• Sunrise At: 6:05 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

10 يناير 2014

خطبة الجمعة_رسول الله رحمة ً للعالمين

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

♢❅• ❅♢♢❅• ❅• ❅♢♢ ♢❅• ❅♢♢❅• ❅• ❅♢♢ ♢❅• ❅♢♢❅• ❅• ❅♢♢

الحمد لله ربِّ العالمين، خلقنا بفيض جوده ورحمته، وملأ قلوبنا بِمَنِّهِ – بهديه والإيمان به، وبرسله وبناره وجنته، ووفقنا بمعونته في الدنيا فجعلنا من أهل طاعته، ونسأله عزَّ وجلَّ أن يُثبِّتنا عند لقائه ويجعلنا من أهل جنَّته.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ملأ الوجودَ كلَّه عُلواً وسُفلاً بمظاهر قدرته، ودلائل حكمته، وجعل في كل شيءٍ خَلَقَهُ أثراً من آثار رحمته، وقال في ذلك عزَّ وجلَّ: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ (156الأعراف).

وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسولُه، وصفيُّه من خلقه وخليلُه، جعله الله عزَّ وجلَّ رحمة مُهداة، ونعمة مُسْدَاة، لجميع خلق الله ـ اللهم صلِّي وسلّمِ وبارك على سيدنا محمد الذي فطرته على خالص رحمتك، وملأت قلبه بالشفقة والحنان والعطف لجميع بريَّتك، وجعلته في الدنيا رَسُولَكَ إلي الأنام، وفي الآخرة شَفِيعاً للخلق أجمعين يوم الزحام، صلَّى الله عليه وعلى آله الأعلام، وصحابته البررة الكرام، وكل من اهتدى بهديه ومشى على دربه إلي يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين آمين يا ربَّ العالمين.

أيها الأخوة جماعة المؤمنين:  

ما أحوجنا في هذه الأيام والليالي – التي فيها ذكرى ميلاد سيِّد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلّم – أن يكون احتفالنا بحضرته بمطالعة سيرته، ومحاولة التَّخَلُّقِ بأخلاق عظمته التي وصفه بها الله عزَّ وجلَّ، فإن الله عزَّ وجلَّ لكي يُحدثنا في هذا النبيِّ الأمين، ويدعونا إلي التَّخَلُّقِ بِخُلُقِهَ الكريم، أثني عليه في القرآن – لم يُثنِ عليه في عبادته لله، مع أنه كان يقوم الليل إلاَّ قليلاً، وكان يصوم صيام الوصال، وكان لا يَغْفُلُ عن ذِكْرِ الله طرفة عينٍ ولا أقلّ، لا يقوم إلاَّ على ذِكْر!! ولا يجلس إلاَّ على ذِكْر!! ولا يتحرَّك إلا على ذِكْرٍ لله عزَّ وجلَّ.

ما أروع صفاته في السَّلْمِ وفي الحَرْب، وفي معاملة الخَلْق!! ولكن الله عزَّ وجلَّ جمع ذلك كله لنا فقال – مادحاً وداعياً إلي التأسي بحضرته: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4القلم).

فإذا بحثنا عن الأخلاق العظيمة في دُنيا الناس، نجد أعلى منها جميعها أخلاق سيدنا رسول الله، فهو فوق كل الأخلاق العظيمة، (عَلَى) من العُلُّو، فهو قد علا كلَّ خلقٍ عظيم تخلَّق به السابقين أو اللاحقين!!! وفي قراءة قرآنية واردة: (وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقِ عَظِيم)، (خُلُق) مضاف، و(عَظِيم) مضافٌ إليه، والعظيم هو الله، (وإنَّك لَعَلَى خُلُقِ عَظِيم)، يعني: أنت على أخلاق الله جلَّ في عُلاه. فهو صلى الله عليه وسلّم كان خُلُقُه ظاهراً وباطناً على أخلاق الله.

ولذا عندما ذهب الصحابي الجليل إلي السيدة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها يسألها عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقالت رضي الله تبارك وتعالى عنها: (ألست تقرأ القرآن؟! كان خلقه القرآن) (رواه الإمام مسلم عن سعد بن هشام). كان يتخلق بالأخلاق الكريمة التي أمر بها القرآن والتي وصَّانا بها الرحمن في محكم آيات القرآن، فالقرآن كلام الله والحبيب صلى الله عليه وسلّم هو البيان العملي المُفَصَّل لآيات كلام الله جلَّ في عُلاه.

وعندما تكلَّم الله عن بعثة حضرته .. لماذا أرسله إلي الخَلْق؟ قال الله موضحاً السبب والعلِّة في ذلك: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107الأنبياء). فهو رحمة لكل العالمين، و(العالمين) كما قال سلفنا الصالح: (كل ما سوى الله عزَّ وجلَّ فهو من العالمين)، إن كان من عوالم العُلو أو عوالم السُفل، فكل عوالم الله لها نصيبٌ من رحمة رسول الله في الدنيا والآخرة إن شاء الله.

ينبغي علينا جماعة المؤمنين في هذه الأيام المباركة – بل ما أحوجنا – إلي أن نتخلَّق برحمته، وأن تمتلئ قلوبنا بالشفقة والحنان والعطف على جميع الخلق، بل إن حنانه وعطفه وشفقته لم تقتصر على الإنس، بل كان رحمةً للحيوان، ورحمةً للطير، ورحمةً حتى لأعداء الله الكافرين في الدنيا، ورحمة للخلق أجمعين يوم القيامة.

فإن الله عزَّ وجلَّ عندما أرسله، كان قبل رسالته يُعذِّب الله عزَّ وجلَّ المكذبين من أمم النبيِّين والمرسلين، منهم من أغرقه الله، ومنهم من سلَّط عليه الريح، ومنهم من خسف الله به الأرض، ومنهم من أرسل عليه الصاعقة، كلٌّ أخذه الله عزَّ وجلَّ بِذَنْبِهِ. ولما بُعث صلى الله عليه وسلّم رفع الله عزَّ وجلَّ العذاب عن أهل الأرض جميعاً حتى الكافرين والمكذبين، عذاب الإستئصال، وهو أن يستئصل الله أمة ويقضي عليها قضاءاً نهائياً ولا يبقى لها أثراً في الوجود، رفع الله عزَّ وجلَّ هذا العذاب وقال في رفعه في نصَّ الكتاب: ﴿وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33الأنفال فرفع الله العذاب – حتى عن الكافرين رحمةً من الله بهم – بسبب سيِّد المرسلين وإمام النبيِّين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم.

أما نصيب أمته من رحمته – وهذا الذي نرجو معرفته والعمل به في حياتنا – فقد جعل صلى الله عليه وسلّم لأمته النصيبَ الأوفى من رحمة الله في الدنيا، فلم يشقَّ علينا في التكاليف، ولم يصعِّب علينا الطاعات، بل دائماً وأبداً يأمرنا باليُسر والتيسير، حتى أن الله عزَّ وجلَّ إكراماً لذاته صلى الله عليه وسلّم جعل هذه الأمة كلَّ أمورها مُيَّسرة، فعندما نزل قول الله عزَّ وجلَّ في شأن اللوم والعتاب والحساب: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ الله (284البقرة)، ضجَّ أصحاب النبيِّ وذهبوا إليه وقالوا: يا رسول الله سيُحاسبنا الله عزَّ وجلَّ على الخواطر التي في القلوب؟ وعلى الظنون التي في النفوس؟ فقال الرؤف الرحيم صلى الله عليه وسلّم: (لا تقولوا كما قالت اليهود سمعنا وعصينا، بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير). واتَّبَعوا نصيحته، وعملوا بمشورته، وقالوا: (سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)، فأنزل الله عزَّ وجلَّ تخفيفاً للأمة جميعها من الأولين إلي الآخرين: ﴿لا يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ (286البقرة) (رواه مسلم عن أبي هريرة، وأحمد والترمذي عن بن عباس رضي الله عنهم).

وجعل الله عزَّ وجلَّ أمر الإنسان في أمَّة النبيِّ العدنان خاصاً بهذه الأمة دون سائر الأمم، حتى قال الله عزَّ وجلَّ لنا ولكم في حديثه القدسي: (منْ همَّ بحسنة فلم يعملها، كُتبت له حسنة، فإن عملها كُتبت له عشر حسنات – ويضاعف الله لمن يشاء – ومن همَّ بسيئة فلم يعملها كُتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له سيئة واحدة – ويتوب الله عزَّ وجلَّ على من يشاء) (البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه). فإذا سولَّت النفس للمرأ بمعصية الله، ولم يأخذ ذلك إلي حيِّز التنفيذ بالجوارح، كتب الله عزَّ وجلَّ له حسنة، ومن نوى فعل معروفٍ لخلق الله، أو طاعةً لله ولم يستطع تنفيذها في ظاهرها – كتبها الله عزَّ وجلَّ حسنة، فكان قول الحبيب صلى الله عليه وسلّم في ذلك: (إنما العمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى) (متفق عليه).

جاء بالتيسير ولم يأتِ بالتعسير!! ولذلك تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (ما خُيِّر صلى الله عليه وسلّم بين أمرين إلاَّ اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً) (رواه أبو داود)، وكان يقول لدعاته: (يسِّروا ولا تُعسِّروا، وبشرِّوا ولا تُنفرِّوا) (أبو داود عن عبد الله بن قيس رضي الله عنه)، ويأمرهم بالتخفيف على الخَلْقِ، والتيسير على النَّاس في طاعة ربِّ الناس عزَّ وجلَّ، عملاً بقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (78الحج).

يسَّر لنا أمور الدين، ولم يحرمنا شيئاً من طيبات الدنيا إلاَّ ما فيه ضُّرُنا وما فيه شرٌّ لنا، لكنه أمرنا أن نأكل من طيبات ما رزقنا الله، على أن يكون ذلك من حلال أحلَّه الله، وعلى أن نشكر الله عزَّ وجلَّ بعد ذلك على ما أعطانا، لندخل في قول الله: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ (7إبراهيم). وأمرنا بالرحمة فيما بيننا، يرحم الكبير الصغير، ويُوقِّر الصغير الكبير، ويرحم الصحيح المريض، ويرحم الرجل المرأة – لأنها ضعيفة، وجعل الله عزَّ وجلَّ شعار هذه الأمة من البدء إلي الختام: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ (29الفتح) ـ

الشدَّة والغلظة والقسوة على الكافرين، لكن الرحمة واللين والتسامح والعطف والشفقة على المؤمنين – صغاراً وكباراً في كل بلد وفي كل واد – حتى ولو كانوا مذنبين، فعلينا أن نأخذهم بالحُسنى واللين لنردُّهم إلي طريق ربِّ العالمين عزَّ وجلَّ.

قيل لأبي ذرٍّ رضي الله عنه: إن أخاك فلاناً – أخاه في الله – قد وقع في الذنب، فماذا أنت فاعلٌ معه؟ قال: أرأيتم إن وقع أخٌ لكم في بئر، فماذا كنتم فاعلون؟ قالوا: نمُدُّ أيدينا إليه لننقذه من الغرق، قال: كذلك أخوكم إذا وقع في الذنب، تمُدوا إليه يداً لأنه يكون قريباً من إبليس فتُنقذونه من وساوس النفس، ومن هواجس إبليس، وتردُونه إلي طريق الله عزَّ وجلَّ.

فجعل الله عزَّ وجلَّ هذه الأمة أمة التراحم، وأمة العطف والحنان في كل أحوالها على الدوام، حتى كان العرب الغلاظ الشِّداد يتعجبون من الرحمة الفائقة التي يعلِّمها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم لأمته، فقد جاءه رجلٌ منهم – وكان له عشرة من الولد – ورأى النبيَّ يُقبِّل الحسن والحسين رضي الله عنهما، فقال الرجل: أتقبلون الصبيان؟ قال: نعم، قال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم قطّ، فقال صلى الله عليه وسلّم: (أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟) (البخاري عن عائشة رضي الله عنها (من لا يرحم لا يُرحم) (متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه).

وكان صلى الله عليه وسلّم يُصلِّي ويقول بعد الصلاة: (إنِّي لأصلي بالناس فأريد أن أطيل صلاتي، فأسمع بكاء الصبيِّ – الذي تصحبه أمُّه للصلاة – فأتجوَّز في الصلاة – يعني أسرع في صلاتي – من أجل بكاء هذا الصبيّ) (رواه أبو داود عن أبي قتادة رضي الله عنه بلفظ: “إني لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز كراهية أن أشق على أمه“).

وكان صلى الله عليه وسلّم يحرص كل الحرص على تفَّشي خُلُق الرحمة حتى في الحيوانات، فقد وجد قوماً يجلسون على ظهور الدواب ويتحادثون فيما بينهم وهي واقفة، فقال صلى الله عليه وسلّم: (اركبوها سالمة وذروها سالمة، ولا تتخذوا ظهور دوابكم كراسيٍّ، فرُبَّ محمولة خيرٌ من حامل وأكثر ذِكْراً لله عزَّ وجلَّ منه) (رواه أحمد والطبراني في الكبير عن معاذ بن أنس الجهني). نهى المؤمنين أن يحادثُوا على ظهور الدواب، بل عليهما أن ينزلا عند الحديث، فإذا إنتهى حديثهما رجعا إلي ظهورها مرةً أخرى حتى لا يُعذبا هذه الدواب.

ونهي عن إجاعة الدواب، ونهى عن عملها بعملٍ شاقٍ فوق طاقتها، فقال صلى الله عليه وسلّم (لا تُجيعوها ولا تحمِّلوها فوق طاقتها). وكان صلى الله عليه وسلّم يمشي ذات يوم قريباً من بستانٍ للأنصار وإذا بجملٍ يأتي مسرعاً إلي حضرته، ويزرف من عينية الدموع، فقال صلى الله عليه وسلّم: (من ربُّ هذا الجمل؟ – وربُّه أى: صاحبه – فجاء رجلٌ فقال: أنا، فقال صلى الله عليه وسلّم: ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا لي أنك تجيعه وتدئبه –أي: تحمِّله فوق طاقته) (الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما). ولذلك حافظ أصحابه الكرام على هذه الرحمة حتى في الحيوانات!! فهذا أبو ذرٍّ رضي الله عنه عند موته يلتفت إلي جمله ويقول: (أيها الجمل، لا تشكُني إلي ربك فإني لم أجيعك يوماً، ولم أحمِّلك فوق طاقتك). بل عند الذبح رأى رجلاً يُحمِّي سكيناً أمام ذبيحته، فانتهره صلى الله عليه وسلّم وقال: (أَفَلا قَبْلَ هَذَا؟ تُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَتَيْنِ) (رواه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما)

نهي أن يُحمِّي الإنسان المسلم السكين أمام ذبيحته، أو يذبحها أمام أخواتها، وأن تكون السكين سريعة في الذبح، وأن يسقيها الماء، وأن يضعها على جنبها الأيمن، ويُهدهد على نحرها قبل ذبحها، وأن يُسمِّي الله، لأنها إذا سمعت ذكر الله عزَّ وجلَّ لم تشعر بألم السكين عند ذبحها.

كان صلى الله عليه وسلّم رحمة تامّة للجميع في الدنيا، ورحمة وحريصٌ في الدار الآخرة، قرأ ذات يومٍ أخبار الأنبياء في كتاب الله، فقرأ ما قاله إبراهيم خليل الله عن أمته، وقرأ ما قاله المسيح عيسى بن مريم عن أتباعه الصادقين من أمته، فسأل الله، ورفع يديه ووجهه إلي السماء وقال: (يا ربِّ .. أمتي – وظلّ يُردِّد ذلك حتى نزل الأمين جبريل وقال: يا محمد إن الله عزَّ وجلَّ يقول لك: أبشر فإنا لا نسيئك في أمتك) (رواه مسلم عن بن عباس رضي الله عنهما – نزهة المجالس).

ومع ذلك ظلّ صلى الله عليه وسلّم يدعو الله لأمته، ويُكثر من الدعاء، ويُلِّح في تحقيق الرجاء، حتى أخذ وعداً من الله عزَّ وجلَّ – صريحاً – في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5الضحى)، أى: أن الله عزَّ وجلَّ سيعطيك في أمتك ما تطلب إلي أن ترضي، قال الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه: (ولن يرضي صلى الله عليه وسلّم وواحدٌ من أمته في النار). أى حتى الذين يدخلون النار سيشفع لهم عند الله، ويُديم الشفاعة إلى الله حتى يستخرجهم ويستنقذهم بعفوٍ من الله، واحداً وراء واحدٍ إكراماً لرسول الله، ولذلك يقول في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) (الحاكم في المستدرك عن أنس رضي الله عنه).

فطلب من الله عزَّ وجلَّ أن يُشَّفعه في أمته، وأن يجعل أمته من أهل النجاة يوم الدين، وألا يُسيئهم ولا يفضحهم ولا يخزيهم بين الخلائق. إبراهيم نبي الله وخليل الله كان يدعو لنفسه وليس لأمته ويقول: ﴿وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87الشعراء). والخزي يعني الفضيحة، لم يقل ولا تخزنا، ولكنه دعا لنفسه فقط لكن نبينا صلى الله عليه وسلّم وهو كما قال لنا الله في شأنه من حرصه علينا وشدِّة دعائه لله لنا، قال الله لنا في شأنه، وقال له ولنا معه: ﴿يَوْمَ لا يُخْزِي الله النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ﴾ (8التحريم).

لن يُفضح الله النبي ولا أمة النبي ولذلك كانت أمة النبي صلى الله عليه وسلّم لها معاملة خاصَّة عند الله يوم القيامة، الخلائق تُعامل أمام الكلِّ، وأمة النبيِّ يُعاملون معاملة خاصَّة يقول فيها صلى الله عليه وسلّم في حسابنا نتيجة لدعاء نبينا: (يدعو الله عزَّ وجلَّ أحدكم فيكلمه فيما بينه وبينه بغير ترجمان، ويدني عليه جلباب الكبرياء، ثم يُقرِّره بذنوبه، فيقول له: أنت فعلت هذا؟ يقول: نعم يا ربِّ، فيقول: من الذي سترها عليك في الدنيا؟ فيقول: أنت يا ربِّ، فيقول: أنا سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، أدخلوا عبدي الجنة برحمتي) (متفق عليه من حديث بن عمر رضي الله عنهما).

فيُعامل الله الخلائق بعدله، ويُعامل هذه الأمة بفضله. يُحاسب الخلائق – على القليل والكثير، والنقير والقطمير – أمام الخلق جميعاً والفضيحة عُظمى يوم الدين!! ويُحاسب الله عزَّ وجلَّ هذه الأمة حساباً يسيراً، يقول فيه الله عزَّ وجلَّ لنا: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16الاحقاف)،  قال صلى الله عليه وسلّم: (أنا أول الناس خروجاً إذا بُعثُوا، وأنا خَطِيبُهم إذا وفدوا، وأنا مُبشرهم إذا يئسوا، وأنا شَفِيعُهُم إذا حُبِسُوا، لواء الحمد يومئذٍ بيدي، والأنبياء جميعاً تحت لوائي، وأنا أكرم ولد آدم على ربِّي ولا فخر) (رواه الترمذي عن بن عباس رضي الله عنهما). أو كما قال، أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ربِّ العالمين، الذي أكرمنا بهذا الهُدى وهذا الخير في الدنيا والآخرة – لنا وللمسلمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجوا أن يُثبتنا الله عزَّ وجلَّ عليها يوم نلقاه، ويجعلنا في الدنيا والآخرة من عباده الصالحين.

وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله صاحب الخُلق الكريم، والهدى القويم، والشرع العظيم، والخير العميم، اللهم صلِّي وسلِّم وبارك على سيِّدنا محمد وارزقنا هُداه، ووفِّقنا لحُسْنِ متابعته في أخلاقه وفي هديه وسنته أجمعين يا الله.

أما بعد فيا أيها الأخوة جماعة المؤمنين:

ما أحوجنا في هذه الأيام وقد ظهرت الغلظة في التعاملات بين المسلمين، والقسوة في التعامل بين المؤمنين، ولا أدري لذلك سبباً إلا حبَّ الدنيا الذي حذَّرنا منه سيدنا رسول الله وقال في شأنه: (حب الدنيا رأس كل خطيئة) (رواه البيهقي في الشعب بإسناد حسن إلى الحسن البصري)

ألا نعلم يا أخوة الإيمان أن الأخلاق الكريمة تجعل المؤمن يوم القيامة يثقل ميزانه، وتكون درجته مع النبي الكريم!! فإن أكبر شيءٍ يُثقل الميزان – ليست العبادات، ولا الأذكار، ولا المجالس والمُدارسات – ولكنها كما قال صلى الله عليه وسلّم: (تجدون أثقل شيءٍ في موازينكم يوم القيامة خُلقٌ حسن) (رواه الترمذي عن أبي الدرداء بلفظ: “ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن“).

ما جزاء الخُلق الحسن؟ اسمعوا واعوا إلي قوله صلى الله عليه وسلّم حيث يقول: (إن العبد ليدرك بحُسن خُلقه درجة الصائم القائم المجاهد في سبيل الله يوم القيامة) (أبو داود عن عائشة رضي الله عنها) الصائم الدهر!! القائم أبد الآبدين!! المجاهد في سبيل الله!! ينال كل هذه الأمور بحُسن خُلقه مع خلق الله.

أما إذا كان الإنسان جادَّاً ومجتهداً في العبادات ولكنه فظٌّ غليظٌ في معاملاته مع خلق الله، وهذا نموذج يقول فيه صلى الله عليه وسلّم عندما سئل: إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال صلى الله عليه وسلّم: (لا خير فيها هي في النار) (رواه أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه). تؤذي جيرانها بلسانها!! فما بالكم لو كان الإيذاء باليد؟!! فما بالكم إذا كان الإيذاء بسلاح؟!! أو كان الإيذاء باعتداء أو عُدوان؟ كونها تؤذي جيرانها بلسانها – كسَبٍّ، أو شتمٍ، أو لعنٍ، أو غيبة أو نميمة، أو تشنيعٍ – يجعلها في النار مع كثرة عبادتها وصيامها وقيامها لله، هلاَّ يقيِّها ذلك يا جماعة المؤمنين؟

رسولكم الكريم صلى الله عليه وسلّم وهو يقول: ( أنا نبي الرحمة) (رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، والترمذي عن حذيفة رضي الله عنه) – أخبرنا أن امرأةً تدخل الجنة – مع عصيانها – برحمة، وامرأة تدخل النار للإساءةٍ لقطة لإنعدام خُلُق الرحمة، فيقول صلى الله عليه وسلّم: (دخلت امرأة النار في هِرِّة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خُشاش الأرض) (رواه مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما). ويُخبر أن زانية وجدت في الصحراء بئراً فيه ماء، ووجدت كلباً في الصحراء يلهث من شدة العطش، والماء في قعر البئر لا يستطيع أن ينزل ليشرب، فنزعت خُفَّها وملأته بالماء وأمسكته بفمها حتى خرجت وسقت الكلب، قال صلى الله عليه وسلّم: (فشكر الله لها فأدخلها الجنة) (في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه).

هل رأيتم مثل هذا الدين في الخُلق الكريم؟ وفي العطف على كل كائنات الله ومخلوقات الله عزَّ وجلَّ؟!! إذا كان الذي يعطف على الكلب يدخل الجنة، فما بالكم بالذي يعطف على الفقير؟! ويعطف على الضعيف؟! ويعطف على المسكين؟! ويعطف على من لا حول له ولا قوة ولا طول؟! إن هذا لا يستطيع أحدٌ من الأولين ولا من الآخرين أن ينعت أو يصف ما له من الأجر والثواب عند الله عزَّ وجلَّ.

دعا نبيُّكم صلى الله عليه وسلّم إلي الرحمة، وجعلها سبب صلاح الأحوال – إذا أردنا أن يصلح الله أحوالنا، وأن يُذهب الضُّرَّ عن بلدنا وعن ديارنا، وأن يرفع الله البلاء والغلاء عن شعوبنا، بماذا ندعوا؟ قال صلى الله عليه وسلّم: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) (رواه البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما).

لا نحتاج إلي دعاء، ولكن نحتاج إلي تغيير السلوك في الخلاف مع بعضنا جماعة المؤمين، أن نتراحم فيما بيننا، وأن يكون العطف والشفقة والمودَّة هي أساس التعاملات كلها فيما بيننا، فإذا كان في البيع والشراء: (رحم الله عبداً سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا باع، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى) (رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه)، أين هذا الرجل السمح الآن؟ ينبغي أن يكون كل مسلمٍ.

دعا النبيُّ صلى الله عليه وسلّم بالرحمة لأنها سبب رحمة الله فقال: (الراحمون يرحمهم الرحمن) (جامع الترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما). لن يرحم الله عزَّ وجلّ هذه الأمة ويُغيِّر أحوالها إلا إذا تراحمنا فيما بيننا، وجعلنا الرحمة هي الأساس الذي تقوم عليه حياتنا، وقمنا ناشرين بالرحمة التي جاء بها ديننا والتي كان عليها نبيُّنا، فما أحوجنا إلي توزيع الرحمة الآن مع توزيع الحلوى. الحلوى يأكلها الإنسان وتذهب إلي حيث ندري جميعاً، لكننا نريد في هذه الأيام الكريمة أن نُوزِّع الرحمة على المؤمنين، أن نعيد الأخلاق الطيبة التي وجدنا عليها آباءنا وسلفنا الصالح، وهجرها شبابنا وتركها رجالنا ونساؤنا.

لقد وجدنا جميعاً في بلادنا أخلاق الإسلام موجودة بين آبائنا – مع أنهم كانوا أُمِّيِّين لا يقرأون ولا يكتبون – ماذا حدث لشبابنا ومعهم الرسالات الجامعية، والدرجات العلمية؟!! ولكنهم تخلوا عن الأخلاق الإسلامية والوصايا القرآنية!! فمنهم من يتكبَّر على مثل أبيه – مع أنه لا يمُدُّ يده إلي جيبه ويأخذ ما فيه!! هب أنك أغني أغنياء الأرض، لكن غناك لنفسك، لكن الناس في حاجة إلي معاملة طيبة منك، لا يحتاجون إلي مالك، لكن يحتاجون إلي معاملتك الطيبة، يحتاجون إلي البسمة في وجهك، يحتاجون إلي الكلمة الطيبة من لسانك، وشعار المؤمن: (المؤمن بسَّامٌ لين في القول).

 كان صلى الله عليه وسلّم – كما يقولون في شأنه: كان بسَّاماً على الدوام، ليناً في كل قولٍ يقوله للأنام، لم يكن غليظاً في القول، ولا فاحشاً في الألفاظ، وإنما يختار الألفاظ التي تدخل إلي القلوب، وتجعلها تميل إلي دين حضرة علاَّم الغيوب عزَّ وجلَّ.

نسأل الله عزَّ وجلَّ في هذه الليالي والأيام المباركة أن يحسّن أخلاقنا، وأن يُطهِّر نفوسنا، وأن يُصفِّي قلوبنا وأن يغير حالنا إلي أحسن حال.

اللهم أدبنا بأدب القرآن، وأرزقنا حسن المتابعة للنبي العدنان، واجعلنا نتأسى بهدية وسيرته وأخلاقه في كل وقتٍ وآن. اللهم انظر إلينا نظر عطفٍ وشفقةٍ وحنان تغيِّرُ به حالنا إلي أحسن حال.

اللهم إنا قد سئمنا ممن نراه وما يحدث بيننا، فغيِّر حالنا إلي حال نبينا وصحابة نبينا، واجعل أهل مصر دائماً وأبداً عاملين بكتاب الله، منفذين لسنة رسول الله، منظورين بالخير منك أنت وحدك يا ألله، واغننا بخيرك وبرِّك عن جميع الأمم يا أكرم الأكرمين.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ مجيب الدعوات يا أرحم الراحمين.

اللهم ولِّي أمورنا خيارنا ولا تولي أمورنا شرارنا، وأصلح أئمتنا وحكامنا، وحكام المسلمين أجمعين. اللهم اجعل هذا البلد بلداً آمناً مطمئناً سخاءاً رخاءاً دائماً أبداً يا أكرم الكرمين.

عباد الله: اتقوا الله، (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (90النحل).

اذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، وأقم الصلاة.

*********************

خطبة الجمعة بالمسجد الكبير – ميت حواى – الجميزة- غربية 10/1/2014 الموافق 9 ربيع الأول 1435

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid