• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:58 PM

Sermon Details

10 مارس 2022

جهاد النفس

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

جهاد النفس

قلنا أن أول أساس للوصول إلى صفاء القلب وتجهيزه لعطاءات الرب سبحانه وتعالى أن يُصحح الإنسان نيته، ويجعل النية رفيقه في كل عمل، سواءٌ سابقةٌ للعمل وهو الأفضل، أو أثناءه، أو حتى بعد انتهائه وذلك في النوافل والقربات.

وبعد ذلك يُصفي طويته، وباطنه نحو جميع كل من حوله من بني الإنسان، فلا يكون عنده ضغينة ولا حقد ولا حسد ولا كُره ولا شيء من هذا القبيل ويدخل في قول الله: ” وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ” (47الحجر) وبعد ذلك ينبغي عليه أن يتحرى الإخلاص لله في كل قول أو عمل.

إذا فعل الإنسان ذلك فيبدأ بعد ذلك في جهاد نفسه، وجهاد النفس هو الأساس الأول والذي عليه المعوَّل في الوصول إلى المراد، ويتمتع الإنسان بما يتمتع به عباد الله الأفراد.

وقد قال الأمير عبد القادر الجزائري وكان من المتصوفة العظام: ((لا يجد في طريق الله شمَّة من لم يجاهد نفسه ولو كان شيخه قطب الوقت)).

وهذا يشرح حال كثير من المريدين المتكاسلين المتوانين المتقاعدين، فيعتقدون أن جهاد الشيخ يكفيهم، وقد جاهد عنهم وهم لا يحتاجون إلى جهاد.

وأسمع مقولة أعجب منها عند كثير من أتباع الصالحين، يقولون: (حب ونام) يعني ما دام أنك تحب الرجل الصالح فنم لأنك لا تحتاج إلى نوافل من قيام وصيام وعبادات لأن الشيخ قد جاهد عنك.

وهذه مقولة معلولة تحتاج إلى تصحيح لأنها تخالف المنهج الصحيح الوارد عن الإمام الأعظم وهو الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلَّم، والذي صار عليه من بعده أصحابه الكرام والأولياء العظام إلى يومنا هذا وبمشيئة الله إلى يوم الزحام.

جهاد الهوى

فإن الإنسان لا بد له من الجهاد، والرسول صلى الله عليه وسلَّم هو الذي رُوي عنه عندما كان راجعاً من غزوة تبوك أنه قال لأصحابه محفزاً لهممهم:

{ قَدِمْتُمْ خَيْرَ مَقْدَمٍ، وَقَدِمْتُمْ مِنَ الْجِهَادِ الأَصْغَرِ إِلَى الْجِهَادِ الأَكْبَرِ، قَالُوا: وَمَا الْجِهَادُ الأَكْبَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مُجَاهَدَةُ الْعَبْدِ هَوَاهُ }[1]

جهاد النفس وجهاد الهوى يحتاج إلى جهاد شديد، وهم كانوا في أعلى مراتب الجهاد في نظر العلماء لأنهم كانوا يحاربون في رُفقة سيد الأنبياء ليدافعوا عنه وعن دين الله تبارك وتعالى.

وإلي هذا الجهاد يقول الله تبارك وتعالى: ” وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ” (69العنكبوت) وما أعلى هذه السُبل؟ ” إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا ” (128النحل) يكونون في معية الله ويراقبون الله على الدوام، وقد وصلوا إلى مقام الإحسان: ” وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ” (128النحل).

والإحسان كما أخبر صلى الله عليه وسلم:

{ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ }[2]

ومع شدة جهادهم هذا إذا بالمولى تبارك وتعالى يرتقي بنا إلى أطوار أعلى وأرقى في الجهاد، فيقول عز وجل لهؤلاء المجاهدين في الله حق جهاده: ” وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ ” (88الحج) وحق جهاده يعني حاول بكل ما في وسعك أن تجاهد.

ولذلك عرَّف إمامنا أبو العزائم الجهاد بأنه: (بذل ما في الوسع) يعني جاهد بكل طاقاتك، وبكل ما أعطاك الله، واستعن بالله، تأتيك المعونة ويأتيك التوفيق من حضرة الله جل في علاه.

جهاد الشهوات والحظوظ

وجهاد النفس تكون بدايته في جهاد البواعث النفسية والعلل النفسية التي تمنع الإنسان من قرب رب البرية وهي الشهوات والحظوظ، ويجمعها قول الله تبارك وتعالى في سورة آل عمران: ” زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ ” 14آل عمران) وكلمة زُين يفسرها حبيب الله صلى الله عليه وسلَّم فيقول:

{ حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ }[3]

من أراد الجنة يجد الأعمال التي توصل إليها ليست مستحبة عند النفس: ” وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ ” (45البقرة) فتجده يمل منها، ويتكاسل عنها، ويتلمس لنفسه الأسباب، أما النار فالأعمال التي توصل إليها محبوبة للنفس، وتجعل الإنسان يترك الحلال ويسارع إلى الحرام ليهبط في النار والعياذ بالله تبارك وتعالى.

” زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ” 14آل عمران) والخيل المسومة يقابلها في عصرنا هذا السيارات والطائرات وما شابه ذلك، لأنها وسائل الانتقال في هذا العصر، والأنعام يعني المواشي بكل أصنافها، والحرث يعني الزراعة، وأظن أن هذه الآية جامعة مانعة لكل أصناف الشهوات التي يميل إليها الإنسان والتي يندفع إليها بحظه وهواه، لأنه يعتقد أن هذه هي كل مناه.

إذاً لا بد للإنسان أولاً من جهاد نفسه مع هذه الأشياء، بأن يحرص فيها على أن يتناولها أولاً من حلال أحله الله.

ثانياً: أن يأخذها بعمل وهدي مطابق لشرع الله، فلا يمشي فيها بحظه ولا هواه.

ثالثاً: أن يشكر الله بعد ذلك على ما أعطاه.

فأي نعمة من هذه النعم لو تحرَّى الإنسان فيها أن يأخذها من الحلال، وأن يتبع فيها شرع الله، فإن كان عليه حقٌ في المال مثلاً فلا بد أن يُخرج حق الله وهي الزكاة، وكذلك إذا كان عليه حقٌ في السوائم والماشية أو الزرع بحسب شريعة الله، يُخرج حق الله سبحانه وتعالى.

فإذا مشى فيها على شرع الله ينبغي عليه بعد ذلك أن يشكر الله تبارك وتعالى على ما أعطاه، والشكر بابٌ للمزيد: ” وَلَئِنْ شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ” (7إبرهيم).

ويظل الإنسان يجاهد نفسه في هذه الأمور حتى يخرجها من قلبه، فتكون في يده وليست في قلبه، وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلَّم يقولون في هذا المقام: (اللهم اجعلها في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا).

ولذلك كانوا إذا دُعوا إلى البذل يضحون بالنفس والنفيس، ولا يحسون أنهم فعلوا شيئاً، بعكس غيرهم إذا طلبت منه شيئاً يظن أن هذا الشيء سيخرج ومعه قطعة من قلبه، فيتشبث به ويحاول أن يجادل في سبيل عدم إخراجه، ويتعلل بعلل يقول فيها الله سبحانه وتعالى: ” شَيَاطِينَ الانْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ” (112الأنعام).

فيظل يجاهد في هذا المقام حتى يستوي كل ما في الدنيا عنده مع التراب والرغام، لأنه يعلم علم اليقين قول سيد المرسلين:

{ لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ }[4]

ولكنها لا تساوي شيئاً، وأذكر في هذا المقام أن رجلاً ذهب إلى الإمام عليٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه وكرَّم الله وجهه وسأله: هل تستطيع أن تعد لي فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلَّم؟ فقال الإمام وكان لبقاً وفطناً ومُلهماً: هل تستطيع أن تعد لي متاع الحياة الدنيا؟ فقال: لا، قال: يا أخي إذا كنت لا تستطيع عدَّ القليل الذي قال فيه الجليل: ” قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ” (77النساء) فكيف تعد العظيم الذي قال فيه مولاه: ” وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ” (4القلم)؟!!.

انظر إلى هذه البصائر النورانية والإلهامات الفورية من رب البرية سبحانه وتعالى!!.

ولذلك قالوا: لا يبدأ الرجل السير الصحيح إلى الله ويكون من كُمَّل عباد الله حتى يستوي عنده الذهب والحجر، ويستوي عنده اللحم والخبز الجاف، فلا يفرق بين هذا وذاك لأنه علم أن كل هذه الأشياء وسائل لغايات، وغايته العظمى هي وجه مولاه، وهذه الوسائل لا توصل إلى ذلك إلا إذا فنى عنها بالكلية في حب مولاه تبارك وتعالى.

التحقق بالعبودية

ويحاول بعد ذلك أن يجاهد نفسه بأن يتخلق بالعبودية التي يحبها الله، فإن الله عز وجل كما قال لأبي اليزيد البسطامي رضي الله عنه عندما قال له: يا رب بم يتقرب إليك المتقربون؟ قال: بما ليس فيَّ، قال: وما الذي ليس فيك؟ قال: الذل والمسكنة والفقر والجهل، وهذه صفات العبيد وصفات العبودية التي ينبغي أن يكون عليها العبد بين يدي الحميد المجيد.

لا يكون عليها مع خلق الله، وإنما مع خلق الله: ” وَلله الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ” (8المنافقون) ولكن يكون عليها إذا كان واقفاً بين يدي مولاه، وإذا كان يناجي الله، وإذا كان يقرأ مع الله كتاب الله، وإذا كان يتوجه بأي عمل صالح إلى حضرة الله، فليكن متجملاُ بجمال العبودية لأن هذا المقام هو الذي يحبه الله، ولذلك مدح عليه وبه حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلَّم: ” سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ” (1الإسراء).

إذاً الغاية من جهاد النفس هي الوقوف على قدم العبودية لله تبارك وتعالى، وأن يكون الإنسان في كل أنفاسه بين يدي مولاه عبداً، فلا يختار لنفسه منزلة، ولا يختار لنفسه قربة، ولا يختار لنفسه مكانة، وإنما كما قال بعض الصالحين على لسان الحضرة الإلهية:

فكن عبداً لنا والعبد يرضى

بما تقضي الموالي من مراد

فلا ينبغي لأي سالك في طريقنا أن يحدد لنفسه منزلة يريد أن يصل إليها، لكن اجعل غايتك وجه الله، ودع الأمور لله يضعك في النصاب الذي يرضاه، وهو الذي يليق بك وتستطيع تحمل أعباءه، فإنه إذا أقامك أعانك، وإذا أقمت نفسك وكلك إلى نفسك، ولا تستطيع أن تقوم بأي عمل ولو شيئاً قليلاً، لأنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فإذا قام الإنسان بجهاد نفسه حتى وصل إلى هذه الغاية، يبدأ بعد ذلك في التخلص من النفوس المنازعة للنفس الملكوتية والنفس القدسية، فإن النفوس سبعة، نفسٌ جمادية، ونفسٌ نباتية، ونفسٌ حيوانية، ونفسٌ سبعية، ونفسٌ إبليسية، ونفسٌ ملكوتية ونفسٌ قدسية.

قوى النفوس

وضحنا هذه النفوس في كتابنا (النفس وصفها وتزكيتها) بما لا حاجة لنا في الرجوع إليه، فينبغي على الأحبة أن يرجعوا إليه ليعلموا ذلك.

فالنفس الجمادية هي التي تجعل الإنسان يميل إلى الكسل، وإلى النوم وإلى الخزلان وإلى عدم الجهاد، وُتمنيه بالأماني وتحاول أن تلتمس له الأعذار.

والنفس النباتية هي التي تقوم في الإنسان بتغذيته وتنميته حتى يظل سائراً في الحياة الدنيا ليؤدي عمارة الكون بما يحبه الرحمن تبارك وتعالى، فعليها الغذاء وعليها النماء.

والنفس الحيوانية هي التي تميل إلى الشهوات الدنية، كشهوة الطعام وشهوة الشراب وشهوة النكاح:

والنفس شهوة مطعم أو مشرب أو ملبس

أو منكح فاحذر بها الداء الدفين

والنفس الإبليسية هي التي تميل إلى الخداع، وإلى أوصاف المنافقين، وإلى إيجاد الفتن بين المتحابين، وإلى التحايل والخداع في سبيل الوصول إلى ما يحبه من دنياه، وليس في ذلك رضا الله تبارك وتعالى.

والنفس السبعية هي قوة الغضب التي في الإنسان عندما يغضب، فالإنسان عندما يغضب يتشبه بالسباع في كل حركاته، فقد يضرب بيده كالأسد، وقد يبصق كالثعبان، وقد يرفس كالحمار، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:

{ لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ}[5]

والنفس الملكوتية هي التي تأخذ الإنسان وتُلهمه بما يحبه الرحمن، فتذكره بأوقات الصلاة، وتفكره بما يقوله بين الله وهو في الصلاة، وتُلهمه الأعمال الصالحة التي يحبها الله، كأن تحببه بالذهاب إلى حرم الله وزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو الجمع على الصالحين ومجالس العلم وسماع القرآن، وغيرها من أعمال البر والخير.

والنفس القدسية عطية من رب البرية لمن يستقيم في حياته الدنيوية: ” يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ ” (15غافر) فهي عطية من الله سبحانه وتعالى.

ففي هذا الطور لا بد للإنسان أن يتخلى عن هذه الأوصاف التي تتجمل بها هذه النفوس ليجمِّلها بالجمال الذي طلبه منه في القرآن الملك القدوس تبارك وتعالى، لا بد أن يتخلى ليتحلى، وبعد أن يتحلى فإن ربه يتنزل له بعطائه ويتجلى له بغيوبه، ثم بعد ذلك يتملى بشهود ما قدَّره الله تبارك وتعالى له.

تخلي ثم تحلي ثم تجلي ثم تملي، فهذه مراحل الجهاد في هذا الميدان.

فإذا جاهد هذه النفوس بعد ذلك يتجمل بأخلاق الملك القدوس، لأنها هي التي يدخل بها على حضرة الله، وكما ورد في بعض الأثر: ((إن الله يحب من خَلْقِه من كان على خُلُقه)).

يحب أن يُدخل على حضرته من تخلق بخُلُق التواب، ومن تخلق بخُلُق العفو، ومن تخلق بخُلُق الكريم، ومن تخلق بخُلُق الرحيم، وغير ذلك من الأوصاف الإلهية التي بها الدخول على الحضرة الإلهية، فلا بد أن يتصف الإنسان في أحواله كلها بما يستطيع من هذه الصفات، ويستعين بالله فيعينه مولاه تبارك وتعالى.

فإذا فنى الإنسان عن كل الشهوات والحظوظ والأهواء والملذات، ولم يأخذها إلا على سبيل على أنها دواء أو قوتٌ لا بد منه، يأخذ ما لا غنى له عنه ليستقيم به الجسد، ثم بعد ذلك يتخلق بالأخلاق الإلهية.

توحيد الوجهة

وبعد ذلك عليه شيء هام يجاهد أن يكون عليه الدوام، وهو أن يوحد وجهته ويجعلها لله سبحانه وتعالى، فلا يغير هذه الوجهة طرفة عين ولا أقل، ويقرأ قول الله: ” وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ” (148البقرة).

فيولي وجهه نحو مولاه لا يرجو سواه، ولا يبغي إلا رضاه، ولا يطلب من الكونين شيئاً سوى النظر إلى جمال الله وكمال الله تبارك وتعالى.

وهذا هو السالك الذي يقول فيه الإمام أبو العزائم رضي الله عنه: ((والسالك من توحَّد مطلوبه، ورضي بما قدَّره محبوبه)) له مطلبٌ واحدٌ هو وجه الله.

فما هذه الأمور الباقية؟ وسائل يستعين بها حتى يصل إلى بغيته وهي وجه الله تبارك وتعالى تبارك وتعالى.

إذا فعل ذلك فإن الله عز وجل يكرمه بواسع الإكرام، ويقعده في مقعد صدق، ويجعله عُرضة للعطاء والإكرام والإنعام.

نسأل الله عز وجل أن يمن علينا بمواهب المتقين، وأن يخصنا بخصائص المقربين، وأن يُخلِّقنا بأخلاق سيد الأولين والآخرين، وأن يوحد وجهتنا في طلب حضرته في الدنيا، ويجعل غايتنا في الدنيا والآخرة النظر إلى وجهه الكريم.

وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

[1] تاريخ بغداد للخطيب البغدادي والزهد الكبير للبيهقي عن جابر رضي الله عنه

[2] صحيح ابن حبان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

[3] صحيح مسلم والترمذي عن أنس رضي الله عنه

[4] جامع الترمذي والطبراني عن سهل بن سعد رضي الله عنه

[5] البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه

الجميزة – السنطة -الغربية الخميس 6 من شعبان 1443هـ 10/3/2022م 1

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid