سؤال: ما الآداب التي يجب أن يتحلى بها المؤمن في الأشهر الحُرُم؟
=======================================
الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها المؤمن في الأشهر الحُرم – وفي غير الأشهر الحُرم – هي ما قاله الله عزَّ وجلَّ: ﴿ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ﴾[36التوبة].أن يتحلى الإنسان بالخُلُق النبوي، وبالكمال القرآني فيمنع نفسه من ظلم نفسه، أو ظلم غيره.
ظلم نفسه بالإهمال في طاعة ربه، أو عدم المبالاة في تطبيق شرعه، أو عدم الإقتداء بحبيبه، وظلم غيره بأي نوع من أنواع الظلم. فإذا منع الإنسان نفسه من ظلم نفسه أو ظلم غيره فقد فاز وجاز، لأن العقبة الكئداء – التي تعوق المرء يوم العرض والجزاء – هي: ظلم الغير، فإن الله عزَّ وجلّ َقد يغفر له ما بينه وبينه، ويسامحه فيما فعله نحوه، لكنه يطلب منه أن يذهب إلى هؤلاء ويُقدم لهم المعذرة، ويطلب منهم الصفح والعفو فإنهم هم وحدهم الذين يمتلكون ذلك، يقول الله تعالى كما جاء بالأثر: {يا عبادي قد استمعت إليكم طويلاً فاستمعوا إلىَّ اليوم، أما ما كان بينكم وبيني فقد غفرته لكم، وأما ما كان بينكم وبين إخوانكم فتواهبوه فيما بينكم ثم ادخلوا الجنة برحمتي}.
إذن ما العقبة التي تعوق الإنسان يوم العرض والجزاء؟ إذا كان ظالما لأحد من خلق الله، فبعد أن ينتهي المرء من الحساب ويُتوجه به إلى الجنة، وقبل أن ينصرف من أمام ملك الملوك – في المحكمة الإلهية – ينادي مناد الله عزَّ وجلَّ – كما ورد في الأثر الذي تؤكد الأحاديث الصحيحة معناه – فينادى: من كان له مظلمة عند فلان فليخرج، فيتعلق الخلق به، يقول أحدهم: هذا غدر بي، ويقول: آخر: هذا سخر بي، هذا قتلني، هذا اغتابني، هذا سرقني! فيقول الله عزَّ وجلَّ: (وعزتي وجلالي لا تدخل الجنة حتى تُرضي خصمائك).
وقد ورد في الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: {أَتَدْرُونَ مَنْ المُفْلِسُ؟ قالُوا المُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ الله من لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. قالَ رَسُولُ الله: المُفْلِسُ مِنْ أَمَّتِي مَنْ يَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةِ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَد شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فيقعُدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصَّ عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ} (سنن الترمذي عن ابي هريرة). إذاً لابد للإنسان حتى يدخل الجنة بغير حساب أن يكون أرضى خصماءه في الدنيا، وخرج من الدنيا وليس عليه لأحد من خلق الله مظلمة يطالبه بها.
ولذا كان من أحوال العارفين الاهتمام البالغ بهذا الأمر، الإمام الشبلي رضي الله عنه وأرضاه في لحظة موته أشار إليهم أن وضئوني، وكان لا يستطيع الحركة، فقاموا بإجراء الوضوء على أعضاءه، فنسي الذي كان يوضئه تخليل لحيته، فأشار إلى لحيته يطالب بتخليلها، قالوا: حتى في هذه اللحظة لم ينسى تخليل لحيته!! لأنه كان حريصاً على حُسن الخاتمة، سألوه: ما الذي يهمك في تلك الساعة وأنت فعلت كذا وكذا من الصالحات؟ قال: لا يهمني غير شيء واحد، كنت قد توليت الإمارة لفترة، وأثناء ذلك ظلمت رجلاً وأخذت منه ديناراً بغير حقٍّ، وأخذت أبحث عن هذا الرجل لمدة ثلاثين عاماً فلم أجده، وتصدَّقتُ عنه بألوف، وهذا الذي أخشى أن يطالبني بحقه يوم القيامة أمام الله عزَّ وجلَّ!! كل هذا من أجل دينار، فما بالنا نحن بالمظالم التي لا عدَّ لها ولا حدَّ لها.
الكَيِّس الفطن الذي يحفظ نفسه في الأشهر الحرم وغيرها من ظلم الخلق، فيقيم العدل في نفسه، ويقيم العدل من غيره، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن نكون من أهل ذلك.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
****************************
الحلقة الثانية عشر من برنامج أسئلة حائرة وأجوبة شافية لفتاوى فورية