• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:58 PM

Sermon Details

16 نوفمبر 2014

يوم الميثاق الأول

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

يوم الميثاق الأول

أول العابدين

خلق الأرواح

ميثاق ألست

تذكير النبي صلى الله عليه وسلم

المجلس السادس: يوم الميثاق الأول[1]

بسم الله الرحمن الرحيم –

الحمد لله الأول بلا بداية، والآخر بلا نهاية، والقائم فيما بينهما لخلقه بالرعاية والعناية، الذي ظهوره عين بطونه، وبطونه عين ظهوره، فمن شدة ظهوره بطن فلا يطلع عليه أحد، ومن شدة بطونه ظهر فأصبح ظاهراً لكل أحد.

والصلاة والسلام علي كنز الله المكنون، وحامل سرِّ الله المصون، الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسى: {كنت كنزاً مخفياً فخلقت الخلق ليعرفوني فَبِي عرفوني}[2]

وصلِّ وسلم وبارك علي هذا النَّبِيِّ الصَّفىّ التقىّ النقىّ، سيدنا محمد وآله وصحبه، والناهجين علي دربه إلى يوم الدين، واجعلنا منهم، واضممنا إليهم في الدنيا ويوم الدين أجمعين، آمين يا ربَّ العالمين.

طلب منا أحد الأحباب أن نعلِّق – علي قدرنا – علي آية سورة الأعراف التي تتحدث عن بداية ظهور الإنسان بعد تكوينه وخلقه – الروحاني والنوراني – بأمر الحنان المنان عزوجل:

وبادئ ذي بدء فالإنسان له عمرٌ محدود، وله أجل ممدود!!

العمر المحدود إذا ظهر في طور الجسمانية في هذا الوجود، فله دوره كدورة القمر؛ يظهر صغيراً ثم يكتمل ظهوره حتى يصير بدراً  كاملاً؛ ويكون ذلك في ريعان الشباب، وهذه الفترة من الخمسة والعشرين إلى الأربعين، وبعدها يبدأ في الصغر والاضمحلال كدورة القمر تماماً بتمام، وهي دورة محدودة ولكن يتوقف عليها مقامات المرء عند الله، وسعادته في الدار الآخرة مع الصالحين من عباد الله، ونيله ما يرجوه من مقامات الزلفى والقربى مع أنبياء الله ورسل الله.

كل هذا يتوقف علي هذا الزمن المحدود الذي نحن فيه جميعاً الآن في دائرة الوجود، لكن للإنسان عمراً ممدوداً يبدأ من بدايته وبداية ظهوره في كون الله اللامحدود ولا ينتهي إلا بعد يوم الخلود، فيكون إما مع الفريق الذي هو في الجنة – نسأل الله أن نكون منهم أجمعين – وإما في الفريق الذي هو في النار – نسأل الله الحفظ والسلامة من هذه الدار؛ دار البوار أجمعين.

أول العابدين

بدأ الله عزوجل الخلق – قبل خلق الأكوان، وقبل خلق الزمان – لأن الله كان ولا زمان ولا مكان، ولا أفلاك ولا شمس ولا قمر ولا نجوم، ثم خلق أرواح الأنبياء بعد أن أنفرد أولاً بخلق سيد الرسل والأنبياء، ولذلك مَنْ أول عابد لله؟ نسأل الله، هل هم الملائكة؟ هل هم الجن؟ هل آدم ومن بعده؟ نسأل الله:

} قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ { (81الزخرف)

والآية معناها تقول:

 إن كان للرحمن ولدٌ فأنا أول عابد لله، فلماذا لم أرَ هذا الولد؟!! لم أرَ هذا الشئ!! لأنه أول شاهد وأول مشهود!!

أول شاهد لحضرات الله الكمالية، وأول مشهود لأنه أول من عُرِضَ فيه كمالات الله العلية للمجتبين والمصطفين من الملائكة ومن الأنبياء ومن البرية، فهو شاشة عرض كمالات الله وجمالات الله صلوات الله وتسليماته عليه. خلق الله منه أرواح الأنبياء، وأخذ عليهم العهد والميثاق الذاتي – الذي أشرنا إليه إشارة لطيفة خفيفة في المسجد:

﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ (81آل عمران).

وهذه البيعة العامة للأنبياء!

ويسبقها بيعة خاصة صغيرة لأولى العزم من الأنبياء: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ.

الأولوية لِمَنْ؟ لرسول الله!!

ثم بعد هذا الترتيب الزمني، ﴿ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وبعد ذلك، ﴿ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ (7الأحزاب)، لم يقل (وأخذنا منكم)، ﴿ مِنْهُمْ فقط، أما أنت لا. فبيعة لأولي العزم، وبيعة للنبيين.

خلق الأرواح

ثم خلق الله عزوجل أرواح الخلق من بني أدم أجمعين – من آدم إلى يوم الدين – أرواحاً نورانية شفافة، لها بَصَرٌ تبصر به الحقائق الشفافة النورانية الإلهية، ولها سَمْعٌ نوراني يسمع الكلام الإلهي، وكلام الملائكة المقربين، وكلام الأرواح السابحة في ملكوت ربِّ العالمين، ولها لسانٌ نوراني يخاطب هذه الحقائق ويتحدث معها، وتسمعه ويسمعها، مثل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ، ثم ماذا؟!! ﴿ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ وكان بينهم حوار:

 ﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ (30فصلت). هل سمعوا أم لا؟ ﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) ﴾ (فصلت).

خلق الله هذه الأرواح قبل تكوين الطينة التي برز منها جسد أدم عليه وعلي نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام، والذي قال هذا الكلام كتاب ربِّنا، اسمعوا معي إلى كلام الله وهو يحكي هذه الفترة الزمنية التي كانت قبل الزمان والمكان: ﴿  وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ كلكم، لم يستثنِ أحداً!!

إذاً كلنا كنا في هذا الخلق، ﴿ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ، أعطى لكلِّ واحد صورته التي تعرف بها، وبعد الخلق والتصوير للكل: ﴿ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ ﴾ (11الأعراف).

و﴿ ثُمَّ، يقول علماء اللغة العربية أنها للتراخى، بمعني زمن طويل وليس وراء بعض. خلق الأرواح كلها وأعطاها صورتها، وأعطاها جمالها، وجمع الأرواح – حيث لا حيث، لا تقول أين؟ لأنه لم يكن هناك مكان، ولا متى؟ لأنها كانت قبل الزمان وقبل خلق الأكوان، وقبل خلق المكان، والمكان الذي نحن فيه الذي ربطه بالزمن الشمس والقمر والنجوم، وهذه الأشياء لم تكن خُلقت ولا وجُدت، ولم يكن مكان ولا زمان، مثل الدار الآخره ليس هناك زمان ولا مكان، لأن الشمس والقمر يلقى بهم في جهنم، والنجوم تنكدر، والشمس تستعر في جهنّم، وينتهي كل هذا ولا يبقى إلا نور الواحد الأحد الفرد الصمد عزوجل – بعد خلق الأرواح كلها جمعها، والكيفُ غَيْبٌ!!! ولا يجب للإنسان أن يسأل عن الغيب وفيه عيب.

إذا طهُر القلب من العيب أطلعه الله – وهو عالم الغيب – علي ما يستطيع تحمله من الغيب!

لكن الذي فيه عيب كيف يطلع علي الغيب؟!!

وهذه عوالم طُهْرٍ كلُّها، وصفاء ونقاء، ونور وجمال، وضياء وبهاء!! من الذي يسمح له أن يشرف عليها؟!! إلا إذا وصل إلى هذا الصفاء وهذا النقاء، وأعطوه من عندهم، وجملوه بما يستطيع تحمله من النور والضياء والبهاء، فيدرك – بما أُعطى من نور الله – قبساً من الغيوب التي نشرها الله جلَّ في عُلاه. إذاً مَنْ الذي يُشهده؟ الله.

هم أشهدوني نورهم بعيوني

وبفضلهم وبنورهم منحوني

لكن أنت الآن ميت!! فكيف يرى الميتُ الحىَّ عزوجل؟ كل الذي فيك من عالم الأموات، يعود مرة أخري إلى الموت، لكن ما فيك من عالم البقاء – الرُّوح، والخفا، والأخفى، والسرّ، والروح القدسية، وهذه الحقائق العلوية – إذا صفت ووفت، وأنت واصلتها وقويّتها وزدتها بما تستطيع من كتاب الله، ومن حبيب الله ومصطفاه، ومن مصاحبة الصالحين بالله، فيكون كما يقول الإمام أبو العزائم رضى الله عنه:

تجذب الروح الهيــاكل

للصــفا أعلي المنازل

إن أداروا الراح صرفاً

أسكرتْ عالٍ وسافل

عندما تمدّ الروح وتهيم تأخذ الجسم معها، ولكن لا تأخذه إلا بعد أن تتحول ذرات الجسم الترابية إلى ذرات نورانية – بمجاهدة الهوى وإبليس، والشيطان والنفس – وقلب هذه الحقائق بنور القرآن وبحبِّ النبي العدنان إلى ذرات نورانية تتعلق بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، يكون ظاهره نور وباطنه نور، فيشرف به ربُّه عزوجل علي عالم الطهر والنور والصفاء والبهاء.

ميثاق ألست

خلق الله هذه الأرواح وجمعها، وأخذ عليها العهد والميثاق: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ – كلهم – ﴿  مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ – وكلهم كانوا في ظهر آدم، ورسول الله يحكي لنا هذا المشهد فيقول: عندما صعد إلى السماء الأولى في ليلة القرب والمناجاة وجد آدم ينظر مرة إلى جهة اليمين ويضحك، وينظر مرة إلى جهة الشمال ويبكى، قال: ما هذا يا أخى يا جبريل؟ قال: هذا آدم ينظر إلى ذريته، فإذا نظر إلى اليمين نظر إلى أهل الجنة من ذريته فتبسم وضحك، وإذا نظر إلى جهة الشمال نظر إلى أهل النار من ذريته فبكى وتأسف، وكلهم موجودين من هذا اليوم في ظهر أدم: ﴿  وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ – كان هذا أول تجلِّى من المُتَجَلِّى، وأول تملِّي لأهل التَّحَلِّي من الله عزوجل للمصطفين والأخيار من عباد الله عزوجل، وكلَّمنا وكلنا سمعنا، وأعطانا من قوته حتى ردَّدنا الخطاب، وفقهنا الجواب:﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ﴾.

فهذا هو خطاب الله، فأول شيء مسَّ آذان روحك، ما هو؟

كلام الله عزوجل، وأول شيء نطق به لسانك ما هو؟ إجابة الله جلَّ في عُلاه.

وأول شيء نَظَرَتْ إليه عينُك ما هو؟ جمال الله: {قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا – ولم يقولوا (بلى سمعنا)، ولكن:﴿ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا جمال الله عزوجل، {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ  ﴾ (172الاعراف).

فكلنا رأينا، وكلنا سمعنا، وكلنا أجبنا الله عزوجل بالقوى النورانية التي جهَّزها لنا ربُّ البرية عزَّ شأنه، وتبارك اسمه، ولا إله غيره. سألوا الإمام عليًّا رضى الله عنه وأرضاه: أتذكر يوم الميثاق يا إمام؟ قال: (نعم، وأعلم مَنْ كان فيه عن يمينى، ومن كان فيه عن شمالى). يعلم من كان هنا ومن كان هنا، يذكر كله.

وكان هناك بعض الصالحين المأخوذين المقتطعين – والمقتطع يلوح له مشهد يأخذه عن كلِّه ونفسه وحواسه والكون الذي هو فيه، ويغيب عن الأكوان، وينشغل بالمشهد الذي يراه – كان يسير ويقول: بلى .. بلى .. بلى، لا يوجد على لسانه إلا كلمة (بلى). فسألوا أحد العارفين فقال لهم: إنه يعيش في هذا المشهد – رأى المشهد الذي حضرناه كلنا، وعاش فيه، ويرد الخطاب، وأخذه؛ فأخذ يردِّد الجواب – بعد أن فقه الخطاب – على الله!! لا يرى شيئاً آخر غير هذا، لا يرى الإنس، ولا يرى النفس، ولا يرى الكائنات، ولا يرى أيَّ شيء غير هذا المشهد.

ويقول الصالحون: أخذنا الكشوف التي معنا للتلاميذ التي نربيهم في مدارسنا من هذا اليوم؛ يقول رجل منهم؛ واسمه الشيخ سهل التسترى رضى الله عنه – وأنا آتي بالأسماء المعروفة في التاريخ، حتى يصدق الناس، لأننا إذا تكلمنا عن المعاصرين نجد أن الكل يعترض علي المعاصرين، لأنهم لا يرون إلا الظاهر – كان يقول هذا الرجل: (إني لأعرف أبنائي من يوم “ألست بربكم”، وأُربِّيهم وهم في أصلاب – ظهور – أبائهم)!! منذ ذلك اليوم رأيت أولادي مِنْ هذا اليوم، يرى أولاده منذ ذلك اليوم!! وأخذ الكشف ويتابعهم حتى يأتي أوانهم.

ولذلك كان يأتي بعض السالكين ويذهب إلى أهل البصيرة المكاشفين ويقدم طلب حتى يدخل مدرسته، فيقول له: أنت ليس عندي، أنت شيخك فلان.

سيدي أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه وأرضاه، كان يبحث عن القطب؛ قطبه الذي يدور حوله – ليصل به إلى الله عزوجل، ذهب إلى تونس وليبيا ومصر والشام، وذهب إلى العراق وقابل الشيخ أبو الفتح الواسطي – وكان من أكابر أهل الفتح من تلاميذ سيدي أحمد الرفاعي رضى الله عنه وأرضاه، وكان سيدى أحمد الرفاعي انتقل إلى جوار الله، وهذا تلميذ من أهل الفتح وليس من أهل الكدح – فذهب إليه، فقال له: أنا لست شيخك، أنت شيخك الشيخ عبد السلام بن بشيش، وهو في بلاد المغرب التي جئت منها. رجع مرة ثانية – وكان ماشياً ولا توجد ركوبة، ولا وسيلة مواصلات – حتى ذهب إلى بلاد المغرب وسأل عنه، قالوا له: إنه في طنجة في أعلي الجبل من فوق، ذهب إلى الجبل؛ رأى عين ماء فتوضأ وصعد الجبل، وقال: السلام عليكم، فقال له: أهلاً بك يا علىّ، يا بن كذا بن كذا بن كذا – وذكر نسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم – وبشَّره وقال له: يا علي جئتنا بعد أن خلعت ما معك فلك غنى الدنيا والآخرة!! – الذي يأتينا معه البشرى من الله غنى الدنيا والآخرة إن صدق، الشرط: الصدق. فكان سيدي أبو الحسن الشاذلي نفسه بهذة الكيفية، وكثيرٌ من الصالحين كانوا علي هذا المنوال، لأنهم يعرفون أبناءهم بعلامات روحانية نورانية علَّمها لهم الله عزوجل في يوم الميثاق.

تذكير النبي صلى الله عليه وسلم

وعندما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أمره الله عزوجل أن لا يعلمنا، وإنما يذكِّرنا ما علمنا الله في هذا اليوم – نحن متعلمون!! والذي علَّمنا الله، من الذي علَّم القرآن؟ الرحمن – وقال لحضرة النبي: فذكّر، ذكّرهم بهذا اليوم، والعلوم، ولذلك تسمع علوم عالية وكأنك سمعتها قبل ذلك!! أين سمعتها؟ في هذا اليوم!! وأحيانا ترى واحداً وتتذكر، وتشغل “الماوس” الخاص بك، وتقلب كل صفحات الكمبيوتر، وتقول: أين قابلته؟ وأين كلمته؟ ولا تتذكر أنك رأيته هناك!! لأن الحبيب قال لنا:

{ الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ }[3]

الذي تعارف هناك يأتي هنا ويأتلف، والذين أنكروا بعضهم هناك يأتون هنا ويختلفون، كيف جاء الإنكار والتعارف؟ أما المؤمنون – فمن فضل الله عليهم – فقد واجههم الله بالجمال، فردُّوا ردًّا جميلاً، بالانبساط في هذا الحال:

} قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا { (172الاعراف).

أما أهل الكفر والشرك والطغيان فقد واجههم الله بجلاله فقالوا: ﴿ بَلَى،  مضطرين مقهورين، بقهر القهار عزوجل. فأهل الجمال تجد بينهم وبين بعض مودة وأنس وصفاء ووصال. لكن أهل الجلال تجد عندهم غضاضة وكره وبغض لأهل الجمال علي مدى الزمان، ربما لا يعرف له سبب ظاهر!! لكن السبب: لماذا هؤلاء اختصهم الله بعنايته؟ لماذا اختصَّ الله هؤلاء بالإيمان وبالقرآن؟ لماذا أهل أوروبا وأهل أميركا أخذوا منا موقف؟!! يقولون: لماذا نزل في بلاد العرب الأنبياء والمرسلون؟ لا يوجد نبيٌّ واحد ظهر في أوروبا!! هل هناك نبيٌّ ظهر في أوروبا؟ لا، هل هناك نبيٌّ ظهر في أمريكا؟ لا، لماذا هؤلاء أخذوا كل هذا الفضل؟ فضل الله الواسع، خصَّ به هؤلاء الأقوام!! فكل هذا يا أحباب ظهر من أجل الذي حدث في يوم (ألست بربكم). هذا اليوم يقول فيه الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:

مِنْ (ألستُ) لم ننسَ ما قد شهدنا

من جمال الجميل إذ خاطبنا

كيف أنساك يا جميل وقلبى

عرش نور الأسماء سرُّ المعنى

جاء سيدنا عمر رضى الله عنه وكان من المحدثين كما قال فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم: { أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي هَذِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ ، فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ  }[4] – والمحدث الذي يحدِّث الحقائق كلها، يحدِّث الأرض كما ذكرنا اليوم في المسجد، يحدِّث الحجر، يحدث كل الحقائق – فكان يحج فوقف أمام الحَجَر وقال له: (إنك حجر) – وهذا خطاب!! أي أنه يسمعه، (إنك حجر لا تضر ولا تنفع) – أي: من نفسك – ولولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك). فقال الإمام عليٌّ رضى الله عنه وكرم الله وجهه – كاشفاً لمن حوله هذا الأمر:

{بل إنه يضر وينفع بإذن الله يا أمير المؤمنين، أما علمت أن الله حين أخذ العهد علي الذرية كتبه في كتاب ثم ألقمه هذا الحجر، فهو يشهد لكل من استلمه أو قبَّله بالوفاء يوم القيامة}[5]

هذا الحجر، من أين نزل؟ من الجنة. ماذا فيه؟ فيه وثيقة العهد الذي أخذه علينا الله عزوجل، ولذالك جعل الله الحجَّ تمام الدِّين، تمام الإسلام. لماذا يذهب الإنسان إلى هناك؟ ليُعلن وفاءه بعهد الله عند بيت الله عندما يواجه هذا الحجر الأسعد الذي فيه الوثيقة التي كتبها الله عزوجل علي عباده أجمعين.

الكلام المباح والمتاح في هذا الباب ذكرناه، أما غير ذلك فإن الإنسان يرتقى حتى يكرمه الكريم ويتذوقه بقلبه، أو يطالعه بعين روحه، عندما يقرأ قول الله عزوجل:

} كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21)  { (المطففين)

لم يقل (يقرأه) وإنما قال هنا: ﴿ يَشْهَدُهُ.

نسأل الله عزوجل أن يَمُنَّ علينا بذلك، وأن يؤهلنا لذلك، وأن يصطفينا ويجتبينا ويجعلنا أهل لذلك، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

[1] الرزيقات قبلي – منزل الحاج عبد الماجد 24من محرم 1436هـ 16/11/2014م

[2] الشعراني في الطبقات، و(الأنوار السنية) للسمهودي

[3] صحيح البخارى عن عائشة بنت عبدالله.

[4] مسلم والترمذي عن عائشة رضي الله عنها.

[5] الحاكم في المستدرك عن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه بلفظ: (يؤتى يوم القيامة بالحجر الأسود، وله لسان ذلق، يشهد لمن يستلمه بالتوحيد).

[1] الرزيقات قبلي – منزل الحاج عبد الماجد 24من محرم 1436هـ 16/11/2014م

[1] الشعراني في الطبقات، و(الأنوار السنية) للسمهودي

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid