• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:54 PM

Sermon Details

5 مايو 2022

مرض النفاق – أمراض القلب

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

أمراض القلب

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ – الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن والاه.

ما أمراض القلب؟ وما علاماتها من كتاب الله الذي لا يغادر صغيرةً ولا كبيرة إلا أحصاها؟

وإذا تحدثنا عن أمراض القلب، فما علامة صحة القلب أو أن القلب ليس بمريض؟ وما الذي يوصل الإنسان إلى هذا المقام الراقي؟

القلب يمرض لأن الله تبارك وتعالى قال في حق قوم نسأل الله تبارك وتعالى أن يباعد بيننا وبينهم بُعد المشرقين” ” فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً ” (10البقرة) أي أن القلوب فيها مرض.

وأشد الأمراض التي تعرض للقلب مرض الشرك ومرض الكفر، والحمد لله عافانا الله تعالى منها أجمعين.

أما بالنسبة للمؤمنين فأمراض القلب لا تحدث إلا لثُلةٌ بسيطة أغلبهم نسميهم المنافقين.

المرض الأول: مرض النفاق:

أول أمراض القلب شدة وقسوة هو مرض النفاق، والنفاق أن يُظهر الإنسان خلاف ما يبطن.

وعلاماتهم فيما بيننا أن المرء إذا تقابل مع رجل يُثني عليه ويمتدحه ويبين له أنه ليس له شبيهٌ أو مثيل، فإذا فارقه أو أدار ظهره إليه، أخذ يسب فيه أو يلعن فيه أو يقول فيه ما ليس فيه، ومثل هذا يقول فيه صلى الله عليه وسلَّم:

{ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ }[1]

أي الذي يقابل الإنسان بوجه ويخفي وجهاً آخر يتحدث فيه عنه في غيبته، وهؤلاء بكَّتهم الله في كتاب الله، نسأل الله تبارك وتعالى الحفظ منهم أجمعين فهؤلاء: ” يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ” (11الفتح) ويقول فيهم: ” وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ” (4المنافقون) يعني ينمقون الكلام، ويجيدون أداء الكلام، والله عز وجل أعطاهم طولاً في الجسم وصحة في الجسم ليغرر بهم.

هؤلاء قال فيهم الله تبارك وتعالى فاضحاً مكرهم ودهاءهم في سورة البقرة، وهي السورة الفاضحة لأحوال المنافقين: ” يُخَادِعُونَ الله وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ” (9البقرة) يعني يظنون أنهم المهرة، كبعض الناس الذين يدَّعون الفهلوة في هذه الأيام، يدَّعي أنه ليس له شبيه ولا مثيل في تخطيطه وفي تنظيمه، ويظن أن الناس لا تكتشف حقيقة أمره، مع أن الله سبحانه وتعالى يكشف الأمور لأهل النور فوراً في كل وقت وحين في قسمات وجهه، وفي فلتات لسانه، وفي طريقة نظره بعينيه، وكل هذا موجود في القرآن: ” تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ ” (273البقرة) ” وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ” (30محمد).

كل هذه الأمور تكشف الإنسان المنافق، ولكن مع ذلك هو يصر في نفسه أنه لا يصل أحدٌ إلى مدى ما يفكر فيه، وهي الطامة الكبرى التي تذهب بهم إلى جهنم والعياذ بالله تبارك وتعالى.

المرض الثاني: قسوة القلب عن ذكر الله:

هذا المرض وصفه الله في كتاب الله: ” فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ الله ” (22الزمر) هؤلاء كما قال الله في شأنهم: ” لا يَذْكُرُونَ الله إِلا قَلِيلا ” (142النساء) لأنهم لا يذكرون إلا تظاهراً ليراهم الناس فيظنوا أنهم مؤمنين، ولكنهم إذا خلوا بأنفسهم أو إذا غابوا عن الخلق لا يستطيعون ذكر الله لأن القلوب قاسية، وقلوبهم كما يقول الله في شأنها: ” فَهِي كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ” (74البقرة).

وقسوة هذه القلوب من عدم الإخلاص لحضرة علام الغيوب، لأن الله لا يحب إلا الخالص المخلص لحضرته، ولذلك قال لنا أجمعين: ” وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ” (29الأعراف) حتى نخرج من دائرة المنافقين، وقال تعالى:” ومَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ” (5البينة) فأهم شيء في الأعمال الإخلاص.

قال سيدي أحمد بن عطاء السكندري رضي الله عنه وأرضاه: (الأعمال كالأبدان، وروحها سر الإخلاص فيها) أي أن العمل لا يحيا ولا يكون قريباً من القبول عند الله إلا إذا استودع صاحبه الإخلاص فيه لله، والإخلاص أن يكون العمل خالصاً لوجه الله لا يرجو الإنسان منه إلا رضاه، وأن يبلغ منه تبارك وتعالى وحده مناه.

المرض الثالث: الإعراض عن ذكر الله:

وهذا نسميه الصدود أو البعد، فيجد الإنسان عنده صدوداً في نفسه عن الصلاة، وعن تلاوة كتاب الله، وعن سماع كلام الله، وعن حضور مجالس العلم، وعن أي عمل من أعمال البر أو الخير، ولا ينشرح صدره ويتبلد وتتجمد جوارحه إذا هُيئ له عملٌ صالحٌ يعمله لله تبارك وتعالى، وهذا كالقوم الذين قال الله في شأنهم: ” أَلا بُعْدًا لِعَادٍ ” (60هود) ” أَلا بُعْدًا لِثَمُودَ ” (68هود) أُصيبوا بمرض البعد، نسأل الله تبارك وتعالى الحفظ والسلامة.

وذكر الله هذا المرض في قوله تبارك وتعالى: ” وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ” (124طه) له علامات ظاهرة نراها في الدنيا، ويراها الله والمؤمنين في الآخرة، في الدنيا تكون معيشته ضنك، والمعيشة الضنك ليس شأنها أن يكون في قلة الأقوات أو نقص الأموال، لكن مع وجود الأقوات الكثيرة والأموال الكثيرة والمناصب الكبيرة، إلا أنك تجده في همّ وغم على الدوام، يخلق الله تعالى ما يغمه وما يهمه على الدوام عقاباً له لأنه أعرض عن ذكر الله.

وأعرض عن ذكر الله تحتمل معاني كثيرة، إما أعرض عن الأعمال التي طلبها منه الله، أو أعرض عن الأعمال التي تُذكِّره بحضرة الله، أو أعرض عن رسول الله، كما قال بعض الصالحين: إن ذكر الله هو سيدنا رسول الله، لأن الله قال في سورة الجمعة: ” إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ الله ” (9الجمعة) لم يقُل: فاسعوا إلى الصلاة، لأن صلاة الجمعة أقل من صلاة الظهر، ولكن (فاسعوا إلى ذكر الله) يعني الذي يُذكِّركم بالله، والذي يُذكركم بالله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولذلك كثيرٌ من الناس في عصرنا هذا فقدوا حلاوة الطاعة بسبب هذا الإعراض، فيقصدون الذهاب إلى المسجد يوم الجمعة إلى الصلاة، ولا يقصدون إلى سماع من هو قائمٌ مقام رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، ولذلك يتخلفون، وربما لا يدخلون إلا مع إقامة الصلاة، ويظن أنه قد حقق الهدف، والهدف كما وضحته الآية: (فاسعوا الى ذكر الله) وليس الصلاة.

فلو كان الهدف الصلاة لكانت الآية: فاسعوا إلى الصلاة، ولكان السعي إلى صلاة الظهر أولى، لأن الظهر أربع ركعات والجمعة ركعتين، لكن الهدف الأول سماع الذكر من المذكر الأعظم: ” فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ” (21الغاشية) فهو الذي يُذكِّر الناس يوم الجمعة أو من يقوم مقامه من العلماء العاملين وورثة سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلَّم.

فهؤلاء الذين أعرضوا جزاؤهم في الدنيا – كما قلنا – معيشة ضنكاً، ولم يقُل حياة، فالمؤمن له الحياة، وغير المؤمن أو غير المستقيم له المعيشة، الحياة لمن يستجيب لله وللرسول: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ” (24الأنفال) وهل هم ليسوا أحياء؟ لا، لكن هي حياة الأتقياء وحياة المقربين وحياة الصالحين، وهذه الحياة لا تحدث إلا لمن استجاب لله وللرسول.

وهذه الآية فيها إشارة غريبة (استجيبوا لله وللرسول) هما اثنين، لكنه قال بعدهما: (إذا دعاكم) ولم يقُل: إذا دعاكما، لأن الذي يدعو هو رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فكأن كل الذي لم يستجب للرسول في الدنيا ليس بحي، ولذلك يقول الله فيهم: ” إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ” (80النمل) مع أنهم يتحركون ويمشون ويتكلمون، لكن ليس عندهم حياة إيمانية مما ذكره الله في آية الأنفال القرآنية.

وغير المؤمن في معيشة، والمعيشة يشترك فيها هؤلاء مع الحيوانات ومع كل الكائنات غير العاقلة، ولذلك يقول الله فيهم مرة: ” إِنْ هُمْ إِلا كَالانْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ” (44الفرقان) لأن الأنعام لا تغفل عن ذكر الله وهم يغفلون، ومرة يقول في أكلهم: ” يَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ ” (12محمد) يعني لا يبدأون بالتسبيح والتسمية لله، ولا يحمدون الله بعدها ويشكروه على عطاياه كالأنعام، وربما الأنعام تفعل، فوصفهم الله تبارك وتعالى بأنهم في معيشة، أي كأنهم والأنعام سواء، بل الأنعام أفضل رتبة منهم، لأنها تذكر الله: ” وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ” (44الإسراء).

المرض الرابع: الصدود عن طاعة الله:

تجد في الإنسان أمراً غريباً، تجده ليس عنده انشراح صدر لأي طاعة، وتدعوه وتلح عليه فيهرب منك، ولا يستجيب لك قط، حتى أن كثيراً من هؤلاء ربما يكون في البطاقة مسلم ابن مسلم، ولكنه لا يدخل المسجد إلا ليصلون عليه صلاة الجنازة.

وقد رأينا في زماننا هذا العجب ممن يستهينون بصيام شهر رمضان، وخاصة من الشباب الفتيان الذين أعطاهم الله صحة وقوة، فيتناولون الطعام خفية حتى لا يراهم الأهل ويلومونهم على ذلك، أو يحاسبونهم على ذلك، ويظنون أن الله عز وجل وهو الحسيب لا يطلع عليهم ولا يراهم، ولا يراقبون الله.

وهؤلاء فقدوا خشية الله تبارك وتعالى فقست قلوبهم، وأصبحوا في صدود تام عن طاعة الله والإقبال على حضرة الله سبحانه وتعالى حتى نعلم علم اليقين أن إقبال الإنسان على مولاه، وحبه لأداء الطاعات فضلٌ من الله.

علامات صحة القلب

العلامة الأولى: انشراح الصدر:

قال تعالى: ” أَفَمَنْ شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلاسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ” (22الزمر) ” فَمَنْ يُرِدِ الله أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلاسْلامِ ” (125الأنعام) فهذه نعمة من النعم العُظمى التي يمن بها علينا الله سبحانه وتعالى، وهذه من علامات صحة القلب، وهي انشراح الصدر لأداء الطاعات والعبادات التي كلَّفنا بها الله والفرح بها، قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ مَنْ سَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ وَسَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ }[2]

المؤمن يفرح عندما يعمل الطاعة، ولكن لا يتباهى بها ولا يتعاظم بها، ولا يفتخر بها، لكن يفرح في نفسه أنه فعل هذه الطاعة.

وإذا وقع في سيئة يركبه الهم والندم والأسى ويلوم نفسه: ” وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ” (2القيامة) ويؤنب نفسه ويعاتب نفسه، إلى أن يتوب إلى الله تبارك وتعالى، فيتوب الله تبارك وتعالى عليه.

العلامة الثانية: فرح الإنسان بمجالس الخير:

يفرح الإنسان بمجالس الخير أياً كانت، يفرح إذا وجد مجلساً يذكرون الله فيه فيسارع إلى الجلوس معهم، ولو كانوا من أي طائفة من طوائف المؤمنين، ما داموا يقولون (الله) يدخل معهم ويذكر الله تبارك وتعالى معهم.

وإذا رأى مجلساً للقرآن تهافت للجلوس في هذا المجلس، وإذا رأى مجلساً للصلاة على النبي تحن روحه ويحن قلبه للجلوس معهم لمداومة الصلاة على حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم.

وإذا رأى مجلس علم يحس بحنين ورغبة شديدة في الجلوس إلى مجلس العلم لنيل فضل هذا المجلس، حتى ولو كان العالِم الذي يدرس في المجلس أقل منه كفاءة، وأقل منه محصولاً في العلم، لكنه يريد فضل المجلس، لأن فضل مجالس العلم لا نستطيع عده.

العلامة الثالثة: فرحه بالخير لأخيه:

من علامات صحة القلب أن يفرح المسلم إذا أصاب المسلمين أجمعين أي خير، إذا أصاب أي مسلم حوله أو بعيداً عنه أي خير فرح وسارع إلى تهنئته، وإذا أصابه همٌ حَزِن من أجله ودعا الله أن يكشفه عنه، وحدَّثه ليخفف عنه، وهذه يقول فيها صلى الله عليه وسلَّم:

{ مَنْ لَمْ يَهْتَمَّ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً فَلَيْسَ مِنْهُمْ }[3]

فهو يهتم بأمور إخوانه المسلمين، ليشاركهم فيها.

العلامة الرابعة: الإلهام:

يفرح المسلم إذا بدا عليه شيء من الإلهامات الإٌلهية وهو يقرأ الآيات القرآنية، وجاءه فهمٌ في آيات كتاب الله، أو كان يتحدث بحديث وجاءه معنى لم يخطر بباله من قبل ألهمه به مولاه، فيعلم أن هذا علامة رضا من الله، لأن الله عز وجل يلهمه ويسدده ويوفقه.

والقلب السليم شرطه وأصافه أن لا يكون فيه حظٌ دنيوي يشغله عن حضرة الله، ولا ميلٌ للهو يشغله عن طاعة الله، ولا حقدٌ ولا حسدٌ لأحد من خلق الله، فهذه علامات أن القلب قلب سليم.

فلا أي شيء في الدنيا يشغله عن طاعة الله، ولا شيء يمنعه عن ذكر الله أو الصلاة، وإنما يسارع إلى طاعة الله مهما كانت المشاغل ومهما كانت المشاكل.

وليس في قلبه شيء لأحد من عباد الله، وإنما هو الحب الخالص لجميع خلق الله تبارك وتعالى.

فإذا خلا القلب من العيوب يكشف الله تبارك وتعالى له قَبَساً من الغيوب، يبدأ أولاً عن طريق الرؤيا المنامية، والرؤيا غيب، إذا كانت رؤيا صادقة فإنها تكشف للإنسان غيباً لم يكن يتوقعه الإنسان أو يخطر له على بال، فتأتي الرؤيا المنامية تكشف له عن هذا الأمر وتبشره، ولذلك تسمى المبشرة، قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ لَا يَبْقَى بَعْدِي مِنَ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ، إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ أَوْ تُرَى لَهُ }[4]

إذا تحقق بالرؤيا المنامية ولم يلتفت إليها، وسعى لما هو أعظم منها، أعطاه الله إحساساً إيمانياً، وهذا ما نسميه الفِراسة، والفِراسة إحساس داخلي يُلهَم به المرء من الله فينطق، فيتحقق قوله الذي قال فيه صلى الله عليه وسلَّم:

{ احْذَرُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ؛ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ، وَيَنْطِقُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ }[5]

والفراسة فيها ما فيها من الإمدادات الإلهية والأنوار الربانية، فإذا لم يقف عند الفراسة وأراد أن يرتقي مع مولاه فتح الله عين بصيرته، لأن المريد الصادق كلما عُرض عليه أمرٌ من أمور الغيوب لم يلتفت إليه لشغله بحضرة علام الغيوب، ودائماً يقول لنفسه ولحقائقه: ” فَفِرُّوا إِلَى الله ” (50الذاريات) فر من كل هذه الحقائق؛ من الملك والملكوت والعوالم كلها إلى حضرة الله سبحانه وتعالى.

فإذا فرَّ من هذه العلامات الطيبة أكرمه الله عز وجل ففتح عين بصيرته، وكاشفه بعالم الملكوت، ودخل في قول الله: ” وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ” (75الأنعام) أي أن الموقنين جميعاً يُكاشفوا بعالم الملكوت الأعلى.

فإذا أكرمه الله عز وجل ولم يلتفت بعد سياحة روحه في عالم الملكوت، أكرمه الله عز وجل برؤية الحبيب المصطفى، فيواجهه بأنواره، ويكشف له من كنوز أسراره، ويجعله دائماً وأبداً ملحوظاً بعين عنايته، مرعياً بعين رعايته.

فإذا واظب على ذلك دخل إلى مقامات يقول فيها الإمام الغزالي رضي الله عنه وأرضاه:

فكان ماكان مما لستُ أذكره

فظُنَّ خيراً ولا تسأل عن الخبر

أسأل الله تبارك وتعالى أن يُمتِّعنا بما لا عينٌ رأت، ولا أُذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

[1] البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه

[2] معجم الطبراني ومسند أحمد عن أبي إمامة رضي الله عنه

[3] الحاكم في المستدرك والطبراني عن حذيفة رضي الله عنه

[4] مسند أحمد والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها

[5] جامع البيان للطبري عن ثوبان رضي الله عنه

1 الجميزة – السنطة -الغربية  الخميس 4 من شوال 1443هـ 5/5/2022م

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid