الحمد لله ربِّ العالمين، العليِّ عن الحركات والسكنات، المنزَّهِ عن الإدراك بجميع الأدوات والآلات، الذي لا يُدْرِكُ ذاتَه إلاَّ ذاتُه، ولا يَعْلَمُ كُنْهَهُ إلاَّ هُو، وأَمْرُهُ كما قال عن نفسه في كتابة الكريم: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [11الشورى].
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، قُربه مِنْ العرش كَقُرْبِهِ مِنْ الفَرْش، وقُربه إلى جميع الكائنات أقرب إليهم من أنفسهم، وأقرب إلى كلِّ إنسان من حبل الوريد. سبحانه .. سبحانه، لا يحيِّزه زمان، ولا يحيط به مكان، ولا يستطيع أن ينظر إلى نُورِ عظمته إنسان، ولا يستطيع أن يواجه تجلِّيَّات جماله وكماله وجلاله إنسٌ أو جان، إلا إذا أهَّله الله وأعطاه رحيق العناية من عنده جلَّ في علاه، فيعطيه نوراً من نوره يبصر به على قدره ما يستطيع أن يرى من صفات وأسماء ربِّه!!! وقد وعدنا الله عزَّ وجلَّ بذلك أجمعين في الدار الآخرة يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: {إنكم سترون ربكم يوم القيامة} . والله عزَّ وجلَّ عبَّر عن هذه الحقيقة فقال: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [22- 23القيامة].
اللهم اجعل غايتنا في الدنيا رضاك، وكلَّ أعمالنا الصالحة في الدنيا نُخْلِصُ فيها لعُلاك، ومتِّعْنَا يوم الدِّين بالنظر إلى جمال وجهك أجمعين، يا أكرم الأكرمين.
وأشهد أن سيدنا مُحَمَّداً عَبْدُ الله ورسولُه، رقَّاه مولاه وأعلاه، ورَفَعَ قَدْرَهُ على جميع أنبياء الله ورسل الله، بل وجعل مكانته أعلى في القَدْرِ من ملائكة الله، وكان المعراج إظهار لهذه الخصوصية، وبياناً لهذه الأفضلية. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا مُحَمَّد، العالي القَدْر، العظيم الجاه، واجعلنا أجمعين تحت لواء شفاعته في الآخرة يا الله، وأَحْيِنَا في الدنيا بالعمل بشريعته، وبمتابعة حضرته أجمعين. أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
دَرْسٌ عظيم يعلِّمه لنا الربُّ الكريم، فإن الله عزَّ وجلَّ يعلِّم كلَّ مؤمن أن يوجز في ألفاظه، وأن يختصر في كلماته، وأن يختزل في تعبيراته، على أن تكون جامعة لشتات أفكاره، وتَلُم كل ما يدور في صدور سامعيه، لأن هذه هي بلاغة الله التي يعلِّمها للمؤمنين جلَّ في علاه.
ولذا نجد الله عزَّ وجلَّ يذكرُ رحلة ربانية، أخذ فيها الحبيب من مكة إلى بيت المقدس، وصلَّى بالأنبياء، ثم عَرَجَ به إلى سماء تلو سماء، وعرض كلِّ سماء مسيرة خمسمائة عام- كما أخبر صلى الله عليه وسلم، وبَيْنَ كلِّ سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام، ثم وصل إلى سدرة المنتهى، ووقف الأمين جبريل، واخترق الحبيب صلى الله عليه وسلم بعد ذلك حتى كان قاب قوسين أو أدنى، ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ [10النجم].
هذه الرحلة بما فيها من معاني، وبما فيها من مناظر، وبما فيها من علوم، وبما فيها من اعتراض الأعداء الألداء والخصوم، والحُجَجِّ التي ينبغي أن يواجهون بها، كل ذلك جَمَعَهُ الله في آيةٍ من كتاب الله: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [1الإسراء]. هذا موجز الرحلة، ولنا تعليق خفيف لطيف على أجزاء هذه الآية، فيما نعبِّر به عن الرحلة، وفي الرَّد على حُجَجِ المعترضين على بعض أو كلِّ هذه الرحلة.
قد يخطر ببال البعض أن الله عزَّ وجلَّ فوق السموات السبع حتى يذهب إليه رسول الله!!! نفى الله عزَّ وجلَّ هذا الخاطر مِنْ أو كلمة في الآية: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى﴾. وكلمة (سُبْحَان): يعني التنزيه الكامل، نَزِّه ربَّك عزَّ وجلَّ عن الزمان وعن المكان، وعن الحيطة وعن الحيز، وعن العلو وعن الجهة، بل نزِّهْهُ عن التنزيه، لأنه ليس له نظير ولا مثيل ولا شبيه، وإنما: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [11الشورى].
إذا كانت الرحلة فوق السموات السبع ليُظهر كرامة هذا النبي وليُبيِّن قَدْرَ هذا النبيِّ على ما سواه من أنبياء الله، وعلى حتى ملائكة الله، وأنه بلغ في المستوى من الإكرام الإلهي، والتشريف الرباني، ما لم يبلغه نبيٌّ ولا وليّ، ولا صفيٌّ ولا مَلَك، فهو صلى الله عليه وسلم كما قال الله له: ﴿قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ [81 الزخرف]. هو أول العابدين لله عزَّ وجل.
قد يدهش البعض!! كيف تتحقق هذه الرحلة في هذه اللحظات القليلة، حتى أن رواتها قالوا إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجَعَ وفِرَاشُهُ دافئٌ لم يَبْرُد بعد؟!! هذا العجب قد يكون – إذا كان من الجنِّ أو الإنس، أو من الكائنات أو المخلوقات – لكن ما دام الذي قام بالمعراج هو ربُّ العالمين، فلا حرج على فضل الله، لأنه لا يُعْجِزُهُ شيء، وقدرته صالحةٌ لكلِّ شيء، ولذلك قال لنا: ﴿الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾.
مَن الذي أسرى بعبده؟ الله عزَّ وجلَّ، وما دام الإسراء منسوباً إلى حضرة الله، لابد أن نُوقِنَ ونُصَدِّقَ، لأننا نعلم أن الله على كل شيء قدير، ويملك مقاليد السموات والأرض، وقدرته صالحة لكل شيء، والله كما قال عن نفسه: ﴿بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾[54 فصلت].
اختلف الناس قديمًا وحديثًا – وزكَّى ذلك الملحدون والمستشرقون – هل كان الإسراء بجسده وروحه أم كان رؤيا منامية؟!! أبطلت الآية هذه الحُجَّةَ بكلمةٍ واحدة قرآنية: ﴿الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾. وكلمة (العبد): لا تقال إلا لجسدٍ فيه رُوح؛ فلو كان الإنسان رُوحاً فقط لقال: (أسرى بروح عبده)، ولو كان بغير روح نقول له: (جُثَّة)، نقول: (ميت). لكن كلمة (العبد): تقتضي أنه كان برُوحه وجسمه صلوات ربي وتسليماته عليه. ناهيك عن أنه إذا كان الإسراء بالرُّوح فَلِمَ الاعتراض عليه؟!! وأيُّ إنسان يستطيع أن يرى في منامه ما لا يستطيع أحدٌ إحصاؤه وعدُّه، ولا يعترض أحدٌ عليه لأنه رؤيا منام، لكن اعتراض الكافرين كان لأنه في اليقظة وبالرُّوح والجسم.
ناهيك عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بيت المقدس راكبا البراق، هل الرُّوح تركب؟!! وقُدِّم له شَرَابٌ وشربه!! ومرَّ على قافلة وشرب ماءهم، فلما جاءوا سألوهم: قالوا: كان معنا قِدْرٌ فيه ماء، فكشفناه فوجدناه قد نفذ منه الماء، ولم نعرف مَنْ شربه؟!! والرُّوحُ لا تشرب، والروح لا تركب، وإنما كان ذلك برُوحه وجسده صلوات ربي وتسليماته عليه.
في كَمْ ليلةٍ تَمَّ هذا الأمر؟ في كم شهر؟ في كم سنة؟ قطع الله عزَّ وجلَّ هذه الحُجَّة وجاء بلفظ (ليلاً)، يعني: في ليلة واحدة، يعني: في ظرف من ليلة، يعني: في وقت من ليلة، ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً﴾. يعني ليلة واحدة ذهب فيها وعاد فأخبر القوم بما يُستفاد أنه صلى الله عليه وسلم كان الذي تولَّى أمْرَه هو ربُّ العباد عزَّ وجلَّ.
مِنْ أين ذهب؟ وإلى أيِّ مكان ذهب؟ ﴿مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾.
ما حكمة هذه الرحلة؟ ولماذا أخذه الله عزَّ وجلَّ في هذه الفسحة الربانية؟ قال الله عزَّ وجلَّ مختزلاً ما لا يعدُّه العدُّ من الصحف، وما لا يستطيع إثباته الأقلام: ﴿ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾. ليرى من آيات الله؛ رأى آيات مُلكية – ليرى عالم الملك في الأرض، ورأى آيات مَلَكُوتية في ملكوت السموات، ورأى آيات جِنَانية – عندما دخل إلى الجنان، ورأى آيات تدل على العظمة الإلهية في عالم الجبروت الأعلى، عندما كان قاب قوسين أو أدنى.
كيف رأى هذه الآيات بينما سافر في الظلمات، والليل في السابع والعشرين من الشهر ليلٌ حَالِكٌ لا يظهر فيه أيُّ أثر، ولا يستطيع الإنسان النظر، كيف رأى؟ ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾. أعطاه الله سمعًا مِنْ سمعه، وبصرًا مِنْ بصره، لينظر إلى ما أباحه الله له من عالم الآيات، ويسمع إلى ما تعرض له من أصناف الملائكة والأنبياء والمرسلين والكائنات، فإذا كان الله عزَّ وجلَّ يقول في العبد الصالح من أمة الحبيب: (ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إلى مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحْبِبْتُه كنتُ سَمْعَهُ الذي يسمع به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ولسانَهُ الذي ينطقُ به، ورِجْلَهُ التي يمشي بها، ويَدَهُ التي يبطشُ بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه) . إذا كان هذا يحدث مع أيِّ عَبْدٍ يستقيم على منهج الخالق الكريم، فما بالكم بالرؤوف الرحيم صلى الله عليه وسلم؟!!!
فقد أعطاه الله سمعاً مِنْ جمال سمعه ليسمع به كلَّ الكائنات، وأعطاه نُوراً مِنْ نُورِ اسمه (البصير) لِيُبْصَرَ في الظلمات في الدنيا، ويبصر في الملكوت، ويبصر في الجنات، ويبصر ما لا تراه الأعين بالأحداق!!!
فسبحان الكريم الخلاَّق الذي علَّمنا جماعة المؤمنين كيفية الحديث!! وكيفية التحدث عن أيِّ أمر من أمورنا في الدنيا أو في الدين!!
فَإِنَّ الله عزَّ وجلَّ أمر المؤمنين أن يكون كلامُهم فَصْلاً، وأن يكون جَدٌّ وليس بالهزل؛ والمؤمن ليس يكثر من الكلام وإنما كلامه موزون بالحكمة، لأنه مشى على منهج الله عزَّ وجلَّ، وقال فيه الله: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ [24 الحج].
وما أحوجنا هذه الأيام إلى هذا الدرس العظيم، بعد أن كثر اللغط والكلام، إن كان في الفضائيات، وكثرت المقالات في الصحف والمجلات، وكثرت الشائعات في كل الأماكن والبقاع، وكثرت الأحاديث بين الناس فيما يفيد وما لا يفيد!!
والمؤمن قد أنبأ الله عزَّ وجلَّ عن وصفه الذي يحبُّه الحميد المجيد فقال فيه: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [1: 3المؤمنون]. فالمؤمن يُعرض عن اللغو بالكلية، وقد قيل في أصحاب رسول الله: إِنَّ سِرَّ نَصْرِهِمْ، وسِرَّ ائتلاف قلوبهم، وسِرَّ قوة جمعهم، (كانوا ينتقون الكلام، كما ننتقي أطايب الطعام).
كانوا لا يطلقون الكلام جذافاً، وإنما عن روية، وعن تدبُّر، لا يخرج الكلمة إلا إذا تأكد أنها ستكون في صحيفة حسناته، ولا يحرر له محضر عنها، ودعا النَّبِيُّ لمن كان على ذلك – نسأل الله أن نكون جميعاً أهلا لذلك، وأن ندخل في دعاء الحبيب – {رحم الله امرؤ قال خيراً فغنم، أو سكت فسلم} .
أو كما قال ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة. الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، الذي أكرمنا بِهُداه، وجعلنا من أتباع هذا النبيِّ الأمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ﴿يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ﴾ [222البقرة]. وأشهد أن سيدنا مُحَمَّداً عَبْدُ الله ورسولُه، إمام الأنبياء والمرسلين، والشفيع الأعظم لجميع الخلائق في أهوال يوم الدين. اللهم صلِّ وسلِّمْ وباركْ على سيدنا محمد، وآله الطيبين، وصحابته المباركين، وكل مَنْ تابعه على هذا الهدي إلى يوم الدين، واجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم أجمعين. أما بعد … فيا أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
الحمد لله مساجدنا معمورة بعباد الله المسلمين الطالبين لرضاء الله، لكن نحتاج إلى تذكير بالآداب التي ينبغي علينا أن نتجمل به في بيوت الله – خاصة في يوم الجمعة – فإن الله عزَّ وجلَّ جعل في يوم الجمعة لمن يدخل المسجد قبل أن يصعد الإمام على المنبر أجراً عظيماً كريمًا، يقول فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم: {من ذهب في الساعة الأولى كان كمن نحر بدنه – يعني جَمَلاً لله عزَّ وجلَّ – ومن راح في الساعة الثانية كان كمن نحر بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة كان كمن نحر كبشاً، ومن راح في الساعة الرابعة كان كمن ذبح دجاجة، ومن راح في الساعة الأخيرة كان كمن قدَّم بيضة} .
هذه لائحة المكافآت للذين يدخلون المسجد قبل صعود الخطيب على المنبر، أما الذين يدخلون بعد صعود الإمام إلى المنبر، لا يُكتبون في لائحة المكافآت، كل ما في الأمر أنهم لا تصدر عليهم لائحة الجزاءات، والجزاءُ لمن ترك الجمعة صعبٌ وثقيل، يقول فيه صلى الله عليه وسلم: {من ترك الجمعة تهاونًا بها أسودَّ ثُلُثُ قلبه، ومن ترك جمعتين تهاوناً بها أسودَّ ثلثي قلبه، ومن ترك ثلاث جمع تهاونًا بها أسودَّ قلبه} .
وأوصانا حضرة النبيِّ أن نتهيأ للجمعة، نغتسل ونزيل العرق، ونلبس أحسن ما عندنا من الثياب، ونتطيَّب ونغسل الفم بالسواك، ولا نأكل ما نؤذي برائحته المُصَلِّين: {من أكل ثومًا أو بصلاً فليعتزل مسجدنا} . يغسل فمه، ويُطهر جسمه من العرق ويلبس أحسن ما عنده ويتطيب، ولا بأس الآن أن يضع بخاخة الفم – ويوجد الآن بخاخة للفم في الصيدليات تذهب رائحة الفم – حتى إذا تجمَّعنا لا نتأذى من بعضنا.
وعهدة على القائمين على المسجد أن يجمرونه قبل الصلاة يوم الجمعة بالبخور، حتى يكون المكان طيِّباً. القادمون يكونون طيبين، ويكون يوماًطيِّباً لأنه عِيدٌ للمسلمين، وأمر الداخلين أن يجلسوا في الصفوف الأولى، ويبيِّن النَّبِيُّ فَضْلَهَا فقال في شأنها: {لو علمتم فضل الصف الأول لاستهمتم عليه} . يعني عملتم قرعة من أجل الجلوس فيه!! ومن جاء بعد ذلك أوصانا النبيُّ ألا يتخطى أعناق الجالسين حرصا على كرامة إخوانه المصلين، ولا يمر أمام المصلين قال صلى الله عليه وسلم: {لو يعلم المار أمام المصلي ما في مروره هذا، لآثَرَ أن يقف أربعين عاماً على أن يمر} . ولا يتخطى الرقاب.
وإذا جلسنا في بيت الله فبالسكينة والوقار، لا ينبغي أن نجلس نلعب في بيت الله أثناء الخطبة أو قبل الصلاة بالموبايل، ويجب أن يغلقه قبل الدخول إلى بيت الله، ولا يجب أن ننشغل بحديث، (لو قال المصلي لأخيه اسكت فقد لغى، ومن لغى فلا جمعة له) ، كلمة واحدة تجعله ليس له أجر في هذه الجمعة، يجب أن ينصت إلى الإمام وإلى الوعظ الذي يسمعه من الإمام.
وإذا كان عنده برد ويكثر من العطاس، ويكثر من إنزال الآثار من الأنف، عليه أن يتجنب الصوت حتى لا يؤذي مَنْ جنبه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم – وهو القدوة الأعظم – أن يضع الإنسان شيئاً على فمه وعلى أنفه عند العطاس حتى لا ينتشر الفيروس فيمن حوله، وحتى لا يشق هذا الصوت ويقلق من بجواره.
وإذا كان مع الأولاد الصغار يجب أن نحتضنهم وأن نعلمهم، فلا نسمح بدخول المسجد لأقل من سبع سنين، وإذا جاء ابن سبع سنين نعلِّمه أولاً الطهارة والوضوء وكيفية الصلاة وآداب الجلوس في بيت الله عزَّ وجلَّ، وإذا كان هذا الطفل كثير الحركة على وليِّه أن يجعله بجواره ليشرف عليه، حتى لا يتخلل الصفوف جرياً فيشغل المصلين، أو يلعب مع رفيق له ويشغل الراكعين أو الساجدين.
آداب عالية، وأسرار غالية، بيَّنها لكم سيد الأولين والآخرين، ختامها عندما ننتهي من الصلاة، ليس الذوق الرفيع أن ننصرف بسرعة من بين يدي الله وكأننا في سجن وفتح باب السجن فخرجنا منه، لابد أن نتأنَّى قليلاً لنختم الصلاة كما علمنا رسول الله، حتى نكون من الذين يقول فيهم صلى الله عليه وسلم: {سبع في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله أحدهما رجل قلبه معلق بالمسجد حتى يعود إليه} .
أسأل الله أن يُعلِّمَنَا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمنا، وأن يُعيننا على العمل بما علِمْنَا، وأن يرزقنا الفقه في الدين وإتباع سيد الأولين والآخرين، وأن يجعل نور الإيمان ظاهراً في قلوبنا، وأن يوظف جوارحنا في خدمته، وأن يجعل أبداننا كلَّها في طاعته، وأن يجعلنا في الدنيا والآخرة من أهل الاستقامة على شريعته، ومن أهل الحظوة الكبرى في جنته.
اللهم أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل زاهقاً وهالكاً وارزقنا اجتنابه. اللهم هيِّئنا لفعل الخيرات، وأعِنَّا على عمل المبرات، وكن لنا دائماً وأبداً معيناً على البرِّ والخير والطاعات، واحفظنا بحفظك من جميع المعاصي والذنوب والسيئات.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدعوات، يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك وهي ساعة إجابة أن تؤلِّف بين قلوب أهل وطننا أجمعين، وتَمْحُ العصبيات الشخصية والحزبية والعصبية عند المسئولين، وتوجِّه الجميع للعمل الصالح النافع لهذا الوطن، والرافع لشأن هذا الدين، وتجعل أهل مصر أجمعين أخوة متآلفين متعاونين متكاتفين عاملين بقول الله: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (2المائدة) في كلِّ وقتٍ وحِين.
اللهم أصلح الراعي والرعية، وارفع الخصومات والعصبية، واجمعنا جامعة وطنية إسلامية، واجعل أمرنا دائماً وأبداً في الخير وإلى الخير يا أكرم الأكرمين.
اللهم اهْلِكْ الكافرين بالكافرين، وطهِّرْ بيت المقدس وأرض فلسطين من اليهود الغاصبين، واجمع أهل الإسلام في كل زمان ومكان للعمل الرافع لأوطانهم ولهذا الدِّين.
عباد الله: اتقوا الله، ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [90 النحل].
اذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ خطبة الجمعة بمسجد النور بحدائق المعادى بالقاهرة 7/6/2013م