هل إذا وصل المريد واتصل ونال فضل الله، تسقط عنه التكاليف الشرعية؟
الجواب:
هذه دعوى الزنادقة الذين يدَّعون أنهم من أقطاب الصوفية، فإنهم يضحكون على من حولهم، ويتركون الصلاة ويتركون الصيام، ويتركون العبادات الشرعية التي أمر بها الله، ويقولون لمن حولهم أنهم وصلوا إلى مقام المشاهدة، ومن وصل إلى المشاهدة فلا يحتاج إلى صلاة ولا صيام ولا غيرها ـ وكذبوا.
ولذلك قال الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:
[من قال أني قد وصلتُ وترك الصلاة، فقُل له: نعم قد وصلت، ولكن إلى سقر].
ولو كانت الصلاة تُترك لشدة القرب والوصول من الله، لكان أولى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وكان في آخر حياته قام مستنداً رابطاً رأسه لشدة مرضه، ومستنداً بيدٍ على عمه العباس، وبيده الأخرى على الإمام عليٍّ بن أبي طالب، حتى وصل إلى المسجد ليؤدي الصلاة مع عباد الله المصلين المؤمنين، وكان آخر كلمته التي نطق بها في الدنيا:
ومن ذاق لذة القرب من الله في الصلاة، وفُتحت له أبواب المناجاة في الصلاة، وعاين المشاهد الإلهية التي يواجه بها الله الأفراد في الصلاة، لا يترك الصلاة طرفة عينٍ ولا أقل، بل يدخل في قول الله:
أي يديموا الصلاة باستمرار، ولذلك كان الصالحون منهم من يصلي في الليل مائة ركعة، منهم كالجنيد كان يُصلي في الليلة ثلاثمائة ركعة، ومنهم كالإمام السجاد، الإمام علي زين العابدين كان يُصلي كل ليلة ألف ركعة ويطيل فيها السجود.
ولما توفى الإمام الجنيد وإنتقل إلى الرفيق الأعلى سأله أحد أصحابه في المنام إذ جاءه مناماً، فقال: كيف حالك؟ فقال ـ عما نحن فيه الآن ـ ضاعت تلك الإشارات، وتاهت تلك العبارات، ولم يعد إلا ركيعات كنا نركعها في السحر.
هي التي تبقى للإنسان لأن أقرب ما يكون الإنسان من ربه في حالة السجود:
﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾ (19العلق).
وقال صلى الله عليه وسلَّم:
(أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد).
[رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه].
فإذا سجد يعني فني عن نفسه وعن أهوائه وحظوظه وشهواته، كان قريباً قرب القرابة من ربه ووُده وحبه ووصله تبارك وتعالى.
فهؤلاء لا يتركون الصلاة طرفة عينٍ ولا أقل.
أنظر إلى الإمام أبو العزائم رضي الله عنه وهو يصف صلاته فيقول:
أقيم صلاتي إن ترجدت عن نفسي فأفنى بها عني به بمشهده القدسي
لديهـــــــــــــــــــــــــــــا يواجهني بوجهٍ مقدسٍ أكون أنا عرش التنزُل والكرســـــي
عليَّ يُصلي في صــــــــــــــــــــــــلاتي لأنني تشبهتُ بالمختار بالجسم والنفسِ
فالإنسان الذي يُصلي لله هذه الصلاة، يُصلي عليه مولاه كما قال في كتاب الله:
فكل من وقع في مرض الغرور أو داء الكبر وضحكت عليه نفسه، وترك الصلاة والصيام والأمور المشرعات، فقد ضلَّ وأضلَّ، وزلَّ وأزلَّ، وكل من تبعه كان معه في هذا الضلال المبين.
نسأل الله أن نكون جميعاً قدوةً للمقربين، وأُسوةً للمحبين، وأن نحافظ على الصلاة في وقتها كما أمر رب العالمين، وأن لا نغفل على ذكر الله وطاعة الله في كل وقتٍ وحين، حتى نكون من الذين قال فيهم: