من الأمراض التي تُنئي الإنسان في طريق الله مرض الحقد والحسد، نرجوا معرفة كيفية علاجه، والوقاية منه.
الجواب:
مرض الحقد وهو أن الإنسان يتطلع إلى النعم التي في يد غيره، ويتمنى والعياذ بالله زوالها، وكذلك الحسد أن ينظر إلى ما عند أخيه، أو ما عند أي رجلٍ من المؤمنين من النعم، ولا يخلو أي إنسانٍ في الكون من عطاءٍ من عطاءات الله، منا من له عطاءات ظاهرة كوظيفة مرموقة، أو سعةٍ في الرزق والمال، أو جمالٌ في الطلعة والشكل، أو زوجةٌ مطيعةٌ صالحةٌ تعينه على أمور دنياه، أو أولادٌ بررة، أو إخوةٌ له متعاونين على عمل الخير على الدوام، وغيرها من الأمور الدنيوية.
ومنها الأمور الباطنية، كأن يهب الله له من مواهب العارفين، أن يُمتع بالرؤية الصالحة، أو أن يُكرم بمشاهدة سيبد الأولين والآخرين، أو يهب له عيناً من عيون الإلهام، يُكرم بهها بالعلوم الإلهامية الربانية، أو يُكرم بفتح عين بصيرته فيكاشف بما في نفسه، ويكاشف بما في عالم الملكوت العلى وعالم الأرض من الآيات، أو يُكاشف بما في الجنة، أو يُكاشف بما هو مكتوبٌ على العرش، أو غيرها من الأمور المعنوية التي لا يسع وقتنا لإحصائها وعدها، وكلها إذا تحركت نفس الإنسان ورأى أن هذا الخير الذي عند أخيه لا يليق به ولا يستحقه، ويرى نفسه أولى بهذا الخير، وهذا يدل على أن هذا القلب ما زال فيه موضع ظُلمة دخلت منه النفس والشيطان بسموم الحقد وسموم الحسد.
فالحسد هو أن يتمني زوال النعمة، ولكنه لا يفعل شيئاً لزوالها، والحقد أن يتمنى زوال النعمة ويسعى بجدٍ ونشاطٍ لزوالها، كأن يشكوه شكاوى كيدية، أو يحاول أن يُوقع بينه وبين أحبابه بالنميمة والغيبة ومقالة السوء، أو يحاول أن يحاربه إن كان سلطانٌ على عمله في أرزاقه، فيحجب عنه علاواته أو مكافآته أو ترقياته، وهكذا قس على ذلك بقية الأشياء.
ويقول في ذلك إمامنا الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:
ألا من يكن في قلبه بعـــــــــــــــــــــــــــض ذرةٍ من الكبر والأحقاد ما هو ذائق
دعوا الحسد والكبر القبيحين سادتي دعوا طمعاً فيما يزول وســـــــابقوا
نحسد أخانا في الله يعني نتمنى أن نكون مثله فيما وصل إليه في مرضاة الله، نتمنى أن نكون مثله في قيام الليل، وفي صيام النهار، وفي تلاوة القرآن، وفي جذب الآخرين إلى طريق الرحمن، وفي الصُلح بين المتخاصمين من الإخوان، وفي هذه السُبل الصالحة، ولذلك قصر النبي صلى الله عليه وسلَّم الحسد المحبوب على ذلك، وما سواه مذموم، فقال صلى الله عليه وسلَّم:
(لا حسد إلا في إثنتين: رجلٌ آتاه الله مالاً فهو ينفقه في سبيل الله).
[عن ابن مسعود رضي الله عنه ـ متفق عليه].
وليتنا نجد هذا الحسود في زماننا هذا، فقد قلَّ الإنفاق وملأ الشُح النفوس، وأصبح الناس ينفقون على أنفسهم وأهليهم بغير حساب، فإذا طُلب منه شيئ لله يقول: من أين؟ فأنا مديون، وأنا لا يكفيني راتبي ولا دخلي إلا بالكاد وليس معي شيئاً، وهو يوميا يفيض عن طاقته في الطعام قسطٌ كبير يلقيه في القمامة، أو على الأحسن يلقيه للطيور التي يربيها، ولم يأمرنا الله تبارك وتعالى أن نغذي الطيور بطهي نطهيه ونضيف له السمن، ونضيف له الأشياء الطيبة، فإنها لا تريد ذلك، وإنما تريد أشياءً تليق بها في الأكل والطعام.
ورجلٌ آتاه الله مالاً فأنفقه في سبيل الله، هذا الذي نغبطه والحسد هنا يُسمى الغبطة، والغبطة هي أن أتمنى أن أعمل مثل عمله، أو أكون مثله في هذا العمل الصالح، ومعي النية الطيبة حتى يتقبله الله تبارك وتعالى مني.
أو رجلٌ آتاه الله القرآن فهو قائمٌ به آناء الليل وأطراف النهار، يتلوه ويتدبره ويعمل به، لا أحسد من يتلو القرآن ولا يعمل به، ولا يتلو القرآن ويتدبره، وإنما أغبط الذي يتلو القرآن ولو ما تيسر له:
﴿ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾ (20المزمل).
ثم يهم للعمل به، ثم بعد ذلك تكون نيته صالحة عند العمل به، وهذا هو التدبر المطلوب من المؤمن.
وعلاج هذه الأمور أن المؤمن يعلم علم اليقين أن الرزاق هو الله، وأن الله كما قال صلى الله عليه وسلَّم:
(إن الله قسَّم بينكم أخلاقكم، كما قسَّم بينكم أرزاقكم).
[رواه الحاكم في مسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه].
وماذا علينا؟
الرضا بما قسم الله، ولا نتطلع لما في أيدي الآخرين إذا كنا عاجزين عن الوصول إليه، أو الحصول عليه.
نسعى لكي نحصل عليه، فإذا لم يُوفق الموفق نقنع بما آتانا الله، ولا نبحث عن وسيلة غير مرضية عند الله، إن كان كسباً حراماً عن طريق الغش أو الخداع، أو الكذب أو الزور، إذا لم نستطع نحقد على هذا الإنسان، والحقد لا يمنع الأرزاق التي ساقها الرزاق، ولكن يمنعني من الوفاق في طريق اللحوق بالرفاق محمدٌ صلى الله عليه وسلَّم وحزبه، ويجعلني لا أستطيع الوصول إليهم ولا نيل ما نالوا ولا تحصيل ما حصلوا.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم مشيراً إلى أغنى الناس، من أغنى الناس يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلَّم:
(إرض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس).
[الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه].
إن كانت قسمة في الأرزاق الظاهرة، أو قسمةً في الأرزاق الباطنة، فكلها أرزاق يقول فيها الخلاق:
إذاً بعد أن يعتقد الإنسان أن الرازق والرزاق هو الله ويرضى بما قسمه له مولاه، عليه أن يجاهد نفسه جهاداَ شديداً مع العارف بالله على نزع كل ما في صدره من شجرة الغل، والغل يحوي الحقد والحسد والأثرة والأنانية، وغيرها من هذه المسائل التي تجعل الإنسان يغار من الأحباب، أو يريد أن يكون سوءاً بين أخوين من الأحباب، أو يسعى للإيقاع بين الأحباب، ومثل هذ الذي يفعل ذلك لم يدخل في دائرة الإيمان، وإنما ما زال في دائرة المنافقين والعياذ بالله تبارك وتعالى.
ولكي يكون الإنسان مؤمناً ثابت الإيمان، ويدخل في ساحة التربية ليصل إلى مقام الرضوان، ينبغي أن يتحلى بقول الرحمن:
ليس بينهم إلا النقاء والصفاء والضياء والبهاء، ومحبة الجلوس على مائدة خير الأنبياء، والعكوف على الصالحين واعتبارهم لهم آباء، والرغبة في الوصول إلى رضا الله تبارك وتعالى هي همهم في الدنيا، وأن يحظوا بالتمتع بجمال حضرته يوم اللقاء.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يطهر صدورنا ونفوسنا وقلوبنا من كل هذه الأمراض النفسية والقلبية والباطنية، ويجملنا بالجمالات الوهبية المحمدية.
ونكتفي بهذين السؤالين في هذه الليلة المباركة.
وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
وافق غرة جمادالآالخميس: 14/1/2021 المخر 14412 دار الصفا الجميزه برنامج التواصل الإجتماعي زووم