الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والشكر لله الدائم على جميل نعمه في جميع الأوقات. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، تكفَّل بحفظ المؤمنين والمؤمنات. وأشهد أنَّ سيدنا مُحَمَّداً عَبْدُ الله ورسولُه، فاتح هذه النفحات، وسِرِّ هذه البركات. اللهم صلِّى وسلم وبارك على سيدنا محمد صلاة دائمة متلازمة في جميع الأوقات، من بدء البدء إلى نهاية النهايات، وآله وصحبه وكل من تبعهم على هذا الهنا، وعلينا معهم أجمعين. أما بعد …
أيها الإخوة الحضور: قال رسول الله r لمن يريد الزواج، ولمن طُلبت للزواج موضحاً الأوصاف التي ينبغي أن يبحث عنها الشاب المؤمن، والصفات التي ينبغي أن تبحث عنا الفتاة ووليُّ أمرها: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دسَّاسٌ)[1]. يتخيَّر من البيوت الطيبة التي تطيع الله وتراقب الله، يأكلون الحلال ويجتنبون الحرام. ويقول r لوالد الفتاة وللفتاة: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلاَّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير)[2].
فيا ليتنا نرجع إلى الشروط النبوية في زواجنا!! فيتحرى الشاب البيت الصالح والذي تخرج منه المرأة الصالحة والتي يقول فيها حبيبنا r: المرأة الصالحة كنز من كنوز الجنة، يعجله الله له في دنياه!! (إذا نظر إليها سرَّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته)[3].
ويطلب من الفتاة وولي أمر الفتاة أن لا يبحثوا عن صاحب المال، ولا صاحب الجاه، ولا صاحب العزوة، وإنما يبحث عن صاحب الدين والخُلُق، (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه).
ذهب أحدهم إلى العالم الجليل الحسن البصري رضي الله عنه وقال: يا سيدي إن ابنتي بلغت سن الرشد، وجاءها خاطبون، فلمَنْ أزوِّجُها؟ قال: زوجها صاحب الدين. قال: ولِـمَ؟ قال: إن أحبَّها أكرمها، وإن كرهها لَـمْ يُهِنْهَا. فجعل مقياس الصلاح والتقى والسعادة بين الزوجين في كل أدوارهم وحياتهم هي التقوى.
نسأل الله U أن يجعل في الزوجين روح التُّقى، وأن يجعلهما أتقياء أنقياء، وأن يعينهما على طاعته، وأن يجعلهما من أهل ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجنبهما المعاصي والفتن، من ظهر منها وما بطن، وأن يرزقهما الذرية الطيبة، ويتولاهما بولايته، ويجعلهم في الدنيا من أهل عنايته، وفى الآخرة من أهل جنته مع صفوة أحبابه من بريته.
وصلى الله على سيدنا محمد وعل آله وصحبه وسلم
*************
[1]روى ابن ماجه عَائِشَةَ رضي الله عنها بلفظ: ( تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ). وقال العراقي في تخريج الإحياء: حديث (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) رواه ابن ماجه من حديث عائشة رضي الله عنها مختصراً دون قوله: (فإن العرق). وروى أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس رضي الله عنه: (تزوجوا في الحجر الصالح فإن العرق دساس)، وروى أبو موسى المديني في كتاب تضييع العمر والأيام من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (وانظر في أي نصاب تضع ولدك فإن العرق دساس). وكلاهما ضعيف.
[2] ورواه الطبراني في المعجم الأوسط عن أبي هريرة بلفظ: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)، الترمذي وأبو داود عن أبي حاتم المزني رضي الله عنه بلفظ: (إ ذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
[3] رواه أبو داود والحاكم عن بن عباس رضي الله عنهما بلفظ: (ألا أخبرك بخير ما يكتنز المرء؟ المرأة الصالحة؛ إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته). وقال: حديث صحيح الإسناد.