الحمد لله رب العالمين، أنزل القرآن الكريم هُدىً ورحمةً وشفاءً لجميع المؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل قرآنه لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، تشربت روحه بالقرآن، وامتلأ قلبه بأنوار القرآن، ونفَّذ بجسمه وأعضائه تعاليم القرآن، حتى كان صلى الله عليه وسلَّم قرآناً يمشي بين الناس.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، هادي البشرية إلى الحياة الطيبة في الدار الدنيوية، والسعادة الدائمة في الحياة الأُخروية.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وكل من اهتدى بهديه ومشى على دربه إلى يوم الدين، واجعلنا منهم ومعهم أجمعين في الدنيا والآخرة يا أكرم الأكرمين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
تفشَّى في زماننا هذا بيننا أفراداً وجماعات سلوكيات ممن حولنا وغيرهم، وأخلاقيات ممن أضُطر لنعيش معهم أو بينهم، تجعل في الصدور ضيقاً، وتجعل في القلب ألماً، وتسبب للإنسان غُصةً في نفسه عندما يستمع إلى من يقول له: إن فلاناً يسُبك بكذا، أو فلانٌ يشتُمك بكذا، أو فلانٌ يُشنِّع عليك بكذا وكذا، ونحن بشرٌ ولابد أن نتأثر.
وإذا تركنا هذا الأمر ولم نبادر إلى العلاج، فإن هذا الأمر يُسبب لنا غضباً شديداً في النفس، والغضب مضاره التي أثبتها الأطباء والعلماء كثيرةٌ ولا تُحتمل، فالمسبب الرئيسي للجلطات إن كانت في القلب أو المخ أو غيره هو الغضب الشديد الذي يصحبه التوتر العصبي، وغير ذلك من الأمور التي تضر بالأبدان.
ولما كان الله تبارك وتعالى أنزل لنا القرآن حفظاً للصحة وللأبدان، وسعادةً في الدنيا لبني الإنسان، وفوزاً ونجاحاً في الآخرة يوم لقاء الرحمن، فقد ذكر لنا الله تبارك وتعالى هذا الداء، ووضع لنا روشتةً للشفاء في آيات القرآن الكريم.
والذي نحن فيه لا يساوي ولو جزء قليلٍ جداً جداً مما تعرض له خير رسل الله صلى الله عليه وسلَّم، فقد آذوه بأشد أنواع الإيذاء، مرةً يتهموه بأنه ساحر، ومرةً يتهمونه ويشنعون عليه بأنه مجنون، ومرةً يُقال له إنك مريض وتحتاج إلى الأطباء أو الكهنة والسحرة للشفاء، أقوالٌ كثيرة حتى كانوا يذهبون إليه في مواجهته ويقولون له: أنت كذا وكذا وكذا.
فيُعرض عنهم صلى الله عليه وسلَّم، ويمشي وكأنه غير المعني بهذا الكلام، فلما بلغ السيل المدى، نزلت روشتة القرآن له ولنا جماعة المؤمنين، إسمع إلى كلام الله وهو يصف الداء:
نحن نعرف أن صدرك يضيق من كثرة الإتهامات وخاصة أنها زور، وليس فيها أي نصيبٌ من الحقيقة، ما روشتة العلاج؟
الروشتة قسَّمها الله إلى ثلاثة أنواع ليس لنا غيرها لنُشفى من هذا الداء، وكلنا مُعرضون له في حياتنا، إن كان في العمل أو كان في البيت، أو كان مع الجيران، أو كان كما نرى الآن مع ذوي الأرحام، الأمور زادت عن الحد في كل الأمور.
الذي يُذهب ضيق الصدر التسبيح لله سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
ونبينا صلى الله عليه وسلَّم في رحلة المعراج لما وصل إلى السماء السابعة وجد نبي الله أبو الأنبياء إبراهيم خليل الرحمن واقفاً مُسنداً ظهره إلى البيت المعمور الذي تطوف حوله الملائكة، وبعد محادثة بينه وبين الحبيب صلى الله عليه وسلَّم، أرسل معه إلينا رسالة قصيرة، قال له: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التُربة ـ أرض خصبة ـ عذبة الماء، وأن غراسها ـ ما هو زرع الجنة؟ ـ سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
هذا زرع الجنة، قال صلى الله عليه وسلَّم:
(من قال سبحان الله وبحمده، غُرست له نخلةٌ في الجنة).
[رواه الترمذي عن جابر رضي اله عنه].
هذا النخل يؤتي أُكله في الوقت والحال، وكلما جنته الملائكة ليُوضع في رصيد صاحبه، ظهر مكانه في الوقت والحال ثمارٌ جديدة، تؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها، لا تحتاج إلى عام لتُؤتي بالثمار، ولكنها تُؤتي بالثمار في الوقت والحال، فاحسب ولا يستطيع حساب ذلك إلا خير الحاسبين تبارك وتعالى، كم يكون لك في التسبيحة الواحدة من ثمارٍ إلى يوم القيامة؟
هذا أمرٌ لا يُحصيه عقلٌ، ولا يستطيع أن يصل إلى مداه أحدٌ من الناس مهما كان معه من أدوات القياس.
وقال صلى الله عليه وسلَّم:
(كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، وهي تسبيح الملائكة: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم).
[رواه أبو هريرة رضي الله متفق عليه].
إذاً إذا أراد المؤمن أن يُذهب الله عنه ضيق صدره، لا يذهب إلى صيدلية ولا إلى عيادة نفسية، يسارع إلى التسبيح للذات العلية، فإن الله بسر هذا التسبيح يشرح صدره، ويمنع الضيق الذي نزل بصدره من التأثير فيه، ويكون سليماً معافاً إلى ما شاء الله، لأنه نفذ الروشتة التي أمرنا بها الله تبارك وتعالى في قرآنه الكريم.
إنتشرت في العصر الحديث الأمراض الناتجة عن التوترات النفسية والعصبية، الضغط والسكر وما شابه ذلك من الأمراض الناتجة عن ذلك، وأهل الغرب حاولوا عن طريق العلم معرفة السبب في ذلك، والطريق لإزالة ذلك، فقالوا:
إن الإنسان العصري يتعرض باستخدام الأدوات الحديثة الكهربائية أو الكهرومغناطيسية إلى ذبذباتٌ تذهب إلى المخ فتُعكر عليه صفوه، وتجعله في ضيقٍ على الدوام، باستعمال الموبايل واستعمال المراوح واستعمال التلفزيون، كل الأجهزة العصرية يخرج منها ذبذبات تصيب المخ، فتؤثر فيه تأثيراً شديداً، وما العلاج الذي إكتشفوه؟ ولكن سبحان الله لأن الله لا يريد لهم الهدى فلم يأخذوا ولم يهتدوا إليه.
قالوا: إن العلاج الوحيد لإذهاب هذه الذبذبات السلبية أن يضع الإنسان جبهته على الأرض، فتنزل كل الذباذبات السلبية منه إلى الأرض فيفيق من هذا الذي أصابه من الهلع والجزع والهم والغم وغيرها، وقالوا:
إن العلاج أنجع وأسرع إذا كان متجهاً بوجهه إلى مركز الأرض، ومركز الأرض كما اكتشف العلماء هو الكعبة المشرفة، هو الذي تفعله أنت يا أيها المسلم في السجود لله، ولذلك يقول الله تبارك وتعالى:
يعين إياك أن تستخدم هذه الروشتة يومين وتتركها، وإياك أن تستخدمها أسبوع وتتكاسل، إياك أن تستخدمها سنة وتتوقف، داوم عليها إلى أن يأتيك اليقين يعني الموت إلى أن تلقى الله تبارك وتعالى، فإنك لو بحثت في كتب الأولين والآخرين، فلم تجد علاجاً يشفي من ضيق الصدر، وما يُحدثه من ألمٍ في النفس، كمثل هذا الدواء وهذا الشفاء الذي أنزله الله تبارك وتعالى.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم:
(أحبُ الأعمال إلى الله، أدومها وإن قلَّ).
[البخاري ومسلم بلفظيهما عن السيدة عائش رضي الله عنها].
الله تبارك وتعالى يحب من عبده المؤمن إذا عمل طاعة أو عبادة أو ذكرٌ لله، أن يداوم عليه، ولا يتركه طرفة عينٍ ولا أقل، وأنت يا أخي في الحياة الدنيا في الأمراض الجسمانية إذا لا قدر الله مرضتُ بمرضٍ في جسمك وذهبت إلى طبيبٍ ماهرٍ ووصف لك دواء وجاء لك منه الشفاء، تحتفظ بهذا الدواء على الدوام، حتى إذا جاء الداء استخدمت هذا الدواء.
لأن الدواء قد يزيل الداء، وقد يزيد الداء، لكن كلام الله مُحققٌ فيه الشفاء، فهل وجدت هذا الدواء إذا استخدمته يوماً عكس ما أخبرك به مولاك؟ حاشا لله تبارك وتعالى، أو هل وجدت غيره في الصيدليات أو المستشفيات أو عند رجال الأعشاب ما يضاهيه أو يساويه في كشف هذا الكرب وهذا الداء؟ كلا والله.
ما دام هذا الشفاء محققٌ بأمر الله فلِم نتركه، وهو خفيفٌ على اللسان لا يكلفه شيئ، ولا يحتاج منا حتى إلى وضوء، ولا الى جلوسٌ في المسجد، ولا استقبالٌ للقبلة، تستطيع أن تذكر الله وأنت تمشي في الطريق، وأنت قاعدٌ في أي زمانٍ أو مكانٍ بعد أن إنتهيت من عملك، وأنت نائمٌ على ظهرك مستلقي تستعد للنوم، ماذا عليك لو حركت اللسان بالتسبيح للرحمن في هذه الأوقات والآنات؟ وتدخل في قول الله:
﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ (191آل عمران).
تتحقق بهذه الآية فتصيبك هذه العناية فتكون معهم يوم لقاء الله تبارك وتعالى.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من عباده الذاكرين الفاكرين الحاضرين القائمين بذكره وشكره وحسن عبادته في كل وقتٍ وحين.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل زاهقاً وهالكاً وارزقنا اجتنابه، اللهم يسرنا لفعل الخيرات وعمل الطاعات، والإقبال على النوافل والقربات، واحفظ جوارحنا وأعضاءنا كلها من المعاصي والمخالفات.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات يا أرحم الراحمين.
اللهم وفِّق قادة هذا البلدة لما فيه خير العباد والبلاد، وارزقهم البطانة الصالحة، واحفظهم من البطانة السيئة، وارزقهم في قلوبهم شفقة ورحمةً بخلقك في هذا البلد أجمعين يا أرحم الراحمين.