Sermon Details
فوائد وأسرار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
المذيع: يقول المولى العظيم في كتابه الكريم: ” إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ” (56الأحزاب) صدق الله العظيم يسعدني أن يكون معنا ضيفاً عزيزاً علينا الداعي الإسلامي الكبير فضيلة الشيخ/ فوزي محمد أبو زيد
كيفية وفضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
المذيع: فضيلة الشيخ ما كيفية وفضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟
خصَّ الله سبحانه وتعالى نبيه محمد بن عبد الله دون بقية الأنبياء بآية في كتاب الله هي قوله تعالى: ” إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ” (56الأحزاب) أمر الله عز وجل المؤمنين أجمعين في هذه الآية بالصلاة على رسول الله لما في هذه الصلاة من أهمية للمؤمن في الدنيا وفي الآخرة، ولذلك عندما نزلت هذه الآية قالوا:
{ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا السَّلَامُ عَلَيْكَ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ قَال: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ }[1]
والصلاة على النبي لا تقتصر على هذه الكيفية الواردة عن حضرة النبي، بل للمسلم أن يُصلي على النبي بما يُلهمه به مولاه من الصيغ الجميلة التي تحُث على فضائل رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
هذه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلَّم ما الفائدة التي تعود على المسلم إذا عمل بالآية وصلى عليه؟ قال صلى الله عليه وسلم: {مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا، وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ عَشْرًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مِائَةً، وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ مِائَةً كَتَبَ اللَّهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَرَاءَةً مِنَ النِّفَاقِ، وَبَرَاءَةً مِنَ النَّارِ، وأَسْكَنَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الشُّهَدَاءِ}[2]
فبشرنا النبي صلى الله عليه وسلَّم بأن الصلاة عليه تستوجب الصلاة من الله على العبد، وإذا كان العبد سيُصلي عليه مولاه، كيف يستطيع أي عقل أن يحسب أو يُقدِّر الفضائل التي تعود عليه من صلاة الله سبحانه وتعالى عليه؟! هذا أمر فوق الطاقة والإمكان، ناهيك عن أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلَّم لها فوائد ومنافع في الدنيا كثيرة، جاءه سيدنا أُبيُّ بن كعب وقال:
{ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لكَ مِن صَلاتي؟ قال: مَا شِئْتَ، قُلْتُ الرُّبُعَ؟ قَالَ: مَا شئْتَ، فَإِنْ زِدتَ فَهُوَ خَيْرٌ لكَ، قُلُتُ: فَالنِّصْفَ؟ قالَ: مَا شِئْتَ، فإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيرٌ لكَ، قُلْتُ: فَالثلثَينِ؟ قالَ: مَا شِئْتَ، فإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيرٌ لكَ، قُلْتُ: أَجْعَلُ لكَ صَلاتي كُلَّها؟ قَالَ: إذاً تُكْفي هَمَّكَ، ويُغُفَرُ لكَ ذَنْبُكَ }[3]
أولاً: تكفي الإنسان همه
إذاً الصلاة على النبي بنص حديث النبي تكفي الإنسان كل هم يهمه في أمور دنياه أو أمور أخراه، وتستوجب مغفرة الذنب الذي فعله بفضل الله وببركة رسول الله لأن الله قال في كتاب الله: ” وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّابًا رَحِيمًا ” (64النساء).
ثانياً: من موجبات المغفرة
التوبة والمغفرة من الله عز وجل للعبد تستوجب أمور: أن يتوب العبد أولاً ويستغفر، ولا بد مع ذلك أن يستغفر له الرسول صلى الله عليه وسلَّم حتى يقبل الله توبته، وهذا بمثابة ما نقوله في عصرنا الحديث (يُرفع الطلب) فطلب المغفرة لا بد أن يُرفع إلى حضرة الله، من الذي يرفعه؟ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
وقد يقول البعض: إن ذلك كان في حياة النبي، نقول له: أمهل فقد قال النبي صلى الله عليه وسلَّم:
{ حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ، تُحَدِّثُونَ وَيُحَدِّثُ لَكُمْ، وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ، فَمَا رَأَيْتُ مِنَ خَيْرٍ حَمِدْتُ اللَّهَ عَلَيْهِ، وَمَا رَأَيْتُ مِنَ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ اللَّهَ لَكُمْ }[4]
إذاً نحن في عصرنا هذا يستغفر لنا النبي صلى الله عليه وسلَّم إذا فعلنا ذنباً وتبنا فيه إلى الله لكي يقبل الله عز وجل التوبة: ” فَاسْتَغْفَرُوا الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ ” فيتحقق قول الله: ” لَوَجَدُوا الله تَوَّابًا رَحِيمًا ” (64النساء).
ولذلك رُوي أن الرسول صلى الله عليه وسلَّم عندما خانه اليهود في غزوة الأحزاب ووقفوا مع الكفار ضده، وذهب إلى منزله نزل الأمين جبريل وقال له:
{ قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ، وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَاهُ، فَاخْرُجْ إِلَيْهِمْ، قَالَ: فَإِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: هَا هُنَا، وَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ }[5]
ثم نادي الرسول صلى الله عليه وسلم وقال:
{ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ }[6]
فذهب فريق من المسلمين إلى بني قريظة ولم يصلوا العصر إلا هناك لأنهم فهموا أن ذلك ما يقصده النبي، وصلى جماعة آخرون العصر ثم ذهبوا إلى هناك وظنوا أن هذا ما يقصده النبي، ثم تحاكموا إلى النبي فأقرَّ الاثنين معاً، أي أقر اجتهاد المؤمنين في هذا الأمر.
ولما ذهب النبي صلى الله عليه وسلَّم إلى بني قريظة طلبوا الصحابي الجليل أبو لُبابة ليتحدثوا ويتحاوروا معه في الأمر وكان صديقاً لهم قبل الإسلام، فذهب أبو لُبابة إليهم راكباً دابته، فلما رأوه قالوا له: ما الأمر يا أبا لبابة؟ فأشار إلى رقبته بيده – يعني الذبح – ثم أدرك أنه خان النبي لأنه أفشى سر النبي لأعداء النبي صلى الله عليه وسلَّم، فرجع إلى مسجد حضرة النبي وربط نفسه بعامود من أعمدة المسجد، ونذر أن لا يفك نفسه حتى يتوب الله عليه.
فلما أبطأ سأل النبي صلى الله عليه وسلَّم عليه، فقصُّوا عليه الخبر فقال صلى الله عليه وسلَّم:
{ أَمَا إِنَّهُ لَوْ كَانَ جَاءَنِي لاسْتَغْفَرْتُ لَهُ، أَمَا إِذْ فَعَلَ مَا فَعَلَ، فَمَا أَنَا بِالَّذِي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانَهُ، حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ }[7]
إذاً دلَّ النبي المؤمنين الصادقين أجمعين أن خير طريق لمغفرة رب العالمين هو طريق النبي صلى الله عليه وسلَّم، فكل مؤمن يقع في الدنيا في غم أو هم أو نكد عليه أن يُكثر الصلاة على النبي فيفرج الله عنه ببركة الصلاة على النبي.
كذلك كل إنسان وقع في ذنب خطئاً عليه أن يتوب إلى الله ويرجع إلى الله ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فيغفر الله تبارك وتعالى له.
ثالثاً: تستوجب شفاعته يوم القيامة
فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلَّم في الدنيا تصنع ما ذكرناه، أما في الآخرة فقد قال صلى الله عليه وسلَّم:
{ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ حِينَ يُصْبِحُ عَشْرًا وَحِينَ يُمْسِي عَشْرًا أَدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ }[8]
وكلنا نرجوا شفاعة النبي يوم القيامة، لقوله صلى الله عليه وسلَّم:
{ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يُدْخِلُهُ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّه؟ قَالَ: وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ }[9]
وهو الذي وعده مولاه فقال: ” وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ” (5الضُحى) وعده أنه سيعطيه ما يريد، و(يعطيك) بالفعل المضارع في المستقبل، أي في الآخرة سيعطيك حتى ترضى عن الله سبحانه وتعالى، قال الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه: (ولا يرضى صلى الله عليه وسلَّم وواحدٌ من أمته في النار).
ولذلك عندما نزلت هذه الآية أقام الأنصار والمهاجرون حفلاً عظيماً في مسجد النبي احتفالاً بنزول هذه الآية، خطبوا فيها خطباً جامعة، وقالوا فيها قصائد كان من جملتها قول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
قرأنا في الضُحى ولسوف يُعطي |
فسرَّ قلوبنا ذاك العطاء |
وحاشا يا رسول الله ترضى |
وفينا من يعذب أو يُساء |