سؤال: كيف تتأهل القلوب والأجسام لاستقبال شهر رمضان؟
—————————
التأهل لشهر رمضان تأهلٌ ظاهر وتأهلٌ قلبي، التأهل الظاهر أنني أجهِّز القوت الضروري الذي لا غنى لي عنه أنا وأولادي للفطور وللسحور، ليس لي علاقة بالكماليات كالياميش وما شاكل ذلك، ولكن أتكلم عن القوت الضروري: ﴿وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾[31الأعراف].
أما التأهل القلبي أن أجهِّز نفسي؛ بمعرفة أحكام الصيام، وكيفية القيام، ولا ننتظر حتى يأتي أول رمضان ونقول نريد أن نعرف أحكام الصيام!! لا، ولكن المفروض قبل الدخول في العمل نأخذ الدرس النظري ونطبق بالعمل ما درسناه نظرياً من أحكام الصيام، وإذا حدث عندي شيء فيه لبس أو التباس علىَّ بالسؤال: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾[43النحل].
كذلك ينبغي عَلَى مَنْ لَا يتقن تلاوة القرآن أن يعمل قبل رمضان على إجادة تلاوة القرآن، لكي يقرأ القرآن قراءة صحيحة عند دخول شهر رمضان كما أُنْزِلَعلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾[195الشعراء]. صحيح أن مَنْ يقرأ القرآن ويُتعتع له أجران كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف[1]، لكن الذي يقرأه وهو ماهرٌ فيه يكون مع الكرام السفرة البررة، مع ملائكة الله عزَّ وجلّ فأكون في الدرجة الأعلى. كذلك يجب أن نرفع كل ما يتعلق بالخلق ونجعل القلب كما أنزله الله وقال فيه في كتاب الله: ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.[89 الشعراء]. مثلاً لو أبي وأمي غَضبا مني قليلاً، أذهب لأرضيهم حتى لا يدخل علىَّ رمضان وأنا عاقٌّ، لأن العاقَّ حتى ولو صام فلن يُقبل منه الصيام.
بيني وبين جيراني خلافاً فأسارع لإنهاء هذا الخلاف قبل رمضان، بيني وبين أحدٍ من خلق الله خلاف، أصفِّي هذه الخلافات بحيث يدخل علىَّ رمضان والقلب معلقٌ بالله وليس هناك شائكٌ أو عائق يعوقني عن الله عزَّ وجلَّ.
هذه الأمور صعبة على النَّفْسِ، ولكن هذه الأمور وصَّى بها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فقد ورد عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: {أَوْصَانِي خَلِيلِي أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعِ خِصَالٍ، فَلَنْ أَدَعَهُنْ حَتَّى أَلْقَاهُ، أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَمُجَالَسَتِهِمْ، وَأَنْظُرُ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي، وَلا أَنْظُرُ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي، وَلا أَسْأَلُ النَّاسَ شَيْئًا، وَأَنْ أَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي، وَأَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي، وَأَنْ أَقُولَ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ أَمَرَّ مِنَ الصَّبْرِ، وَلا تَأْخُذُنِي فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، وَأَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بِاللَّهِ}[2].
وأكرم الخصوصيات التي خصَّ بها الله حبيبه ومصطفاه هي قول الله: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾[199الأعراف].
إذن يجب أن نُجهِّز أنفسنا قبل رمضان بأن نعفو عمَّن أساء إلينا، ونصفح الصفح الجميل عمَّن ظلمنا. وما الصفح الجميل؟ يعني لا أعاتبه ولا أعايره، لكن أعفو عنه لله، ولا أذكر هذا الأمر له ولا لأحدٍ من خلق الله، فمن يفعل ذلك إن شاء الله فسيكون تأهل لرمضان ويكون إن شاء الله من الذين يترشحون لليلة القدر وله جائزة كُبرى من الله، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن نكون منهم أجمعين.
************************
[1][1] روى الإمام مسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: (الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ).
[2] مسند الإمام أحمد وسنن البيهقي وصحيح ابن حبان عن أبي ذر رضي الله عنه.