• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

14 مايو 2015م

خطبة الجمعة_ الصلاة هدية المعراج

.

شارك الموضوع لمن تحب

********************************************

الحمد لله ربِّ العالمين، أنعم على عباده المؤمنين بقُربه لهم في كل وقتٍ وحين، وكل من سأله منهم لبَّاه، وكل من دعا منهم أجاب دعاه، وكل من طلب شيئاً منهم أعطاه، وكل من توكَّل عليه في أى أمرٍ كفاه، لأنه عزَّ وجلَّ يحبُّ عباده المؤمنين وخاصةً منهم التوَّابين والمتطهرين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غنيٌّ بذاته وصفاته عن جميع مخلوقاته، لا ينشغل بزجل العابدين ولا تسبيح المسبحين، وإنما هو عزَّ وجلَّ دائماً وأبداً شُغُله بالمنكسرة قلوبهم من المؤمنين، فإن تابوا إليه فهو حبيبهم وهو يحبُّ التوَّابين، وإن إنكسروا بين يديه جبر كسرهم وجعلهم من كل الذنوب تائبين، وإن أقبلوا عليه أقبل عليهم كما قال عزَّ وجلَّ في حديثه القدسي: (من تقرَّبَ إلىَّ شبراً تقرَّبتُ إليه ذراعاً، ومن تقرَّبَ إليَّ ذراعاً تقرَّبتُ منه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيتُه هرولة، ومن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسه، ومن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٌ من ملأه) .
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، جعل نفسه كلَّه لله، فوهب حياته لله، وجعل وقته كلَّه لدعوة الله، وشغل من حوله بالإقبال على رسالة الله، فجعله الله عزَّ وجلَّ ختام الأنبياء وخير المرسلين، والشفيع الأعظم لجميع الخلائق يوم الدين.
اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارك على سيدنا محمد، صلاةً ترضيك وترضيه وترضى بها عنا في كل وقتٍ وحين، وترفع بها قدرنا عندك يوم الدين، وتجعلنا بها أهلاً لمجاورة نبيِّك في جنَّة النعيم أجمعين، آمين .. آمين، يا ربَّ العالمين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
اليوم عيدٌ للمؤمنين يتكرر في كل أسبوع، وهو عيد الجمعة، فالجمعة عيدٌ للمؤمنين، واليوم عيدٌ سنوي للمؤمنين لأن فيه أمرٌ جللٌ جعله الله عزَّ وجلَّ مخرجاً لكلِّ همّ، وفرجاً لكلِّ كربٍ، ونجاةً من كلِّ سوءٍ لعباده المؤمنين. ففي هذا اليوم الكريم بيَّن الله عزَّ وجلَّ لنا قدر حبِّه لهذه الأمة؛ هذه الأمة المجتباه؛ أمة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. فإن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عندما دعا أهل مكة للإسلام وكذبوه، وأهانوه، وسبُوه وعابوه، وتعرضوا بالإيذاء الشديد لمن اتبعوه، ولما يئس منهم خرج إلى بلدة الطائف – وبينها وبين مكة حوالي ثمانين كيلومتراً – يدعو أهلها إلى دين الله وطمع أنهم يعوضوه عن أهل مكة.
ولكنهم كانوا أشدَّ منهم تكذيباً، وأكثر إباءً عن الدخول في دين الله، بل إنهم سلَّطوا سُفهاءهم وعبيدهم وصبيانهم على حضرته، يقذفونه بالأحجار – وهو ماشٍ في الطريق خارجاً من مدينتهم – ويسبونه بأقذر الألفاظ، فما كان منه صلَّى الله عليه وسلَّم عندما خرج من عندهم، ووجد المشقة والشدة عندهم، أن وقف ينادي مولاه طالباً لطفه به جلَّ في عُلاه، وكان مما قاله في ذلك: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلَّة حيلتي، وهواني على الناس، أنت ربُّ المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيدٍ يتجهمني!!، أم إلى قريبٍ ملكته أمري!!، إن لم يكن بك غضبٌ علىَّ فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي. أعوذ بوجهك الذي أشرقت به الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تُنزل بي غضبك، أو يحلَّ علىَّ سخطك، لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك) .
وما أن انتهى من هذا الدعاء إلا وارتجَّت أبواب السماء، ونزل ملك عظيم يأتمر بأمره ومعه الأمين جبريل، وقال: يا محمد هذا ملك الجبال فمُرْهُ بما شئت. فقال ملك الجبال: يا رسول الله، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين – ومكة بين جبلين، وهما الأخشبين، و(أطبقت عليهم الأخشبين): يعني أنهيت عليهم نهائياً – ولكن الذي سمَّاه ربُّه الرؤف الرحيم قال: (لا، إنِّي أطمع أن يُخرج الله من أصلابهم من يوِّحد الله عزَّ وجلَّ) ، ورفض حتى أن يدعو عليهم أو يُصيبهم أذى أو سوء.
فما كان من الله عزَّ وجلَّ – إكراماً لهذا النبي وتكريماً لهذه الأمة – إلا أن دعاه إلى حضرته، وأخذه إلى موضعٍ لم يصل إليه نبيٌ ولا ملكٌ ولا رسول، وليس معنى ذلك أن الله في السماء، ولكن الله عزَّ وجلَّ لا يخلو منه زمانٌ ولا مكان، وهو كما قال عزَّ وجلَّ عن ذاته في القرآن: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (4الحديد).
وأعطاه الله عزَّ وجلَّ في هذه الرحلة الكريمة المباركة هدية لهذه الأمة، كل من وقع في الذنوب، وكل من وقع في العيوب، إن استجاب لأمر الله عزَّ وجلَّ الذي أهداه للنبي المحبوب، غفر الله عزَّ وجلَّ هذه الذنوب!! قال صلى الله عليه وسلَّم: (مثل الصلوات الخمس كمثل نهرٍ جارٍ بباب أحدكم يغتسل فيه خمس مراتٍ في كل وليلة، فهل يُبقي ذلك من درنه ـ أى: من وسخه – شيئاً؟ قالوا: لا، قال: فكذلك الصلوات الخمس يُذهب الله بهنَّ الخطايا) .
علم الله عزَّ وجلَّ ضعفنا، وأننا نمشي في الأرض ونسهوا فنقع في الذنوب، أو نقع في بعض العيوب التي نهى عنها علام الغيوب، وليست كبائر لأن الكبائر تحتاج إلى توبة نصوح، لكنها صغائر يحاسب عليها الله، فدعانا إلى الوقوف بين يديه، ليغفر عن كل ما جنيناه، ويعفو عن كل ما ارتكبناه، اسمع له عزَّ وجلَّ وهو يقول في دعوتنا للصلاة، لماذا تدعونا يا ربِّ إلى الصلاة؟ (فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) (10الرعد)
يدعونا لكي يغفر لنا الذنوب، ولكي يستر لنا العيوب، ولذلك ذهب أحد الصحابة الكرام البررة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وقال: يا رسول الله: فعلت مرةً ذنب كذا، فهل يغفر الله عزَّ وجلَّ لي؟ فسأله صلَّى الله عليه وسلَّم قائلاً له: (ألم تصلِّ معنا صلاة العشاء؟ قال: بلى – يعني صليت صلاة العشاء – قال: إذن أبشر، فقد غفر الله عزَّ وجلَّ لك) .
فكل من وقع في الذنوب والعيوب التي لا تصل إلى الكبائر – غفر الله له هذه الذنوب بالصلاة، فيكون دائماً وأبداً طاهراً خالياً من الذنوب والعيوب في كل أيامه، بفضل الله جلَّ في علاه، قال الله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) (31النساء). قال سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهما: ((إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه، نكفر عنكم سيئاتكم بالصلاة))، ما دام الإنسان ابتعد عن الكبائر – كالقتل العمد، والزنا، والسرقة، وعمل قوم لوط، وعقوق الوالدين، وشرب الخمر والمخدرات، والتعامل بالربا – إذا ترك كل هذه الكبائر فإن الله عزِّ وجلِّ يغفر له الصغائر بالصلاة، فجعل الله عزَّ وجلَّ الصلاة مُكفراتٍ للذنوب، ساتراتٍ للعيوب، غافراتٍ للمؤمنين والمؤمنات، ليكونوا دائماً وأبداً من التائبين والتائبات.
ثم بعد ذلك المؤمن قد يتعرض في الدنيا للمحن، قد يتعرض لكارثة لا طاقة له بها، قد يقع في شدة أو ورطة يحتار في أمرها، قد ينزل به بلاءٌ لا يستطيع دفعه، قد يُصاب بمرضٍ لا يستطيع شفاءه، قد يأتيه أىُّ أمرٍ يعجز الخلائق جميعاً عن دفعه، ماذا يصنع؟ وماذا يفعل؟ جعل الله تفريج كل ذلك في الصلاة، فالصلاة التي يصلِّيها العبد لله عزَّ وجلَّ لا يدعو دعاءً صادقاً إلا استجاب له الله، ولا يدعوه مكروباً إلا كشف كربه مولاه، ولا يدعوه في حاجةٍ إلا قضاها له الله، ولا يدعوه مريضٌ – عجز الطبُّ عن علاجه – إلا شفاه، على أن يدعو بيقين وحضور قلبٍ وخشوعٍ بين يدي ربِّ العالمين عزَّ وجلَّ، فإن الله عز وجل قال في حديثه القدسي:
(قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: فإذا قال العبد: الحمد لله ربِّ العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: مجَّدني عبدي، وإذا قال: مالكِ يوم الدِّين، قال الله تعالى: أثنى علىَّ عبدي، وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال الله تعالى: هذا لعبدي، وإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمتَ عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل) .
(هذا لعبدي ولعبدى ما سأل)، (هذا لعبدي ولعبدى ما سأل): أى كلَّ طلبٍ يطلبه العبد فهو مجابٌ بأمر حضرة الكريم الوهَّاب عزَّ وجلَّ، (ولعبدي ما سأل): فلا يسأل الإنسان أىَّ سؤالٍ لله عزَّ وجلَّ إلا ويُلبِّيه، ما دام يسأله بيقين وخشوعٍ وحضور قلبٍ لله ربِّ العالمين، فإن الله عزَّ وجلَّ يجيب دعاءه، ويحقق رجاءه، ولا يخيب سؤاله، لأن الله عزَّ وجلَّ وعد بذلك المؤمنين، كما قال في حديثه القدسي الذي رواه سيِّد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلَّم. ولذا كان سلفنا الصالح رضوان الله تبارك تعالى عليهم أجمعين لا يقعون في شدةٍ إلا فزعوا إلى الصلاة!!.
خرج رجلٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في تجارة من المدينة إلى الطائف وحيداً ليس معه أحد، وبينما هو سائرٌ في الطريق إذ خرج عليه قاطع طريق، فأخذه إلى مكانٍ خلف الوادي وقال: انظر، فوجد رءوساً مقطوعة، فقال: مصيرك كهؤلاء، وأعطني ما معك من المال. قال: خذ ما معي من المال وأتركني لأن لي بنين صغار ليس لهم عائلٌ غيري. قال: أما المال فلابد منه، وأما قتلك فهو أمرٌ حتمٌ. فلما تأكد من ذلك قال: دعني أصلِّي ركعتين لله، قال: لك ذلك.
وهو في الصلاة راكعٌ بين يدي الله سمع منادياً ينادي ويقول: (دعه يا عدو الله)، فواصل الصلاة، وفي سجوده سمع النداء مرةً أخرى: (دعه يا عدو الله)، فواصل الصلاة، وفي تشهده سمع المنادي مرةً ثالثةً يقول: (دعه يا عدو الله).
فلما سلَّم وجد عجباً!!، وجد رجلاً ممسكاً بسيفٍ وقد قطع عنق هذا الرجل الذي أراد قتله، فقال له: من أنت؟ ومن الذي أرسلك إلىَّ؟ قال: أنا ملكٌ من السماء الرابعة، عندما دعوتَ الله عزَّ وجلَّ وأنت في الصلاة قال الله تعالى: مَنْ يجيبُ عبدي فلاناً بأرض كذا، فقلت: أنا يا ربّ، فَهَمَّ هذا الرجل بقتلك وأنا في السماء الرابعة، فقلت: (دعه يا عدو الله)، ثم همَّ بقتلك مرةً ثانية وأنا في السماء الأولى، فقلت: (دعه يا عدو الله)، ثم همَّ بقتلك مرةً ثالثة وأنا على باب هذا الوادي، فقلت: (دعه يا عدو الله) ثم قتلته . فصارت مثلاً للمؤمنين أجمعين؛ أن أىَّ شدة يقع فيها العبد ليس له إلا أرحم الراحمين، ومجيب السائلين، وكاشف الضُّرَّ عن المكروبين. فكان أصحاب رسول الله في كل الشدائد يلجأون إلى ربِّ العالمين.
وأنتم تعلمون جميعاً جماعة المؤمنين أن الله عزَّ وجلَّ معينٌ لكل المؤمنين صغيراً وكبيراً في أى زمان ومكان، إذا شحَّ عنهم الماء ولم يجدوا ماءً يشربون منه ويسقون زرعهم ومواشيهم ماذا يفعلون؟ يتوجهون إلى الله ويصلون صلاة الإستسقاء، فينزل الماء فوراً من عند الله، ولو كانت السماء ليس فيها سحابة واحدة.
كان سيدنا أنس بن مالكٍ رضى الله عنه له في البصرة حديقة تؤتي ثمارها في العام مرتين، وذهب يوماً إلى الحديقة فوجد القيِّم عليها يقول له: يا صحابي رسول الله، أوشك الزرع والضرع على الهلاك!!، لم يعد عندنا قطرة ماءٍ واحدة، قال: أليس عندك قَدْرٌ من الماء أتوضأ به؟ قال: عندي قُلَّة فيها قليل من الماء، قال: فأتني بها. فتوضأ وصلى ركعتين، والسماء صافية كما هي الآن، ليس فيها قطعة من سحاب، وقبل أن ينتهي من الصلاة إذا بسحابة تأتي تُغطي المكان، وتُنزل ماءها على أرضه، فعندما انتهى قال: يا غلام، انظر أين بلغ الماء؟ فذهب الغلام ودار دورةً ثم عاد وقال: يا سيدي عجباً!! كأن الماء يعلم أرضنا فلم يتجاوز بقطرة واحدة إلى أرض جيراننا!!. نزل الماء من السماء إجابةً للدعاء، لأنه استجاب لأمر الله فلبَّاه مولاه.
وكان على هذه الشاكلة كل أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فهذا عقبة بن نافع القائد الشهير، يمشي بجيشه في أرض ليبيا، وانقطعت به السُّبل، ولم يعدوا يجدوا أحد بعدُ ماءً، فذهبوا إليه في مقرِّه وقالوا: يا صحابي رسول الله لم يعد لنا ماء، قال: ولِـمَ لَـمْ تخبروني من قبل؟!!، فتوضأ وصلَّى ركعتين، وبينما فرسه يضرب الأرض بقدميه نبعت عين ماءٍ من تحت قدمه، سقت الجيش كله بأكمله، وملأوا ما معهم من أسقية وأدوات.
وكان هذا حالهم على الدوام، والقصص في هذا المجال يعجز المرء عن عدِّها أو سَرْدِها، وإنما كانوا دائماً وأبداً كما كان صلى الله عليه وسلَّم، فقد قالت السيدة عائشة رضى الله عنها: (كان صلى الله عليه وسلَّم كلَّما أهمَّه أمرٌ فزع إلى الصلاة) .
فعليكم جماعة المؤمنين بالصلاة، افزعوا إليها في كلِّ أمرٍ، وادخلوا فيها في كلِّ شأن، وتوجَّهوا إلى الله بقلوبٍ صافية، وبنوايا طاهرة طيبة، يستجب الله عزَّ وجلَّ لكم، قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (60غافر)، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، الذي أعطانا ما ينفعنا وما يبلغنا سُؤلنا، ويرضي بنا ولنا عنا ربُّ العالمين عزَّ وجلَّ. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهٌ كريمٌ بخلقه، شفوقٌ وعطوفٌ ورحيمٌ على عباده، يتنزل على عباده المؤمنين في كل ليلة في الثُلُث الأخير من الليل – فينادي وهو الغني – ويقول: (هل مِنْ تائبٍ فأتوب عليه، هل مِنْ مستغفرٍ فأغفر له، هل مِنْ سائلٍ فأعطيه، هل مِنْ داعٍ فأجيبه، هل مِنْ كذا؟ هل مِنْ كذا؟ حتى مطلع الفجر) .
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، وصفيُّه من خلقِهِ وخليلُه، علمنا وهو خير معلِّم أن خير سلاح نواجه به كلَّ صعاب هذه الحياة – مع الأخذ بالأسباب – الإستعانة بالدعاء لله والصلاة، عملاً بقول الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) (153البقرة).
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمدٍ خيرُ من صلى وصام، وقام ودعا الله عزَّ وجلَّ على الدوام، صلَّى الله عليه وعلى آله الأعلام، وصحابته الكرام، وكل مَنْ تمسَّك بهديهم،ودعا بدعوتهم ومشى على دربهم إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
كان سلفنا الصالح رضوان الله تبارك وتعالى عليهم أجمعين، يعلِّمون أبناءهم وبناتهم أنهم إذا استغلق عليهم أىُّ أمرٍ – إن كان في أمور الأرزاق، أو كان في أمور الأعمال، أو كان في أمور الدنيا، أو كان في أمور العلم – عليهم أن يفزعوا إلى الصلاة، فيتكفَّل الله عزَّ وجلَّ بنفعهم في ذلك إن شاء الله.
كان الإمام الشافعي رضى الله عنه تأتيه الأسئلة من كل البلاد، وأحياناً كان يحتار في إجابة سؤال، فيقول لصاحبه: انتظر حتى أصلي ركعتين لله، وبعد أن ينتهي من الركعتين يقول له: ((ألهمني الله عزَ وجلَّ بإجابة سؤالك، وهي كذا وكذا وكذا))، فكان يستمد الإجابة من الله بعد أداء الصلاة لله عزَّ وجلَّ. وكذلك كانوا في كل أحوالهم وفي كل أعمالهم، لم يكونوا في حيرة في أى شأنٍ كما حدث الآن في مجتماعاتنا، فترى الإنسان أىَّ إنسانٍ – حيران في شئونه، لا يعلم من أين يتجه، ولا أين يتوجَّه، ولا أىَّ أموره يختار، مع أن النبي صلى الله عليه وسلَّم كما قال سيدنا عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يعلمنا الإستخارة في كل أمورنا، ويُحفظنا دعاء الإستخارة كما يحفظنا السورة من القرآن)) . ويقول صلى الله عليه وسلَّم: (ما ندم من استشار، ولا خاب من استخار) .
إذا تحيَّر المرء في أمرين أيهما صواب؟ ماذا يفعل؟ يصلي ركعتين لله، ثم يدعو بدعاء الإستخارة الوارد عن رسول الله فيلهمه الله عزَّ وجلَّ في صدره بالأمر الذي فيه نفعٌ له في الدنيا وسعادة له يوم لقاء الله.
كمن عنده بنت، وجاء لها خاطبين فعلى أيهما يوافق؟ ومن يستشير؟ إذا استشار الخلق فمنهم من يحب هذا ومنهم يكرهه، ومنهم من يحب الآخر ومنهم من يكرهه، ومنهم من يحب الشخص ذاته، ومنهم من يكرهه ولا يحب له الخير، إذن بمن يثق ويستشير؟ يستشير ربَّ العالمين عزَّ وجلَّ.
فيصلي ركعتي الاستخارة لله، ويدعو دعاء الاستخارة الوارد عن رسول الله: (اللهم إني أسخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر – ويذكره، وهو زواج إبنتي فلانة من فلان – خيراً لي ولها في الدنيا والآخرة، فيسِّر لنا هذا الأمر ويسره لنا، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر – وهو زواج إبنتي فلانة من فلان – شرًّا لها ولنا في الدنيا والآخرة فاصرفه عنا واصرفنا عنه، واكتب لنا الخير حيث كنا ورضِّنا به، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم) .
لا يحفظ الدعاء .. يكفيه أن يقرأه من ورقة متكوبة، لأنه يدعو به بعد أن يسلم، فبعد أن يصلي ويسلم يدعو بهذا الدعاء، فيلهمه الله عزَّ وجلَّ في صدره بالخير، فيمشي فيه عملاً بقول الله عزَّ وجلَّ: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (68القصص). قد يصرُّ بعض ضيقي الفهم أنه لابد أن يرى رؤيا في المنام، وهذا غير وارد عن رسول الله، وإنما الوارد أنه يجد في صدره شرح صدر نحو هذا الأمر، أو ميلاً نحو هذا الاتجاه، فيمشي فيه فيجد فيه السعد في الدنيا والآخرة.
المؤمن الذي معه الاستخارة كيف يحتار في أمرٍ عُرض عليه!! هل يسافر أم لا يسافر؟، كيف يحتار في أمرٍ عُرض عليه أن يشتري هذا المكان أم لا يشتريه؟، أىُّ أمرٍ عرض عليه في الدنيا، أى أمرٍ من أمور الحياة الذي ينقذه منه وينجِّيه منه فوراً هذه الإستخارة التي علَّمها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
فاعلموا علم اليقين جماعة المؤمنين: أن الله تعالى ما فرض علينا هذه الصلاة إلا ليغفر لنا بها الذنوب، ويستر لنا بها العيوب، ويقضي لنا بها الحوائج، ويفُضَّ عنا كل حيرة، ويجعلنا في الدنيا في حياةٍ طيبة، ويجعلنا في الآخرة في حياةٍ فيها سعادة وهناءة وسرور.
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا وأبناءنا وزوجاتنا وبناتنا وأحفادنا مقيمين للصلاة، ومحافظين على طاعة الله، عاملين بما يحبُّه عزَّ وجلَّ ويرضاه، وأن يحفظنا وأبناءنا وبناتنا وذرياتنا من المعاصي والفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يتولانا بولايته، وأن يرعانا برعايته، وأن يجعلنا من أهل ودِّه وكرامته، وأن لا يجعل لنا حاجة لسواه طرفة عينٍ ولا أقل.
اللهم لا تحوجنا إلى غيرك طرفة عين ولا أقل، ولا تجعلنا نطرق غير بابك، ولا نسأل إلا حضرتك، ولا نتوجه بالضراعة إلا إليك، ولا نتوجه بالذُّل والمسكنة إلا بين يديك، واجعلنا أعزة بك بين خلقك أجمعين، يا أكرم الأكرمين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات،
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال حكامنا وحكام المسلمين أجمعين، واجعلهم بشرعك عاملين، وبسنة حبيبك صلى الله عليه وسلم آخدين.
اللهم اقضِ على الزمرة الفاسدة التي تقتل وتروع الآمنين، وخذهم أخذ عزيز مقتدر، وطهِّر منهم العباد والبلاد، واجعل أرض مصر كلها كما قلت في كتابك: (ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ) (99يوسف).
اللهم اجعل بلدنا رخاءً سخاءً إلى يوم الدين، ولا تحوجنا إلى معونات الأصدقاء ولا الأعداء، واجعل الخير نازلاً من السماء ومباركاً في الأرض، تغنينا به عن جميع خلقك يا أكرم الأكرمين.
عباد الله: اتقوا الله، (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (90النحل).
اذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، وأقم الصلاة
——————————————————————-

    خطبة الجمعة مسجد البركة ـ فنارة ـ الإسماعيلية 15/5/2015 موافق 26 رجب 1436 هـ

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid