• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

13 يونيو 2022

تفسير وفوائد الفاتحة

إقرأ الموضوع

شارك الموضوع لمن تحب

فاتحة الكتاب  

…………………………….

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

” الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِي مَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ” (الفاتحة)

الاستعاذة

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم – بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

كنت جالس أتفكر في المشاكل التي عمَّت المسلمين أفراداً وقرىً ومدناً ودولاً وجماعات، فوجدت أن السلف الصالح حلُّوا كل المشكلات بسورة الفاتحة المباركة، والتي كلنا نحفظها حتى الأطفال، ونقرأها في كل ركعة من ركعات الصلاة.

فأحببت أن أُعرِّف على قدري أحبابي المسلمين جميعاً بما في هذه الآيات من إكرامات وتفضلات وعطاءات من الله سبحانه وتعالى على الدوام.

فنحن من البداية عندما نقرأها يجب أن نأخذ بقول الله: ” فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ” (98النحل) كثيرٌ منا ينسى الاستعاذة ويدخل على الفاتحة مباشرة، والفاتحة أم القرآن، فأنا لكي أقرأ الفاتحة لا بد من الاستعاذة، حتى في الصلاة، فبعد تكبيرة الإحرام يوجد دعاء اسمه دعاء الاستفتاح، وبعد دعاء الاستفتاح أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فإن قلت: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) فأكون قد أحسنت، وإن قلت: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) لا بأس.

ولِمَ نستعذ؟ كلمة (أعوذ بالله) يعني أنا مسكين وفقير وضعيف وألجأ إلى الرب القوي المتين حتى يُعيذني من شياطين الإنس والجن، فأُثبت ضعفي بين يدي القوي ليمدني بقوته، وهذا هو المطلوب.

ما المطلوب في العبادات كلها؟ أن الإنسان يُظهر العبودية لمولاه حتى يتفضل عليه عز وجل بعطاياه، فعندما آتي لواحد بكوب مملوء بالماء وأقول له: املأه، فهل سيملأه؟ كلا، لأنه مملوء، لكن أنا أريد أن يملأه، فأقدمه له فارغاً.

فعندما أدخل على حضرة الله تبارك وتعالى يجب أن لا أرى نفسي عزيز وقوي وذي سلطان ولي منزلة كريمة عند قومي وكذا وكذا، هذه الأمور كلها عندما أقول: (الله أكبر) أضعها وراء ظهري، وأكون أمام الله بضعفي وعجزي وجهلي الذي هو أصل حقيقتي: ” وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ” (9مريم) يعني أنت لم تكن شيئاً قبل ذلك، فمن أين هذا كله؟ من فضل الله وإكرام الله وتوفيق الله جل في علاه.

فأقول له: يا رب أستعيذ بك، يعني ألجأ إليك من كل شيطان: ” شَيَاطِينَ الانْسِ وَالْجِنِّ ” (112الأنعام) ذكر أولاً شياطين الإنس، لأن شياطين الإنس تأثيرهم أشد من شياطين الجن، لأن هؤلاء جائز يكونوا معي، ويجلسون معي ويكيدون لي وأنا غافل ولا أعرفهم ولا أعرف حيلهم، لكن عندما ألجأ للعلي القدير سيكفيني شرهم، ويحميني من ضرهم تبارك وتعالى.

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد ذلك يعلِّمنا الله، لأن أول آية نزلت في القرآن: ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ” (1العلق) فأي شيء تعمله لا بد أن تبدأ أولاً بقول (بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).

والله يا أحبة لو تعودت ألستنا على (بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الرحيم) في كل حركة وسَكَنة، لكنا في خيرات تغطي الكون كله بأكمله وتفيض.

عندما تخرج من البيت تقول: (بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) عندما تمسك شيئاً تقول: (بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وعنما تمسك القلم تقول: (بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وإذا كتبت تقول: (بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وإذا نويت الأكل تقول: (بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فهذه أمور يجب أن نمرن عليها صغارنا وأولادنا وبناتنا من البداية ونتابعهم فيها.

نجلس للطعام وابني لم يسمّ الله، أقول له: سَمِّ يا بني أولاً ثم كُل،كما كان يعمل حضرة النبي، وقال:

{ يَا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ }[1]

فبِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يعني أنا ألجأ إلى الرحمن الرحيم فأستفتح به في كل أمر أحتاج إليه، فمن يستفتح كل أمر بقوة الله ومعونة الله وتوفيق الله، فهل يستعصى عليه أمر يا أحباب الله ورسوله؟ لا، ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ }[2]

يعني كل أمر مهم لا يُبدأ فيه ببِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فهو أقطع، يعني ليس فيه بركة، ومن أين تأتي البركة؟ من الاستفتاح ببِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

وعندما ألجأ إلى الله وأستفتح ببِسْمِ الله، فكل شيء تلمسه يدي أو يلمسه عضو من أعضائي ستنزل فيه البركة من الله تبارك وتعالى، وينشرح صدري وييسر الله سبحانه وتعالى أمري، ويجعلني دائماً في خير حال وأسعد بال على الدوام، لماذا؟ لأنني أستفتح ببِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

حتى أن النبي صلى الله عليه وسلَّم أوصانا حتى في الحالة الخاصة بين الرجل وزوجته لا بد أن يبدأ كل منهما ببسم الله، وإذا لم يبدأ ببسم الله فكما قيل: إن الشيطان يلتف على إحليله ويخرج الولد كما نرى الآن، لذلك لا توجد معافاة من التسمية ببسم الله في أي أمر من الأمور.

رُوي أن رجلاً من الصالحين كان داخلاً إلى الخلاء – يعني دورة المياه – فاستفتح ببسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخُبث والخبائث، ودخل، فكان في الداخل جِنِّي، والمفروض عندما يسمع يوسع له، لكنه بقي مكانه فداس عليه، فصرخ الجنِّي، فقال له الرجل: تصرخ أو لا تصرخ أنا استعذت!!، لأن الإيمان كان شديداً في القلوب، لأنه يعلم أنه طالما قد استعاذ بالله وسمَّ الله فعلى الفور كل شيء يكفيه الله شره وضره ويفتح له خيره وبره بأمر من يقول للشيء كن فيكون.

هناك معلومة فقهية كلنا نحتاج إليها، لأنني أرى الفقه في هذه الأيام اختلط ببعضه، وكان إلى عصر قريب الوجه القبلي على المذهب المالكي، والقاهرة الكبرى على المذهب الحنفي، والوجه البحري على المذهب الشافعي، فالآن اختلطت الأمور ببعضها نتيجة الإذاعة والتلفزيون والتنقلات الكثيرة في هذه الأحوال.

فالأئمة لهم في النطق ببِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قبل الفاتحة في الصلاة رأيين، رأي أهل مكة وأهل الكوفة وهو رأي الإمام الشافعي أن (بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) آية من القرآن ولا بد من النطق بها، واستند إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلَّم:

{ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ }[3]

واستدلوا أيضاً بأن العلماء أثبتوها في بداية كل سورة عندما سجلوا القرآن الكريم، فتكون آية من كل سورة من سور القرآن لا بد أن نقرأها مع قراءة الفاتحة.

الإمام مالك وأهل المدينة وأهل العراق قالوا: ليست آية من سورة الفاتحة، فنحن نقرأها على سبيل التبرك في السر، والإمام يستفتح بالحمد لله رب العالمين.

لكن كل هذه الأمور لا تستوجب خلاف ولا شقاق ولا نزاع بيننا، فلا يصح لأحدٍ أن يفتعل معركة مع أحد الأئمة لأنه قرأ (بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) جهراً أو لم يقرأها، فهذه الأمور لا تستحق ذلك، فإن ذلك ليس مهما وليس في أصول الدين، نسأل الله تبارك وتعالى الحفظ أجمعين.

الإمام القشيري رضي الله عنه وأرضاه له كتابٌ عظيم اسمه (لطائف الإشارات) قال فيه: (بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) آية في كل سورة من سور القرآن، ولها معاني في كل سورة تختلف عن معانيها في باقي السور، ولذلك جاء لها في كل افتتاح سورة بمعنى جديد لهذه السورة.

كيف نزلت سورة الفاتحة؟ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم كان جالساً وكان معه أمين الوحي جبريل عليه السلام، وسمعوا صوتاً في السماء، فقال الأمين جبريل:

{ هَذَا بَابٌ قَدْ فُتِحَ مِنْ السَّمَاءِ مَا فُتِحَ قَطُّ، قَالَ: فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَمْ تَقْرَأْ حَرْفًا مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ }[4]

فالفاتحة نزلت خصيصاً لنا من عند الله تبارك وتعالى، وأيضاً الآيتين في آخر سورة البقرة، قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ الْآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ }[5]

وكلمة (كفتاه) قال العلماء فيها: كفتاه قيام هذه الليلة، لأنه اعتاد قيام الليل وفي يوم لم يستطع القيام بسبب تعب أو غيره، فصلى ركعتين فيهما آخر آيتين من سورة البقرة فتكفياه مكان قيام الليل.

أو كفتاه كل هم وكل غم وكل شر يخشاه، أو كفتاه كل ما يحتاج إليه في دنياه وأخراه، لأنها آيات اختصها الله تبارك وتعالى بأمَّة حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلَّم.

سر (الحمد لله)

ولذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال في الفاتحة:

{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أُمُّ الْقُرْآنِ، وَأُمُّ الْكِتَابِ، وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي }[6]

” وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ ” (87الحجر) كثير من المفسرين قالوا: السبع المثاني هم سبع آيات سورة الفاتحة وهم القرآن العظيم، لماذا؟ لأن الفاتحة حوَت كل ما في القرآن من علوم، ومن أوامر ونواهي من الحي القيوم سبحانه وتعالى.

فإذا قلنا: ” الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ “ لأن الصلوات فُرضت علينا أولاً حتى نشكر الله على نعمه المتجددة، التي لا نملك فيها شيئاً، كلما أصبح في الصباح أجد العين كما هي وتبصر، وأجد الأذنين كما هما ويسمعان، واللسان يتحرك وينطق، واليد تتحرك وفق إرادتي، والرجل تمشي حسب إشارتي، وكل أعضائي سليمة ومستقيمة، فأشكر الله على هذه النعم العظيمة، وهل يوجد مع أحدنا كارت ضمان أن يضمن هذه الأشياء بعد قيامه من نومه تظل كما هي؟ لا: ” لَئِنْ شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ ” (7إبراهيم) هذا الشكر هو باب المزيد على الدوام.

