• Sunrise At: 6:05 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

24 يناير 2014

خطبة الجمعة_التأسى بأخلاق رسول الله سر صلاح المجتمع

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

♢❅• ❅♢♢❅• ❅• ❅♢♢ ♢❅• ❅♢♢❅• ❅• ❅♢♢ ♢❅• ❅♢♢❅• ❅• ❅♢♢

 

       الحمد لله ربِّ العالمين، جميلٌ يحبُّ الجمال، ويحبُّ في خَلْقِهِ من انطبع على الكمال وجميل الخصال، وينظر إلى خَلْقِهِ في شخص حبيبه ومصطفاه، وجعله النموذج الذي يحبُّه من خَلْقِهِ ويرضاه، ولذا أدَّبه على عينه، وكمَّله بذاته، حتى قال صلى الله عليه وسلَّم: (أدبني ربِّي فأحسن تأديبي)[1].

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، يُحبُّ مكارم الأخلاق، ومجامع الصفات، ولذا جعل الغاية من هذا الدِّين موجزةً في كلمتين من كلام سيد المرسلين، في قوله صلى الله عليه وسلَّم: (إنما بُعثت لأتمِّم مَكَارِمَ الأخلاق)[2].

وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسولُه، وصفيُّه من خلقه وخليلُه، أعلى الله عزَّ وجلَّ بين النبيِّين شأنه، ورفع في العالم الأعلى والأدني قَدْرَه، ووضَّح أنه له خصوصية إنفرد بها عن جميع النبيِّين والمرسلين والأولين والآخرين، فذكرها ليَحُضَّنَا على التنافس فيها فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4القلم).

اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارك على سيدنا محمد، الذي يسبق حِلْمُهُ غَضَبَه، وتسبق فرط رحمته شَدِيدَ غضبه حتى على الكافرين والنافرين. صلَّى الله عليه وعلى آله الرحماء، وصحابته النُبلاء، وكل من اهتدى بهديهم إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين، يا ربَّ العالمين.

إخواني معشر المسلمين:

إن الله عزَّ وجلَّ لم يترك شيئاً نصلح به شئوننا في الدنيا ونرفع به درجاتنا في الآخرة، إلا وبيَّنه لنا في القرآن، ووضَّحه جليًّا واضحاً في أفعال وأخلاق النَّبِيِّ العدنان صلى الله عليه وسلَّم، فلنا في القرآن بيانٌ إلهي، ولنا في حضرة النبي بيانٌ عملي، وماذا نحتاج بعد ذلك؟ ولماذا نشكوا بعد ذلك؟ والله يقول لنا أجمعين – في أي أمر، وفي أي شأن، وفي أي مُلمَّة، وفي أي مهمَّة، وفي أي شدِّة، وفي أي كرب: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ (21الأحزاب).

انظروا إلى هدى الرسول في هذا الأمر، وانظروا إلى فعل الرسول في هذا الشأن، وانظروا إلى بيان الرسول صلى الله عليه وسلَّم في هذه القضية، تجدون صورة واضحة لما يحبُّه ويرضاه ربُّ البرية، لأنه كان صلى الله عليه وسلَّم الصورة المُجَمَّلة بجمال الله، والمكمَّلة بما يحبُّه الله عزَّ وجلَّ ويرضاه.

نحن – والحمد لله معشر المسلمين – تأسينا على قدرنا في العبادات لسيد الأولين والآخرين، في الصلاة والصيام، والزكاة والحج، والسنن والنوافل، وقيام الليل وصلاة الضحى، وذكر الله وتلاوة كتاب الله، وهذا كلُّه بين العبد وبين مولاه يقول فيه الله جلَّ في عُلاه: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ (15الجاثية).

أنت تقوم الليل كلَّه، وتصوم الدهر كلَّه، هذا لا يجعلك تزهو علىَّ وتفتخر علىَّ، لأنك عملت ولكنك لم تضمن القبول ممن يقول للشيء كن فيكون، (والعَالِمُ يهتم بالقبول، والجاهل يهتم بالإقبال). أنت تقوم بالطاعات ولا تستطيع القيام بها إلا بمعونة من الله، ورعاية من الله، ومددٍ من الله، ولذا تقول في ركعة من ركعات الصلاة: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ (5الفاتحة).

إذا قطع الله عزَّ وجلَّ – لا قدَّر الله – عنك معونته، كيف تتعبَّد إليه بغير معونته؟!! إذا حرمك التوفيق فستضِّل الطريق!! مع أن الطريق واضحٌ وضوح الشمس في جبين النهار. فالطاعات تحتاج إلى توفيق الله ورعايته، فَلِمَ يغترُّ بها الطائع ويظن أنه خيرٌ من فلان؟!! وقد ضرب الله عزَّ وجلَّ لنا مثلاً قائماً إلى يوم الساعة، جعله الله حيًّا إلى يوم الدين عبرةً للأولين والآخرين، كما ورد في الأثر: (إبليس عَبَدَ اللهَ ثنتين وسبعين ألف سنة، ما في السماء موضع أربع أصابع إلا ولإبليس فيه سجدة لله عزَّ وجلَّ)، ولكنه بعد هذه الطاعة عندما رأى نفسه أنه مطيع، وظنَّ أنه خيرٌ مِمَّنْ أُمِرَ بالسجود له، وقال: (أنا خيرٌ منه)، قال الله تعالى له ليكون لنا فيه عبرة: ﴿اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ (18الأعراف).

وجعل الله عزَّ وجلَّ لكل مسلم عباداتٍ أساسية، وفرائض ربانية، في العلاقات الإنسانية، والأخلاق مع إخوانه المؤمنين وجميع البرية، وهي الأساس الذي ينبني عليه صلاح الأسر، وصلاح المجتمعات، وصلاح المدن والقرى والبيئات، وبها يظهر جمال الإسلام، وبها يشعر الخَلْقُ بكمال هذا الدِّين فيدخلون في دين الله أفواجا. هذه الأخلاق القرآنية هي لُبُّ هذه الديانة الإسلامية.

علينا جماعة المؤمنين أن نتأسى برسول الله في ذلك، ولا نستطيع في هذه العُجالة القصيرة أن نحيط ببعض أخلاقه، لكن نوجز طَرَفاً مِنْ خلقٍ واحدٍ من أخلاقه أمره به الله، فنفَّذَهُ بين خَلْقِ الله، وَعَلَّمَ عليه أصحابه عليهم رضوان الله عزَّ وجلَّ، قال الله له ولنا: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ (199الأعراف). تَخَلَّقْ بخلق العفو والصفح، ولا يكون العفو والصفح حقيقة إلا لمَنْ أساء إليك، لأنه يكون هنا في موضعه، وهذا ما كان عليه النَّبِيُّ، وما وُصف به النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلَّم.

كان النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم سائراً في المدينة يوماً بين أصحابه، وإذا برجلٍ من اليهود، عَالِمٍ من علمائهم يُسمَّى زيد بن سعنة، مشى خلفه، وسمع أناساً أسلموا حديثاً يهمسون في أذن الحبيب بأن بهم فاقة ويحتاجون إلى معاونته، فسأل بلالاً أمين خزائنه، فقال: ليس عندنا شيءٌ، فتدخَّل الرجل وقال: يا رسول الله، أنا أُسلفك تمراً إلى مدة كذا وكذا، فأرسل النبيُّ معه نفراً يكيلون التمر ويأخذونه إلى الأجل الذي اختاره لقضائه، وأعطاه لهؤلاء الفقراء المحتاجين.

وكان من خُلُقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم الكَرَمُ الواسع الزائد عن الحدِّ، فقد أتاه يوماً نَفَرٌ وسأل، فقال مَنْ عنده: ليس عندنا شيء، فقال للرجل: ابْتَعْ عليَّ – يعني: اذهب إلى الدكان وخُذْ ما تحتاج إليه، وعلى حسابي – فقال سيدنا عمر: لم يكلفك الله بذلك يا رسول الله. فَبَانَ في وجهه الغضب، وقال رجلٌ من الأنصار: أنفق رسول الله ولا تخشَ مِنْ ذي العرش إقلالاً، فسُرَّ وجهه واستنار، وتبَسَّم وقال: (بهذا أُمرت)[3]. يُكرم الضيف ويكرم الفقير، حتى ولو كان على حسابه من الحوانيت والدكاكين.

وجاء الرجل اليهودي زيد بن سعنة بعد حين، قبل الميعاد بأيام، والرسول يمشي بين أصحابه، وأمسكه من مجمع ثيابه عند رقبته، وجذبها بشدِّة وقال والجميع يسمع: إنكم يا بَنِي عبد المطلب قومٌ مُطل – يعني: أنتم مماطلون لا تدفعون الحقوق – وإنَّ لي خبرة بذلك. وتحرَّك عمر ورفع سيفه وقال: يا رسول إئذن أن أقطع عُنق هذا المنافق. ماذا قال الشفيق الرؤف الرحيم؟ (يا عمر، كِلانَا أولى بغير هذا منك، تأمره بحسن المطالبة، وتأمرني بحسن الأداء. يا عمر، خذه وأعطه ما له وزده عشرين صاعاً جزاء ما روَّعته)[4]، لأنه روَّعه بالسيف، فقال: زده عشرين صاعاً جزاء ما روَّعته. ثم قال للحاضرين: (إن لصاحب الحق مقالة)[5]. صاحب الحق له مقال.

فذهب عمر بالرجل ليعطيه حقه، وبعد أن أعطاه وزاده، قال: يا عمر أتدري مَنْ أنا؟ قال: لا. قال: أنا زيد بن سُعنة، قال: الحبر؟!! والحبر يعني عالم اللاهوت – قال: نعم. قال: فَلِمَ فعلت ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلَّم؟ قال: لأني تأكَّدت من أوصاف رسول الله الموجودة في التوراة، ولم يَبْقَ إلاَّ وصفٌ واحد أردت أن أتأكد منه اليوم. قال: وما هو؟ قال: لا يزيده جهل الجاهل عليه إلا حِلْماً.

مكتوبٌ في التوراة عن حبيب الله ومصطفاه: (لا يزيده جهل الجاهل عليه إلاَّ حلما)!! والعبارة كلها والبشارة كلها: (النَّبِيُّ الذي يأتي من بعدى اسمه أحمد، ليس بفظٍّ ولا غليظٍ ولا صخُّابٍ في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح)[6]. وأشهدك يا عمر أنِّي تأكدّت الآن أنه نبيُّ آخر الزمان وآمنت برسالته.

فكان النبي صلى الله عليه وسلَّم يحرص على العفو والصفح، وأنتم تعلمون أنه عفا عن الذين كذَّبوه وآذوه وأخرجوه من بلده – أهل مكة – عفواً جميلاً وقال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)[7]. وعفا عن المرأة اليهودية التي قدَّمت له شاةً مسمومة[8]، ورفض أن يُقيم عليها الحدَّ ويقتلها.

وباب العفو عند رسول الله لا نهاية له، ولكن ما أريد أن أقوله لنفسي ولإخواني: أنَّ الرسول حرص على هذا الخُلُقِ في أصحابه، والله عزَّ وجلَّ ربَّاهم على ذلك، فهذا الصديق كان يجلس في مجلسه وجاء رجلٌ يسبُّه ويشتمه، والنبيُّ جالس وأبو بكر صامت، فلما زاد الرجل عن الحدِّ أراد أبو بكر أن يدافع عن نفسه، فقام النَّبِيُّ مُسْرِعاً من المجلس، فمشي وراءه أبو بكر مسرعاً وقال: يا رسول الله لقد رأيت ما صنع، قال: (نعم، كانت الملائكة تجادل عنك وتدافع عنك، فلما تكلمت ذهبت الملائكة وحضرت الشياطين، ولا أجلس في مجلسٍ فيه شيطان)[9].

بل إن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلَّم عناية الله أعانته على تربية أصحابه على هذا الخلق الكريم. شهَّر المنافقون بابنة أبي بكرٍ زوجة النَّبِيِّ المحبَّبة إليه، السيدة عائشة، وكان أكثر المشنعين عليها رجلٌ ابن خالة سيدنا أبي بكر، وكان الذي يعوله ويطعمه ويكسوه ويبرُّه ويقوم بشئونه أبو بكر، فلما رأى ما فعل بابنته وتشنيعه عليها، عزم في نفسه أن يقطع عنه برِّه ومعونته، فعاتبه الله عزَّ وجلَّ وقال له ولنا أجمعين: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ (22النور). فقال أبو بكر: بلى يا ربِّ[10].

استوعب النصيحة وعفا عنه لله، لا خوفاً ولا لأمرٍ من أمور الدنيا، ولكن عفا عنه لله، لأنهم كانوا يريدون أن يكونوا على أخلاق حبيب الله ومصطفاه، ليُحْشَرُوا معه في الجنة إن شاء الله.

وإن الله عزَّ وجلَّ جعل المؤمنين درجات، فأهل اليمين الذين أخلصوا في العبادة لله أجمعين لهم الجنة إن شاء الله. لكن مَنْ يريد أن يكون من المقربين، وأن يكون في درجة واحدة في الدار الآخرة وفي الجنة مع سيِّد الأولين والآخرين، ماذا يصنع؟ يقول في ذلك حبيبُكم صلوات ربي وتسليماته عليه: (إن أقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، الموطأون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون)[11]. أو كما قال: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ربِّ العالمين، الذي أظهر دينه في أخلاق وأفعال وأحوال سيِّد الأولين والآخرين، وجعل على هديه الثُّلة المباركة من الصحابة والتابعين، والعلماء العاملين، والأولياء والصالحين إلى يوم الدين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يُحِبُّ الخير ويحُضُّ عليه، وينهي عن الشرِّ ويكافئ مَنْ تجنَّبه وتودَّد بتركه إليه عزَّ وجلَّ. وأشهد أن سيدنا مُحَمَّداً عَبْدُ الله ورسولُه، الرحمة التامة لجميع الأنام، والنعمة السابغة في الدنيا والآخرة للأولين والآخرين.


اللهم صلِّ وسلِّمْ وباركْ على سيدنا محمد وآله الحكماء، وصحابته الوجهاء، وكل مَنْ تبعهم على هذا الهدى إلى يوم الدين، آمين .. آمين، يا ربَّ العالمين.

إخواني جماعة المؤمنين:

وضع النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم لنا ضوابط في المُسميات الإسلامية، حتى لا نزِّل ولا نضِّل، ولا نحكم أحكاماً غير صحيحة، فوضع تعريفاً للمسلم حتى نعلمه جميعاً. مَنْ المُسْلِمُ؟ قال صلى الله عليه وسلَّم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)[12]. سَلِمَ المسلمون من لسانه، لا يكذب ولا يقول زوراً، ولا يسُبُّ ولا يشتم ولا يلعن، ولا يغتب ولا ينم، ولا يفعل أى عملٍ مزموم بلسانه، لأنه مشمولٌ بقول الله: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24الحج).

 ويسلم المسلمون من يده، فلا يسرق ولا يظلم ولا يعين ظالم ولا يقتل ولا يجرح ولا يُصوِّب سهماً أو رمية أو بندقية أو رصاصة إلى مسلم، لأن الله عزَّ وجلَّ جعل هذا الجُرم أكبر من فناء السماوات والأرض: (لزوال السماوات السبع والأراضين السبع أعظم عند الله من إراقة دم مسلمٍ بغير حق)[13].

أما المسلم في نظرنا الذي يقيم الليل ويصوم النهار ويحُج كل عام ويعتمر كل أسبوع أو كل شهر، إذا لم يكن معه فضائل الأخلاق ماذا قال فيه نبينا صلى الله عليه وسلَّم، قالوا: يا رسول الله فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها. قال: (لا خير فيها، هي في النار)[14].

إذن العبادة لا تنفع ولا ترفع، والإيذاء باللسان، فما بالكم إذا كان الإيذاء باليد؟!! إذا كان ترويعٌ للآمنين؟!! إذا كان إهلاكٌ للمسالمين؟!! إذا كان تيتمٌ لصبيان وفتيات المؤمنين؟!! إذا كان ترميلٌ للنساء المساكين؟!! أنترك جهاد اليهود ونجاهد في صفوف المسلمين، وندَّعي أن هذا هو الدين؟!! أيُّ دينٍ هذا؟!!

هل جهاد بيت المقدس أصبح في مصر؟!! وأصبح الذين يريدون تحرير بيت المقدس لابد وأن يبدأوا بمصر أولاً؟!! أيُّ جهاد هذا الذي يتحدثون عنه؟ وهل يؤيد الدين ذلك؟ ومن قال هذا؟ قال صلى الله عليه وسلَّم: (إذا كان آخر الزمان كثُر الهرج والكذب، قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل، قالوا: وما أكثر ما نقتل الآن ـ يقصدون القتل لنشر دين الإسلام ـ قال: ليس قتلكم الكفار، ولكن قتل بعضكم بعضا)[15]. وهذا الذي تنبأ به حبيبنا ونراه بأعيننا الآن ممن ينتسبون إلى الإسلام!!

(المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، عبادته بينه وبين مولاه لا نتدخل فيها لأن الله أعلم بالنوايا، وهو الذي يطلع على القلوب، لكن نتيجة العبادات تظهر في السلوكيات مع المؤمنين والمؤمنات، فإذا لم تؤدِ إلى النتيجة التي ذكرها النبيُّ فهي عبادة غير مقبولة عند الله عزَّ وجلَّ، وصاحبها مُغَرَّرٌ به أو مستدرجٌ به، لأنه خالف هدى حبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلَّم.

وسئل النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلَّم كذلك عن المؤمن فقال: (ليس المؤمن بطعَّان ولا لعَّان ولا فاحشٍ ولا بذيء)[16]. لا يخرج من لسانه إلا الطيب، ولا يخرج من جوارحه إلا كل فعل طيب، ولا يقدِّم لكل من حوله إلاَّ كلَّ طيِّب. ولذلك دخل الناس في عهد النبيِّ والخلفاء الراشدين ومن بعدهم في دين الله، لِمَ دخلوا في دين الله؟ أبالسلاح؟ كلاَّ والله، دخلوا عندما أُعجبوا بأخلاق المسلمين، وعندما استصوبوا ما عليه المؤمنون في معاملاتهم وفي تعاملاتهم وفي أخلاقهم مع المؤمنين وغير المؤمنين.

هذه النظرات النبوية لنا جماعة المؤمنين، لنحكم بما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، ونقدِّر الأمور قدرها، ونحاول أجمعين أن نتجمَّل بأخلاق النبيِّ بيننا وبين بعضنا، بالعفو والصفح والمسامحة، والمحبة والمودَّة والألفة، والشفقة والعطف والحنان، والتعاون على البِرِّ والتقوى، والتماسك والمساعدة على فعل الخيرات وعمل الصالحات، إذا كنا كذلك، فإنَّ الله سينظر إلينا نَظَرَ عطفٍ وحنان، يبدِّل حالنا إلى خير حال.

أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يصلح أحوالنا، وأن يذهب فساد نفوسنا، وأن يصفِّى قلوبنا، وأن ينزع الغلَّ والغشَّ والأحقاد من صدورنا، وأن يزرع الألفة والمودَّة والمحبة لبعضنا في قلوبنا، وأن يجعلنا أخوة متآلفين، متوادِّين متحابِّين على الدوام، وأن يطهِّر صفوف المسلمين في بلدنا وفي مجتمعنا مِنْ المنافقين، ومن المتربصين السوء بالمسلمين، ولمن ينوون الكيد بالمؤمنين، ومن الذين يريدون القضاء على هذا البلد وأهله ويروعونهم ولا يدعونهم آمنين.

اللهم أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل زاهقا وهالكاً وارزقنا اجتنابه.

اللهم سخِّرنا لأفضل الأعمال، وجمِّلنا بأحسن الأحوال، وكمِّلنا بحسن الإتباع لسيد الأولين والآخرين.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات يا ربَّ العالمين.

اللهم وَلِّ أمورنا خيارنا، ولا تولِّ أمورنا شرارنا، وأمسك بمقاليد الأمور في بلدنا لصلحائنا، الذين يخشونك ويحرصون على النهوض بالعباد والبلاد.

اللهم أيدهم بتأييدك، وجنِّد لهم جنودك، واجعل كلمتهم هي الغالبة، وخذ على أيدى الكافرين واليهود ومن عاونهم أجمعين.

عباد الله: اتقوا الله، ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ (90النحل).

اذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، وأقم الصلاة.

***************************           
[1] رواه ابن السمعاني في أدب الإملاء والاستملاء عن ابن مسعود رضي الله عنه،  ونسبه السخاوي في المقاصد للعسكري.
[2] مسند البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه، وعند الإمام أحمد عن ابن عباس: ( .. صالح الأخلاق).
[3] البزار والضيا المقدسي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
[4]   رواه الطبراني وابن حبان وصحَّح القصة الحاكم في مستدركه، وذكرها ابن القيم بطولها في زاد المعاد، وابن كثير في السيرة.
[5] البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يتقاضاه فأغلظ له، فَهَّم به أصحابه، فقال: (دعوه فإن لصاحب الحق مقالا).
[6] البخاري عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
[7] فتح الباري 8/18
[8] رواه ابن إسحاق في ” السيرة ” (4/31 – 32) ، وعنه الطبري في” التاريخ “
[9] كشف الخفا للعلوجي وفيه: (روى البغوي في شرح السنة بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، والبيهقي في الشعب).
[10] تفسير القرآن العظيم: تفسير سورة النور – تفسير قوله تعالى: (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين).
[11] مكارم الأخلاق للطبراني عن جابر رضي الله عنه.
[12] البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
[13] روان ابن حبان عن ابن عمر رضي الله عنه بلفظ: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حقٍّ).
[14] رواه البخاري في الأدب المفرد، وابن حبان، واحاكم،  وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[15] رواه أحمد وابن ماجة عن أبي موسى رضي الله عنه.
[16] البخاري في الأدب المفرد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
– 5 –          بنها ـ مسجد عبد المنعم رياض – الجمعة 24/1/2014 موافق 24 ربيع أول 1435

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid