Sermon Details

6 مارس 2014
جـ1_الحلقة الأولى_شمائل النبى وجهه صلى الله عليه وسلم
ABOUT SERMON:
أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم الظاهرة[1]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذى شمل بجماله وكماله حبيبه ومصطفاه، وجعله صلى الله عليه وسلم أكمل الخليقة الإنسانية جسماً وقلباً وروحاً ومعنى، وأعلى الأنبياء و المرسلين شأننا وقدرا، اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد الذى كان قوله نور الجمال ووجه يضى بنور الواحد المتعال، وقلبه لا يغيب عن مولاه طرفه عين ولا أقل، صلى الله عليه و على آله وصحبه وكل من إهتدى بهداه إلى يوم الدين وعلينا معهم أجمعين ، آمين آمين يارب العالمين
إخوانى وأحبابى بارك الله عز وجل فيكم أجمعين ،
كنا قد إتفقنا سويا منذ ليلة ميلاد الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم أن نتناول ما تيسر من شمائله المحمديه وأوصافه النبويه التى جمله بها وكمله بها رب البريه عز وجل وقلنا أنه صلى الله عليه وسلم له وصف جسماني، وله وصف معنوي، وله صفاء قلبي، وله سبح روحي، وله تنزل قدسي، وكل ذلك من أوصافه صلوات ربي وتسليماته عليه، ونبدأ من ذلك بما تيسر من وصفه صلى الله عليه وسلم الحسي الجسدي، مع أنه رُوي أن أغلب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كثرة شخوصهم بين يديه، وجلوسهم دائماً وأبداً مستمعين إليه، إلا أنهم كانوا لا يستطيعون أن يُثبتوا أبصارهم في وجهه الشريف وينظروا إليه.
وناهيك في هذا المقام حتى الأبطال والصناديد والقادة في ميادين القتال الشداد، ومنهم عمرو بن العاص رضى الله عنه، فعندما حضرته المنية أخذ يبكي خوفاً من سوء الخاتمة، فقال له ابنه عبد الله وكان من العابدين: يا أبتاه مم تخاف؟! يكفيك أنك صحبت النبي صلى الله عليه وسلم وتمتعت بصحبته وشهدت جمال وجهه، فقال رضى الله عنه: هيهات هيهات، قد مات النبي صلى الله عليه وسلم وما استطعت أن أنظر إليه وأثبت بصري في وجهه حياءاً منه!!.
وكان صلى الله عليه وسلم كما رُوي عنه يُضرب به المثل في الحياء، فكان يُقال في شأنه:
{ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا }[2]
أي كالبنت البكر في سترها، وحرصها على أن لا يطلع أحد على أي شأن من شئونها!!.وكان حياءه من الله عظيماً، لقد كان صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يرفع نظره إلى السماء، إن كان في مشيه أو في جلوسه أو في صلاة حياءاً من الله جل وعلا.
وكان في حديثه مع الخلق كما رُوي عن حضرته لا يستطيع أن يُثبت بصره في وجه مُحدثه وهو يُحدثه من شدة أدبه وحياءه صلوات ربي وتسليماته عليه، وقد قال له الصديق الأعظم سيدنا أبو بكر رضى الله عنه متعجباً من هذه الأحوال العالية: يا رسول الله لقد طفت العرب، وذهبت إلى الفرس، وذهبت إلى الروم فلم أر مثل أدبك، فمَن الذي أدبك؟ فقال صلى الله عليه وسلم:
{ أدَّبَنِي رَبِّي فأَحْسَن تَأدِيِبي }[3]
صورة حُسنه صلى الله عليه وسلم
ولذا نجد أن من كان يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد في كتب الصحاح نفر قليل من الصحابة المباركين، ونحن نعلم أن صحابة النبي عندما ارتقى إلى الرفيق الأعلى مائة وأربعة وعشرون ألف صحابي، لم يستطع أن ينعته أو يصفه منهم إلا حوالي خمسة عشر صحابي فقط، والباقي لم يقو على ذلك، ولم يستطع ذلك !!! حتى قال الإمام القرطبي رضى الله عنه في كتاب الصلاة:
“لم يُظهر الله عز وجل لنا تمام حُسن حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم لأنه لو ظهر لنا تمام حسنه لما طاقت أعيننا رؤيته صلى الله عليه وسلم” فقد خلقه الله تعالى على أتم الصور الإلهية من قبل القبل إلى نهاية النهايات، حتى قال الإمام البوصيري رضى الله عنه:
فهو الذي تم معناه وصورته |
ثم اصطفاه حبيباً باريء النسم |
فاق النبيين في خَلقٍ وفي خُلُقٍ |
فلم يدانوه في علم ولا كرم |
وسيدنا حسان بن ثابت رضى الله عنه وقف يخاطبه فقال:
وأجمل منك لم تر قط عيني |
وأكمل منك لم تلد النساء |
خُلقت مبرءاً من كل عيب |
كأنك قد خُلقت كما تشاء |
وقال صاحب المواهب: “اعلم أن من تمام الإيمان به صلى الله عليه وسلم الإيمان بأن الله تعالى جعل خلق بدنه الشريف على وجه لم يظهر قبله ولا يظهر بعده خلق آدمي مثله”
فإذا كان الله عز وجل قال لنا وفينا أجمعين: { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } (3التغابن) فإن أكمل صورة كمَّلها الله وجمَّلها الله وصوَّرها الله وسوَّاها الله من البدء إلى نهاية النهايات هي صورة سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وأُقرِّب لكم الحقيقة، سيدنا يوسف بن يعقوب بن اسحق بن إبراهيم عليهم السلام يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم:
{ أُعْطِيَ يُوسُفُ شَطْرَ الْحُسَنِ }[4]
أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد أُعطي الحُسن كله، فالذي أُعطي شطر الحسن عندما هامت به امرأة العزيز، وعلمت أن نساء الوجهاء يتحدثن عنها ويخضن في عرضها جمعتهن في بيتها، وأحضرت لكل واحدة منهن طبقاً ووضعت فيه تفاحاً وسكيناً تُقطع بها التفاح وتأكله، وبعد أن وزعت عليهن الأطباق والسكاكين والتفاح وبدأن يُقطعن أذنت ليوسف أن يدخل عليهن، اسمع لوصف الله لهذا المشهد العجيب الغريب: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} (31 يوسف).
إذا كان النسوة لما رأين جمال يوسف قطعن أيديهن ولم يشعرن، وسال الدم منهن ولم يلاحظن ذلك، ويوسف أُعطي شطر الحسن، فما بالك بصاحب الحُسن كله وهو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!.وربما يسأل سائل: ولِمَ لَم يحدث ذلك لمن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فنقول: كان يوسف ظاهراً بالجمال الصرف، ولذلك حدث ماحدث للنسوة اللاتي رأينه، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان جماله مشوب بجلال، ولذلك قيل في وصفه: “من رآه بديهة هابه” فكانت شدة هيبته تمنع الناظر إليه من التثبت في رؤيته.
لم يستطع أن يصفه إلا قلة قليلة، بعضهم وصف شذرات من حلية حضرته، والذي وصف هيئته كلها ثلاثة نفر، الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه، وأم معبد التي نزل الرسول صلى الله عليه وسلم في خيمتها عند هجرته عندما وصفته لزوجها، وهند ابن أبي هالة ابن السيدة خديجة رضي الله عنها.
مواهب الصحابة الكرام
فإن أصحاب النبي أجمعين رضى الله عنهم وهبهم الله عز وجل مواهب متعددة، بها تم حفظ كتاب الله، وبها تم تسجيل حديث رسول، وبها تم حفظ دين الله ونقله إلى من حولهم ومن بعدهم من المؤمنين بالله، بهذه المواهب الإلهية التي خصهم بها الله.
فموهبة هند كانت في جودة الوصف، فيستطيع أن يصف الشيء الذي رآه وصفاً تفصيلياً دقيقاً لا يترك منه صغيرة ولا كبيرة، وهذه موهبة من الله عز وجل، وبعضهم كانت موهبته هي الفقه والفطنة لما لا يفطن إليه الآخرين من مسائل الدين، وبعضهم كانت موهبته جودة الصوت في ترتيل كتاب الله ليجذب بصوته وتلاوته حتى الكافرين والمشركين كأبي بكر الصديق رضى الله عنه، ومعظمهم كانت موهبته جودة الحفظ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزلت عليه آيات كتاب الله يقرأها ثلاثاً، منهم من يحفظ ما استمع إليه من أول مرة، ومنهم من يحفظه من المرة الثانية، وآخرهم من كان يحفظه بعد المرة الثالثة، ولا يوجد أحد بعد ذلك! مواهب ربانية جمَّلهم بها الحق ليبلغوا رسالات الله عز وجل إلى خلق الله{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (39 الاحزاب) جم غفير وليس واحد فقط.
