• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

22 يوليو 2021

ما معنى قول الإمام علي رضي الله عنه- لا يُقيم أمرَ الله سبحانه إلا من لا يُصانع ولا يُضارع ولا يتّبع المطامع؟

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

السؤال الأول:

أرجو من فضيلتكم شرح هذه الحكمة للإمام عليٍّ:

[لا يقيم أمر الله سبحانه إلا من لا يصانع ولا يضارع ولا يتبع المطامع].

الجواب:

الإمام عليٍّ رضي الله عنه وكرم الله وجهه وضع في هذه الحكمة شرائط ثلاث:

إذا توفرت في الداعي إلى الله، كان هو الداعي الحكيم الذي يُصغي اللهُ قلوب الخلق لسماع كلامه، ويجذبهم نحوه ويشدهم إليه.

وإذا فقد هذه الشروط أو إحداها فإن كلامه يكون في الآذان، ولا يتجاوز الآذان كما قيل:

[إذا كان الكلام من اللسان فلا يتجاوز الآذان، وإذا كان الكلام من القلب وصل إلى القلب].

فأول شرطٍ من هذه الشروط:

أن لا يصانع:

يعني لا يحاول أن يلاين هذا ليستفيد منه، أو يحاول أن يجالس هذا ليستفيد فائدة دنوية منه من مجالسته، أو يراسل قوماً طمعاً فيما عندهم من الغنائم.

فالمصانعة هي المداهنة، والمداهنة هي التودد لخلق رغبةً فيما عند الخلق، وهذه لا ينبغي أن تتوفر في الداعي إلى الله تبارك وتعالى.

فإذا تودَّد الداعي إلى الخلق ولو رغبةً في الشُهرة عندهم، أو رغبة في إعزازهم وإجلالهم له، أو رغبةً في أن يقوموا له إذا حضر، ويقبلوا يديه إذا سلموا عليه، أو يسارعون في قضاء حوائجه الدنيوية، كل هذه رغباتٍ دنيَّة لا ينبغي أن تكون لأهل الدعوة التقية والنقية، لأنهم على منهج سيد الرسل والأنبياء، وكذا إخوانه من الرسل والأنبياء.

وكانوا يقولون:

﴿ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللهِ (72يونس).

لا يريد مقابل دعوته أجراً ولو كان حتى ثناءً أو حمداً أو تكبيراً أو تعظيماً أو قضاء مصلحة أو الإتيان بمنفعة، لا يرجون إلا كما قال في ذلك الإمام علي، وهو من الدعاة الأوائل الذين كانوا على قدم النبي صلى الله عليه وسلَّم وعبَّر عنه القرآن فقال:

﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا (9الإنسان).

أي ولا حتى ثناءً ولا حمداً، وإنما يرجون الخير كل الخير من رب الخير تبارك وتعالى.

الشرط الثاني:

ولا يضارع:

أي لا يحاول أن يتشبَّه بالصالحين الذين أقامهم الله، وجعل لهم القبول عند خلق الله، وهو خاليى من البضاعة التي وهبها لهم الله، فإن الصالحين إذا وهبهم الله عز وجل من عنده كما قال في وليِّ الله صاحب موسى:

﴿آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65الكهف).

فإذا آتاه الله الرحمة والحكمة كما قال في أنبياء الله موسى ويوسف:

﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا (14القصص).

والحكم هنا هو حكم مملكته وحكم نفسه التي بين جنبيه، وليس الحكم بين الخلق في الدنيا، والعلم الإلهي فإذا آتاه الله هذه البضاعة وجمله بالحكمة الإلهية النبوية، فإن الله سبحانه وتعالى يقول لعبده جبريل:

(يا جبريل إني أُحب فلاناُ فأحبه ـ فيحبه أهل السماء).

[رواه أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه].

وأهل السماء لها معنيين:

أي يحبه الملائكة والمقربين في السماء، أو أهل سماء في العُلوُّ في فضل الله وإكرام الله من عباد الله الصالحين، فإنهم سموا في المقام حتى أصبحوا في قرب القرابة من الله على الدوام.

قال: (فيُحبه أهل السماء، ينادي جبريل: إن الله يُحب فلاناُ فأحبوه ـ ونداء جبريل يكون في القلوب، وليس في الإذاعات ولا تسمعه آذان الرؤس، وإنما في قلوب المتقين المشرقة بنور سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلَّم ـ فيُحبه أهل السماء، ثم يُوضع له القبول في أهل الأرض ـ

أي الذين ما زالوا متمسكين من عالم الأرض وما فيها من منافع وشهوات، وآمال فانية، ولكن لهم قدرٌ من التوفيق عند الله إذا جُمعوا على هذا العبد، أخذ بأيديهم ورفع عنهم هذه الحجب الدنيوية، وقرَّبهم إلى حضرة الله تبارك وتعالى.

هؤلاء القوم يعملون كما قلنا لله طلباً لمرضاة الله، ومن تشبَّه بهم ولم يحصُل على بضاعتهم من عند حبيب الله ومصطفاه، إنما يكون لغاية في صدره، لحبٍ للظهور، أو لرغبة في الشُهرة، أو لجمع المال من هنا وهناك، وقد قيل:

[حب الظهور يقسم الظهور].

فإن هذا وأمثاله وإن طال أمده في الدنيا فإنه يوماً في الدنيا لابد أن ينجلي أمره، ويفضتح شأنه، لأنه ليس في درب المخلصين الذين أثنى عليهم ومدحهم رب العالمين سبحانه وتعالى، وعصمهم من الشيطان عندما قال:

﴿ إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83ص).

فلا يستطيع أن يوسوس لهم، ولا أن يُزين الأشياء الفانية لهم، لأنهم في حفظ الله وكنف الله، ويُجمَّلون ظاهراً وباطناً بقول الله:

﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الامْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82الأنعام).

الشرط الثالث:

ولا يتبع المطامع:

وهذه طامة كبرى لا ينبغي لداعي إلى الله أن يتصف بها، أو يتخلق بأخلاق أهلها، فإنه يطمع فيما في أيدي ذوي الأموال، ويطمع فيما عند ذوي الأحوال إلى حالٍ وهبه لهم الواحد المتعال.

هذه الأطماع تملأ قلبه ونفسه بالصراع، وتجعله يمتلئ بالأحقاد والأحساد التي نهى عنها رسولنا الكريم حيث قال صلى الله عليه وسلَّم:

(لا حسد إلا في إثنتين: رجلٌ آتاه الله القرآن، فهو قائمٌ به آناء الليل وأطراف النهار، ورجلٌ آتاه الله مالاً فهو ينفقه على الفقراء والمساكين).

[رواه أحمد عن إبن عمر رضي الله عنهما].

أما هذا فيحسُد أهل الدنيا على ما عندهم، وأهل الأهواء على ما نالوه، وأهل المطامع على ما حصَّلوه، وهذا طمعٌ نهى عنه الله سبحانه وتعالى، مما جمع هذا الطامع فإنه سيخرج من الدنيا يوماً ولن ينفعه شيئاً مما جمعه، بل سيُسأل عنه، ويُحاسب عليه عند الله تبارك وتعالى.

إذاً الداعي الحكيم الذي وصفه الإمام عليٍّ رضي الله عنه وكرم الله وجهه ـ والذين نسأل الله تبارك وتعالى أن نكون على هيئته أجمعين ـ هو الذي لا يداهن الناس من أجل مكانٍ هم فيه من الدنيا، ولا يتشبه بالصالحين مع خلوه من أحوالهم ومواهبهم، ولا ينصب نفسه للدعوة طمعاً فيما عند الناس من دنيا فانية، أو أشياء دانية.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من أهل ذلك، وأن يبلغنا جميعاً ذلك.

وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

الخميس لقاء الأحبة على برنامج التواصل الإجتماعي زووم ـ على الإنترنت

: 22/7/2021 موافق 12ذي الحجة 1442 هـ دار الصفا الجميزه طنطا

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid