• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

23 مايو 2013م

تربية رسول الله لأصحابه المباركين

.

شارك الموضوع لمن تحب

*********************************

أولاً: افتتاحية بسيطة قبل أن نجيب على الأسئلة .. الكلام الذي تحدَّثنا عنه الليلة – في بداية الحديث بعد المغرب – هذه يا إخواني تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه المباركين، هذه التربية حَمَلَهَا العارفون والعلماء العاملون، وهم القائمون بهذه التربية إلى يوم الدين. كل من أراد الفتوحات الإلهية، والعطايا الربانية، والمكاشفات القرآنية، والنفحات التي تفضل الله عزَّ وجلَّ على المقربين، لابد أن يسبق ذلك تهذيب وتأديب على يد رجل من العارفين.

والعارفون – رضي الله عنهم – كالمراهم الهينة اللينة، لا يسوقون الخلق إلى الله بالشدة، لأن الشدة لا تصلح لتثبيت المريدين، لابد أن يكون لدى المريد عزم وأمل يسعى لتحقيقه، وله غاية يريد أن يصل إليها، وما الذي يسعى إليه لتحقيق هذه الغاية، والعارف مشرفٌ ربانيّ يشرف عليه حتى يبلغ هذه الغاية. ولذلك من أراد أن يسلك طريق الصالحين والعارفين، ومن أراد أن يحظى بعطاءات العارفين، لا يسامح نفسه أبداً، فهو الذي يحاسبها في التخلق بأخلاق سيِّد الأولين والآخرين.

على سبيل المثال .. من يريد مواهب العارفين ولا يتحرج من الكذب، فأيُّ مواهب يريدها؟!!! لابد أن يكون من الصادقين، ولا يسامح نفسه في الكذب، حتى ولو في اللهو واللعب، لقوله صلى الله عليه وسلم:

(إنِّي لأمَزْحُ ولا أقُولُ إلاَّ حَقًّا) (رواه الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما).

ولا يسامح نفسه في الكذب حتى ولو على ولده، أو على أهله، أو على غيرهم بأي حِجَّة نفسيَّة واهية، لأن هذه الكذبة قد تُبعده من ديوان العارفين، وتجعل اسمه لا يسجل في ديوان أهل المنح الإلهية، فيخرج من الدنيا خاوي الوفاض. هذه شروط إلهية يا إخواني: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [55يوسف].

ما مؤهلاتك حتى تكون على خزائن الأرض؟ لابد أن تكون حفيظاً على هذه الجوارح، عليماً – تعلم هذه الأمور  .. فكيف بمَنْ يريد خزائن القرآن؟!! ومَنْ يريد خزائن الرحمن؟!! ومن يريد خزائن  النبيِّ العدنان؟!! ومن يريد خزائن النُّور المكنون؟!! ومن يريد خزائن السرِّ المصون؟!! ماذا الذي يجب عليه؟ لابد – يا إخواني – أن لا يسامح نفسه في أي كذبة، في أي أمر، مع أي شخص، في أي حين من الدهر. وهكذا قِسْ على ذلك بقية السجايا والأخلاق.

ولذلك – وعفواً في ذلك – نحن نلعب شطرنج مع إخواننا!! هم يظنون أنهم يضحكون علينا ويتخلقون بأخلاق المنافقين!! محرومون!! وماذا نفعل؟ يذهب إلى هنا، أو يذهب إلى هنا، العبرة بالخُلُق، وليس بالقرب ولا بالمجالسة ولكن بالمؤانسة، والمؤانسة أن تتطابق الأخلاق ويحصل الوفاق والاتفاق، فيتنزَّل النُّورُ الإلهيّ والعطاء الربانيّ، من أهله على أهل الوفاق، إن الأمر هكذا!! هذا هو النسب الذي يتنزَّل به العطاء الرباني من الحبيب لأحبابه، ومن أحبابه لأحبابهم، وهكذا … الخلق الكريم!! فيكون هو الجهاد الأعظم.

أما الجهاد في العبادات فهذا لمن أراد أن يكون له مقامٌ عظيمٌ في الجنات، وقد يكون وقد لا يكون!! لأن الأمر يتوقف على الإخلاص في القصد لمن يقول للشيء كن فيكون. قد يُمَنِّي نفسه في العبادة، ويُحييه الله ويطيل عمره ألف سنة ولا يتمتع في الوصل بسِنة!!! لأن عبادته لا يقصد بها وجه الله، فيقول الله لملائكته:

(اضربوا بعمل عبدي هذا وجهه. يقولون: لِمَ يا ربّ؟ فيقول: لأنه لم يُرِدْ بذلك وجهي والدار الآخرة) {وأخرج البزَّار والبيهقي من حديث أنس رفعه قال: (تعرض أعمال بني آدم بين يدي الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة في صحف مختمة، فيقول الله عزَّ وجلَّ: ألقوا هذا واقبلوا هذا، وتقول الملائكة: يا رب والله ما رأينا منه إلاَّ خيراً، فيقول: إن عمله كان لغير وجهي، ولا أقبل اليوم من العمل إلاَّ ما أريد به وجهي)}. فالأخلاق هي أساس الوفاق والاتفاق

تَخَلَّقْ بِأَخْلاقِ الإِلَهِ وَحَافِظَنْ       عَلَى مَنْهَجِ المُخَتَارِ فِي العِقْدِ تُنْسَقُ

قد يقول البعض: ولِمَ لا يوجه غير الملتزمين؟!! أقول: يا أخي ..كان المنافقون يجالسون رسول الله، ويصلون معه، ويذهبون معه، ولا يكشف عوراتهم، ولا يدل على أحوالهم، ونحن على هذا الأثر متبعين طريق رسول الله، أن المرء هو الذي يكشف عن نفسه، ويعالج نفسه ويصلح أخطاءه، ونحن معه بالتوجيه والإرشاد، ونأخذ بيده، وندعو له إذا صدق، ويسرع له العطاء، ويُكشف عنه الغطاء، ويواجه بالنور والجمال، والضياء والبهاء من عالم الأزل العلي، ومن سيِّد الرسل والأنبياء صلى الله عليه وسلم.

الأساس كله هو الأخلاق، أخلاقُ حبيب الله ومصطفاه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولذلك الإمام أبو العزائم عن الموضوع الذي تحدثنا فيه اليوم، فماذا يقول؟ يقول رضي الله عنه: (قد يكشف لك الشيخ ويبيح لك بعض أسراره الخاصة ليختبرك، فإن أبحت بها فأنت لا تؤتمن على الأسرار الإلهية، وإن لم تبحها فأنت أهل للعطية). لابد من ذلك!!!

لازم الواحد الأول يتعلم كتمانَ السرِّ من البداية للنهاية ليُتَوَّجُ بتاج أهل العناية – إن شاء الله ربُّ العالمين . هذا هو التنبيه الذي أشرنا إليه، ونسأل الله العظيم عزَّ وجلَّ أن يجمِّلنا بهذا الجمال، ويخصنا بهذا الكمال على الدوام.

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

درس السهرة بمسجد الغفران ببورسعيد في 23/5/2013

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid