• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

8 أكتوبر 2021

خطبة الجمعة_بالمقطم شكر الله على نعمة رسول الله

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

الحمد لله رب العالمين، منَّ علينا بأن جعلنا من أمة خير رسولٍ أرسله للخلق أجمعين، واصطفانا فأنزل لنا خير كتابٍ أنزله على جميع النبيين والمرسلين، وزاد في فضلنا فكتب في قلوبنا الإيمان وجعلنا من عباده المسلمين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الشكور الحليم، يُحب من عباده أن يكونوا لأنعُمه شاكرين، ولحضرته حامدين، ولكل من قدم إليهم معروفاً مكافئين.

وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، حباه الله تبارك وتعالى ورقاه، وأعلى مقامه وإلى حضرته أدناه، ومنحه أغلى منحةٍ في كتاب الله، فقال في حقه:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4القلم).

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا هُداه، ووفقنا لحبه وحُسن أتباعه في الدنيا، وارزقنا شفاعته وأدخلنا معه الجنة أجمعين، آمين آمين يا رب العالمين.

أيها الأحبة جماعة المؤمنين:

إن الله تبارك وتعالى جميلٌ يحب الجمال، في كل الأقوال والأفعال، فأمرنا أمراً جامعاً أن نشكر كل من أسدى إلينا معروفاً، فهو صاحب المنة العُظمى في خلقنا وإيجادنا وأرزاقنا وكل أحوالنا، ووالدينا السبب المباشر بعد الله في أيجادنا، فأمرنا أن نشكر الله ونشكر والدينا فقال:

﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14لقمان).

أمرنا أن نشكر كل عبدٍ يُسدي إلينا معروفاً فقال:

(عبدي لن تشكرني ما لم تشكر من أجريت لك النعمة على يديه).

أقابل أي جميلٍ أو صنيعٍ حسنٍ بالمكافأة، والمكافأة هي الشكر أو الدعاء قال صلى الله عليه وسلَّم:

(من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تستطيعوا فادعوا له).

[رواه أحمد وأبو داود وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه].

ولو نظرنا في النعم التي لنا وحولنا وجاءت لنا، لا نجد نعمةً أغلى ولا أعلى من الهداية والإسلام، والقرآن كتاب رب العالمين، والذي جاءنا بذلك كله هو خير النبيين وإمام المرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلَّم.

ولذا قال الله تبارك وتعالى لنا أجمعين في حقه:

﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ ﴾ (103آل عمران).

أيَّ نعمة يقصدها الله؟ هل نعمة الطعام أو الشراب أو الدواء أو غيره؟

وضحها في آية كتاب الله:

﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا (103آل عمران).

أذكروا يعني تذكروا وافتكروا النعمة التي ألًّفت بين القلوب، والتي هدتها بعد الكفر والغواية إلى توحيد حضرة علام الغيوب، والتي جعلها الله سبحانه وتعالى سبباً لنا للنجاة من النار، ودخول الجنة مع الأبرار وهو النبي المختار.

قال الإمام الشافعي رضي الله عنه:

[أصبحنا وما بنا من نعمة ظاهرة أو باطنة، إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلَّم سببها وهو الذي أوصلها إلينا].

النعم الباطنية والمعنوية والإيمانية، النعمة الواحدة منها أغلى من جميع النعم الدنيوية، لأن الله يساوي في النعم الدنيوية بين المسلمين والكافرين.

بل ربما يكون الكافرون أغلى وأعلى في شأن الأرزاق الدنيوية من المسلمين، لكنك فيك نعمة الإسلام والهداية والإيمان، فهي النعمة التي بها النجاة من النيران، ودخول الجنان يوم لقاء حضرة الرحمن تبارك وتعالى.

واذكروا نعمة الله عليكم، فكيف نذكره؟

نتذكر سيرته، نتذكر أخلاقه الطيبة، نتذكر أحواله في التعامل مع أهله ومع جيرانه ومع أحبابه ومع أعدائه، لنمشي على هديه ونسير على منواله، فمن مشى على ذلك نال لواء السعادة العُظمى يوم الدين، وقد أمرنا الله تعالى بذلك فقال لنا أجمعين:

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (21الأحزاب).

فإذا كنا طوال العام مشغولين، وبأعمال الدنيا وزحام الأعمال غير فارغين، فلنجعل لأنفسنا وقتاً في ليالي شهر ربيعٍ الأول، شهر ميلاد خير مولود في هذا الوجود، نطالع فيها سيرته، نطلع فيها على أخلاقه وصفاته، ونحاول أن نتابعه في ذلك، لأن الله أعلن في قرآنه الكريم أن محبته لا تُنال إلا بمتابعة النبي.

إدَّعى قومٌ أنهم يحبون الله، فقال الله تبارك وتعالى لهم في كتاب الله ـ وهذا دليل المحبة يا أحبة:

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي (31آل عمران).

من يزعم أنمه يحب الله برهانه ودليله حُسن المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم في شرعه الذي جاءنا به من عند الله.

ونفرح بهذا الميلاد العظيم، فإذا كان الكافر لأنه فرح يوماً بميلاد النبي خُفِّف عنه من عذاب جهنم، يروي الإمام البخاري رضي الله عنه عن العباس عم النبي أنه رأى أخاه أبا لهب الذي ذمَّه الله في كتاب الله، رآه ذات ليلة في المنام، فقال: كيف حالك يا أخي، قال: في أشد العذاب، غير أنه يُخفف عني كل يوم إثنين، قال: لماذا؟ قال: لأن جاريتي ثُويبة عندما بشَّرتني بميلاد محمد إبن أخي عبد الله، قلت لها أنتي حرة لوجه الله، فكافأني الله بذلك فهو يُخفف عني كل يوم إثنين لفرحه بميلاد رسول الله.

وفي ذلك يقول الرجل الصالح محمد بن ناصر الدمشقي رضي الله عنه:

إذا كان هذا كافراً جاء ذمه      وتبَّت يداه في الجحيم مُخلدا

أتى أنه في ليلة الإنثنين دائماً     يُخفَّف عنه بالسرور بأحمدَ

فما الظن بالعبد الذي ظل طول عمره      بأحمدَ مسروراً ومات موحدا

قال صلى الله عليه وسلَّم:

(ما اختلط حبي بقلب عبدٍ مؤمنٍ، إلا وحرَّم الله جسده على النار).

[الحاكم وأبو داود عن معاذ بن جبل رضي الله عنه].

أو كما قال:

أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلِّم، واعطنا الخير وادفع عنا الشر ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يا رب العالمين.

أما بعد فيا أيها الأحبة جماعة المؤمنين:

نبتت نابتةٌ في زماننا هذا وكان السلف الصالح أجمعين يحيون ليالي ميلاد رسول الله بالفرح والسرور، ومطالعة سريته وسماع قصة مولده، فجاء هؤلاء وحرَّموا الإحتفال بميلاد رسول الله، وهذا أمرٌ عجيب وغريب.

إن النبي صلى الله عليه وسلَّم عندما دخل المدينة مهاجراً، وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، العاشر من شهر الله المحرم، فسألهم لم تصومون؟ قالوا: نصوم هذا اليوم شكراً لله، لأنه اليوم الذي نجَّى الله فيه موسى وقومه من فرعون وقومه، قال: نحن أولى بموسى منكم، وصامه وأمر أصحابه بصيامه.

والنبي صلى الله عليه وسلَّم كان بذاته يحتفل بعيد ميلاده، فقد كان صلى الله عليه وسلَّم يصوم كل يوم إثنين، فسُئل صلى الله عليه وسلَّم: لم تصوم هذا اليوم؟ قال:

(ذاك يومٌ وُلدت فيه).

يصوم هذا اليوم شكراً لله على نعمة ميلاده، إحتفل بطريقته فصام، ونحن نحتفل بمدارسة سيرته، ونحتفل بمدارسة أخلاقه الكريمة، ونحتفل بإظهار مواهبه العظيمة التي أعطاها له الله، ونحتفل بما أعطانا الله على يديه لنشكر الله على بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، حتى نكون من عباد الله الشاكرين، ونحتفل مع أطفالنا، فنعطيهم الحلوى فيسألوننا: لماذا؟ فنقول لهم إحتفاءً بنبينا الكريم، ونحكي لهم طرَفاً من سيرته، وقصةً من حياته حتى يتعلقوا بحضرته، وينشأوا على هذا الحب لنبينا الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلَّم:

(والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين).

[البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه].

ويوماً قال له سيدنا عمر رضي الله عنه: يا رسول الله إني أُحبك أكثر من كل شيئٍ إلا نفسي التي بين جنبي، قال: لا لم يكُمل إيمانك يا عمر، فعاد وقال: والذي نفسي بيده، لأنت أحبَّ إليَّ من كل شيئ حتى نفسي التي بين جنبي، قال: الآن يا عمر الآن يا عمر.

فلابد أن يكون حب رسول الله وحب رسول الله ـ يعني الحب العمل بشريعته وحب أداء سنته، أحبُّ إلينا من أنفسنا وأموالنا وأولادنا وأهلينا أجمعين.

وكان سلفنا الصالح يُوزعون الحلوى على الأطفال لجذبهم لسماع سيرته، ومطالعة أحوال حضرته، وماذا في ذلك يا جماعة المؤمنين والله سبحانه وتعالى قال لنا في كتابه المبين:

﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا تَجْمَعُونَ (58يونس).

وفضل الله ورحمة الله علينا أجمعين هو سيدنا رسول الله، فهو الذي جاءنا بالدين الحق، وهو الذي في يده لواء النجاة يوم لقاء الله، ولن ننجوا جميعاً من الأعمال الحشرية إلا إذا شملنا بشفاعته، وجعلنا تحت لواء حضرته، ونطمع أجمعين أن نُرزق بجواره في جنته، لأن هذه أعلى الدرجات في الجنات.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يُحيي نفوسنا بالعمل بشريعته، وأن يجعل أجسامنا دائماً متابعةً له في سنته، وأن يرزقنا حب القرآن، وحب النبي العدنان، وحب كل عملٍ يقربنا إلى حضرة الرحمن.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل زاهقاً وهالكاً وارزقنا إجتنابه، الله وفقنا إلى فعل الخيرات، وعمل الصالحات، واستباق القربات واحفظنا ونجنا من جميع المعاصي والمخالفات.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات يا أرحم الراحمين.

اللهم اصلح أحوالنا، وأحوال أولادنا وبناتنا وزوجاتنا، وأحوال إخواننا المسلمين أجمعين، حكاماً ومحكومين ورؤساء ومرؤسين، ووفق قادة العباد والبلاد للعمل بشريعة سيد الأولين والآخرين، وارزقهم في قلوبهم الحنان والشفقة العطف على عبادك المسلمين.

اللهم أهلك الكافرين بالكافرين، وأوقع الظالمين في الظالمين، وانتقم من اليهود الغادرين، وطهر بيت المقدس من رجسهم يا أكرم الأكرمين.

عباد الله اتقوا الله:

﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (90النحل).

أذكروا الله يذكركم واستغفروه يغفر لكم، واشكروه على نعمه يزدكم، وأقم الصلاة.

 

خطبة الجمعة: 8/10/2021 الموافق غرة ربيع الأول 1440 هـ مسجد الفائزين بالمقطم

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid