Sermon Details
آداب صاحب المقام الأعلى[1]
من يريد أن يكون له مقاماً أعلى عند الله، فلا بد أن يكون أكثر تطهراً وأكثر صفاءًا ونقاءًا في معاملته مع الخلق، وفي معاملته مع الحق سبحانه وتعالى.
وعندنا في الدين أربع مقامات، مقام الإسلام، ومقام الإيمان، ومقام الإحسان، ومقام الإيقان.
مقام الإسلام للمسلمين، وهؤلاء الذين يؤدون الأعمال الظاهرة التي يأمرنا بها الإسلام.
ومقام الإيمان للمؤمنين، وهؤلاء الذين يزيدون على الأعمال الظاهرة بتحضير النيات الطيبة في القلوب عند كل عمل يتوجهون به إلى حضرة علام الغيوب سبحانه وتعالى.
إتقان العمل
مقام الإحسان للمحسنين، وهؤلاء الذين يتقنون كل عمل يعملونه لخلق الله أو يعملونه لله، لكن الذي لا يتقن الأعمال التي لله كالصلاة وتلاوة القرآن فليس له في هذا المقام، وهو غير أمين، قال صلى الله عليه وسلم:
{ لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ }[2]
وقال:
{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ }[3]
لابد من إتقان العمل سواء يعمله لنفسه أو يعمله لغيره أو يعمله لله، فتكون طبيعته إتقان أي عمل يقوم به، وماذا يعني إتقانه؟ يعني يعمله كما تفيد بذلك التعليمات المختصة بهذا العمل، إذا كان هذا العمل من أعمال الدنيا فينظر للمواصفات القياسية التي ينبغي أن يكون عليها هذا العمل بعد تمامه ويراعيها، ولا يترك واحداً منها، والتي نسميها بلغة القوم (الجودة) فيراعي الجودة في هذا العمل.
وإذا كان عملا من أعمال الآخرة فينظر للمواصفات القياسية لهذا العمل في كتاب الله، والمواصفات التي أدى بها هذا العمل سيدنا رسول الله، لأن هذا التطبيق العملي لهذه المواصفات النظرية، والمواصفات التي أدى بها هذا العمل أصحاب رسول الله، ومن بعدهم الصالحين والأولياء إلى يوم الدين، حتى يكون ماشياً على النموذج القويم.
هذا لمن يريد أن يصل لقول الله: ” إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ” (195البقرة).
اليقين
الدرجة الأعلى من هذه هي درجة الإيقان، وهذه للموقنين الذين يعملون العمل وهم يشهدون أن الله يطلع على باطنهم وظاهرهم، ويعلم نواياهم وخفاياهم، ويحسنون النوايا والطوايا مع إحسان العمل، لأن الله جعل الأجر على قدر النية، قال صلى الله عليه وسلَّم:
{ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى }[4]
الإنسان يأخذ على قدر نيته، فأي إنسان في أي درجة من هذه الدرجات بدايته تطهير القلب بالكلية نحو جميع البرية، ونحو رب البرية.
تطهير القلب بالكلية نحو جميع البرية من الحقد والحسد والغل والطمع والشُح والكُره، وغيرها من هذه الصفات التي تجعل الإنسان تُغلق أمامه أبواب الترقي في الدرجات عند رفيع الدرجات، الإمام أبو العزئم رضي الله عنه وأرضاه يقول في ذلك:
ألا من يكن في قلبه بعض ذرة |
من الكِبر والأحقاد ما هو ذائق |