• Sunrise At: 4:53 AM
  • Sunset At: 6:58 PM

Sermon Details

28أكتوبر2021

الشموس المحمدية وإشراقتها من الأولية إلى الآخرية

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

بعض الأحباب لما رأوا ما نُشر في الفيس من كتاب السراج المنير، عن الشموس المحمدية وإشراقاتها من الأولية إلى الآخرية، قالوا: نريد استزادةً في الفهم في هذا الباب.

والحقيقة أن ما ذكرناه كان في إحدى المحاضرات، والكلام دائماً في هذه المناسبات يكون على حسب قلوب الحاضرين، وليس على حسب سعة مقامات سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلَّم، ونُفصل اليوم باختصارٍ شديد شموس الأنوار المحمدية:

فأول شمسٍ أشرقت كانت شمس الحبيب الذاتية، أو شمس الذات القدسية:

وهي الشمس التي أشرقت قبل خلق الأكوان وقبل خلق الأعيان، وكانت نوراً من نور حضرة الرحمن سر نفخة الله عز وجل القدسية:

﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29الحجر).

وهذه الشمس الذاتية كانت تدور حول العرش بمفردها قبل وجود أي ملكٍ أو فلكٍ أو إنسٍ أو جانٍ أو غيرها.

وفيها يقول الله تبارك وتعالى في القرآن:

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81الزخرف).

فكانت عبادةٌ خاصة ـ عبادةٌ ذاتية أُقيم فيها حضرة الحبيب المصطفى بذاته القدسية يطوف حول الذات العلية، يقول في ذلك الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:

أشرقت شمســـــــــــــــه قبيل التجلي      ســـــــــــــدرةً وُوجهت من المتجلي

كنت يا سيدي ولم يكُ عرشٌ      فوق ماءٍ تضـــــــــــيئ نورك أصلي

للعلي العظـــــــــــــــــــــيم كنت مراداً       فرد ربي ونــــــــــــــور وجهك مجلي

فكان صلى الله عليه وسلَّم يطوف حول الذات العلية ولا فلكٌ ولا ملكٌ ولا أرواحٌ ولا أشباح، معيةٌ ذاتية خصوصية للحضرة المحمدية، حضرة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم بروحانيته القدسية.

ويُروى في هذا أثرٌ رواه أحد الصالحين: أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم سأل الأمين جبريل وقال:

(منذ كم أنت يا أخي يا جبريل؟ قال: لا أدري، غير أن هناك كوكباً يطوف حول العرش كل سبعين ألف سنة مرة، وقد رأيته سبعين ألف مرة، فقال صلى الله عليه وسلَّم: وعزة ربي أنا ذلك الكوكب).

وفي هذه الحضرة القدسية كان الله تبارك وتعالى يتولَّى بذاته تربية حبيبه صلى الله عليه وسلَّم تربيةً ذاتية، ويلقنه ما خصَّه به دون سواه من العلوم الإلهامية، والأحوال النبوية، ويكاشفه بما لا يستطيع أحدٌ سواه أن يراه من التجليات الربانية والأنوار الذاتية القدسية، والتي إليها الإشارة بأن مقام الأمين جبريل عليه السلام وقف عند سدرة المنتهى في رحلة المعراج ـ لأنه نورٌ ملكوتي وقال: إلى ها هنا إنتهى مقامي.

فقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: يا أخي يا جبريل أها هنا يترك الخليل خليله؟ قال: يا رسول الله أنا لو تقدمت قدر أنمُلة ـ يعني طرف الإصبع ـ لاحترقت ـ لأنه نهورٌ ملكوتي، ولا يجوز له أن يتجاوز إلى الأنوار الذاتية، وهذا خاصٌ بالحضرة المحمدية الذاتية دون سواه من الأولين أو الآخرين.

جبريلٌ وهو عظـــــــــــــــــــــــــــيمٌ في مكانته     لم يستطع أن يلج الأنوار بالهمم

والمصطفى وهو خير الخلق أجمعهم     ولج الأنــــــــــــوار فافهم زهرة الحكم

وأنت لو تقدمت لاخترقت، ولأنه نورٌ ذاتي ولج في هذه الأنوار، وتدلى له الرفرف الأخضر حتى وصل إلى مقامٍ ألمح إليه الله في كتاب الله فقال:

﴿ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) (النجم).

وهناك خُصَّ بما خصَّ به دون سواه في قول الله:

﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10النجم).

ولا نستطيع الإباحة بأكثر من ذلك في هذا المقام العلي الجلي، لأنه مقامٌ خاصٌ بحضرة النبي، وللأفراد الورثة شميمٌ من هذا المقام، لهم في ذاتهم لا يُلمحون به لغيرهم حفظاً على أسرار الحضرة الإلهية.

أما الصورة الربانية:

فهي الصورة التي أشرق الله بها على حضرة النبيين في ميثاق النبيين، وهي صورة الحضرة النبوية الربانية التي منها إنبلجت أنوار النبيين، وبها قام النبيون بما كلفهم بها رب العالمين من الرسالات الإلهية، فكان صلى الله عليه وسلَّم شمساً كلية خاصةً لا يراها إلا هؤلاء الخاصة من النبيين والمرسلين، وهذا يظهر في قول الله في هذا العهد والميثاق:

﴿ وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا ـ وأظهر لهم الشمس الربانية منبلجةً في مرآة الحضرة المحمدية فشهدوا:

ـ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81آل عمران).

هذه الصورة الربانية كانت خاصة للنبيين والمرسلين وهم أرواحٌ نورانية قبل ملامسة هذه الأرواح للأشباح، لأنهم كانوا قبل القبل والأشباح كانت لم تُخلق بعد.

أما الصورة النورانية:

وهي الصورة الثالثة من هذه الصور، فهي التي أشرق الله تبارك وتعالى بها بنوره ونور حبيبه في هيكل آدم، عندما أراد أن يأخذ له العهد على الملائكة أجمعين أن يكونوا له ساجدين، فإن الله عز وجل عندما أمر الملائكة الكرام أن يأتوا بطينة آدم من الأرض، وعجنها رب العزة تبارك وتعالى بماء التسنيم، وخلق منها هيكل آدم، ثم أظهر فيه الروح المحمدية النورانية التي يستطيع أن يراها ملائكة السماوات وأهل عالين وأهل عليين، ويراها في الدنيا المقربين من الصالحين في كل زمانٍ إلى يوم الدين.

هذه الصورة النورانية هي التي يقول فيها الإمام أبو العزائم رضي الله عنه وأرضاه:

أبرزته يد العنـــــــــــــــــــــــــــاية كوناً      وهو نورٌ في صــــــــــــــــــــــــــــورةٍ آدمية

ويقول عن السجود:

فلو أن السجود كان يقيناً لأبيه ـ يعني آدم ـ لأبيه لم يهبطاً من علية

فلو أن السجود كان يقينــــــــــــــــــــــاً      لأبيه لم يهبطـــــــــــــــــــــــاً من علية

ويوضح هذه الصورة بصورةٍ أجلى وأوضح، سيدي علي وفا رضي الله عنه عندما قال:

لو أبصر النُمروذ بعض جماله     عبد الجليل مع الخليل ومـــــــا عند

أو أبصر الشيطان طلعة نوره     في وجه آدم كان أول من ســجد

لكن نـــــــور الله جل فلا يُرى      إلا بتخصيصٍ من الله الأحــــــــــــــد

إذاً ما ظهر من النور في وجه آدم وسجدت له الملائكة كان نور الحضرة المحمدية شمسه النورانية التي أضاءت آفاق عالم الملكوت، وتضيئ عالم الجنات وتضيئ كل الآفاق العلويات، وتضيئة في قلوب المقربين في الدنيا إلى يوم الدين.

شمســـــــــــــــنا طه الحبيب المصطفى      لم تغب يا طـــالب الحق اليقين

من يقُل غـــــــــــــابت فذاك لحجبه      كيف يخفى نور خير المرســـــلين

نورتنا الشمس أصبح نورهــــــــــــــــا      مشــــــــــــــــــــــرقاً في كل فردٍ في أمين

لا يغيب النور عن أهل اليقين       كيف ذا والنور في الأُفق المبين

فرآها الملائكة في شاشة آدم، ويراها المقربون عند صفاء قلوبهم في الشاشة النورانية التي جهَّزها لهم ربهم، فلا يغيبون عن حضرته، ولا حضرته النورانية طرفة عينٍ ولا أقل.

وعندما أشرقت شمسه صلى الله عليه وسلَّم في الحياة الدنيوية مع الإشراق الكلي للشريعة الإسلامية، فإن الإسلام كان يظهر على يد الأنبياء والمرسلين على قدرهم، فكانوا كالبدر في أول طلوعه هلالٌ ثم بعد ينموا ويزيد على حسب ما يهب الله لهم من العطاء والمزيد في تشريعات السماء التي تنزل عليهم وتتقبلها أممهم.

فلما إكتملت الأمم وإكتلملت القلوب في محبة علام الغيوب أشرقت شمس الإسلام كبدر التمام، في الليالي القمرية التامة فكان بدراً أضاء على الجميع، وكان صلى الله عليه وسلَّم صورته الحسية شمسٌ يضيئ الشريعة، وصورته المعنوية شمسٌ يضيئ الطريق لمن يريد اللحاق بالقوم المقربين وبالعِلية من أهل عالين وهم في الدنيا.

فكان صورته الحسية الظاهرة مع أنها خُلقت من عناصر الأرض، إلا أنها نور لأنه كان لا يُرى له ظل، وجعله الله عز وجل هيكلاً آدمياً لنتعلم منه أحكام شرع الله، ونقتدي به في كل عملٍ نعمله لله في هذه الحياة، ولذا قال صلى الله عليه وسلَّم:

(صلوا كما رأيتموني أُصلي).

[صحيح البخاري مالك بن الحويرث رضي الله عنه].

وقال صلى الله عليه وسلَّم في الحج:

(خذوا عني مناسككم).

[صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه].

فنقتدي به وبهديه في العمل بما أمرنا به الله في كتاب الله في أحكام شرع الله تبارك وتعالى، فجسمه كان شمساً تضيئ الآفاق ناشرةً لشريعة الكريم الخلاق، ولأنه شمسٌ وشمسٌ منيرة قال الله عز وجل في حقه:

 ﴿ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46الأحزاب).

ينير للناس شريعة الله تبارك وتعالى أجمعين، بينما قال الله تعالى عن شمس الأكوان:

﴿ سِرَاجًا وَهَّاجًا (13النبأ).

أي شمساً لها حرارة، ولكن شمس رسول الله لها نورٌ وليس لها حرارة، وإنما منها أنوارٌ يزداد بها من عمل بها من الله تبارك وتعالى، ومن حبيب ومصطفاه صلى الله عليه وسلَّم.

ولذا كان صلى الله عليه وسلَّم إذا مشى في شمسٍ أو قمرٍ أو ظهر في مصباحٍ لا يُرى له ظلٌ، لأنه كان ظاهره نور وباطنه نور، نورٌ على نور يهدي الله لنوره من يشاء.

ولعل بعض الجهال يقول كما قال أمثالهم في القرآن إن هو بشرٌ مثلنا، والحبيب صلى الله عليه وسلَّم عندما رآه سيدي أبو المواهب الشاذلي رضي الله عنه، وكان نائماً على غير إعتدال، فعكَّر فؤاده بسبب ما سمعه من المعترضين على مقام النبي الأمين، فقال له صلى الله عليه وسلَّم:

هلا قلت لهم:

محمدٌ بشر ليس كســــــــــــــــائر البشر      كالياقوت حجر ليس كسائر الحجر

فإذا كانت الأحجار منها الذهب ومنها الفضة ومنها الماس ومنها الياقوت، فإن نبينا صلى الله عليه وسلَّم وإن كان ظاهره أنه من طين، لكنه تحوَّل بأمر رب العالمين إلى طينٍ شفاف نوراني، كما تتحول ذرات الرمال إذا وُضعت في الفرن الحراري إلى بلُّورٍ أو زجاجٍ شفاف، مع أنها في الأصل من الطين، ولكن بالمجاهدة تحولت إلى بلُّورٍ أو زجاجٍ شفاف.

لكن الحبيب صلى الله عليه وسلَّم بمنة الله وبفضل الله وبإكرام الله وبخالص عطاء الله، جعل الله عز وجل ظاهره نور وباطنه نور:

﴿ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ (35النور).

الصورة المعنوية:

أما الصورة التي يتعلق بها المقربون والتي يحتزون حزوها ويحاولون أن يتشبهوا بها ليصلوا إلى رضوان الله الأعظم، وإلى أعلى مقامات القرب من الله، فهي صورته المعنوية:

في أخلاقه وصفاته التي إسطنعه ورباه عليها رب البرية، والتي يقول فيها الصديق رضي الله عنه لحضرته:

يا رسول الله لقد طُفت قبائل العرب فلم أرى أدبك، فمن أدَّبك؟ فقال صلى الله عليه وسلَّم:

(أدبني ربي فأحسن تأديبي).

لم نجد له مثيلاً في الأولين ولا الآخرين في عفوه في صفحه في توضعه في كل أحواله المعنوية، التي هي مكان الجهاد الأعظم للمقربين أن يتخلقوا بأخلاق حضرته، ويكونون في كل أحوالهم على هيئته، فإنهم بذلك يقفون في طابور المدح الإلهي:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4القلم).

فهي هنا سر النجاح، وسر الفلاح وسر القرب من المنعم الفتاح وسر العطاءات والأرباح:

هي الأخلاق أسرار المعالي     تُفاض على أولي الهمم العوالي

يقول سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه:

[التصوف خُلق، فكل من زاد عنك في الخُلق، فقد زاد عليك في الصفاء].

وهذا ما يتفق عليه جميع أهل الوصول إلى الله تبارك وتعالى، فإنما وصلوا إلى الله بالتخلي عن الأخلاق الإبليسية، والتخلي عن الطباع الحيوانية، والتخلي عن الرزائل النفسانية، والتشبه في الأخلاق الكاملة للحضرة المحمدية.

وكان صلى الله عليه وسلَّم يلحظ في ذلك كبار أحبابه، لقد كان صلى الله عليه وسلَّم جالساً معهم وجاء رجلٌ وأخذ يكيل السُباب للصديق رضي الله عنه، فلما زاد عن الحد أراد الصديق أن يرد عن نفسه.

فما كان من الحبيب صلى الله عليه وسلَّم وهو نعم المؤدب إلا أن قام من المجلس، فجرى وراءه الصديق وقال: يا رسول الله لقد سمعت ورأيت ما قال، قال: كان هناك ملكٌ يرد عنك، فلما أردت أن تدافع عن نفسك ذهب الملك وحضرت الشياطين، ولا أجلس في مجلسٍ فيه شيطان.

بل إن الله تبارك وتعالى أعلمنا في القرآن أنه يرعى الصديقين، ويؤدبهم بآداب خير المرسلين، كما أدبه صلى الله عليه وسلَّم.

فهذا الصديق رضي الله تبارك وتعالى عنه، كان الذي أشاع الفاحشة عن إبنته التقية النقية أم المؤمنين السيدة عائشة إبن خالته، وكان أبو بكرٍ يقوم بكفالته، يُهيئ له كل ما يحتاجه من طعام وكساء وغيره طلباً لمرضاة الله، فلما علم أنه هو الذي قام بهذه الفعلة الشنعاء في حق إبنته ظُلماً وجوراً ولم يُحسن بل أساء إلى من أحسن إليه، قرر أن يقطع عنه معونته، فعاتبه الله تبارك وتعالى واسمع نصيحة الله له:

﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ ﴾ (22النور).

فقال رضي الله تبارك وتعالى عنه:

[بلى يارب] ـ ورد ما كان يعطيه إياه وقيل زاده ضعفين، وهذا خُلق النبوة فلا يستطيع أن يقوم بذلك إلا نبيٌّ معصوم، أو صديقٌ رباه على عينه الحي القيوم تبارك وتعالى، فهو يتأسى هنا برسول الله عندما دخل مكة فاتحاً واجتمع أهل مكة وكانوا حوالي ثلاثة آلاف رجل في ساحة الكعبة وقال لهم النبي صلى الله عليه وسلَّم وقد وقف على باب الكعبة:

(ما تظنون أني فاعلٌ بكم؟ ـ قالوا: خيراً أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريم ـ قال: لا أقول لكم إلا كما أخي يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، إذهبوا فأنتم الطلقاء).

[سيرة إبن هشام لابن إسحاق]

وإلى هذا النموذج القويم في سيرة خير الرسل والأنبياء ما لا يُحصى ولا يُعد من الآداب العلية في الأخلاق الإلهية التي كان عليها خير البرية، وهذه هي الصورة المعنوية التي يتعلق بها الصادقون ليرتقوا إلى معية سيد الأولين والآخرين.

فالكل يستنير بشمس الحبيب المصطفى، أهل اليمين يستنيرون بشمس شريعته ليكونوا في الجنة يوم الدين، ويحفظهم الله من أهوال القيامة ومن النظر حتى إلى الجحيم وفروعها.

أما أهل النعيم الأعظم نعيم القرب من حضرة الله، فهم الذي يستضيئون بشمسه المعنوية، وهي أخلاقه الربانية، وكمالاته المحمدية التي مدحها الله وأثنى عليها الله وقال في أكثر من موضعٍ في كتاب الله:

﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199الأعراف).

وغيرها من الآيات التي وجهه إليها مولاه، فلما أتم هذا المنهاج أخذ الوسام الأعظم:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4القلم).

أما الشمس المحمودية:

فهي التي تظهر يوم القيامة لجميع الخلائق إذا حشرهم الله تبارك وتعالى في أرض المحشر، ويتمنى الجميع الخروج من هذا الموقف ولو إلى النار، والكل يقول:

يا رب سلم سلم حتى الأنبياء فينظرون فلا يجدون إلا شمساً تضيئ كل الأنحاء، وتضيئ كل الأرجاء، وهي وحدها التي هي مقبولة الشفاعة عند خالق الأرض والسماء، وهو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

فيذهبون إلى الأنبياء نبياً تلو نبي فيتبين عجزهم لتظهر مكانته، ويبين الله رفيع درجته عنده، فإذا وصلوا إليه قال: أنا لها أنا لها، فإذا شفع عند الله تبارك وتعالى يبدأ الحساب فيحمده جميع من في أرض المحشر من النبيين والمرسلين والملائكة المقربين، وأهل اليمين حتى الكافرين والجاحدين يحمدونه صلى الله عليه وسلَّم، ولذلك يقول الله في ذلك له:

﴿ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79الإسراء).

أما الشموس التي تتجلى في قلوب العارفين من حضرة سيد الأولين والآخرين فلا عد لها ولا حد لها بحسب ترقياتهم وشفافياتهم ونورانياتهم:

منهم من تُشرق عليه بشمس العلوم، ومنهم من يُشرق عليه بشمس الفهوم، ومنهم من يُشرق على قلبه بنور اليقين، ومنهم من يُشرق على روحه بتجليات رب العالمين، ومنهم من يُشرق على وجهه بسره صلى الله عليه وسلَّم المبين، شموسٌ كثيرة يراها أهل الإشراقات.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يجملنا بهذه الحالات وأن نتمتع بهذه الشموس البينات.

وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

الخميس: 28/10/2021 موافق 22 ربيع الأول1443 هـ دار الصفا الجميزه

لقاء الأحبة على برنامج التواصل الإجتماعي زووم ـ على الإنترنت

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid