• Sunrise At: 4:58 AM
  • Sunset At: 7:00 PM

Sermon Details

27 يناير 2014

محمد رسول الله نبع الرحمة المهداة

إقرأ الموضوع

شارك الموضوع لمن تحب

………………………….

بسم الله الرحمن الرحيم

حمداً لله على مزيد نعمائه، وشكراً لله عزَّ وجلَّ على ما ملأ به قلوبنا من ضيائه ونوره وجماله وبهائه.والصلاة والسلام على سيِّد رسله وخاتم أنبيائه، سيدنا مُحَمَّدٍ ألف البداية، وياء النهاية، وسرِّ العناية، وغاية كل غاية في قلوب العارفين.

صلَّى الله عليه وعلى آله النجوم الزاهرة في روضة الشريعة الغراء، وأصحابه أقمار الإهتداء في شمس الدلالة لمن يريد الحق عزَّ وجلَّ كيف يشاء وأنَّى يشاء، وعلينا معهم أجمعين، وكل من ركب سفينة النجاة التي رُبَّانُها الحبيب المصطفى، ومُلاَّحُها آلُ بيت رسول الله، واجعلنا يا مولانا في هذه السفينة في الدنيا، ومن أهل جودي النظر إلى وجهك الكريم يوم لقياك، آمين .. آمين.

يقول صلى الله عليه وسلم – مُعَرِّفاً لنا بذاته الشريفة، وهو الذى لاينطق إلا بإذنٍ من الله، ولا يُمضِي قولاً إلا إذا أوحى به إليه مولاه: ﴿أنا نَبِيَّ الرحمة﴾[1].

خُصَّ بهذه الرحمة الإلهية التامة السابغة صلوات ربي وتسليماته عليه، حتى قال سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه: (إذا كان الأنبياء والمرسلون السابقون عيون الرحمة الإلهية، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو النبع الذي تصدر منه هذه العيون).  

فكلُّ رحمة ظهرت أو ستظهر – في الدنيا أو يوم القيامة – فمنه صدرت، وبإذنٍ من الله علي يده ظهرت، لأنه مجمع الرحمات، وأصل الخيرات، وكل البركات صلى الله عله وسلم).

ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بهذه الأمة أنه كان لا يفكر دوماً إلا في أحوال أمته، حتى في أعزِّ لقاءٍ بين الحبيب وحبيبه، الذى فارق فيه السماوات والأرض والعرش والفرش، وسار إلى مستوىً سمع فيه صريف الأقلام!! وهذه الأقلام: هى أقلام القدرة التي تقدِّر الخير لجميع كائنات الملك العلاَّم عزَّ وجلَّ، وكان قاب قوسين أو أدنى، وقيل: يا محمد صلى الله عليه وسلم ادْنُ من ربِّك – وجاءه النداء بغير صوت ولا حركات ولا حروف – ادْنُ يا أحمد، ادْنُ يا خَيْرَ البريَّة ﴿ tb%s3sù z>$s% Èû÷üy™öqs% ÷rr& 4’oT÷Šr& .    #Óyr÷rrsù 4’n<Î) ¾Ínωö6tã !$tB 4Óyr÷rr& ﴾ (9، 10النجم).

ماذا كان خطابه لحضرة الله؟ لم يسأل الله أمراً عن نفسه، ولا لنفسه، ولا لخاصة نفسه، وإنما قال: (ياربِّ إنَّكَ عذَّبْتَ الأمم قبلي، بعضهم بالخسف، وبعضهم بالمسخ، وبعضهم بالقذف، وبعضهم بالحجارة، فما أنت فاعلٌ بأُمتي؟). كُلُّ هَمِّهِ بالأمة!! من فرط رحمته، شدة حنانته، وكثرة شفقته بأمته صلوات ربى وتسليماته إليه!! وهو الذي يقول – ما معناه: (مَا مِنْ مؤمن يصاب بِهَمٍّ ٍ أو غَمٍّ، أو أَلَـمٍ إلاَّ وأجد أَلمَ ذلك عندي). أيُّ مسلم!! يجد أَلَـمَ ذلك عنده صلوات ربى وتسليماته إليه.

(فما أنت فاعلٌ بأُمتى؟ فقال الله تعالى – واسمعوا وأبشروا وبشِّروا واستبشروا: (أنا لهم ماعاشوا، وأنا لهم في القبور، وأنا لهم في النشور، وفي الدنيا أستر على العصاة، وفي الآخرة أُشَفِّعُكَ فيهم. ومن توكل منهم علي كفيته، ومن أقرضني منهم جزيته، أنا الله ربُّ العالمين، لا أخلف الميعاد)

فإنَّ فَضْلَ رَسُولِ اللهِ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ            فَيُعْرِبُ عَنْهُ نَاطِـــــــقٌ بِفَــــمِ

لا أحد يستطيع أن يعبِّر عن فضل رسول الله على الأمة أبداً!! هل بعد تصريح الحقِّ به عز وجل كلام!!

لكن الحبيب لم يسكت، راكعٌ ساجد ليس على لسانه إلا أمتي .. أمتي. وهذا بعد رجوعه في الدنيا، وهذا كان قبل الهجرة، وعندما هاجر إلى المدينة أيضاً، على لسانه: (ياربِّ أُمتي .. أُمتي). لايوجد أحد فينا جميعاً يدعو – حتى لأولاده – كما كان سيدنا رسول الله مشغول بأولاد الأمة كلِّها، وحتى الذى يدعو لأولاده يبدأ بنفسه أولاً، ثم أولاده. لكن رسول الله لا يدعو لنفسه!! (أُمتي .. أُمتي).

فأراد الله عزَّ وجلَّ أن يبين للملأ الأعلى رحمة هذا الرؤوف الرحيم فقال لهم – اسمعوا لهذا الرجل: (انزل يا جبريل وبَشِّرْهُ وَقُلْ له: إِنَّا لا نسيئك في أُمتك أبداً) [2]. فنزل سيدنا جبريل وقال له: يا محمد، أبشر فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول لك: (إنا لن نسيئك في اُمتك). هل هناك شيء آخر يا إخونى؟!!

لكن لم يسكت أخذ في الضراعة والدعاء، والتذلل والتبتل والإبتهال، لمن؟ لله عزَّ وجلَّ. لماذا؟ هل لنفسه؟ لا، إنما لأُمَّتِه!! إلى أن قال الله له: ﴿ t$öq|¡s9ur y‹ÏÜ÷èムy7•/u‘ #ÓyÌ÷ŽtIsù ﴾(5الضحى) .الذي تريده جميعاً يعطيه لك الله. فقال سيدنا جعفر رضي الله عنه: (ولن يرضى صلى الله عليه وسلم وواحدٌ من أُمته في النار يوم القيامة).

الأنبياء السابقون، كلُّ نبيٍّ يعرف منزلته في الجنة فيذهب إلى الجنة، إلا سيد الأولين والآخرين!! يذهب مرَّةً إلى الميزان فيطمئن على مَنْ عند الميزان، ومرَّةً يذهب عند تطاير الصحف فيرى مَنْ يأخذ بيمنه أم ماذا؟ لكى يشفع لهم، ومرَّةً يذهب عند الصراط لكي يطمئن أنهم إجتازوا الصراط. ولذلك سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه يقول له: يا رسول الله، اشفع لي عند ربِّك يوم القيامة. فقال له: إني فاعل. قال: فأين أجدك؟ قال: تجدني عند تطاير الصحف، قال: فإن لم أجدك هناك؟ قال: تجدني عند الميزان، قال: فإن لم أجدك هناك؟ قال: تجدني عند الصراط، فإني لا أُخْطِئُ هذه الثلاتة مواضع)[3]. إلى أن أطمئن أن كل واحد أخذ كتابه، وتم وزن حسناته، وجاز الصراط وذهب إلى الناحية الثانية.

ثم بعد ذلك يريد أن يطمئن على الذين أخذوا الأحكام ونفذوا الأحكام، ونزلوا إلى السجون الإلهية، لأن كل واحد عليه حُكْمٌ، الذى عليه حكم فى سقر، والذى عليه حكم فى الحطمة، والذى عليه حكم فى جهنم، والذى عليه حكم في لظى، والذي عليه حكم في القارعة، فهي سجون كثيرة لها روادها، وكل سجن له ألوان عذابه – فيشفع عند الله، فيمن؟!! قال: (شفاعتي لأهل الكبائر من أُمتي)[4]. فيظل يشفع حتى يخرجهم من جهنم.

وقبل ذلك – وهو فى الدنيا – طلب طلباً غريباً وعجيبأ صلى الله عليه وسلم يَدُلُّ على فرط رحمته، فقال له: ( يارب إجعل حساب أُمتي على يدىَ)، فقال الله تعالى: (يا محمد، لا أجعل حسابهم لك ولا لغيرك، حتى لا يطلع على مساوئهم أحدٌ غيرى). لا أريد من أحد أن يرى عيوبهم أبداً ، ولذلك حسابنا كيف يكون؟ سِرِّيّ!! نحاسب سراً بيننا وبين الله – وهذا الذى يُحاسب، والذى سوف يُحاسب في هذه الأُمة قِلة قليلة: ﴿$yJ¯RÎ) ’®ûuqムtbrçŽÉ9»¢Á9$# Nèdtô_r& ΎötóÎ/ 5>$|¡Ïm ﴾ (10الزمر)، من القبور إلى القصور!! والذي فعل شيئاً، قال حضرة النبيِّ: (يا ربِّ اجعل عذاب أُمتي في الدنيا)، بالزلازل، والخسف، والجوع، والمرض. يأخذ عقابه هنا ويخرج  ليس عليه شيءٌ

ولذلك يزور صلى الله عليه وسلم واحداً من أصحابه – يعالج سكرات الموت – فوجده خائفاً فقال له: مِمَّ تخاف؟ قال: من النار، قال: أَوَ لَـمْ تَشْكُ الحُمَّى قَطّ؟ قال: بلى، قال: (الحُمَّى نَصِيبُ المُؤْمِنِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ)[5]. الذي عليه ذنوب يدخل بها النار  يصاب بالحمى لكي يأخذ النار هنا وينجو من النار هناك، ما هذا؟ ﴿ y7Ï9ºsŒ ã@ôÒsù «!$# Ïm‹Ï?÷sム`tB âä!$t±o„ ﴾ (21الحديد). هذا فضل الله!! هل أحد يحاسب الله على فضله؟ ﴿ Ÿw ã@t«ó¡ç„ $¬Hxå ã@yèøÿtƒ öNèdur šcqè=t«ó¡ç„ ﴾ (23الأنبياء).

ولذلك بعض الناس يقولون: لماذا الأمة فيها الفقراء والمرضى؟ لماذا هذه البلاءات؟ هذه لكي تُخَلِّصُ الذنوب والأوزار لمن عليهم ذنوب وأوزار، والذي ليس عليه ذنوب وأوزار ويطمع في درجةٍ عالية في الجنة – لكن كسول، ولا يستطيع أن يعمل الأعمال التي تُوصِّله للجنة – فالذي يرفعه أيضاً البلاء!! قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليرفع العبد المؤمن بالبلاء الدرجة في الجنة لا ينالها بشئ من عمله)[6].  كل هذا رحمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا.

ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بأُمته – كما ورد في الأثر- قال له: (يا ربِّ، لِـمَ جعلتَ أُمَّتِي آخرَ الأمم؟ فقال الله تعالى: حتي لا يطلع على مساوئهم أحدٌ غيرى).نحن جميعاً عرفنا ما عمله قوم موسى، وما عمله قوم عيسى، وما عمله قوم إبراهيم، لكن من يأتي وراءنا يعرف ماعملناه؟ لا أحد!! (حتي لا يطلع على مساوئهم أحد غيرى، وحتى لا يطول مكثهم في القبور). ساعات محدودة في القبر، ثم يخرجون إلى الجنة إن شاء الله أجمعين.

ولما كان في الملكوت الأعلى سائراً إلى قاب قوسين أو أدنى – ولا تقول سائراً إلى ربِّه، نزِّه إلهك عن الزمان والمكان، وإنما هذا مقام لم يصل إليه أحد سواه من الأنبياء والمرسلين. لكن ليس معنى هذا أن هذا المقام كان فيه الله!! الله عزَّ وجلَّ كان قريباً من حبيبه ومصطفاه وهو على التراب، كَقُرْبِهِ منه وهو فوق العرش، لأن الله جلَّ وتنزَّه عن الحيطة والمكان والزمان سبحانه وتعالى – فقال للأمين جبريل عندما زَجَّهُ في نُورِ القُدُس: أههنا يترك الخليل خليله يا أخي ياجبريل؟ قال له: أنا لو تقدَّمتُ قدر أنملة لاحترقت -لماذا؟!! لأن جبريل من نور الملكوت، وعالم السدرة نهاية نور الملكوت، وبعد ذلك نُورُ الحيِّ الذي لا يموت الذي منه نُورُ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولذلك قال له: لو تقدَّمتَ أَنْتَ لاخترقتَ، لأنك أنت من نور الله – فقال: ألك حاجة؟ فقال: يا حبيبي يا رسول الله، منذ خلقني الله عزَّ وجلَّ وأنا أرتجف خوفاً من مقام عظمته، فسل الله أن يؤمنني. ففي الحال: ﴿ tAt“tR ÏmÎ/ ßyr”9$# ßûüÏBF{$# ﴾ (193الشعراء). أخذ الأمان من الله عزَّ وجلَّ، فقال له: اطمأننت يا جبريل؟ قال له اطمأننتُ. فقال له: يارسول الله أريد أن أكافئك، فدعوت الله عزَّ وجلَّ أن يَدَعَنِي أَجْعَلُ جناحي على الصراط حتي أحمل عليه أُمَّتَك، فاستجاب الله عزَّ وجلَّ له ذلك.

فرسول الله يريد لنا في الدنيا وفي الآخرة أن نفوز بفضل الله، ونحظى بإكرام الله، ونخرج من الدنيا وقد فُزْنَا بالمقامات العُلا في جوار أنبياء الله ورسل الله. لماذا كل هذا؟ وماذا يريد منا رسول الله في هذا الأمر؟ لا شئ، إلا أننا أُمَّتَهُ ولأننا سلَّمنا بنبوته، وعملنا بشريعته، وكنا في الدنيا مُتَّبعين لحضرته صلى الله عليه وسلم.

ففضل رسول الله يا إخواني يجب علينا دائماً أن نتذكره لكي نحبه، ولما نحبه فيا بشرانا لأنه يقول لنا: (ماختلط حبي بقلب عبدٍ مؤمن إلا وحرم الله جسده على النار)[7]. إذا دخل حبه فى القلب فيا بشراك، لا تدخل النار إلا إذا كنت تدخل سياحة، ولكى تتفرج على ما يحدث فيها، وعندما تدخل فيها تقول النار: (جُز يا مؤمن سريعاً فقد أطفأ نورك لهبي). لكن أنت أين مقامك؟

الذي في مقعد صدق عند مليك مقتدر، والذي مع الذين أنعم الله عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين، والذي هو مع الجماعة الأعظم ﴿Ӊ£Jpt’C  ãAqߙ§‘ «!$# 4 myètB ûïÏ%©!$#ur﴾ (29الفتح). هذه معية وهذه معية، ليست هذه كهذه،  هذه معيه خاصة، وهذه معية خاصة الخاصة. فمعية خاصة الخاصة (محمد رسول الله والذين معه)، و (الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين)  معية خاصة.وهناك من يكون في: ﴿ ¨bÎ) tûïÏ%©!$# y‰ZÏ㠚În/u‘)206الأعراف)، وهناك من يكون في: ﴿×bºuqôÊ͑ur šÆÏiB «!$# ç Žt9ò2r& ﴾  (72التوبة).

كل واحد في مقام!! الذي يدخلنا ذلك مَنْ إخواني؟ الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام. هوَ مفتاح الجنة، وهوَ درجات الجنة، وهوَ نعيم الجنة، وهوَ نور أهل الجنة، وهوَ هناء أهل الجنة.

نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يكمل علينا أجمعين هذه المنة، ويجعله صلى الله عليه وسلم في صدورنا لا يغيب، وفي قلوبنا لحضرته من الحبِّ أوفر نصيب، وفي الآخرة نكون من أهل قرب القرابة من حضرة الحبيب، وفي الجنة نكون في النعيم الأعظم بمشاهدة وجه الحبيب.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

**************

[1] رواه الإمام مسلم عن أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه.

[2] رواه مسلم عن بن عباس رضي الله عنهما – نزهة المجالس.

[3] رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه.

[4] الحاكم في المستدرك عن أنس رضي الله عنه

[5]  روى الإمام أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه بلفظ:  (الحمى كير من جهنم فما أصاب المؤمن منها كان حظه من النار).

[6] أخرج ابن حبان فى صحيحه عن أبى هريره رضي الله بلفظ: (إ ن الرجل ليكون له عند الله منزلة فما يبلغها بعمل فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها).

[7] رواه أبو نعيم عن ابن عمر رضي الله عنهما ورمز السيوطي لصحته,

1                   درس السهرة بنجع الطوايع – إسنا – الأقصر الاثنين 27-1-2014

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid