الحمد لله الذي ملأ الوجود كلًّه بنور بهاه، وأظهر فيه إتقان صنعه وإبداع حكمته في كل ما نراه، والصلاة والسلام على حبيب الله ومصطفاه، سيدنا محمد وآله وصحبه ومن والاه.
إخواني وأحبابي: بارك الله U فيكم أجمعين
جعل الله U الآيات البينات الموجودة في كونه، والكائنة في خلقه، هي دلائل إبداع قدرة القادر U، ولذا عندما نتصفح آيات القرآن؛ نجد الآيات التي تتحدث عن الأحكام التشريعية، من عبادات وميراث وزواج وطلاق، لا تزيد عن الثلاثمائة آية وشيئاً قليلاً، بينما نجد الآيات العلمية التي تتحدث عن بديع صنع الله وإتقان قدرة الله، في تقليب الليل والنهار، في الأفلاك التي في السماء، فيما عمَّر الله U به الأرض، من إنسان وحيوانات ونباتات وحشرات، وفيما أوجده الله U في البحار من حيتان وأسماك ولآلئ ثمينة ومرجان، وغيرها من كائنات، والتي تزيد عما هو موجود في عالم البَرِّ، فقالr: (إن الله خلق ألف أمة، ستمائة منها في البحر، وأربعمائة منها في البَرِّ)[1].
فأمم البحر أعظم وأكثر، وصنع الله U في الهواء، ناهيك عن الكائنات التي لا عدّ لها ولا حدّ لها التي لا تراها العين، ولكن نلمسها فيما يحدث لنا، وللنباتات وللحيوانات من أمراض ومن أعراض، وكائنات الله U الموجودة في جوف الأرض، من معادن ثمينة، وأحجار كريمة، وآيات الله U في البحار والأنهار والمياه، التي تنـزل آناء الليل وأطراف النهار، آيات لا عدَّ لها ولا حدَّ لها.
هذه الآيات ذكر منها في القرآن حوالي ألف وثلاثمائة آية، لماذا؟ لأن أساس الدين العقيدة، إذا صَحَّتْ العقيدة صَحَّتْ العبادة، والذي يثبِّت العقيدة، ويقوي الإيمان، ويزيد الإنسان في توحيده وحضوره وخشيته ومراقبته للرحمن، ما يراه من دلائل قدرة الله في خلق الله وفي نفسه، }سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ{ (53فصلت).
ولذلك تجد أهل المعرفة في الدعوة إلي الله؛ سلاحهم الأساسي الذي يجذبون به الناس والعوام والخلق إلى الله، ما هو؟ كَشْفُ هذه الآيات الكونية، يربط هذه الآيات الكونية بما استحدث من العلوم العصرية، التي ثبت قانونها، وصحَّ برهانها، وهذه هي التي تشدُّ الإنسان شداً، وتجعله يطمئن إلى جناب الله، ويعلم صدق كتاب الله، وأنه كتاب من عند الله U.
وما اهتدى المهتدون في الشرق والغرب إلى الله حديثاً، إلا عندما سمعوا بعض آيات من كتاب الله U وطبقوها على ما وصلوا إليه من العلوم النافعة والرافعة، فشهدوا لهذا الكتاب بأنه من عند الله؛ لأنه يستحيل أن يذكر الكتاب هذه الحقائق وقد نزل قبل ألف وأربعمائة عام، والذي نزل عليه كان رجلاً أُمِّيًّا!! إذن هذا الكلام لا يستطيع أن يذكره إلا العليم الحكيم، الذي عِلْمُه بما كان كعِلْمِه بما هو كائن، كعِلْمِه بما سيكون U.
ولذلك أُنبّه إخواننا أجمعين، أن هذا هو السبيل لجذب الناس إلى طريق الله، وتثبيت العقيدة في قلوبهم، وجعل مراقبة الله – وهي أعزُّ شيء يملكه المرء في حياته – بين جوانحهم وأفئدتهم، إذا وصل المرء لمراقبة الله، وامتلأ قلبه بخشية الله؛ صار مؤمناً صادقاً، لا تخش منه شيئاً إن شاء الله؛ لأن الذي يمنعه من المعاصي بداخله، والذي يدفعه إلى الطاعات والقربات بجوانحه، فلا يحتاج إنساناً من خارجه ينبهه، لأنه معه المنبه الذي ينبهه آناء الليل وأطراف النهار. أما الذي ليس معه هذا المنبه، فقد ورد في الأثر:
(من لم يكن له من نفسه واعظ؛ لم تنفعه المواعظ).
فإذا قلتُ أنا، أو قال غيري فلا فائدة، ولكن الواعظ الذي يقود الإنسان هو واعظ القلب، إذا تنبَّه وانتبه، وإذا راقب الله، وأحاطت به خشية الله، والخوف من جناب الله U، كيف يكون هذا؟ عندما ندخل به على ميدان التفكر، نعلّمه كيف يتفكر في خلق الله، وكيف ينظر إلى أي أمر يراه، ويستدل به على بديع إبداع صنع الله، جلَّ في علاه، ليزيد يقينه في الله سبحانه وتعالى.
ولذلك نحن أمرْنا ودعوْنا إخواننا، أن يحفِّظوا القرآن لأولادنا الصغار – وإخواننا يعملون في كل مكان جمعيات لتحفيظ القرآن – بأننا نريد طريقة عصرية، كيف؟ نأتي ببعض الأفلام العلمية، وهذه موجودة على شبكة المعلومات من غير حساب، والتي تناسب سِنَّهُم، وتكون مربوطة بالآيات القرآنية، ونعرضها عليهم، تارة يحفظ، وتارة يرى هذا الفيلم، وإن كان معه تعليق فلا بأس، وإن لم يكن معه تعليق؛ نقوم نحن بالتعليق عليه؛ لكي نُنَمِّي الإيمان ونقوِّيه في قلوبهم.
لأن سيدنا أنس بن مالك t عندما ذهب إلى الكوفة والبصرة؛ وَجَدَهُم يحفِّظون القرآن؛ ولكن وجدهم يحفظون القرآن مثلما نحفظ نحن حالياً بنفس الطريقة، ليس لهم شأن بالمعاني، وليس لهم شأن بما يستنبطه الإنسان من هذا البيان، فقال لهم: نحن لم نكن كذلك، (كُنَّا نتعلم الإيمان قبل القرآن، وأنتم تتعلمون القرآن قبل الإيمان)[2].
فتجد الولد يحفظ القرآن عن ظهر قلب ويكذب، ويشتم ويفعل ما حرمه الله، لماذا؟ لأنه يحفظ القرآن فقط، لكنه لم يصل الحفظ فيه إلى قلبه!! ويؤثر فيه بالأمر والنهي!! متى يؤثر فيه؟ إذا دخلنا به على صُنع الله، وأريناه وكاشفناه ووجّهناه؛ ستأتيه الخشية من الله، ويكتسب الحياء من حضرة الله، سيخاف في أي زمان أو مكان، أن يعمل عملاً يعصي فيه الله؛ لأنه يعلم علم اليقين أن الله يراه.
وأنتم تعلمون جميعاً أنه كان على هذا الحال شباب وصغار الدعوة في عصر رسول الله r، لماذا؟ لأنها كانت هذه هي الطريقة السديدة، التي كان يمشي عليها معهم سيدنا رسول الله r.
فنحن محتاجون لهذه الطريقة العصرية، وهي أن نأتي بالآيات القرآنية المصورة:
}أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ { (9الملك). هذه آية نقرأها، ونجدها مشهودة وموجودة، فنأتي بصورة أمام عينيه ليرى قدرة الله U، ونربط هذا بذاك حسب فكره وعلى قدره.
}فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{ (50الروم)، هذا فيلم موجود، كيف ينـزل الماء، وكيف ينمو النبات، وحتى الغربيون ساقهم الله إلى هذا، فصوروا – بأدق وسائل التصوير- الحبَّة وكيف تتضخم، وكيف يخرج منها الجذر، وكيف يخرج منها الساق بالتفصيل، وأولادنا يحتاجون هذا، والمفروض أنهم يتعلمونه في المدارس، ولكن ماذا نفعل؟ فعلينا أن نعوض هذا النقص، طالما هو غير موجود في المدارس، فنجعله في مدرسة الإسلام التي نحن متطوعون فيها؛ لتنشئة هذا الجيل على الإسلام.
ونحن محتاجون لهذا في هذه الأيام إن شاء الله، كل الآيات القرآنية يا أحباب، موجودة ومصورة ولا ينقصها إلا شباباً وَهَبَ الله لهم العزيمة، أن يعملوا هذا العمل الناجح، من يستطيع أن يجمع لنا تفسيراً علمياً مصوراً، للآيات العلمية في القرآن؟ من يستطيع ذلك يا هناه ويا بشراه، ولكن يكون تفسيراً علمياً مصوراً، وطبعاً سيكون هذا على (CD) – وليس في كتاب – ليكون أوقع. كل هذه الآيات المصورة، تؤدي إلى زيادة يقين الناس بالله U.
الداعي الحكيم عليه أن يمشي على ذلك، وينتهز الفرص في ذلك، وأنا على قدري والحمد لله أحاول ذلك، من حوالي شهر كان عندنا مطر شديد في بلدنا؛ فلم نستطع أن نتحرك لا شرقاً ولا غرباً، وكان معي خطبة جمعة في بنها، فاعتذرت عنها، وفي بلدي فرصة لهم أن أصلي الجمعة معهم، فكانت الجمعة عن كيفية إنزال الله U للمطر، وكيف يتكون الماء؟ وكيف يتكون السحاب؟ وما الذي يفجر السحاب؟ وكيف ينـزل بعد ذلك المطر؟ ولماذا ينـزل قطرات؟ حتى لا يؤذي الوجه ولا يَضُرّ النبات أو الحيوان، وكانت المسيرة كلها على هذه الشاكلة، لماذا؟ لأن هذا هو المطلوب، هل سيكون المطر نازلاً، والناس تراه، وأريد أن أعطيهم العبرة من ذلك، ثم أتحدث في موضوع آخر مع الناس؟!! فالمفروض أن أتحدث في المناسبة فوراً.
والأمرُ الإلهي: }عِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً{ (63النساء)، يعني حَدِّثْهُم بشيء في أنفسهم، لأنهم يرونه أمامهم؛ ليتدبرونه، وهذه هي الأمور التي من المفروض أن نعرفها؛ لأن المسلمين يحتاجونها الآن.
فالمسلمون – والحمد لله – يؤدون العبادات، ولكن بعد العبادات ليس هناك مانع أن يكذب، أو يغشَّ، أو يسرق، أو يقتل!! وإذا قلت له: لماذا يا فلان؟ يقول لك: هذا شيء وهذا شيء آخر. ما الذي حدث؟!! الذي حدث هو أن العبادة لم تؤدي الغاية منها، وهي خشية الله، ومراقبة الله U. فهو بذلك قد دخل على العبادة من طريق خطأ، ولكن قبل العبادة لابد وأن يعرف الله، ولو عرف الله سيخشاه، ويخاف من الله، ولو أدى العبادة على هذه الشاكلة، سيؤديها في حضور مع حضرة الله U.
ولذلك ما أول فريضة يجب على الإنسان أن يَعْمَلَهَا؟ معرفة الله!! لمن ستصلي؟ فلابد وأن تعرف الله أولاً، والصلاة والصيام والحج وكل العبادات، من أين نزلت؟ ألَـمْ تنـزل مِنْ عند الله؟!! إذن أول فريضة واجبة عليَّ، هي معرفة الله U. كيف سنعرف الله؟ وهو لا تراه العيون، ولا تلمسه الحواس، ولا يقاس بالناس!! ولكن الصنعة تدل على الصانع!! نعرفه من صنعته، من إبداع خلقه، من تدبيره في السماوات والأرض، من تدبيره فيَّ أنا، فعندما ينظر الإنسان في نفسه؛ يجد العَجَبَ العُجَاب في هذه المملكة، }وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ{ (21الذاريات).
هذا يا إخواني الباب الأول لدخول الخلق على الله U. نسأل الله U أن يُعَلِّمَنَا عِلْماً نافعاً، وأن يرزقنا قلباً خاشعاً، وأن يتنـزَّل لنا بنور ساطع، وأن يجعلنا دائماً وأبداً ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
*****************
[1] رواه أبو يعلى في مسنده وأخرجه ابن عدي في الكامل عن جابر عن عمر رضي الله عنهما.
[2] رواه بن ماجة عن جندب بن جنادة بلفظ: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا، وأنتم اليوم تعلمون القرآن قبل الإيمان). والبيهقي والحاكم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهم بلفظ: (لقد عِشنا بُرهةً من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنـزل السورة على محمدٍ صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يُوقفَ عنده مِنها، كما تتعلّمون أنتم اليوم القُرآن، ولقد رأيت اليوم رِجالاً يُؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحتِهِ إلى خاتمته ، ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يُوقف عنده منه، وينثُرُه نثر الدقَلِ).