وما أحب أن ألفت النظر إليه أن شباب الإسلام؛ حتى الذين تربوا في أحضان الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام كانوا في اشتياق دائم إلى رؤية الحبيب صلى الله عليه وسلم، ويبحثون عمن يصف لهم صورته الظاهرة حتى يتعلقوا بها، لأن هذا هو باب القرب من الله عز وجل:{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (21الأحزاب)، فذهب سيدنا الحسن رضى الله عنه إلى خاله هند بن أبي هالة، ويحكي هذا الأمر فيقول:
{ سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ التَّمِيمِيَّ وَكَانَ وَصَّافًا، عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ r وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ }[5]
يريد الوصف ليتعلق به، فإذا تعلق هذا الوصف في أفق الفؤاد ونام المرء صدَّقه الله في المنام وجاءه الحبيب زائراً له، ومنامه صلى الله عليه وسلم حقيقة:
{ مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ، فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُ بِي }[6]
يقول رضى الله عنه حتى نرى التنافس في الخيرات ورفعة الدرجات:
{ فَكَتَمْتُهَا الْحُسَيْنَ زَمَانًا، ثُمَّ حَدَّثْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ، فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مَدْخَلِهِ وَمَجْلِسِهِ وَمَخْرَجِهِ وَشَكْلِهِ فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا }[7]
إذاً هند بن أبي هالة، والإمام علي، وأم معبد؛ هؤلاء الثلاثة الذين لهم وصف جامع أو شامل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بقية أوصاف أصحابه الذين ذكرنا أن عددهم لا يزيد عن الخمسة عشر؛ فكانت جزءاً من وصف حضرته، ولكن ليس وصفاً كلياً أو وصفاً جامعاً أو وصفاً شاملاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
جمع الإمام الترمذي رضى الله عنه هذه الأوصاف كلها الواردة عن هؤلاء الأصحاب من كتب الصحاح في كتابه العظيم (الشمائل المحمدية) وهذا الكتاب يحتاج إلى شروح، لأن ألفاظهم ألفاظ عربية غير سهلة المدارك، ولذلك له شروح تزيد على الخمسين شرح، منها المطبوع، ومنها المخطوط، ومنها الموجود حالياً، ومنها الذي لا يُدرى ولا يُعلم مكانه، وله شروح عصرية شرحها بعض السادة المعاصرين، ولكنها معظمها شروح لغوية، تشرح معاني الألفاظ والعبارات الواردة عن الرسولصلى الله عليه وسلم، وأنا سأحاول أن أقرب الحقيقة للأحباب على قدر تيسير الله، وإلهامه، وإمدادات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس راءٍ كمن سمع.
تمام حسنه صلى الله عليه وسلم
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ليس بالطويل الزائد عن الحد، ولا بالقصير، بين الطول والقصر، وهذا يُسمَّى في لغة العرب (رَبْعة بين الرجال) ومع ذلك كان سيدنا عمر رضى الله عنه يقول: (ما مشى صلى الله عليه وسلم بين رجال إلا وكان أطولهم مهما كان طولهم) ويقول سيدنا أنس بن مالك رضى الله عنه: (ما جلس صلى الله عليه وسلم وسط قوم إلا كان أعلاهم أكتافاً مهما كان علوهم)
وكأن الله عز وجل أراد أن يُعلمنا أنه أعلى شأنه في الدنيا والآخرة، وفي كل أموره صلوات ربي وتسليماته عليه.
كان وجهه صلى الله عليه وسلم أبيض بياضاً مُشرباً بحمرة[8]، وهذا أفضل أنواع البياض، وهذا هو الوصف الذي ذكره صلى الله عليه وسلم لحور الجنة، أنهن على هذه الهيئة الطيبة العظيمة، بياض مختلط بحمرة.وأنتم تعلمون قدرة الله عز وجل في لون جسم الإنسان، ما الذي يُلون الإنسان؟ جريان الدم الذي يجري تحت الجلد هو الذي يُشكل لون الإنسان، فإذا مرض الإنسان وهرب الدم ظهر شكل الإنسان أصفر، وإذا غضب الإنسان واكفهر يميل لونه إلى السواد والزرقة … فالذي يشكل لون هيئة الإنسان هو الدم الذي يُجريه الرحمن تحت جلد الإنسان، ومن عجيب قدرة الرحمن عز وجل أنه يجعل هذا الدم يجري بمقدار لا يعلم مداه إلا الواحد القهار ليحافظ على هذا اللون للإنسان باستمرار حتى يخرج من الدنيا إلى دار القرار.
وكان صلى الله عليه وسلم مستدير الوجه، ولذا سُئل البراء بن مالك رضى الله عنه:
{ أَكَانَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ السَّيْفِ؟ قَالَ: لا بَلْ مِثْلَ الْقَمَرِ }[9]
ويقول أحد أصحابه الكرام:
{ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةٍ إِضْحِيَانٍ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِلَى الْقَمَرِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ فَإِذَا هُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنَ الْقَمَرِ }[10]
وليلة أضحيان هي ليلة الرابع عشر من الشهر الهجري، وكان صلى الله عليه وسلم عينيه بياضهما مُشرب بحمرة، وحدقة العين سوداء، ولكنه صلى الله عليه وسلم بهذه العين لم يكن ينظر كما ننظر، فنحن بعيوننا لا ننظر إلا في الضوء، والسيدة عائشة رضي الله عنها تقول في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم:
{ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرَى فِي الظَّلْمَاءِ كَمَا يَرَى فِي الضَّوْءِ }[11]
مع أن الكيفية العلمية لا تسمح بذلك، لكن الكيفية الإلهية تقول: لا حرج في ذلك، لا حرج على فضل الله عز وجل، بل إن هذه العين كانت ترى ما في الضمائر والسرائر كما ترى في الوجوه وما في الأفاق، فكان صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى بالقوم وانتهى من الصلاة يلتفت إلى مِن خلفه ويقول:
{ يَا فُلانُ، أَلا تَتَّقِي اللَّهَ؟ أَلَا تَرَى كَيْفَ تُصَلِّي؟ إِنَّكُمْ تَرَوْنَ أَنَّهُ يَخْفَى عَلَيَّ شَيْءٌ مِمَّا تَصْنَعُونَ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَى مِنْ خَلْفِي كَمَا أَرَى مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ }[12]
وفي رواية أخرى: { أَحْسِنُوا صَلاتَكُمْ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ خَلْفِي كَمَا أَرَاكُمْ أَمَامِي }[13]
وقد أضاف إلى هذا المعنى معنى أعمق وأوثق شيخنا الشيخ محمد على سلامة رضي الله تبارك وتعالى عنه فقال: لم يعني رسول الله بمَن خلفه الذي يقف خلفه في الصف، ولا مَن أمامه الذي أمامه في الحائط، ولكن كل مَن خلفه أي قبله من بدء البدء فقد رآه، وكل من بعده إلى فريق في الجنة وفريق في السعير فقد رآه.
أي أنه يرى كل من سبقه، ولذلك حدَّث عن الأنبياء، وعن المرسلين، وعن أممهم، وعما جرى لهم، وعما حدث لهم، والله عز وجل يقول له في ذلك: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} (1 – الفيل) وكما قال الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه: (ألم تر) استفهام تقريري، أى أنك رأيت ماذا فعل الله في أصحاب الفيل
{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} (45الزخرف) {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (82يوسف) اسأل الرسل، واسأل حتى القرية!!.
وكان صلى الله عليه وسلم يُحدث عن كل ما سيحدث بعده إلى يوم القيامة، بل يُحدث عن البرزخ وما فيه، ويُحدث عن القيامة وأهوالها ومواقفها، ويصف الجنة ونعيمها، ويصف النار وأهوالها لأنه أعطاه الله عز وجل عيناً من عينه، نظر بها إلى ما قبل القبل، وإلى ما بعد البعد صلوات ربي وتسليماته عليه.
وكان صلى الله عليه وسلم سهل الخدين[14]، أي منبسطين غير منتفخين، وفي هذا جمال وكمال لحضرته صلوات ربي وتسليماته عليه.
وكان صلى الله عليه وسلم محدودب الأنف، أي فيه طول من أعلى، ولكن أرنبته ليست بالطول الذي يُعاب، ولكنه الطول الذي يُحمد ويُمدح ويُثنى به عليه.
وكان صلى الله عليه وسلم ضليع الفم[15]، أي واسع الفم، وهذا شيء كان يتمدح به العرب لأنه يدل على الفصاحة.
ريقه شفاء
وكان صلى الله عليه وسلم ريقه فيه شفاء من كل داء، وفيه حدِّث ولا حرج، فتارة يشفي به من العين، ولذلك رُوي أنه صلى الله عليه وسلم بعد ولادته بأيام ولم يُتم أسبوعاً أصيب برمد في عينيه، وكان أحبار اليهود عندما علموا بقرب ظهوره جاءوا إلى الجزيرة العربية يرجون رؤياه، منهم من سكن بعرفات، ومنهم من سكن بالمدينة، ومنهم من سكن بخيبر، وكلهم جاءوا بحسب ما وجهت لهم التوراة ليتحققوا من أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ويروا حضرته، فحمله جده عبد المطلب وذهب به إلى الراهب الذي كان في عرفات، وكان يعالج من أمراض العيون، فلما نظر إليه قال: هذا دواؤه معه، خذ من ريقه وضع في عينيه يُشفى إن شاء الله، فأخذ من ريقه ووضع في عينيه فشفاه الله عز وجل.
ولذا عندما أحاط النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وهمَّ بفتحها، واستعصى الفتح على جيش المسلمين، حتى غروب الشمس، قال صلى الله عليه وسلم:
{ لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَتَطَاوَلْنَا لَهَا، فَقَالَ: ادْعُوا لِي عَلِيًّا، فَأُتِيَ بِهِ أَرْمَدَ، فَبَصَقَ فِي عَيْنِهِ، وَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَيْهِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ }[16]
هذا الريق كان يُحول الماء الملح إلى ماء عذب، وهذا حدث مراراً وتكراراً في مرات يعجز الحصر عن ذكرها؛ ذكرتها كُتب السيرة الصحيحة المعتمدة، فقد كان يأتيه العرب ومعهم أقداح، ويقولون يا رسول الله: إن لنا بئراً مالحاً فادعوا الله أن يجعلها عذبة، فيأمر صلى الله عليه وسلم بشيء من الماء في القدح، ثم يشرب منه ويتمضمض، ويُنزل الماء بعد المضمضة في القدح، ويقول: خذه وضعه في البئر، فيأخذون الماء ويضعونه في البئر فيتحول إلى ماء عذب بأمر الله عز وجل، قال علاء الحضرمي رضى الله عنه:
{ أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ مَجَّ فِي الدَّلْوِ ثُمَّ صَبَّ فِي الْبِئْرِ أَوْ شَرِبَ مِنَ الدَّلْوِ، ثُمَّ مَجَّ فِي الْبِئْرِ، فَفَاحَ مِنْهَا مِثْلُ رِيحِ الْمِسْكِ }[17]
وعن البراء بن عازب رضى الله عنه قال:
{ كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فَنَزَحْنَاهَا حَتَّى لَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَجَلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ وَمَجَّ فِي الْبِئْرِ فَمَكَثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ اسْتَقَيْنَا حَتَّى رَوِينَا وَرَوَتْ أَوْ صَدَرَتْ رَكَائِبُنَا }[18]
وما أكثر الآبار التي تحولت في المدينة ومكة والجزيرة العربية كلها من ريقه الشريف صلوات ربي وتسليماته عليه، ولعلنا نعجب جميعاً كيف تعيش دولة مثل الجزيرة العربية الآن وليس فيها أنهار ولا أمطار، ولا يوجد فيها إلا مياه الآبار، وماء الآبار قليل، ومع ذلك يكفيهم ولا يهتمون ولا يبحثون عن شيء؟! لأن هذا ببركة النبي صلى الله عليه وسلم لماء هذه البلدان، وإن كان صلى الله عليه وسلم بشَّرنا وإياهم ببشارة فقال صلى الله عليه وسلم:
{ لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا }[19]
سترجع أرض الحجاز خضراء وأنهار وحدائق جناء، لأن الدورة المناخية قد اقترب تحقيقها بالنسبة لمصر والسعودية إن شاء الله رب العالمين.
{ جَاءَتْ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ بَذِيئَةُ اللِّسَانِ قَدْ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْهَا، وَبَيْنَ يَدَيْهِ قَدِيدٌ يَأْكُلُهُ، فَأَخَذَ قَدِيدَةً فِيهَا عَصَبٌ، فَأَلْقَاهَا إِلَى فِيهِ، فَهُوَ يَلُوكُهَا مَرَّةً عَلَى جَانِبِهِ هَذَا، وَمَرَّةً عَلَى جَانِبِهِ الآخَرِ، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَلا تُطْعِمُنِي؟ قَالَ: بَلَى، فَنَاوَلَهَا مِمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَتْ: لا، إِلا الَّذِي فِي فِيكَ، فَأَخْرَجَهُ فَأَعْطَاهَا، فَأَخَذَتْهُ فَأَلْقَتْهُ إِلَى فَمِهَا، فَلَمْ تَزَلْ تَلُوكُهُ حَتَّى ابْتَلَعَتْهُ، فَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ تِلْكَ الْمَرْأَةِ بَعْدَ ذَلِكَ الأَمْرِ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْبَذَاءِة وَالذِّرَابَةِ }[20]
و أخبر جعفر بن محمود أن جدته عميرة بنت مسعود حدثته: { أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم هي وأخواتها وهن خمسة فبايعنه، فوجدنه وهو يأكل قديدا، فمضغ لهن قديدة، ثم ناولهن إياها فاقتسمنها، فمضغت كل واحدة منهن قطعة، قال: فلقين الله عز وجل ما وجدن في أفواههن خلوقا، ولا اشتكين من أفواههن شيئا }[21] بدون معجون أسنان، ولا أي معطرات، ولا حتى سواك، ولا أي شيء من هذا القبيل.
بل الأعجب من هذا أن رجلاً كان يُسمَّى عُتبة بن فرقد رضى الله عنه، تزوج أربع نساء، وكانت كل واحدة منهن تجتهد أن تشتري أفخر ما وسعها من العطر لتبدو أحسن عند زوجها، وهو لا يضع عطراً، وأخيراً اجتمعن وقلن له: يا عتبة نحن نشتري أفخر العطور، ونضعها، ولا نراك تضع عطراً، ومع ذلك لا نصل إلى الرائحة الطيبة التي نشمها منك، فمم ذاك؟ تحكي هذا الأمر إحدى زوجاته وهي أم عاصم فتقول:
{ كُنَّا عِنْدَ عُتْبَةَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ، مَا مِنَّا امْرَأَةٌ إِلا وَهِيَ تَجْتَهِدُ فِي الطِّيبِ لِتَكُونَ أَطْيَبَ مِنْ صَاحِبَتِهَا، وَمَا يَمَسُّ عُتْبَةُ الطِّيبَ إِلا يَمَسُّ دُهْنًا يَمْسَحُ بِهِ لِحْيَتِهِ، وَهُوَ أَطْيَبُ رِيحًا مِنَّا، وَكَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى النَّاسِ، قَالُوا: مَا شَمِمْنَا رِيحًا أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ عُتْبَةَ، فَقُلْتُ لَهُ يَوْمًا: إِنَّا لَنَجْتَهِدُ فِي الطِّيبِ، وَلأَنْتَ أَطْيَبُ مِنَّا رِيحًا، فَمِمَّ ذَاكَ؟، فَقَالَ: أَخَذَنِي الشَّرَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْتُهُ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَتَجَرَّدَ، فَتَجَرَّدْتُ، وَقَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَلْقَيْتُ ثَوْبِي عَلَى فَرْجِي، فَنَفَثَ فِي يَدِهِ عَلَى ظَهْرِي وَبَطْنِي، فَعَقَبَ بِي هَذَا الطِّيبُ مِنْ يَوْمَئِذِ }[22]
بل إنه ريقه صلى الله عليه وسلم كان شفاء وغذاء، فقد كان الحسن والحسين وهما صغار، عندما تغيب أمهما في حاجة، ويجوع أحدهما يضع النبي صلى الله عليه وسلم لسانه بين شفتيه فيبلع لسانه – يرضع لسانه – ويشبع بإذن الله عز وجل، ولا يحتاج إلى رضاع بعد ذلك!! واسمعموا :
{ عن أبي جعفر، قال: بينما الحسن مع رسول اللـه صلى الله عليه وسلم اذ عطش فاشتد ظمأه فطلب لـه النبي صلى الله عليه وسلم ماءاً فلم يجد فأعطاءُ لسانه فمصّه حتى روي.} ومرة أخرى الحسن والحسين معاً: فعن أبي هريرة قال: { أشهد لخرجنا مع رسول الله حتى إذا كُنا ببعضِ الطريق سمعَ رسولُ الله صوتَ الحَسَن والحُسَين وهما يبكيان وهما مع أمهما، فأسرعَ السَّيْرِ حتى أتاهما، فسمعته يقول: ما شأن ابنيَّ؟ فقالت: العَطَش، قال: فأخلف رسول الله يده إلى شَنَّةٍ يتوضأ بها فيها ماءٌ وكان الماء يومئذ إعذاراً والناس يريدون الماء، فنادى: هل أحد منكم معه ماء؟ فلم يبق إلا أحد أخلف يده إلى كَلالهِ يبتغي الماءَ في شنُّة، فلم يجد أحدٌ منهم قطرة، فقال رسول الله: ناوليني أحدهما فناولته إياه من تحت الحِذْر، فرأيتُ بـياض ذِراعيها حين ناولته فأخذَه، فضمَّهُ إلى صَدرِه وهو يضغو ما يَسْكت، فأدلع له لسانَه فجعلَ يمصُّه حتى هَدأ وسَكَنَ، فلم أسمع له بُكاءً، والآخر يبكي كما هو ما يسكت، فقال: ناوليني الآخر فناولته إياه، ففعل به كذلك، فسكتا، فما أسمعُ لهما صَوْتاً }[23]
ثم الحسن والحسن وأطفال رضع آخرين معهم، فقد ورد أنه: { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظِّمه (أى يوم عاشوراء) حتى إن كان ليدعو بصبيانه وصِبيان فاطمة المَراضع ذلك اليوم، فيتفلُ في أفواهِهم ويقول لأمهاتهم: لا تُرْضِعُوهُمْ إلى اللَّيْلِ، وكان ريقه يُجْزِئهم }[24]
إذاً حتى أوصافه البشرية فيها إعجازات ربانية، لا يستطيع أحد من البشر أن يصل إلى مداها، أو يبلغ منتهاها، لأن الله عز وجل خلقه على أكمل الصور البشرية الإنسانية صلوات ربي وتسليماته عليه.
ونكتفى بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن الذى نسأل الله عز وجل به أن يواجهنا هذه الليله بوجهه، و أن يرفع النقاب و الستر عن جماله ونوره وبهائه، وأن بتمعنا بضياء وجه وبنوره ، وأن يجلعنا من الذين يبشرون به، ويكونون فى الدنيا و الأخره ممتعين بجنابه محظين بنوره
وصلى الله على سيدنا محمد و على آله وصحبه وسلم
[1] المعادي – الخميس 6 من ربيع الآخر 1435هـ 6/2/2014م
[2] البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنهم
[3] أخرجه السمعاني في أدب الاملاء
[4] مسند أحمد والحاكم عن أنس رضى الله عنهم
[5] معجم الطبراني وشعب الإيمان للبيهقي عن هند بن أبي هالة رضى الله عنه
[6] صحيح مسلم وسنن الترمذي عن أبي هريرة رضى الله عنه
[7] معجم الطبراني وشعب الإيمان للبيهقي عن هند بن أبي هالة رضى الله عنه
[8] مسند أحمد عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه
[9] صحيح مسلم وسنن الترمذي
[10] سنن الترمذي والدارمي عن جابر بن سمرة رضى الله عنه
[11] دلائل النبوة للبيهقي
[12] مسند أحمد وصحيح ابن خزيمة
[13] مسند أحمد عن أبي هريرة رضى الله عنه
[14] الطبراني عن هند بن أبي هالة رضى الله عنه
[15] الطبراني عن هند بن أبي هالة رضى الله عنه
[16] مسند أحمد والحاكم عن سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه
[17] مسند أحمد وسنن ابن ماجة
[18] صحيح البخاري ومسند أحمد
[19] مسند أحمد وصحيح ابن حبانعن أبي هريرة رضى الله عنه
[20] معجم الطبراني عن أبي إمامة رضى الله عنه
[21] أخرجه أبو نعيم وأبو موسى عن عميرة بنت مسعود، معرفة الصحابة
[22] معجم الطبرني ودلائل النبوة للبيهقي
[23] تهذيب الكمال، والشريعة للآجرى عن أبى هريرة
[24] مجمع الزوائد، رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط عن عليلة عن أمها
ندوة دينية بعد صلاة العشاء بمقر الجمعية العامة للدعوة إلى الله بحدائق المعادى الخميس6/3/2014 الموافق 5 جماد الأول1435هـ