سؤال: ما الواجب إذا دعاني أخ لوليمة – مثلاً – وأنا صائم صيام تطوع؟
==========================================
روى البيهقي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهقال: {صَنَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِصلى الله عليه وسلمطَعَامًا فَأَتَانِي هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمَّا وُضِعَ الطَّعَامُ، قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِنِّي صَائِمٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: دَعَاكُمْ أَخُوكُمْ وَتَكَلَّفَ لَكُمْ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَفْطِرْ وَصُمْ مَكَانَهُ يَوْمًا إِنْ شِئْتَ}
الإسلام حريص على العلاقات الإنسانية بين الأنام، إذا دعاك أخوك، ما الواجب عليك؟ قال صلى الله عليه وسلم: {إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُجِبْ} (صحيح مسلم وسنن أبي داود وابن ماجة عن ابن عمر).
لا بد أن يجيب، وإذا تعددت الدعوة قال صلى الله عليه وسلم: {إِذَا اجْتَمَعَ الدَّاعِيَانِ، فَأَجِبْ أَقْرَبَهُمَا بَابًا، فَإِنَّ أَقْرَبَهُمَا بَابًا أَقْرَبَهُمَا جِوَارًا، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَأَجِبْ الَّذِي سَبَقَ} (سنن أبي داود والبيهقي ومسند الإمام أحمد).
ولا شأن لي بما يدعوني إليه، قال صلى الله عليه وسلم: {لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لأَجَبْتُ} (صحيح البخاري ومسند الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه)، مع أن العرب لا تأكل الكراع ولا الكرش!! لكن النبيَّ يُعطي مثال للتواضع، وقيل: أن النبي صلى الله عليه وسلمكان يجيب دعوة العبد المملوك، والأمة المملوكة والمسكين، ولا يرد دعوة أحد أبداً، بل كان صلى الله عليه وسلم يأتيه الطفل الصغير فيأخذ بيده، فلا يقول إلى أين؟ بل يمشي خلفه كما يريد، وذلك ليعلمهم إجابة الدعوة.
ودعته امرأة إلى طعام، وكان الطعام خلاًّ، هل يأكل أحدٌ الخلَّ فقط؟!! لا، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجبر خاطر الفقراء والمساكين، فجبر خاطرها وأكل طعامها وزاد في إكرامها فقال – بعد الأكل: {نِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ} (صحيح مسلم وسنن الترمذي وأبي داود عن جابر رضي الله عنه).
حتى يُعْلِمها أنها فعلت فعلاً عظيماً وليُعلم أصحابه، وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ:
الإمام الحسن بن عليّ تربية حضرة النبيّ، كان راكباً يوماً ووجد جماعة من الذين يعملون بأيديهم على قارعة الطريق يأكلون، فقالوا: هلم يا بن بنت رسول الله، فنزل وأكل، ثم قال: أجبتكم على أن تجيبوني في يوم كذا، وجهز لهم مائدة شهية ليُطعمهم من المأكولات التي لا يستطيعون أكلها أو الحصول عليها، فهو أجابهم ليُكرمهم بعد ذلك بما لا يستطيعون أكله أو الحصول عليه، حتى قال صلى الله عليه وسلم فيمن يُطعم الفقراء ما لا يستطيعون الحصول عليه: {مَنْ أَطْعَمَ أَخَاهُ لُقْمَةً حُلْوَةً لَمْ يَذقْ مَرَارًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (الترغيب في فضائل الأعمال لابن شاهين والبر والصلة لابن الجوزي عن أبي هريرة رضي الله عنه).
فإذا دعاني أخي إلى طعام وأنا صائم سُنَّة لله عزَّ وجلَّ، قال الفقهاء والعلماء الأجلاء: إذا جبرت خاطر أخي وأفطرت هذا اليوم من أجل إجابته، فإن الله يجعل أجري من صيام هذا اليوم مقبولاً – مع أنني أفطرت – لأنني أفطرت جبراً لخاطر هذا المؤمن الذي كلَّف نفسه ودعاني. ولذلك قالوا: لا مانع للإنسان أن يُفطر إجابة لدعوة أخيه إذا وجد أنه يتألم لو وجده أنه لا يأكل، أما إذا وجد أخاه لا يجزع ولا يتغير إذا عرف أنه صائماً يومه هذا فلا يفطر ويُكمل يومه هذا إن شاء الله ربُّ العالمين.
**************
الحلقة الثالثة: الزقازيق 3 من ذي الحجة 1433هـ 19/10/2012م