøBr‘Î/ tûüÏZt/ur @yèøgsur ö/ä3©9 ;M»¨Zy_ @yèøgsur ö/ä3©9 #\»pk÷Xr& ﴾ (10، 11نوح).
فكان r هو الرافع للعذاب عن أهل الأرض جميعاً بعد بعثته، بسبب توجهه إلى الله U!! نظر r إلينا في آخر الزمان ورأى المشاكل التي نحن فيها، والتي نحن نخاف منها!! نخاف من ماذا؟ من الجوع، من الجيوش العاتية أن تجتاحنا وتهزمنا، من الشحِّ بالماء، فقال لنا لا تخافوا: )سَأَلْتُ اللَّهَ U ذِكْرُهُ أَلا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ، فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُ اللَّهَ U أَلا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ، فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُ اللَّهَ U أَلا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، فَمَنَعَنِيهَا(([2]).
فلا تهلك الأمة أبداً بقحط أو بجوع أو بلاءٍ يشبه ذلك، لأن الله عزَّ وجلَّ تكفَّل بذلك: ﴿`tBur È,Gt ©!$# @yèøgs ¼ã&©! %[`tøxC . çmø%ãötur ô`ÏB ß]øym w Ü=Å¡tFøts ﴾(2، 3الطلاق). وأحوال هذا الباب يراها الصالحون، ويرون فيه العجب العجاب من عناية الكريم الوهاب لهذه الأمة إكراماً لنبيِّ هذه الأمة الرؤوف الرحيم r.
قال سألت الله U ألا يهلك هذه الأمة بالقطر – يعنى: بقلَّة الماء – فقال: لك ذلك، فلا نخاف من أثيوبيا، ولا من سدِّ النهضة، لأننا معنا مددُ الله الذي لا ينفد.
وسيدنا عمر بن العاص t لما طلب منه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t وصف مصر ونيلها، ماذا قال في النيل؟!! قال: يا أمير المؤمنين، إن فيه عيوناً تُخرج الماء بإذن الله U. الماء الذي في النيل ليست هي التي تأتي من الحبشة، إنما هي العيون التي في النيل التي يُجريها مُنزِّل النيل، تخرج من القاع!! وحضرة النبيِّ r أخبر عن هذه الحقيقة فقال لنا: )نَهْرَانِ مِنَ الْجَنَّةُ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ( ([3]). ماذا تعني الجنة؟ يعني المكان المستتر الذي لا يراه إلا صاحب بصيرة!! نري مجرىً ظاهراً التي تأتي منه المياه التي معها الطميُّ، لكن هناك مجاري في قاع النيل لا يعلمها إلا العليم U، تجعل هذا النهر دائماً فياضاً بالخيرات والبركات.
وهناك دليل آخر: سيدنا عمرو t وجد أن أهل مصر كلَّ عام لكي يأتي الفيضان يأتون بعروسة – ويلبسونها أحسن الحلي، وأحسن الثياب، ويصنعون حفلاً كبيراً – ويلقون بها في النيل، لكي يأتي ماء النيل ويجري بعد ذلك!! فقال لهم: لا يكون ذلك أبداً في الإسلام. وأرسل إلى سيدنا عمر t، فقال له – في ردِّه: أَصَبْتَ، وأرسل له رسالة صغيرة – ذكرها كتاب التاريخ في فتوح البلدان وغيره: (مِنْ عَبْدِ اللهِ عمر بن الخطاب إلى نيل مصر: إن كنت تجري من عندك فلا حاجة لنا بك, وإن كنت تجري بأمر الله فَسِرْ على بركة الله)، وقال له: اصنع الحفلة، وبدلاً من أن ترمي العروسة إلقِ هذا الكتاب في ماء النيل.
هل هناك أحد يرمي ويرسل كتاباً للنيل؟!! لا أحد يستطيع أن يفعل ذلك إلا صنفٌ حضرة النبي r قال فيهم: ) إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ( ([4]). من هو المُحَدِّث ؟ الذي يتحدث مع الحقائق التي لا نراها كلها!! يتحدث مع الحَجَر، يتحدث مع الشَّجَر، يتحدث مع هذه الحقائق، لذلك هو الذي وقف أمام الحجر وقال له: (إنك حَجَرٌ لا تضرُّ ولا تنفع، ولولا أني رأيتُ رسول الله r يُقَبِّلُكَ ما قَبَّلْتُك). ولما حدث زلزالٌ في المدينة ضرب الأرض بدرته وقال لها: (قِرِّي واسكني، فإني أعدل على ظهرك)، فقرَّتْ في الحال.
الأرض تأتمر بأمره، والنيل يأتمر بأمره، والحجر يخاطبه ويسمع خطابه وردَّ جوابه. من هؤلاء يا إخوني؟ هؤلاء هم المحدثون الذين أخبرنا سيدنا رسول الله بوجودهم في الأمة، ومنهم سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تبارك وتعالى عنه.
فأرسل الرسالة إلى نيل مصر: (مِنْ عُمَرَ بِنِ الخطاب إلى نِيلِ مِصْرَ)، وهل النيل يقرأ أو يفهم أو يسمع الكلام؟!! لكن هذه عظمة الصالحين الذي نور قلوبهم الرحمة العظمى لجميع العالمين سيدنا رسول الله r. سيدنا عمرو عمل الحفل ورمى الكتاب – والنيل ليس فيه قطرة ماء على الأرض والناس تمشي على قاعه – فيحكي لنا كتَّاب التاريخ أنه في صبيحة ذلك اليوم فاض الماء قدر سبعة عشر ذراعاً!! وهذا ما أريد الوصول إليه: فمن أين جاءت المياه؟ هل جاءت من الحبشة أم من السودان؟ ليس من الحبشة وإنما جاءت من العيون الربانية التي تأتيها هذه المياه من الطبقات الأرضية، وسخر الله لها ملائكة علوية يقومون بهذه المهمة تصديقاً لحديث خير البرية r.
فلا نخاف أبداً، وكيف نخاف وكل واحد منا معه تفويض أعطاه له النَّبِيُّ r فإذا أردت الماء في أي زمان ومكان صلِّ ركعتين وادع الله – صلاة الاستسقاء – تجد الله استجاب لك في الحال. هذا التفويض مع كل مؤمن وهو صلاة الإستسقاء موجود مع كل مؤمن في كل بقاع الأرض، من عصر النبوة إلى أن يرث الله Uالأرض ومن عليها.
فطمأننا سيدنا رسول الله r أنه لن يحدث قحط، ولن يحدث شحٌ في الماء: )سَأَلْتُ اللَّهَ U ذِكْرُهُ أَلا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُ اللَّهَ U أَلا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُ اللَّهَ U أَلا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا(([5]). فلا تخاف من أمريكا ولا مَنْ مع أمريكا، لأن الله لن يسلطهم علينا أبداً، لأن لله قوىً إلهية خفيَّة، وأنتم عرفتموها، وكان يجهِّز بها جيش النبوة – ومن بعده من جيوش المؤمنين الصادقين إلى يوم الدين.
فأمريكا ليست عندها مصانع الرعب، لكن الرعب عندنا نحن، أسلحة جيوشنا: ﴿ t$xs%ur Îû ãNÎgÎ/qè=è% |=ôã9$# ﴾(26الأحزاب). أمريكا ليست معها سلاح الدعاء، وهذا سلاح سلَّحنا به وحصننا به ربُّ الأرض والسماء. أمريكا ليست عندها سلاح تستطيع أن تزيد به قوة الفرد – مهما كانت نحافته – إلى عشر مرات، لكن نحن ربنا وعدنا بذلك: ﴿bÎ) `ä3t öNä3ZÏiB tbrçô³Ïã tbrçÉ9»|¹ (#qç7Î=øót Èû÷ütGs($ÏB﴾ (65الأنفال).
ومعنا أيضاً الأرض لو سلطناها على عدوٍ لانشقت وابتلعته، ومعنا البحار لو سلطناها على عدوٍ لأغرقته في مياهها، ومعنا الرياح لو سلطناها على عدوٍ مبين لدكَّت كل مبانيه وناطحات سحابه، كل هذه قوى إلهية جاهزه لجيوش المؤمنين لكن بشرط أن يوثق العبد قلبه بربِّ العالمين U. وثِّق قلبك بالله تجد كل الأسلحه الإلهية طوع إرادتك وفي خدمتك، بل إن الله U يُنزِّل الملائكة لتقاتل معك أعداء الله!! ولذلك لا يوجد أُمة أبداً تستطيع أن تجتاح المسلمين – من أول بعثة النبيِّ إلى يوم القيامة.
بل العجب العجاب، أن كل الأمم القاهرة التي قهرتْ مَنْ حولها، عندما جاءت إلى المسلمين تركت دينها، وتخلَّت عن أصولها، وتحوَّلتْ إلى دين الله U!! مثل التتار عندما جاءوا عندنا هنا، ذهبت عجرفتهم وغطرستهم وتحولوا إلى مسلمين، لماذا؟ لأن المسلم له هيبة يهابه منها كلُّ شئ، إذا كان في قلبه خشية الله، وتقوى الله جلَّ في علاه.
بقى معنا الشيء الذي حذرنا منه رسول الله r، قال: (سألت الله U ألا يجعل بأسكم بينكم شديد فمنعت من ذلك)، فالمشاكل كلها من أين؟ نحن مع بعضنا!! الخلافات والعصبيات والتنافس في الفانيات، وكل هذه الأمور الدنيويات هي سِرُّ المشاكل التي نحن فيها جماعة المؤمنين، نريد أن نتخلص من هذه المشاكل، ماذا نفعل؟ ﴿ (#qßJÅÁtGôã$#ur È@ö7pt¿2 «!$# $YèÏJy_ wur (#qè%§xÿs? ﴾(13آل عمران).
ولذلك أنا أدعو من هذا المكان – كما أدعو من أى مكان – إخواني المسلمين أجمعين، نريد أن نتمسك بالأصول التي جاءنا بها شرع الله، والخلافات محلها الفروع أو الهوامش، نتخلَّى عن الجدال فيها، وعن التعنت والشدة فيها، ونتركها لأهلها وذويها، وإن شاء الله عن قريب عندما تستقر الأمور سوف يجتمع كبار العلماء ويقرروا حكماً واحداً في هذه الأشياء، لكي تكون الأمة كلها على قلب رجل واحد تقيٍّ نقيٍّ. لكن كل يوم، وكل مجلس، وكل درس: الصلاة في مسجد به ضريح ماحكمها؟!! النقاب فريضة أم سُنَّة؟!! اللحية فريضة أم سُنَّة؟!! آذان واحد يوم الجمعة أم آذانان؟!! كل هذه الأمور الشكلية من الفروع، وسيدنا رسول الله r علَّم أصحابه الكرام أن يتغاضوا عن الخلاف والإختلاف في هذه الشكليات.
تعالوا بنا نرى الذين تعلَّموا في مدرسة النبوة: سيدنا عثمان بن عفان t، عند إمامته للمسلمين – وكان يحجُّ بالناس في بيت الله الحرام – ففي يوم عرفة، أو في منى، كما تذكر بعض الروايات الأخرى، ومعروف لدينا أن يوم عرفة يصلي فيه المسلم الظهر ركعتين والعصر ركعتين جمع تقديم سُنَّة عن حضرة النبي r – سيدنا عثمان رأى أن الناس الجُدُد في الإسلام ظنُّوا أن هذا من شريعة الإسلام، وأن هذه فريضة في الإسلام، فأراد أن يعرِّفهم أن هذه رخصة وليست فريضة، فصلَّى يوم عرفة الظهر أربعاً والعصر أربعاً – وأرض عرفة واسعة، يستحيل أن أهل عرفة جميعاً يصلون خلف إمام واحد.
فذهب بعض المتربصين السوء – وهؤلاء في كل زمان ومكان، وهم الذين يشعلون الخلافات بين المسلمين، والذين زادوا المشاكل بين المؤمنين، ولا يريدون أن تكون أمور المؤمنين مستقرة أو أحوالهم مَرْضِيَّة، إنما يريدون دائماً شحناء، بغضاء، كُره، خِلاف، جدال، خصام، هؤلاء طائفة من المنافقين وإن كان في ظاهرهم أنهم مسلمين، لأنهم لايريدون الخير للإسلام ولا للمسلمين – فذهبوا لسيدنا عبد الله بن مسعود وهو في خيمته وقالوا له: أريت ماصنع عثمان في هذا اليوم؟ قال: وماذا صنع؟ قالوا: صلَّى الظهر أربعاً والعصر أربعاً.
فقال: صليتُ مع رسول الله r الظهر ركعتين والعصر ركعتين، وصليتُ مع أبي بكر الظهر ركعتين والعصر ركعتين، وصليت مع عمر الظهر ركعتين والعصر ركعتين، وصليت مع عثمان في صدر خلافته الظهر ركعتين والعصر ركعتين – وكان هذا الأمر بعد الخلافة بخمسة سنين، كما هي عادة المفتنين أوصوا بعضهم أن يتلكأ في الخيمة لينظر صلاته، فقام الرجل وصلَّى الظهر أربعاً والعصر أربعاً، فقالوا له: لِـمَ صلَّيْتَ أربعاً أربعاً؟ فقال لهم: الخلاف شرٌّ. علَّمهم سيدنا رسول الله أن الخلاف شرٌّ. ولماذا أختلف مع أخى؟!! هذه رخصة من أخذ بها فله ذلك، ومن أراد الإتمام فله ذلك، ولا ينبغي الخلاف في ذلك.
تركوه وذهبوا إلى سيدنا أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه فقالوا له نفس الكلام، فأعاد لهم ما قاله لهم بن مسعود، فتلكأوا في الخيمة أيضاً، فقام وصلى أربعاً أربعاً!! فقالوا له: لِـمَ صَلَّيْتَ أربعاً أربعاً؟ قال لهم: الخلاف أشدّ. كيف لي أن أختلف مع أمير المؤمنين في أمر لا ينبغي الخلاف فيه بين عوام المسلمين.
هذه يإ إخواني هي الشكليات التي يقيمون المعارك الحامية الوطيس من أجلها – في الجامعات، وفي المساجد، وفي القرى، وفي المدن – وللأسف بعضهم يخرج عن طوره، ويسبُّ ويشتمُ ويلعن ويُجَهِّلُ العلماء الأجلاء!! وهل هذا هديُ سيِّد الرسل والأنبياء؟ لقد كان r كما قيل في شأنه: ) لَيْسَ بِفَظٍّ، وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا صَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَتَجَاوَزُ( ([6]). وما أحوجنا إلى هذا الخلق الكريم جميعاً الآن!! وخاصة أنه عندما وصف أهل الإسلام وأهل الإيمان سُئل: من المسلم؟ قال: )الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ( ([7]) .حُكم رسول الله.
فنحن جميعاً معنا الميزان الذي نزن به أحوال المسلمين، كل من رفع سلاح على مؤمن أيكون مسلماً؟ لا، ) مَنْ رَفَعَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا (([8]). حديث سيدنا رسول الله r، فكيف ترفع السلاح على مؤمن؟ كل من يتطاول على مؤمن – بسبٍّ أو شتمٍ أو كلامٍ قبيح – يكون في هذه اللحظة ليس بمسلم، لأن المسلم لابد أن يَسْلَمَ من لسانه المسلمون أجمعون. حتى الكلام القبيح لا ينطق به مؤمن، لأن المؤمنين يعملون بقول ربِّ العالمين: ﴿ (#ÿrßèdur n<Î) É=Íh©Ü9$# ÆÏB ÉAöqs)ø9$# ﴾(24الحج)، هؤلاء لا يخرج منهم إلا الألفاظ المنتقاه.
اسمعوا معي عبارة أصحاب رسول الله في وصف كلامهم، وهم كانوا كما قال فيهم سيدنا رسول الله: ) عُلَمَاءُ حُكَمَاءُ كَادُوا مِنْ صِدْقِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ ( ([9])، ماذا يقولون؟ كانوا يقولون: (كنا ننتقي أطايب الكلام، كما تنتقون أطايب الطعام). لا نتكلم بأي كلام، ينتقي اللفظة التي ترضي أخيه، التي تسرُّه وترفع قدره، التي ترفع روحه المعنويه. لكن الكلمة التي تسبب حقداً عند أخيه، أو تسبب ضيقاً أو كرهاً عند أخيه، لا يقولها مسلم لمسلم أبداً. لقد كانوا يمرنون أنفسهم على قول الخير حتى لغير المسلمين!!
ثم يأتي بعد ذلك إلى المؤمن، من المؤمن يا رسول الله؟ ) ليْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ، وَلَا بِلَعَّانٍ، وَلَا الْفَاحِشِ الْبَذِيءِ( ([10])، ما هذا؟ إنها أخلاق النبوة التي بها صلاح الحال وصلاح الأحوال، والقضاء على جميع المشكلات بين جميع الرجال، لأن كل المشكلات سببها كلمة جافية، أو لفظة نابية، أو لفظة قاسية، هي التي تسبب المشاكل بين الناس.
المؤمن يلتزم بما كان عليه سيدنا رسول الله r، ولا يفتح أبواب الجدال بين المؤمنين في الأمور التي لا ينبغي أن نتجادل فيها، حتى إذا كان هناك خلاف في الأصول فوراً نردُّ الأمر إلى أولى الأمر، تعالوا نحتكم إلى العلماء الأجلاء، وانتهت القضية.
لكن العصبية التي زادت عن الحدِّ، مع أنها من أوصاف الجاهلية، وقال فيها r: ) لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ( ([11]). الشيخ فلان كذا وكذا، والشيخ فلان كذا وكذا، لو تفحصت الخلافات تَجِدُ سَبَبُهَا الأساسي الوقوف عند آراء الأفراد!! هذا رأي الشيخ فلان!! هذا رأى الشيخ ابن تيمية!! هذا رأى الشيخ بن عبد الوهاب!! هذا رأى الشيخ الحويني!! هذا رأى الشيخ حسان!! هذا رأى الشيخ برهامى!! لو تركنا آراء الأشخاص وذهبنا إلى كتاب الله، وسنة رسول الله، وإجماع الأمة في المذاهب الأربعة التي أجمعت عليها الأمة بعد رسول الله، لن يوجد خلاف بين المؤمنين، ولن يوجد تنافس في هذه المتاهات بين المؤمنين، ولا ينبغي أن يوجد ذلك أبداً، لأن المؤمنين كما قال فيهم ربُّ العالمين: شدتهم على مَنْ؟ ﴿ä!#£Ï©r& n?tã Í$¤ÿä3ø9$# âä!$uHxqâ öNæhuZ÷t/ ﴾ (29الفتح).
فكان رسول الله r حريصاً على أمته فى الدنيا، وأرشدنا إلى ما نحن فيه الآن، وما ترك شاردةً ولا واردةً – حدثت أو ستحدث إلى قيام الساعة – إلاَّ وبيَّنها ووضحها صلوات ربي وتسليماته عليه.
أما حرصه علينا في الدار الآخرة، فهذا له حديث آخر. أسأل الله U أن يَعُمَّنَا برحماته، وأن يتنزل على قلوبنا بخيره وفضله وبركاته، وأن يرزقنا دائماً وأبداً الأدب مع حبيبه ومصطفاه، وحسن التعامل مع إخواننا المؤمنين أجمعين، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأستغفر الله من كل قول وعمل.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
*************
[1] – شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للألكانى، عن عبد الله بن عمرو بن العاص .
[2] فضائل المدينة للجندي ، عن سعد بن أبي وقاص
[3] – المنتظم في تاريخ الأمم لابن الجوزي
[4] – صحيح البخارى،عن أبي هريرة t
[5] فضائل المدينة للجندي ، عن سعد بن أبي وقاص
[6] – صحيح البخاري ، سنن الدارمى
[7] – صحيح مسلم
[8] -المستند المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم
[9] حلية الأولياء لأبي نعيم
[10] مسند أحمد بن حنبل
[11] الآداب للبيهقي