وفرض الله عز وجل علينا هذه الصلوات لنشكره على هذه النعم المتجددة حتى يستديمها لنا حتى نلقاه سبحانه وتعالى ونحن أصحاء ونمشي على أقدامنا ولا يحوجنا إلى أحد من خلقه أبداً، فهذا الذي نحتاجه كلنا والحمد لله.

وهذا غير النعم التي في الآفاق، والتي لا نستطيع أن نعيش بدون وجودها، فلو أن الشمس غابت عنا يوماً هل نعرف أن نعيش؟! لا، ولو أن الهواء غاب عنا ساعة واحدة فهل سيوجد حيّ على ظهر الأرض؟! لا، هذا غير الخيرات من حولنا، فأنت وأنا نضع البذرة في الأرض، وهذه البذرة من الذي أنشأها أول مرة؟ الله، فهل يستطيع أحد أن يصنع  بذرة مثلها؟! لا، أنت تضعها في الأرض وتسقيها من ماء الله النازل من السماء، الذي أنزله لك في نهر أو أخرجه لك من بئر، من الذي يأتي بالمياه؟ الله، فلا نستطيع أن نصنعها ولا نستطيع أن نجلبها.

ويسلط الله عليها الهواء فتأخذ الهواء لرحمة بنا تصفيه وتكرره لنا، فنحن نلوث الهواء دائماً فيذهب للنباتات فتأخذ ثاني أكسيد الكربون وتعطيك الأكسجين هواءاً نقياً في معامل إلهية لا يستطيع عملها ولا الإشراف عليها أكبر جهابذة البشرية.

ويخرج لك كل ما تحتاجه من طعام ومن فواكه ومن خضروات، حتى التسالي كاللب والسوداني وغيره أيضاً عملها لك ليكرمك، من الذي يستطيع عدّ هذه النعم؟ لا أحد: ” وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا ” (34إبراهيم) لم يقُل وإن تعدوا نعم الله، ولكن نعمة واحدة فقط لا نستطيع أن نعد ما فيها من قدرة الله وإبداع صُنع الله وعظيم قدرة الله تبارك وتعالى في علاه.

فيريدنا أن نشكره على جميع النعم، من منا يستطيع أن يشكر ربنا على جميع النعم؟ لا أحد، فعلم الله تبارك وتعالى عجز خلقه عن شكره، فشكر نفسه بنفسه، وعلَّمنا كيف نشكره، وارتضى ذلك من خلقه، فأمرنا أن نقول: ” الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ “

التربية الإلهية

رَبِّ “ يعني مربي، لأنه يربي العالمين جميعاً، يربي العوالم كلها من إنس وحيوان ونبات وحشرات وطيور وأسماك وغيرها بكل ما تحتاج إليه من غذاء وهواء وأي أمر في هذه الحياة الدنيا: ” وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الارْضِ إِلا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا ” (6هود).

شيء يُحيِّر، هل توجد وزارة تموين في الوجود كله تستطيع أن تشرف على كل هذه الأجهزة؟ لا أحد يقدر أبدًا، لأن الله سبحانه وتعالى هو الرزاق ذو القوة المتين.

ويربينا نحن جماعة المؤمنين زيادة عن الكافرين: ” وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ” (20لقمان) النعم الباطنة هي الإيمان والإسلام والهداية والتقوى والخشوع والمراقبة والخوف والرجاء، كل هذه الأشياء تربية خاصة لنا جماعة المؤمنين.

وربَّى نفوسنا كلنا أجمعين بأحكام الشرع الشريف، لماذا الشباب يريد أن يتحلل من الشرع؟ لأنه يريد أن يمشي على هواه، ولا يريد أن يقول له أحد هذا حلال وهذا حرام، لكن الحلال والحرام لماذا جاءنا؟ تربية من الله تبارك وتعالى لنا: ” وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ” (7الحشر).

ويربي العارفين بمعرفته جل جلاله بفضله وإكرامه وجوده وإنعامه، ويربي الأفراد الوارثين بالعبودية التي كان عليها سيد الأولين والآخرين، لأنه خير باب يدخلون به إلى الفضل الذاتي عند رب العالمين، سيدنا موسى يقول: يا رب أين أجدك؟ قال:

{ أَنَا عِنْدَ الْمُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ أَجْلِي }[7]

الجماعة المنكسرين الشاعرين بالضعف والذل لرب العالمين وليس للخلق، وهذا مقام العبودية الذي كان فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

الْعَالَمِينَ “ العالمين يعني كل ما سوى الله، فكل ما سوى الله من العالمين إن كان من عالم المُلك أو من عالم الملكوت أو الجنة أو النار أو العرش أو الكرسي .. كل هذه يربيها الله عز وجل بما شاء وكيف شاء.

فنحن عندما نشكر الله على عطاياه ليس لنا غير الشكر الذي علَّمه لنا الله، وارتضاه منا أن نشكره به ونقول: (الحمد لله رب العالمين).

ولكن هذا الشكر في الصلاة، والشكر في النعم غير الشكر في الصلاة، مثلاً أنا قد وسع الله عليَّ وعندي خيرات كثيرة، فهل أشكر الله بأن أقوم الليل وأصوم النهار؟ لا، ولكن أشكر الله بأن أجعل في هذا الخير نصيب للفقراء والمساكين، فشكر الله هنا من الخير الذي أعطاه لي.

أنا أعطاني الله بعض العلم، فالشكر لله هنا يكون بأن أبلغ رسالة الله ما استطعت لخلق الله طلباً لمرضاة الله، ولا أبغي من وراء ذلك إلا وجهه الكريم، فلا أقول من أعطاني خمسين جنيهاً أذهب إليه، وإن لم يعطني فلن أذهب إليه، فأكون بذلك أبيع العلم، وهذا يكون كما قال الله:” اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ الله ثَمَنًا قَلِيلا ” (9التوبة) ولكن العلم يكون لله.

أعطاني الله منزلة في الدنيا وعندي ذوي الجاه والمناصب، فما شكر النعمة هنا؟ أن أبحث عن المساكين الذين لا يستطيعون أن يصلوا إلى هؤلاء ولهم خدمات، وأقضي لهم مصالحهم، ويكون ذلك لوجه الله وليس مقابل رشوة أو غيره، قال صلى الله عليه وسلَّم:

({ مَنْ سَعَى لأَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ قُضِيَتْ لَهُ أَوْ لَمْ تُقْضَ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَكُتِبَ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ }[8]

أكرمني الله بحفظ القرآن وتجويده، فكيف أشكر الله؟ أجمع لي جماعة من المسلمين ولو في شهر رمضان كل يوم بعد صلاة العصر وأقول لهم: تعالوا أعلمكم كيف تقرأون القرآن القراءة الصحيحة لأنه فرض عليَّ، وأجمع أولادهم وأحفظهم شيئاً من القرآن لقول النبي صلى الله عليه وسلَّم:

{ إِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ }[9]

فالشكر لكل واحد منا على حسب مجاله، حتى يكون الشكر صحيح ويستوجب المزيد.

أنا أعمل مدرس فأجعل في كل مجموعة للطلاب طالب فقير لا آخذ منه شيء، أو أنا أعمل طبيب فأجعل في كل عشر كشوف كشف لله لأحد الفقراء المستحقين، وكذلك في أي وظيفة أجعل شيئًا لله عندي كل يوم.

بالله عليكم لو عملنا هذا فهل ستوجد مشاكل في المجتمع؟ أبدًا، وهكذا كل واحد في مهنته وفي صنعته، وهذا الكلام رأيناه إلى قريب وموجود أيضًا والحمد لله إلى يومنا هذا تقول لصاحب صنعة: نريد أن نعمل شيئاً للمسجد، يقول لك: أعمال المساجد لا آخذ عليها أجرًا ولكن أعملها لله.

ولو ذهب له رجل فقير له حاجة وسأله عن حسابه يقول له: بعد أن أنتهي، وفي النهاية يقول له: أنا عملت ذلك لله ولا أريد منك شيئًا.

وكذلك بائع الفاكهة، وكذلك بائع الخضار، وهذا هو التراحم بين المسلمين، نسأل الله أن يجعلنا من أهل ذلك أجمعين.

لكن شكر الله على نعمه الذاتية في الآلاء وفي الآفاق وفي الإنسان أنه يقف بين يدي الرحمن، ويقول بالقلب واللسان: ” الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ ” هذه الآية فيها كل علوم الكون، لأنك ستشكره على كل النعم.

الرحمن الرحيم

رب العالمين ما صفاته؟ ” الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ “ الرحمن الذي منَّ بالنعم العُظمى التي أشرنا إليها للخلق أجمعين، والرحيم الذي منَّ على المؤمنين بنعم خاصة لهم لا يشاركهم فيها أحدٌ من العالمين، والنعمة الواحدة من هؤلاء لا يساويها الدنيا بأكملها.

وليس هذا وفقط، بل لهم كذلك نعمٌ خاصة في الآخرة لا يشاركهم فيها الكفار ولا المشركين، فرحيم بالمؤمنين لأنه خصهم بنعمه الخاصة في الدنيا، ونعمه الخاصة في الحياة الآخرة.

ثم ذكر الله تبارك وتعالى: ” مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ “ عندما يقرأها الإنسان بحضور قلب في كل ركعة من ركعات الصلاة، سيتذكر الآخرة ويتذكر يوم يُعرض فيه وعمله على الله، ولا يوجد شيء يمنع الإنسان من الذنوب في الدنيا ومن المساوئ والقبائح في الدنيا إلا إذا تذكَّر الآخرة.

لماذا زاد الناس في هذا الإطار الآن؟ قال الله: ” نَسُوا الله فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ” (19الحشر) لكن لا بد للإنسان المؤمن أن تكون الآخرة منه على بال، قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ إِذَا أَصْبَحْتَ، فَلا تَنْتَظِرُ الْمَسَاءَ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرُ الصَّبَّاحَ }[10]

وقال:

{ كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ وَاعْدُدْ نَفْسَكَ فِي الْمَوْتَى }[11]

من منكم الآن معه سر الموت ويعرف متى سيموت؟ لا أحد، فقد يأتي ونحن جالسين، وقد يأتي بالليل، فهل أعرف متى الميعاد؟ لا، لذلك لا بد أن أكون جاهزاً للقاء أحكم الحاكمين تبارك وتعالى

ما الذي يجهزني؟ أن أتذكَّر دائماً المُلك الكبير يوم الدين، يوم يطوي الله السماوات والأراضين، ويقول:

{ لِيَمُتْ جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ }[12]

ويمُت كذلك حملة العرش وعزرائيل، ويكون كل من عليها فان، ويقول الله:

{ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ فَلا يُجِيبُهُ أَحَدٌ، ثُمَّ يَقُولُ لِنَفْسِهِ: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ }[13]

هل يوجد أحد سينجو من الموت؟ لا، الموت لن يترك أحد، وهل يوجد أحد سيهرب من يوم العرض؟ لا يوجد، فلا بد للمرء أن يتذكر ذلك عند قراءة (مالك يوم الدين) ويعرف أنه يوجد يوم كان عاجلًا أم آجلًا لابد منه، وسيبدأ من لحظة أن يموت، ومن لحظة أن نضعه في قبره يبدأ الحساب على الفور، فيتذكر الإنسان هذا اليوم ويكون منه على بال، سألت السيدة عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلَّم:

{ يَا رَسُولَ الله هَل يُحْشَر مَعَ الشُهدَاءِ أَحَد؟ قَالَ: نَعَم؛ مَنْ يَذكُرِ المَّوتَ فِي اليَومِ واللَّيلَةِ عِشرِينَ مَرَّة }[14]

من تذكر الموت في اليوم والليلة عشرين مرة، إن مات كُتب من الشهداء.

فنحن نقرأ الفاتحة في الركعات أكثر من عشرين مرة في اليوم، في الفرائض فقط سبع عشر ركعة، غير النوافل، ولكن أحياناً نقرأ ولا ندري، والبعض بعد أن ينتهي يقول: هل قرأت الفاتحة أم قرأت التشهد؟! لا يتذكر، لأن الجسم حاضر والقلب غائب، وهذا لا ينفع: ” قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ” (1-2المؤمنون) في لحظة الصلاة لا بد من الخشوع والحضور بين يدي مولاه تبارك وتعالى.

فعندما يتذكر الإنسان يوم الدين يعلم علم اليقين أنه لا ملجأ ولا منجى له من ربه إلا عمله الصالح الذي يوفقه له الله تبارك وتعالى.

ولكي لا يغتر ويظن أنه يعمل كذا وكذا ككثير من المسلمين نسمعهم الآن، فكثير منهم يقول: لماذا يوسع الله على أهل أوروبا وأهل أمريكا وغيرهم، ونحن المسلمين الذين يصلون ويصومون نعيش في فقر؟!  وهذا الكلام كما قالوه لنا قالوه لحضرة النبي، فسيدنا عمر دخل على حضرة النبي ذات يوم وكان نائماً على حصيرة من الحلف، وأثَّر الحصير في جسمه الشريف فبكى عمر، فقال له صلى الله عليه وسلم:

{ مَا يُبْكِيكَ يَا عُمَرُ؟، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كِسْرَى وَقَيْصَرُ عَدُوَّا اللَّهِ يَفْتَرِشَانِ الدِّيبَاجَ وَالْحَرِيرَ وَأَنْتَ نَبِيُّهُ وَصَفِيُّهُ وَلَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الأَرْضِ إِلا الْحَصِيرُ وَوِسَادَةٌ مَحْشُوَّةٌ لِيفًا! وَعِنْدَ رَأْسِهِ أُهْبَةٌ فِيهَا رِيحٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: أُولَئِكَ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }[15]

وقال صلى الله عليه وسلم:

{ كَيْفَ أَنْعَمُ وَقَدْ الْتَقَمَ صَاحِبُ الْقَرْنِ الْقَرْنَ، وَحَنَى جَبْهَتَهُ وَأَصْغَى سَمْعَهُ، يَنْظُرُ مَتَى يُؤْمَرُ }[16]

هذه الخشية التي قال فيها صلى الله عليه وسلم:

{ أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً }[17]

إياك نعبد

خائف من لقاء الله تبارك وتعالى، فماذا يقول لله؟ يقول: ” إِيَّاكَ نَعْبُدُ ” انتبهوا معي للآية، فلم يقُل إياك أعبد ولكن (نعبد) حتى نصلي جماعة مع بعضنا، فلو قال: إياك أعبد، فكل واحد يصلي وحده، وهذه ناحية، والناحية الثانية (إياك) يعني جسمي وعقلي وقلبي وروحي وكلي صف واحد تتوجه لك بالعبادة، فلا أحد سارح هنا ولا أحد شاطح هنا، ولذلك كما ورد بالأثر: (إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج) الصف الأعوج في الصلاة لن ينظر إليه الله.

وأنت نفس الأمر إذا كان صفك أعوج، واحد هنا وواحد هنا فلن ينظر إليك الله، لذلك لا بد أن يكون صفاً واحداً: ” إِنَّ الله يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا ” (4الصف) فصُفَّ أنت كل الحقائق الإلهية التي استودعها فيك رب البرية عندما تقف بين يدي الله في الصلاة، قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ إِذَا قَامَ الرَّجُلُ فِي صَلاتِهِ أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، فَإِذَا الْتَفَتَ قَالَ: يَا ابْنَ آدَمَ! إِلَى مَنْ تَلْتَفِتُ؟ إِلَى مَنْ هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنِّي؟ أَقْبِلْ إِلَيَّ، فَإِذَا الْتَفَتَ الثَّانِيَةَ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَإِذَا الْتَفَتَ الثَّالِثَةَ صَرَفَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَجْهَهُ عَنْهُ }[18]

فأنت عندما تتكلم مع أحد في الهاتف أو غيره وانشغل عنك، فإذا تكلمت معه وهو مشغول فهل تكون سعيدًا؟ لا، كذلك كيف تكلم الله وأنت مشغول عن الله؟! وقد قال في هذه السورة كلها في الحديث القدسي:

{ قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ)، قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ }[19]

هل يوجد منا من يسمع هذا الرد من الله؟ من لم يسمع الرد تكون بطارية قلبه ضعيفة ويحتاج ليقوي حرارة الإيمان ليسمع الرد من الرحمن تبارك وتعالى.

قضاء الحوائج

لذلك نحن لكي تُقضى لنا حاجة نقول: نقرأ لها الفاتحة، لأن الله وعد أن يعطينا ما سألناه، فنقرأ الفاتحة في الزواج لكي يتمه الله بخير، والفاتحة في البيع والشراء ليتمه الله بخير ويستجيب الله، ونقرأ الفاتحة بعد الطعام عند إنسان أطعمنا شكراً له على ماقدَّمه لنا ونسأل الله أن يكافئه لعجزنا عن مكافأته، وهكذا الفاتحة في كل أمر.

ولكن كيف نقدر أن نعبد الله إذا لم يقم بعوننا وتوفيقنا؟ لو أخذ الله وسلب منا القوة وسلبها منا لحظة، من الذي يقدر أن يركع ويسجد ويؤدي الصلاة؟! لا أحد، ولو أوقف البث بين القلب وبين العقل، ماذا أتذكر أن أقوله في الصلاة؟! حتى الفاتحة لن أتذكرها.

أحد العلماء الأجلاء الفصحاء البلغاء كان واقفاً على المنبر وألقى خطبة عصماء، فنفسه أخذها الزهو لأنه بشر، والبشرية موجودة على الدوام، وكان الناس من الفرح بالخطبة يكبرون، فنزل ودخل في المصلى ليصلي الجمعة، وقال: بسم الله الرحمن الرحيم، ولم يتذكر الفاتحة، والذين خلفه يفتتحون عليه أيضاً فلا يتذكر، ليعرف ونعرف كلنا أن الأمر كله يحتاج إلى إعانة الله.

إياك نستعين

” وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ “ الفضل كله في العبادات توفيق الله وقوة الله ومعونة الله، ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ أَكْثِرْ مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ }[20]

يعني كررها على الدوام، واعلم علم اليقين دومًا أنك ليس لك حول ولا طول ولا قوة إلا إذا أعانك الله تبارك وتعالى بعونه.

وهنا لطيفة تذكرتها في هذا المجال: سيدي أحمد بن عطاء الله السكندري رضي الله عنه صاحب الحِكم وغيرها، كان إماماً من أئمة الفقه في الإسكندرية وكان يدرس للناس في مسجد العطارين بالأسكندرية العلوم الشرعية، فكلموه عن سيدي أبو العباس المرسي وكان من الصوفية، وهو كان يحارب الصوفية ويظن أن الدين هو الشرع فقط، والشرع معه الهداية والحقيقة، قال الله في القرآن: ” لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ” (48المائدة) الشرعة هي الشريعة، والمنهاج هو الحقيقة.

فيقول: ذات يوم قلت لنفسي أنت رجلٌ حصيف، فلم لا تذهب إلى الرجل وتسمع منه بنفسك؟! يعني لماذا تصدق ما يقال فيه لك؟ هم يعلمونا أن نعمل بقول الله: ” إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ” (6الحجرات) يعني تبين أولًا، وفي القراءة الثانية: (فتثبتوا) فلا تأخذ الكلام على عواهنه وتخاصمه بدون سبب، ولكن افحص الموضوع.

فذهب إلى سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه وكان جالساً مع مريديه ويشرح في قول الله تعالى: ” إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ “ فقال رضي الله عنه: إياك نعبد شريعة وإياك نستعين حقيقة، إياك نعبد إسلام وإياك نستعين إحسان، إياك نعبد فرق وإياك نستعين جمع على الله عز وجل، إياك نعبد عبودية وإياك نستعين عبودة، قال: وأخذ يشرح ويعيد حتى انبهرت، انبهر من العلم الإلهي الذي أفاضه الله على هذا الولي، فإن الله عز وجل كما قال في القرآن في صاحب موسى وغيره وأمثاله: ” آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ” (65الكهف).

فلا بد للإنسان أن يعرف في كل أمر من أموره – وهذا حال الصالحين والعارفين – لا يرون لأنفسهم حالًا ولا قالًا ولا مالًا، وإنما يرون الأمر كله فضل الله وتوفيق الله ورعاية الله ومعونة الله سبحانه وتعالى.

أنت لو كنت رجل فلاح واعتنيت وجئت بأفضل التقاوي، وجهَّزت الأرض أحسن تجهيز، وجئت لها بأعلى أنواع الأسمدة ورعيتها، فالمحصول عليك أم على الله؟ على الله تبارك وتعالى، فأنا أجاهد وأجتهد لكن الباقي على من بيده الأمر كله سبحانه وتعالى.

ابني أتيت له بخيار المدرسين وهو يذاكر جيداً، ودخل الامتحان وظن أنه لا شيء يعجزه، وجاءت القدرة وخذلته، ونسي كل شيء، ويظل جالس ولا يعرف كتابة أي شيء، وعندما يخرج من اللجنة يتذكر كل شيء!، لذلك يجب عليه إذا دخل لجنة الامتحان أولًا أن يستعين بالله، وهكذا في كل أمر يمشي فيه المسلم لا بد أن يستعين فيه بمولاه حتى يقضيه بمعونة الله وتوفيق الله، ورعاية الله جل في علاه.

الصراط المستقيم

” اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ “ نطلب في كل صلاة وفي ركعة من ركعات الصلاة أن يهدينا الله إلى الصراط المستقيم، والصراط المستقيم جملة الأوامر والنواهي التي جاء بها شرع الله تبارك وتعالى.

فإذا أنا قلت في الصلاة: (اهدنا الصراط المستقيم) وبعد الصلاة مباشرة أتكلم مع جاري وأكذب عليه، فهل هذا من الصراط المستقيم؟ لا، أو بعد الصلاة أغتاب فلان، فهل هذا من الصراط المستقيم؟! لا، أو بعد الصلاة – وللأسف أحياناً تحدث في بعض المساجد – أشتم فلان، فهل هذا من الصراط المستقيم؟! لا، فالصراط المستقيم عالٍ وأنت تطلب به الهداية.

أهل الهداية والإنعام

” صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ “ تريد أن تكون كالذين أنعم الله عليهم، ومن هم؟ ” فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ” (69النساء) وانتبه أنت تدعو أن يهديك الله كهؤلاء حتى تدخل في قوله: ” وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ” (69النساء) فتكون رفيق لهم إن شاء الله في الدنيا والآخرة.

لكن الهداية العامة هي هدي الخلق كلهم إلى ما كلَّفهم به الله: ” وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ” (10البلد) ” وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى “(3الأعلى) فهي هداية عامة للخلق جميعاً، وهذا تكليف من الله.

من الذي يمرن الجنين وهو في بطن الأم على كيفية الرضاعة من الثدي؟ هل يأخذ دورة؟ لا، لأنها هداية ربانية، فعندما ينزل من بطن الأم يمسك بالثدي ويرضع.

الحشرات والحيوانات والطيور والأسماك وهذه الأشياء كلها، من الذي علَّمها كيف تحفظ تناسلها؟ وكيف تجلب أرزاقها؟ وكيف كذا وكذا؟ هداية من الله، قدَّر خلقهم وهداهم سبحانه وتعالى.

عندنا في نهر النيل سمك القرموط، يهاجر ويمشي في البحر الأبيض المتوسط ويعبر المحيط ويذهب لمكان محدد في أمريكا الجنوبية ليضع بيضه هناك، ويرجع والبيض يفقس، فمن الذي عرف أولاده الصغار الذين خرجوا من البيض بالطريق ويرجعوا مرة ثانية إلى النيل؟!! هذه هداية، ولكن هداية للخلق جميعاً.

لكن هدايتك التي تريدها هداية خاصة، وهي هداية لأهل العناية الذين أكرمهم الله بأعلى درجات القرب والولاية من الله سبحانه وتعالى، فتطلب من الله أن يهديك الصراط المستقيم، والطريق القويم الذي يوصل إلى هذه المنازل، وكل واحد على حسب ما ينويه، فيوجد من يدعي بالهداية ويريد أن ينجيه الله من النار، ويدخله الجنة مع الأبرار، وإذا صدق أفلح.

ويوجد من يدعو وهدفه أن يهديه الله عز وجل إلى طريق الأولياء الكُمَّل ليكون منهم والله أيضاً سيعينه ويهديه.

وواحد يطلب أن يهديه الله إلى معرفته عز وجل، فلا بد أن يكون لك وجهة عندما تسأل الله تعالى الهداية إلى الصراط المستقيم.

المغضوب عليهم والضالين

” غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ “ المغضوب عليهم هم الذين لا ييسر الله لهم السير على طريق شريعته، والضالين هم المشركون والكفار أجمعين

وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم:

{ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَرَأَ (وَلَا الضَّالِّينَ) قَالَ: آمِينَ، وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ }[21]

وكلمة (آمين) يعني اللهم استجب، فكأنك قرأت لقوله صلى الله عليه وسلَّم:

{ القَارِئ والمُستَمِع فِي الأَجْرِ شَرِيكَان }[22]

وفي الأثر: (الدَّاعي والمؤَمِّنُ شَريكانِ في الأجرِ) وماذا أيضاً؟ قال صلى الله عليه وسلم:

{ فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ }[23]

فضائل الفاتحة

شفاء من كل داء:

فضائل الفاتحة تحل مشاكلنا أجمعين، قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ }[24]

وهذا أول شيء، سواء داء ظاهر أو باطن، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

{ انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْقِي وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ، قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا، فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟! ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ }[25]

ما الذي فعله الرجل؟ قرأ الفاتحة، من الذي علَّمه؟ علَّمه الرحمن الذي علَّم القرآن، ويعلِّم أيضاً الصالحين: ” وَاتَّقُوا الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله ” (282البقرة).

الإمام القيم بن الجوزية له كتاب اسمه (زاد المعاد) يحكي فيه فيقول: كنت في مكة في زيارة للبيت الحرام، وتناوبت عليَّ أمراض كثيرة أعجزت الأطباء، فاحترت ثم تنبهت وقلت: عليك بفاتحة الكتاب، فأخذت أقرأ فاتحة الكتاب لهذه الأدواء المتنوعة، فشفيت منها جميعًا!.

فهل ستكلفنا شيء؟! سأذهب للطبيب، ولكن ماذا فيها لو أنني قبل أن أذهب للطبيب أن أضع يدي على نفسي سواء على رأسي أو على صدري وأقرأ الفاتحة سبع مرات؟! لن أدفع فيها شيء، وكذلك آخذ فيها الأجر والثواب، وأيضاً يكون فيها الشفاء من الوهاب تبارك وتعالى.

قضاء الحوائج:

الشيخ البوني رضي الله عنه صاحب كتاب (شمس المعارف) كان من كُمَّل الصالحين، وكتابه وُضع فيه أو دُسَّ فيه أقوال ليست له، وقد يكون بعضها مخالفًا لشرع الله تبارك وتعالى لنتنبه لهذا الأمر.

فيقول الرجل: أجمع العلماء العارفون على أن من قرأ سورة الفاتحة بين سُنَّة الفجر والإقامة واحد وأربعين مرة لأي أمر قضاه له الله، إن قرأها لمرض شفاه الله، وإن قرأها لتزويج زوَّجه الله، وإن قرأها لهمّ فرَّجه الله، وإن قرأها لأي كرب أزاله عنه مولاه، قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ }[26]

فهي معنا ولكن تحتاج حضور القلب وصفاء النية، فإذا قرأناها بحضور القلب وصفاء النية تحققت الأمنية، وإذا لم تتحقق الأمنية فأكون قد قرأتها وأنا مشغول.

الرجل الذي كان يدعو له سيدنا عمر لو حدث له أمر، فيقرأ الفاتحة وييسر له الله، وعندما انتقل سيدنا عمر إلى جوار الله، جاء بآخر وقرأ عليه الفاتحة، وأخذ يعيد ويزيد دون فائدة، فقال له: كان عمر يقرأها فيتيسر الأمر، قال له: الفاتحة واحدة ولكن أين عمر؟!.

الفاتحة واحدة في كتاب الله كله، ولكن المهم النَفَس الخارج من القلب الذي يقرأ الفاتحة ما شكله؟ وما إخلاصه؟ وما صدقه؟ حتى يستجيب الله عز وجل له، لأن الله يستجيب للمتقين.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلِّمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمنا، وأن يعلِّمنا علماً نافعًا، وأن يرزقنا قلبًا خاشعًا، ولسانًا ضارعًا، وبدنًا في خدمته تبارك وتعالى هينًا لينًا، وأن يوفقنا لنكون بكل أنفاسنا وأجسادنا وحركاتنا وسكناتنا وأموالنا في الله ولله على الدوام.

وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

[1] البخاري ومسلم عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه

[2] طبقات الشافعية الكبرى وآداب السامع للخطيب عن أبي هريرة رضي الله عنه

[3] طبقات الشافعية الكبرى وآداب السامع للخطيب عن أبي هريرة رضي الله عنه

[4] صحيح مسلم والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما

[5] البخاري ومسلم عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه

[6] سنن الدارمي وأبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه

[7] أورده الغزالي في البداية

[8] فوائد ابن شجاع عن ابن عباس رضي الله عنهما

[9] سنن الترمذي ومسند أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما

[10] صحيح البخاري وابن حبان عن ابن عمر رضي الله عنهما

[11] مسند أحمد والطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما

[12] مسند اسحاق بن راهوية عن أبي هريرة رضي الله عنه

[13] مسند اسحاق بن راهوية عن أبي هريرة رضي الله عنه

[14] رواه القرطبي في التذكرة، والسيوطي عن عائشة رضي الله عنها

[15] الطبقات الكبرى لابن سعد عن عائشة رضي الله عنها

[16] مسند أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه

[17] صحيح البخاري

[18] كشف الأستار للهيثمي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه

[19] صحيح مسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه

[20] جامع الترمذي ومسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه

[21] سنن أبي داود ومسند أحمد عن وائل بن حجر رضي الله عنه

[22] رواه الديلمي في الفردوس عن ابن عباس رضي الله عنهما

[23] صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه

[24] سنن الدارمي

[25] صحيح البخاري والنسائي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه

[26] سنن الدارمي

بيت داود – جرجا – سوهاج    الإثنين14 من ذي القعدة 1443هـ 13/6/2022م

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid