الحمد لله رب العالمين الكامل في عُلوه ونزاهته، المنزَّه في كبريائه وقدرته، الواحد الأحد الفرد الصمد الذي ليس كمثله شيئٌ وهو السميع البصير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جميلٌ يحب الجمال.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، المثل الأعلى لجميع الأنام في أخلاقه وفي عباداته لربه، وفي معاملاته لزوجاته وجيرانه وكل من حوله، وفي هيئته ونظافته ولبسه، فهو المثل الأعلى في كل شيئ لنا جماعة المسلمين.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا حُسن اتباعه، واجعلنا جميعاً من الصادقين في العمل بما جاءنا به من عند ربه يا أرحم الراحمين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
ونحن في أيام ذكرى ميلاد سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلَّم، ما أحرانا أن نتلمَّس جوانب عظمة هذا النبي، لنحتذي به في حياتنا، ونتأسى به في أحوالنا، فنفوز في الدنيا بأن نكون في خير حال، وأرغد عيشٍ وأهنأ بال، ونكون في الآخرة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
وآخذ اليوم جانباً على إختصار شديد من جوانب عظمة حضرته صلى الله عليه وسلَّم، وهو في نفس الوقت ردٌّ على بعض المستشرقين وبعض المتواكلين من إخواننا المسلمين الذين لا يفقهون حقيقة الدين.
زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلَّم كان فقيراً، وكان لا يملك مالاً قليلاً ولا كثيراً، وكان يعيش في شغفٍ من العيش، وادَّعُوا أن ذلك لزهده عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
إدعوا أنه كان لا يهتم بمكان جلوسه ولا بهيئة لباسه ولا بمظهره وشكله، وهذا واضحٌ الكذب في ذلك كله، لأن النبي كان على غير ذلك صلوات ربي وتسليماته عليه.
فقد كان صلى الله عليه وسلَّم يهتم بنفسه غاية الإهتام، لأنه قدوة لجميع الأنام، فكان صلى الله عليه وسلَّم يستخدم العطر والمسك منه على الدوام، ولذا يُحكى عنه أنه كانت تُشم رائحته في الشارع الذي مر فيه، إذا أراد أحدٌ أن يعرف مكان النبي يتتبع رائحة النبي في الشوارع التي مر بها النبي، حتى يجد النبي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
وكان إذا سلَّم على رجلٍ وصافحه بيده يبقى أثر المسك في يد هذا الرجل ثلاثة أيام من جودة المسك الذي كان يستخدمه عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
وكان صلى الله عليه وسلَّم وهو في بيته إذا جاءه أضياف واستأذنوا في الدخول عليه، يقول لهم قولوا لهم: ينتظروا فينظر في المرآة حتى يُصلح شأنه ثم يخرج عليهم، فتقول السيدة عائشة رضي الله عنها له: حتى أنت تفعل ذلك يا رسول الله؟ فيقول صلى الله عليه وسلَّم:
(إن الله جميلٌ يحب الجمال).
[صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه].
ولما كثُر الوفود من العرب في الإتيان إليه، طلب من أحبابه من التجار أن يشتروا له ثوباً يضاهي أثواب الملوك، على أن لا يخالف شريعة الله فلا يكون من الحرير ولا من الذهب، لأنهما ممنوعان لرجال هذه الأمة.
فاشتروا له ثوباً ثمنه خمسةً وعشرين جملاً، فانظر إلى حدود هذا الثمن في عصرنا هذا، يقابل فيه الوفود ويُصلي فيه الجمعة والأعياد ليُظهر جمال هذا الدين، فإنه سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلَّم.
وكان صلى الله عليه وسلَّم إذا سافر يحمل معه حقيبة فيها أربعة أشياء: فيها مُشطه الذي يُسرح به شعره، وفيها المرآة التي ينظر فيها فيُصلح فيها شأنه، وفيها قارورة الزيت الذي يضعه على شعره، حتى يظل ناعم الملمس، وفيها زجاجة من الكُحل يُكحل بها عينيه، لأنه كان يُدمن السهر في طاعة الله، فيداوي العينين بهذا الكحل حتى إذا أصبح لا يظهر على عينيه تورمٌ ولا شيئٌ بأمر من يقول للشيئ كن فيكون.
وهو الذي سنَّ لنا صلى الله عليه وسلَّم في يوم الجمعة أن لا يذهب الإنسان إلى المسجد لصلاة الجمعة إلا إذا اغتسل غُسل الجمعة، ويكون قبل الجمعة مباشرةً لأنه يغتسل ويتوضأ ويضع العطر ويستاك ثم يذهب للقاء رب العالمين وإخوانه المسلمين.
فيشمون من فمه رائحةً طيبة، ومن جسمه رائحة حسنة، ويكونوا كما قال صلى الله عليه وسلَّم لنا ولأصحابه أجمعين:
(كونوا كالشامة بين الناس).
[الترمذي وابن ماجة ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه].
من أين أتى هؤلاء المشعبذين الذي يلبثون الثياب المرقعة، والأحذية الممذقة وشعورهم طويلة بغير ترتيبٍ ولا تهذيب إلى غير ذلك، ويقولون وهم كاذبون: إن هذه سنة النبي، أهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلَّم كما سمعتم الآن؟ كلا والله.
إن النبي صلى الله عليه وسلَّم كان مثالاً في كل شيئ، فقد كان صلى الله عليه وسلَّم يستخدم المسواك في كل وضوء، ويقول لأصحابه صلاةٌ بسواك تعدل سبعين صلاةً بغير سواك).
وعندما دخل بعضهم وأسنانه صفراء قال:
(لا تدخلوا عليَّ قُلحاً ـ يعني أسنانكم صفراء ـ إستاكوا فلولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).
[أحمد والخطيب عن إبن عباس رضي الله عنهما].
والسواك ومعجون الأسنان شيئٌ واحد تستطيع أن تضنع هذا أو تستخدم هذا، المهم نظافة الفم والأسنان حتى لا يشم منك مَن حولك عندما تتكلم إلا رائحةً طيبة ،كما كان النبي العدنان صلى الله عليه وسلَّم.
وكان صلى الله عليه وسلَّم إذا أراد الدخول من إحدى الغزوات يقف بالجيش خارج المدينة ويقول لهم:
(لا يدخل أحدكم حتى ينظف نفسه، ويسوِّي هيئته، فإنهن يُحببن منكم ما تُحبون منهن).
[الترمذي وابن ماجة عن عمر بن الخطابرضي الله عنه].
أي أن النساء كما أن الرجل يريد يراها دائماً في صورة حسناء، هي كذلك تريد أن ترى زوجها في صورة حسناء، وهم قادمون من الصحراء، وما أدراك ما الصحراء وحرها وعرقها وترابها ورملها فيقفون خارج المدين يتشذبون ويتهذبون ويستحمون، ثم يدخلون بيوتهم في الصباح وهم على أكمل نضرة كما أمر سيد الرسل والأنبياء صلى الله عليه وسلَّم.
بل إن النبي صلى الله عليه وسلَّم وجَّه الأمر والنصيحة إلى كل مسلم أن لا يذهب إلى صلاة الجمعة ولا إلى صلاة العيد والجمعة عيد المؤمنين كل أسبوع، إلا بعد أن يلبس أبهى ما عنده من الثياب، لا يجوز لمسلمٍ أن يذهب إلى الجامع ليُصلي الجمعة بثيابٍ مهلهلة، أو ثيابٍ غير نظيفة أو ثيابٌ ممزقة وعنده خيرٌ منها، يلبس خير ما عنده حتى نُظهر جمال الإسلام للمسلمين وغير المسلمين.
قال صلى الله عليه وسلَّم:
(إن الله جميلٌ يحب الجمال).
[صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه].
أو كما قال:
أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يحب التوابين ويحب المتطهرين.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، الأُسوة الطيبة والقُدوة الحسنة لنا وللسلمين أجمعين.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد واعطنا الخير وادفع عنا الشر ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يا رب العالمين.
أما بعد فيا أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
وكما كان صلى الله عليه وسلَّم حريصاً على هيئته الظاهرة، كان حريصاً تمام الحرص على صفاء قلبه وباطنه لله.
فحرص كل الحرص على أن يطهر قلبه مما لا يحبه الله، فليس فيه حقدٌ ولا حسدٌ ولا كُرهٌ ولا بُغضٌ ولا غلٌ لأي أحد حتى من غير المسلمين، ولذلك كان صلى الله عليه وسلَّم يتمنى الهداية للخلق أجمعين.
وكان يحزن إذا وجد كافراً مصراً على الكفر بعد أن يدعوه إلى الهدى وإلى دين الحق وهو الإسلام، ويدعو الله تبارك وتعالى لهم أن يهيدهم إلى الحق، ولذلك إن الله تبارك وتعالى قال في شأن مثل هذه القلوب:
﴿ إِلا مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ (89الشعراء).
فكان نظيف الظاهر سليم الباطن، ظاهره نور وباطنه نور:
ولذلك من يظهر أمام المسلمين بأحسن الرياش واللباس والملابس، ولكن قلبه غير نظيفٍ من جهتهم يحمل حقداً على هذا، ويُظهر حسداً لهذا ويتمنى الشر لهذا، فهذا يخالف نهج النبي الأمين، لأن نهجه الأكمل نظافة الظاهر وسلامة الباطن لله رب العالمين.
قال صلى الله عليه وسلَّم:
(إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).
[صحيح مسلم عن أبي هريرةرضي الله عنه].
وفي رواية:
(وإنما ينظر إلى قلوبكم ونياتكم).
فالمؤمن الحق في هذا الزمان وفي كل زمان، من يستحضر حضرة النبي العدنان في كل وقتٍ وآن، فيقتدي بحضرته في ظاهره، ويقتدي بحضرته في باطنه، فيكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
اللهم خذ بأيدينا وناصيتنا إلى الحق وإلى طريقك المستقيم، واحفظنا بحفظك من كل شيطان ومن كل معصية ومن كل خبٍّ لئيم.
اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا في الدنيا هداةً مرشدين، وفي الآخرة أرزقنا جوار سيد الأولين والآخرين.
اللهم أصلح أولادنا وبناتنا وزوجاتنا وإخواننا المسلمين أجمعين، حكاماً ومحكومين، رؤساء ومرؤوسين، اللهم طهر المسلمين في بلادنا أجمعين من الرشوة والغش والكذب وكل ما تبغضه يا أرحم الراحمين.
اللهم ارزقنا رزقاً حلالاً طيباً مباركاً لنا فيه، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعل في قلوب ولاة أمورنا الشفقة والرحمة لعبادك المؤمنين وأصلح أحوالهم وارزقهم البطانة الصالحة يا أكرم الأكرمين.