Sermon Details

**************
أسرار الحجر الأسود
سؤال: ما أسرار الحجر الأسود؟
=================================================
الحجر الأسود أصح ما قيل فيه أنه كان حجراً من الجنة، ولما بدأ نبيُّ الله إبراهيم ويعاونه نبيُّ الله إسماعيل في بناء البيت، فأراد أن يجعل هناك حجراً علامة يبدأ من عنده الطائف بالبيت، فأنزل الله عزَّ وجلَّ الأمين جبريل بهذا الحجر من الجنة وأمره أن يجعله في ابتداء الطواف، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {كَانَ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ، حَتَّى سَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ} (مسند الإمام أحمد وصحيح ابن خزيمة عن ابن عباس رضي الله عنهما).
أما أسراره فقد قال فيها صلى الله عليه وسلم: {يَأْتِي هَذَا الْحَجَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ، يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ بِحَق} (سنن الترمذي وابن ماجة وكسند الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما).
كيف يصور الحجر كل من يمر أمامه أو يُقبله إلى يوم القيامة؟! وأين هذه الأفلام؟! وأين هذه المناظر؟! ويشهد له بعد ذلك يوم القيامة!! هذه من جملة الأسرار العالية لهذا الحجر.
أيضاً من جملة أسراره أن رجلاً من الخوارج يُسمى أبو عبد الله القُرمطي في زمن الدولة العباسية، أرسل رجالاً من أتباعه اقتلعوا الحجر من مكانه وأخذوه إلى سلطنة عمان الآن، وأخذ يتفاوض معهم الخلفاء العباسيون لإرجاع الحجر، وبقي الحجر عندهم مدة تزيد عن العشرين عاماً وقيل أكثر من ستين عاماً!! واسمعوا لبعض الروايات في ذلك وفيها من آيات الحجر العجب: {… فَافْتَدَاهُ أَيْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ الْخَلِيفَةُ الْعَبَّاسِيُّ بِثَلاثِينَ أَلْفِ دِينَارٍ وَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ – بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَالْكَافِ بِوَزْنِ عُلَيْمٍ – الْمُحَدِّثَ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ لِيَتَعَرَّفَهُ وَيَأْتِي بِهِ، فَذَهَبَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ إلَى الْقَرَامِطَةِ فَأَحْضَرُوا لَهُمْ حَجَرًا, فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَنَا فِي حَجَرِنَا عَلامَتَانِ لا يَسْخُنُ بِالنَّارِ وَلا يَغُوصُ فِي الْمَاءِ. فَأَحْضَرُوا نَارًا وَمَاءً فَأُلْقِيَ فِي الْمَاءِ فَغَاصَ، ثُمَّ فِي النَّارِ فَحَمِيَ وَكَادَ يَتَشَقَّقُ, فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَيْسَ هَذَا بِحَجَرِنَا، ثُمَّ أُتِيَ بِحَجَرٍ مُضَمَّخٍ بِالطِّيبِ فَفَعَلَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ كَذَلِكَ، فَجَرَى لَهُ مَا جَرَى لِذَلِكَ، فَأُحْضِرَ إلَيْهِمْ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ، فَوُضِعَ فِي الْمَاءِ فَطَفي وَلَمْ يَغُصْ، وَفِي النَّارِ فَلَمْ يَحْمِ، فَعَجِبَ أَبُو طَاهِرٍ وَسَأَلَهُ عَنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ؟ فَأَسْنَدَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: { الْحَجَرُ الأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ مِنْ الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا اسْوَدَّ مِنْ ذُنُوبِ النَّاسِ، يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَلِسَانٌ يَتَكَلَّمُ بِهِ، يَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَهُ بِالإِيمَانِ، وَأَنَّهُ حَجَرٌ يَطْفُو عَلَى الْمَاءِ وَلا يَسْخُنُ بِالنَّارِ إذَا أُوقِدَتْ عَلَيْهِ} .
قَالَ أَبُو طَاهِرٍ هَذَا دِينٌ مَضْبُوطٌ بِالنَّقْلِ، وَمِنْ آيَتِهِ أَنْ تَفَسَّخَ تَحْتَهُ وَهُمْ ذَاهِبُونَ بِهِ قِيلَ أَرْبَعُونَ جَمَلا وَقِيلَ ثَلاثُمِائَةٍ وَقِيلَ خَمْسُمِائَةٍ وَلَمَّا أُعِيدَ لِمَكَّةَ أُعِيدَ عَلَى جَمَلٍ أَعْجَفَ هَزِيلٍ فَسَمِنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (حاشية الجمل والوافي بالوفيات وغيرها على اختلافات لا تفسد المعنى).
كيف يطفوا مع أنه حجر وثقيل؟! هذا سر من أسرار الله عزَّ وجلَّ، وكيف يظل بارداً ولو وضع في فرن حراري؟! وكيف تموت تحته الجمال جملاً وراء جمل! إذا أخذ عنوة وقسراً! وتسمن إذا كانت تحمله لمكانه المرسوم!!! وكلُّ هذا أيضاً سر من أسرار هذا الحجر.
فلأنه حجرٌ من الجنة جعل الله عزَّ وجلَّ فيه أسراراً لا يعرفها إلا الأبرار والأطهار، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعل هذا الحجر يشهد لنا أجمعين بالوفاء يوم لقاء العزيز الغفار عزَّ وجلَّ.
**************
الحلقة الثالثة: الزقازيق 3 من ذي الحجة 1433هـ 19/10/2012م