• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:59 PM

Sermon Details

7فبراير 2016

أهل الإيمان الحق

,

شارك الموضوع لمن تحب

•┈••❅♢♢• ❅♢❅♢✿♢❅♢❅• ❅♢♢• ❅♢••┈•

فضيلة الشيخ فوزي محمد أبو زيد

درس الظهر ـ الحاج على طايع ـ نجع الطوايع

يوم الأحد 7/2/2016 موافق 28 ربيع آخر 1437 هـ

(أهل الإيمان الحق)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أنزل علينا من بيان القرآن ما هو شفاءٌ لنا وللمؤمنين أجمعين من داءٍ يشغلنا ويهمنا في هذا الزمان.

والصلاة والسلام على نبي الهُدى والرشاد الذي جعل الله عز وجل طاعته عين طاعة الله، وقال لنا في شأنه:

“مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله” (80النساء).

سيدنا محمد المبلِّغ بالله عن الله والذي نزَّه الله لسانه عن الهوى:

“وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى” (4) (النجم).

صلى الله عليه وعلى آله الكرام وعلى صحابته أُولي الهمم العظام وكل من تبعهم على هذا الهدى والرشاد وعلينا معهم، واجمعنا وإياهم أجمعين في مستقر رحمتك في دار السلام آمين يا رب العالمين.

نحن مطالبين أجمعين بالتدبر والتذكر والتفكر في كتاب الله، ولا يوجد مؤمن له إعفاء من هذه القضية الربانية:

“كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ” (29ص).

أنزلنا هذا الكتاب لماذا؟ ليتدبروه ويفقهوه ويعلموا مراد الله عز وجل فيه، ونسمع الآيات مراراً وتكراراً لكن لابد أن نعرف شيئاً ولو قليلاً من معناها، فلا يوجد أحدٌ من الأولين والآخرين يحيط بمعاني كلام الله، ولكن كلٌ يعبِّر على قدره بما شرح الله عز وجل صدره.

هذه الآيات نزلت عقب غزوة بدر، وغزوة بدر كانت أول غزوة في الإسلام بين المسلمين وأهل مكة من الكافرين الذي هم قريش ومن يتبعها ـ ولن أسوق الواقعة لأنكم تعلمونها ولكن نريد أن نأخذ صورة سريعة لأسباب نزول هذه الآيات.

خرج النبي صلى الله عليه وسلَّم ومعه ثلاثمائة وتسعة من صحبه الكرام، فكانوا يقصدون قافلة تجارية لقريش تعوِّضهم ما استلبوه من أموال المسلمين في مكة، فقد استولوا على دورهم، وعلى تجارتهم في مكة، وعلى أموالهم، ولم يسمحوا لهم بالخروج منها بشيئ، وهم أرادوا ذلك والله عز وجل أراد شيئاً آخر ولا يكون إلا من يُدبره من يقول للشيئ كن فيكون، وهذه تعلمنا أول شيئ.

أنت في التدبير والرب في التقدير ولا يحدث لك ولا لمن حولك إلا ما يقدره اللطيف الخبير عز وجل، فهل لا ندبر؟ لا ندبر ولكن نرضى بما قسم الله لنا إذا جاء خلاف تدبيرنا:

(إرضى بما قسم الله لك تكن أغنى الناس).

فقدَّر الله عز وجل أن تكون هذه غزوة فيها إعلاءٌ لشأن الإسلام والمسلمين، كانوا قلة قليلة، في رواية كانوا ثلاثمائة وتسعة، وفي رواية ثلاثمائة وإحدى عشر، ورواية ثلاثمائة وثلاثة عشر على إختلاف الروايات.

ولم يكن معهم إلا فرسين إثنين، وبضع جمال لا تزيد عن سبعين جملاً، يركبون قليلا ويمشون قليلا، فهذا يركب قليلاً ويمشي قليلاً، والكفار خرجوا بما يقرب من ألف مقاتل مُدججين بالسلاح، ومُجهزين بالعتاد، وكانت هذه في الجزيرة العربية أول معركة يحدث فيها تنظيم للجيش العسكري لأن قائد المعركة هو حضرة النبي.

ولأن الجيوش كانت همجية يهجمون على بعض وكما تصير، ولكن حضرة النبي قال: لا فوزَّع الجُند، الشباب في المقدمة وهؤلاء ليقاتلوا المقاتلين معهم الفتوة ومعهم الشجاعة ومعهم البأس، والشيوخ في المؤخرة يحمون الأماكن التي يُعسكر فيها المجاهدين إذا رجعوا فيكونون حماية لهم.

ودارت المعركة كان دوره في خيمته متوجهاً لرب العالمين يدعو الله عز وجل بالنصر للمؤمنين، وانتصر المؤمنون وفرَّ الكافرون، وانقسم الجيش إلى ثلاثة أقسام:

قسمٌ تبع للفارِّين من الكافرين ليقضي عليهم.

وقسمٌ دخل المعسكر الذي كان يقيم فيه المشركين ليستلب ما فيه من غنائم أتوا بها وتركوها، إن كان سلاحاً أو أمولاً أو عتاداً، أو جمالاً أو طعاماً أو غيره.

وقسمٌ بقي يحرس حضرة النبي خوفاً من هجمة مرتدَّة يكون فيها خطورة على حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم.

إنتهت المعركة، والأشياء التي أخذوها من الكافرين نسميها الغنيمة ـ والغنيمة يعني: ما نأخذه من المقاتلين أثناء القتال أو بعد القتال، من أي نوعٍ من أنواع من الأنواع إن كان سلاحاً أو خيرات أو غيره، وهناك شيئٌ آخر في الشريعة إسمه الفيئ، وهذا ما نأخذه بدون قتال، فلو دخلنا بلداً بدون قتال ولا حرب فهذا إسمه الفيئ.

أتوا الغنيمة الجماعة الذين كانوا في المعسكر، وحضروا مع بعضهم فتنازعوا واختلفوا، ليعرفنا ربنا أن التنازع في أي مكان وزمان سببه الدنيا، أثناء القتال كانوا كرجلٍ واحد قلوبهم متوحدِّة، وبعد القتال الجماعة الذين دخلوا المعسكر وأخذوا الغنائم قالوا: إنها لنا لأننا جمعناها، والجماعة الذين تتبعوا الفارِّين قالوا: نحن أولى بها لأننا الذين تتبعناهم وحاربناهم وجعلناهم يفروا من الميدان، والجماعة الثالثة قالوا: نحن كنا في حراسة النبي، واحتدم الخلاف واشتد الخلاف.

إن معكم حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم، كيف تتنازعون في وجود حضرة النبي وقد قال صلى الله عليه وسلَّم:

(عند نبي لا ينبغي التنازع).

“وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الامْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ” (83النساء).

إذهبوا إلى حضرة النبي وأعرضوا عليه الأمر وأنتهي كل شيء، وتسألوه: ما رأيك ؟ لكن عرفنا ربنا لكي نعرف أن سر الخلافات إلى يوم القيامة بين المسلمين والمؤمنين في كل مكان سببه حب الدنيا، والحرص على الدنيا والحرص على أخذ الحظ الوفير من مقتنيات الدنيا.

فلما لم يجدوا لخلافهم حلاً، راحوا لحضرة النبي بعد أن إختلفوا، فسألوه: ماذا نفعل؟ فنزلت هذه الآيات من الله عز وجل:

“يَسْأَلُونَكَ عَنِ الانْفَالِ” (1الأنفال).

هي ليست لهؤلاء ولا لهؤلاء ولا لهؤلاء، فأخذها منهم:

“قُلِ الانْفَالُ لله وَالرَّسُولِ” (1الأنفال).

نضعها كما يريدون، نزع الله منهم هذا الأمر وجعله في يد رسوله صلى الله عليه وسلَّم، بعد ذلك أوصاهم وأوصانا كلنا:

“فَاتَّقُوا الله وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ” (1الأنفال).

أهم شيئ يحرص عليه الله عز وجل لعباده المؤمنين: الإصلاح بين المؤمنين والتآلف والتوادد والمحبة، وأن يكون بين المؤمنين وفاق واتفاق، وأن لا يكون بينهم خلاف ولا شقاق، أن لايكون بينهم عصبيات جاهلية، ولا تشرذم عن طريق رب البرية.

وعلى رأي بعض الصالحين:

الناس تعتصم بأشياء كثيرة، ولكن عند أمرٍ واحد ذكره الواحد عز وجل ولا يريدون تنفيذه:

“وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا” (103آل عمران).

بالله عليكم لو أننا في مجتمعنا ومجتمع المسلمين كلهم استمسكنا بهذه الآية فهل يوجد خلافٌ بين مسلم ومسلم؟ أو طائفة وطائفة؟ أو فئة وفئة؟ لكننا وقفنا عند هذه الآية ونسيناها وأهملناها، فأمرهم الله عز وجل أن يصلحوا ذات بينهم.

ولذلك أشار نبينا الكريم صلى الله عليه وسلَّم إلى أن أعلى واسمى قربة يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل لينال وأعلى من قيام الليل وأعلى من صيام النوافل وإن كان طوال العام، وأعلى من هذه العبادات أن يمشي بالإصلاح بين المسلمين، قال صلى الله عليه وسلَّم:

(ألا أدلكم على ما هو خيرٌ لكم من الصلاة والصيام والصدقة ـ وهنا يقصد النوافل لأن الفرائض مفروغٌ منها حتى ننتبه للحديث ونوجهه وجهةً أُخرى، يعني أفضل من صلاة النوافل وأفضل من صيام النوافل وأفضل من صدقة التطوع، لكن زكاة الفريضة لا.

(ألا أدلكم على ما هو خيرٌ لكم من الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين، ألا إن ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين).

ألا يحدث ذلك الآن؟ ما الذي أوهى وأضعف صفوف المسلمين في هذا الزمان؟ الإنقسامات والخلافات والطائفية والفُرقة والمنازعات في كل الجهات.

فدعانا النبي صلى الله عليه وسلَّم إلى أن نهُبَّ جميعاً حتى ولو لم يستدعينا واحدٌ من الطائفتين، فنحن نذهب من تلقاء أنفسنا نتطوع للإصلاح بني المتخاصمين، وأظن أنا رأيته وأنا صغير وأنتم كذلك رأيتموه.

كنا في أي بلد إذا تخاصم جارين أو تخاصم أخوين، كان كل من كان حولهم لا يستريح حتى يبيتا متصافيين، كيف نكون موجودين وهؤلاء القوم يبيتون زعلانين؟ لا ـ فهذا من هنا وذاك من هناك، ويمشون في جماعة إلى أن يجعلوا هذه لجماعة صحتها الإيمانية كما ذكر الله عز وجل:

“فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ” (103آل عمران).

هذه يا أحبة أفضل القربات يتقرب بها العبد إلى مولاه جل في علاه لينال رضاه ويكون من كُمَّل أولياء الله، هي هذه، لأنه يقضي على الفتن بين المؤمنين ويقضي على الكراهية والبغض الذي يحدث بين المسلمين، ويُصفِّي الأفئدة، وينزع الغل والحقد من صدور المؤمنين وهذا الذي دعا إليه رب العالمين عز وجل.

وطبعاً من يمشي في هذا الأمر فلابد أن الذي يكون معه ويعتمد عليه ويركز عليه هو سلاح العفو لأنه لابد أن يعفون عن بعضهم.

ولذلك حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم عندما نزلت هذه الآية ماذا قال لهم؟

كان جالساً بينهم ـ قال:

(رأيت إثنين من أُمتي يقول أحدهما: يا رب خذ لي بحقي من هذا، فقال الله تعالى: أُنظر ماذا ترى؟ قال: أرى قصوراً في الجنة من فضة وذهبٍ مكللة باللؤلؤ والجواهر، فيقول: لمن هي يا رب، قال: لمن يملك الثمن، قال: ومن يملك الثمن؟ قال: أنت، قال: كيف يا رب؟ قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا رب عفوتُ عنه، قال: فخذ بيد أخيك وأدخلا معاً الجنة، قال صلى الله عليه وسلَّم: فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم).

فالمؤمن من يرى قضية أو خصومة يستطيع حسمها ولا يتقدم، فيؤاخذه ربه على ذلك ويلومه حضرة النبي صلوات ربي وتسليماته عليه على ذلك، لماذا؟ لأن المؤمن يريد دائماً أن يكون من أهل المقامات والدرجات العُلى عند الله عز وجل.

فعلينا كما قال لنا ربنا:

“وَأَطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ” (1الأنفال).

ويمشيون في هذه القضية ويجعلوها أهم العبادات النفلية التي يتقربون بها إلى رب البرية عز وجل.

يجعلها على بالك على الدوام، وقد كانت وظيفة ولا زالت وظيفة الصالحين، ولذلك أنا أرى بنور الله أن من يمشي في ذلك فهو من كُمَّل أولياء الله الصالحين في هذا الزمان، وأغبطه على ذلك لأنه يفعل ما أمر به الله وما طلبه رسول الله وما كان عليه الصحابة البررة الكرام والسلف الصالح في كل زمان ومكان، وهم المؤمنين الصادقين.

وكلنا طبعاً نريد أن نكون من المؤمنين الصادقين والذين ربنا وصفهم وقال: أن لهم عند ربهم درجات عالية ومنزلة كريمة وأيضاً مع ذلك مغفرةٌ ورحمةٌ من الله عز وجل.

هذه الدرجات يحدِّث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فيقول:

(إن من المؤمنين رجالٌ يضيئ حُسنهم لأهل الجنة كما تضيئ الشمس لأهل الدنيا).

وفي رواية أُخرى:

(إن أهل الغُرف ـ وأهل الغرف هؤلاء في الدرجات العُليا من الجنة:

“غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الانْهَارُ” (20الزمر).

وهي التي سيكون فيها عباد الرحمن، وما جزاؤهم؟

“يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا” (75الفرقان).

هي هذه الغرف العظيمة النورانية، وأهل هذه الغرف حبيبنا صلى الله عليه وسلَّم يقول:

(إن أهل الغرف يترآون الصالحين كما يظهر النجم الغابر ـ يعني الباهت في السماء من عُلو المنزلة ـ ثم قال: ومنهم أبو بكر وعمر أنعِم بهما).

أهل الجنة ولأن ليس فيها حُزن فربنا عز وجل جعل كل واحد في الجنة يرى أنه لا خير أعظم مما هو فيه، لا يرى من فوقه، ومن كان فوق يرى ما تحته فيحمد الله أنه في منزلةٍ أعلى ولا يرى ما فوقه لأنه يحزن والجنة ليس فيها حُزن، وأول الإنسان ما يدخل الجنة يقول:

“الْحَمْدُ لله الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ” (34فاطر).

فيقول: أن أهل هذه الغرف سيرون أهل الإيمان الصادق الذين منهم أبو بكر وعمر كما نرى نجم خافت وباهت في السماء، يعني المسافة بعيدة لعُلو شأنهم ورفعة درجاتهم عند الله عز وجل.

هؤلاء الجماعة سيرتقون إلى هذه الدرجات ولماذا وبماذا؟ بهذه الأوصاف التي وصفهم بها الكريم الخلاق في هذه الآيات الكريمة.

من من المؤمنين الذي يرتقي لهذا لمقام؟

“إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ” (2الإنفال).

أول صفة من صفاتهم:

“الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ” وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2الإنفال).

عندما يسمعوا إسم الله تقشعر الأبدان ويحدث خوفٌ وإنزعاجٌ في القلوب لشدة معرفتهم بالحبيب المحبوب عز وجل.

واحد ينتبه ويسأل: هناك آية تقول:

“الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ” (28الرعد).

فما هذه وهذه، أقول له: نعم ـ إذا واجههم بجلاله يعني قهره وشدته، خافت القلوب، وإذا واجههم بجماله ولطفه، إطمانت وأنست القلوب، فلا تعارض بين الآيتين، فهذه مواجهة والأخرى مواجهة أُخرى.

لكن الوجل ذكره الله عز وجل لأنه هو الذي يمنع النفس من المخالفة لرب العزة والإستماع إلى هواجس الشيطان، فلابد في البادية أن يسوقها الوجل، والذي يطمئنها بعد ذلك الإطمئنان بالجمال.

فيربي الله عز وجل رجاله المؤمنين الصادقين في البداية بالخوف من الله، ولذلك قالوا:

[من خاف سلم، ومن خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل].

فمن خاف ماذا سيفعل؟ يستعد ويعمل، فيعمل لما يُرضي الله فستكون له وقفة مع النفس ينهاها به عن معصية الله جل فيعلاه، وإذا خاف من الله عز وجل فيُصبح القلب دائماً وأبداً يستشعر حلاوة كلام الله:

“الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الله” (23الزمر).

فعندما يسمع آيات الله ويقرأ كلمات الله يزيد الإيمان في قلبه، ويزيد النور الإلهي في قاطمه، والإيمان كما اتفق سلفنا الصالح قد يزيد وقد ينقص.

الكلام الذي قالوه لنا: الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، لكن كلام المحققين أوضح قليلا، فهناك إيمان ثابت ولا يزيد ولا ينقص، وهو إيمان الملائكة فلا يزيد ولا ينقص:

“وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ” (164الصافات).

لا توجد درجات عندهم، فلا يكون أحدهم اليوم في درجة الصادقين، ثم غداً يكون في درجة الذاكرين، فكل واحد في درجة ثابتة، فالإيمان عندهم لا يزيد ولا ينقص.

وإيمان العوام من المؤمنين يزيد وينقص كما ذكرنا، فيزيد بطاعة الله وينقص بمعصية الله لقوله صلى الله عليه وسلَّم عندما تلا قوله الله عز وجل:

“كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ” (15المطففين).

عندما قرأ هذه الآية حضرة النبي قال:

(كلما أذنب العبد ذنباً كانت نكتةً سوداء على قلبه. وليست نقطة ولكن نكتة ـ فإذا توالت الذنوب فذاك الران ـ والران يعني الغطاء أو الستارة او الحجاب ـ ثم تلا هذه الآية:

“كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ” (15المطففين).

أساس الإيمان هو النور الرباني الذي في قلب المؤمن فهذا الذي يحفظه الحفيظ عز وجل، لأنه لو كان سيتناقص فممكن للمؤمن والعياذ بالله يتحول بعد ذلك إلى الضلال ,,,,,, وإلى ولكن الإيمان في القلب:

“أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الايمَانَ” (22المجادلة).

ولذلك فإن الشيطان لا يستطيع أن يتسلل إلى قلوب أهل الإيمان، وأين يوسوس؟ في الصدور:

“الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ” (5الناس).

والإيمان؟ لا يستطيع أن يذهب إلى هناك، لأن نور الإيمان الذي وضعه الرحمن وكتبه الرحمن يقول فيه سيدي أبو الحسن رضي الله عنه:

[لو ظهر نور المؤمن العاصي لملأ ما بين المشرق والمغرب، فما بالكم بالمؤمن المطيع؟].

[فالإيمان الذي كتبه الرحمن في القلوب محفوظٌ بحفظ علام الغيوب عز وجل]، لكنه يزيد في الفتوحات ويزيد في العطاءات إذا زاد في الطاعات وانتهى عن المعاصي والمخالفات، ويُحرم من الفتوحات ويُحرم من العطاءات إذا إنغمس في المعاصي والمخالفات، لكن الإيمان الذي وضعه في  قلبه الرحمن يحفظه الرحمن عز وجل.

فهذا إيمان يزيد وينقص.

وهناك إيمانٌ يزيد ولا ينقص أبداً:

وهو إيمان الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين وأتباعهم الصادقين أجعين، لأن هؤلاء سائرين في طريق السداد والرشاد على الدوام، ولذلك الإيمان عندهم في ازدياد والنور عندهم في ازدياد لأنهم يستزيدون دوماً من القرب من الله ومن طاعة الله، ومن طاعة حبيب الله ومصطفاه، فيزيدهم الله عز وجل شرفاً من عنده أضعافاً مضاعفة من العطاءات الإلهية والهبات الربانية والنفحات الروحانية، نسأل الله عز وجل أن نكون منهم أجمعين.

الصفة الثانية من صفات المؤمنين الصادقين:

“وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ” (2الأنفال).

لا يتكلوا على عملٍ ولا على حسبٍ ولا على نسبٍ ولا على من حوله، وإنما يتكِّل دائماً وأبداً على من إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن فيكون.

والتوكل معناه الأخذ بالأسباب مع الإعتماد في النتيجة على مسبب الأسباب، فلا أترك الأسباب وأقول توكلت على الله فهذا سمه تواكل، فهذه سلبية وانعزالية وليست في دين الإسلام، لكن التوكل أنني أسعى على الرزق وأطلب من الله أن يبارك في هذا الرزق ليقوم القليل مقام الكثير، وهي البركة التي يعيش فيها الصالحين والصادقين، فليس عندهم تكاية واسعة، ولا أراضي ولا استثمارات، لا ـ مع الذي يقول للشيئ: كن فيكون.

ولكنهم يريدون من الله أن يكون الرزق فيه البركة، فإذا نزلت فيه البركة فيا هناه، صاحب هذا الرزق لأن الله عز وجل كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلَّم:

(طعام الواحد يكفي الإثنين، وطعام الإثنين يكفي الثلاثة، وطام الثلاثة يكفي الجماعة).

فيعيش مغموراً في بركة الله عز وجل في جسمه وفي أعضائه وحواسه، وفي أولاده وبناته وفي زوجه وفي بيته، وفي أرضه فالبركة ستحفُّه من جميع نواحيه حتى في العمل الصالح، فالركعتين الذين يصليهما يكونان أفضل من ألف ركعة لآخر يصلي لله عز وجل.

قال صلى الله عليه وسلَّم:

(إن الرجل ليُصلي بصلاة أخيه وركوعهما واحد وسجودهما واحد وبينهما كما بين السماء والأرض).

ودعا ذات مرة إلى الإنفاق، فجاء رجلٌ بدرهم وجاء آخر بألف درهم، فقال صلى الله عليه وسلَّم:

(سبق صاحب الدرهم صاحب الألف درهم).

ما الحكاية؟ هي هذه الأحوال، فالبركة حتى في الأعمال، ولذلك من بركات الله لهذه الأمة أن أعطانا كلنا ليلة لو أننا أقمناها، وأقل القيام صلاة العشاء والفجر في جماعة في تلك الليلة نأخذ أجر ألف شهر، ليلها قيام ونهارها صيام، لماذا؟ البركة من الله عز وجل لهذه الأمة.

فكل سنة يزيد عمرك ثلاثة وثمانين سنة في طاعة الله، فتقول: أنا هذه السنة عمري ستين سنة والسنة القادمة واحد وستين، لا ـ هناك ثلاثة وثمانين سنة في طاعة الله ولم تحسبها، لكن الحسيب عز وجل حسبها لكن من أين؟ من البركة التي خصَّ الله عز وجل بها هذه الأمة المباركة، ولذلك التوكل والإعتماد على الله.

أنوي المذاكرة وأحضر الإمتحان وأحرص على أن لا أتهاون في الفرائض التي كلفني بها الرحمن، وأحرص على الفرائض التي كلفني بها مع الأهل والخلان كطاعة الوالدين وعدم عقوقهما وما شابه ذلك.

ما أقرأه في ساعة غيري لا يحصله في ثلاثمائة ساعة، ويحفظ الذي حفظته ولا يركِّز التركيز الذي ركَّزته، ما هذا؟ هي البركة التي تأتي من الله عز وجل.

الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه كان فقيراً لكنه كان بارٌّ بأمه وأبوه مات وهو صغير، فكان لا يملك ثمن شراء الكتب فيذهب للحانوت الذي يبيع الكتب فيسأل البائع ما ثمن الكتاب، يقول له بكذا، فيقول له: هل تسمح لي بأن أجلس بجوارك وأتصفَّحه، فيقول له: تفضَّل يا بني، فيجلس سويعات قليلة، وبعد ذلك يقول له: الحمد لله أنا حفظت الكتاب كله من أوله إلى آخره، فما يقرأه يحفظه، وليس يفهمه فقط بل يحفظه حفظاً جيداً.

ولذلك هذا كان عتب الإمام مالك رضي الله عنه منه لما دخل عليه ليطلب العلم منه، فقال له: إقرأ كتاب من الموطأ للإمام مالك، فقال له: أنا حفظته، فقال له: أحفظت الموطأ؟ قال: نعم، فقال له: إقرأ، فوجد قراءة صحيحة سليمة فيها جودةٌ في الطق وفيها سلاسةٌ وعذوبة في نطق الألفاظ، والرجل حفظ الكتاب كله من أوله إلى آخره، بماذا؟ بالبركة التي يبارك الله له  فيها عز وجل للؤمنين الذين يحسنون التوكل على رب العالمين عز وجل.

أما الصفة الثالثة لهؤلاء المؤمنين الصادقين:

“الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ” (3الأنفال).

وإقامة الصلاة باختصار شديد أن يتشبه الجسم بظاهر رسول الله في هيئة الصلاة في القيام والركوع والسجود والتلاوة والتسبيحات، وأن يكون القلب ـ على قدره ـ حاضراً وخاشعاً بين يدي الله متابعاً في ذلك سيدنا مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

فإقامة الصلاة أن تحضر الروح مع الجسم والقلب في أداء الصلاة بين يدي الله عز وجل، فإذا حضر الجسم وغاب القلب في الصلاة، فالنبي قال فيها:

(صلي فإنك لم تصلي).

وجد آخر يصلي ويُحرك يده وبعض جوارحه، فقال:

(لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه).

أما الصلاة التي فيها إقامة لله هي الصلاة مع الروح ومع الجسم فيكونوا كلهم صفاً واحداً في مواجهة الواحد، وإليهم الإشارة بقول حضرة النبي الذي يقصد به كل صفيٍّ:

(إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج).

الناس فهموا أنه الصف الذي هنا، لا ـ صفَّك أنت، الجسم هنا والقلب في البيت والروح في مكان آخر والسر في مكان ثالث، فيكون صفَّك أنت أعوج فمن الذي ينظر إليه، فلابد أن يكون الصفُّ مستقيماً أمام الكريم، القلب مع الروح مع السر مع الجسم بين يدي من يقول للشيئ: كن فيكون.

 

مدح الله هذه الصلاة فماذا قال في سورة المؤمنون؟

“الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ” (2المؤمنون).

لم يقُل راكعون أو ساجدون لأنها لا تنفع إلا بالخشوع، والخشوع يحتاج حضور القلب بين يدي من يقول للشيئ: كن فيكون.

وقال الله تعالى لدواد عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام:

(ليس كل مصلٍّ أتقبل صلاته إنما أتقبل صلاة ممن تواضع بها لعظمتي، ولم يستطل بها على خلقي، وخشع قلبه لجلالي، وقطع ليله ونهاره بذكري، وواسى الفقير والمسكين من أجلي، عليَّ أن أجعل الظُلمة له نورا والجهالة له علما، مثله عندي كمثل الفردوس لا يتسنَّى ثمرها ولا يتغير طعمها).

فهذه هي الصلاة التي أمر بها رب العزة عز وجل، أفاء الله عز وجل على العبد نعماً في هذه الحياة الدنيا، فلابد وأن تكون الصفة التالية:

“وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ” (3الأنفال).

رزقهم مالاً فينفقون من هذا المال على الفقراء والمساكين، ورزقهم علماً فينفقون من هذا العلم في تعليم الجهلاء من المسلمين، ورزقهم الله جاه فينفقون من هذا الجاه في توصيل الفقراء من المسلمين إلى المسؤلين لقضاء حاجاتهم، رزقهم الله عز وجل بسطة في الولد فيجعل هذا الولد حمايةً  للمستضعفين حتى لا يفتك بهم الأقوياء والمتشددين.

فمن أي رزقٍ رزقه الله يُنفق من هذا الرزق على المؤمنين الذين قال فيهم الله:

“أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا” (4الأنفال).

نأخذ واحداً منهم:

سيدنا حارثة يسأله سيدنا رسول الله ذات صباح:

(كيف أصبحت يا حارثة؟ قال: أصبحتُ مؤمناً حقاً، قال: إن لكل قولٍ حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ ـ فأتي بالأوصاف ـ قال: عزفت نفسي عن الدنيا ـ الزهد ـ فأسهرتُ ليلي في طاعة الله، وأظماتُ نهاري طمعاً في مرضاة الله.

إجتهد في طاعة الله، إذن الطاعة التي تُقرب إلى الله لا ترفع إلا بعد الزهد في طيبات هذه الحياة، لكن واحد يشتغل بقيام الليل، ويكون في النهار مشغولاً بقضاء طلبات بطنه وفرجه، فمال هذه وما لطاعة الله التي قام بها له جل في علاه، فهذا الزهد الأول، يقضيها من حلال ولا يبحث عن الحرام الذي حرمه الله وجعل لمن يصنعه الذنوب والآثام.

يقوم الليل ويجلس بالنهار وعينه لا يستطيع أن يغضها عن النظر إلى الذاهبات والآتيات، هل ترفعه هذه الطاعة؟ وهل ينتفع بهذه العبادة؟ فلابد له أولاً من الزهد.

(قال:عزفتُ نفسي عن الدنيا فأسهرتُ ليلي وأظمأتُ نهاري ـ فماذا كانت النتيجة؟ أفاض الله عليه روحانية وشفافية وصفاء ونقاء ونوراً ينظر به إلى ملكوت السماء.

ـ فأصبحتُ وكأني أرى أهل الجنة وهم يتزاورون فيها، وكأني أرى أهل النار وهم يتعاوون ويصطرخون فيها، فقال صلى الله عليه وسلَّم: عرفتَ فالزم ـ ثم قال لمن حوله: عبدٌ نوَّر الله بالإيمان قلبه).

هؤلاء الصادقون هم المؤمنون حقا، ماذا لهم عند ربنا؟

“لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ” (4الأنفال).

هذه الدرجات عند رفيع الدرجات لا يستطيع الإحاطة بها أحدٌ من خلق الله في هذه الحياة الدنيا، لأن الحبيب قال في شأنها:

(إن الله أعد للصالحين في الجنة ما لاعينٌ رأت ولا أُذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر).

هؤلاء القوم لهم درجات، وهناك جماعة أخرى ربنا وصفهم أنهم هم أنفسهم الدرجات:

“هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ الله” (163آل عمران).

فارق كبير بين ما كانت له درجات، والذين هم أنفسهم الدرجات التي جعلها الله عز وجل وأعدها للصالحين والصالحات.

لهم درجاتٌ عند ربهم ولهم مغفرة ومن فاز بالمغفرة فقد فاز بالنجاة والنجاح والخير العميم يوم الدين، ولهم رزقٌ كريم يأتيهم من حضرة الكريم، وما هو هذا الرزق؟

مشاهدات ـ تنزلات ـ فيوضات ـ إلهامات، وعلومٌ وهبية وأسرار قرآنية وحكمٌ قدسية وغيرها من العطاءات الربانية التي يُفيضها الله على هؤلاء القوم الذين تخلقوا بأخلاق المؤمنين الصادقين.

نسأل الله عز وجل أن نكون منهم أجمعين وأن يجعلنا من الصادقين في طاعته ومن المخلصين في عبادته، ومن المُخلصين في ديوان حضرته، وأن يرزقنا الصفاء والنقاء ويتنزل لنا بعظيم النور والضياء.

ويجعلنا دائماً وأبداً على وُصلةٍ بإمام المرسلين وسيد النبيين، وتأتينا منه النفحات النبوية على الدوام في كل وقتٍ وحين.

وأن لا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، وأن يكفينا بحلاله عن حرامه ويُغنينا بفضله عن جميع من سواه، وأن لا يُحوجنا إلى خلق الله طرفة عين أو أقل، وأن لا يجعلنا نمد الأيدي إلا إليه، ولا نرفع الأكَّفَ إلا إليه، ولا نستمد الفضل والخير إلا من بين يديه، وأن يجعلنا في الآخرة من خيار المقربين الناظرين إليه.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid