• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:59 PM

Sermon Details

4 ديسمبر 2015م

وصايا رسول الله للنجاة من فتن هذا الزمان

فضيلة الشيخ/ فوزي محمد أبوزيد

شارك الموضوع لمن تحب

وصايا رسول الله للنجاة من فتن هذا الزمان

————————————-

أوصانا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوصية جامعة في هذا الزمان، لأنه صلى الله عليه وسلم بيَّن أن هذا العصر عصر الفتن، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الفتن من كثرتها ستكون كقطع الليل المظلم، وفي حديث آخر أنها تنزل من السماء كالمطر.

فتن لا عدَّ لها ولا حصر لها، وكانت الفتن في العصر الماضي في الشهوات وفي الحظوظ والأهواء والملذات، لكن الفتنة الأعظم في هذا العصر الفكر، وهذه تؤدي كما قال صلى الله عليه وسلم: {يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا} (صحيح مسلم وسنن الترمذي وأبي داود عن أبي هريرة).

لماذا؟ بسبب الفكر، فهذه البلبلة والإثارة التي سببتها الفضائيات، وشبكة الإنترنت، ووسائل الإعلام، والقُوى المتعددة في المجتمع من ذوي الأهواء والنزعات والميول، وليست خالصة لوجه الله! كل ذلك يسبب البلبلة في المجتمع، إذاً ما العمل في هذا العصر؟ هناك جملة من الوصايا.

* الوصية الأولى

 سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أكدَّ عليها فقال: {إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ} (سنن الترمذي وأبي داود وابن ماجة عن أبي ثعلبة الخشني).

ما معنى ذلك؟ الناس تُقحم نفسها في الجدال في كل مكان وزمان، والجدال لا يأتي بنتيجة في النهاية، لأن كل واحد من أهل هذا العصر معجب برأيه ومتشبث به ولن يتخلى عنه، إذاً ما الفائدة من الجدل؟ لذا يجب ألا تشغل نفسك بغيرك، وعليك نفسك، وإذا أردت أن تشغل نفسك بغيرك فاشغل نفسك بمن لا يؤمن، وحاول أن تهديه للإسلام، فهذا خير لك من أن تشغل نفسك بمن آمن بفكر وأصر عليه، ولا تستطيع أن تزحزحه قدر أنملة عما هو مُصر عليه في فكره، لكن لا شأن لنا إن كان هذا شيعي أو سلفي أو صوفي لأننا في الوسطية التي اختارها الله لنا في القرآن: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [143البقرة].

* الوصية الثانية

قال صلى الله عليه وسلم: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ} (سنن الترمذي وأبي داود ومسند الإمام أحمد عن عقبة بن عامر).

أهم شيء في هذا الزمان أن يمسك الإنسان بزمام اللسان، فلا يتكلم الإنسان إلا في ضوء قول الله: ﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ [114النساء]. وإذا نطق للخلق أجمعين فيكون هديه: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ [83البقرة]. وإذا تحدث مع المؤمنين فيكون هديه: ﴿ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ [24الحج]. مَن فعل ذلك أضمن له عند الله أنه سيكون من كُمَّل أوليائه.

هذه روشتة سهلة، لكنها سهلة لمن يعينه الله، لأن الإنسان دائماً يميل إلى الثرثرة، وإلى الإكثار من الكلام، وإلى إضاعة الوقت في اللغو، إذا كان صفة المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [3المؤمنون]. فما بالك بمن يريد أن يكون من المحسنين أو الموقنين فماذا يعمل؟!

واللغو كما قيل هو الكلام الذي لا يُفيد، كالكلام في السياسة والتعليقات التي لا تلزم على الانتخابات فيما لا يفيد وغير ذلك! والمؤمن ليس يشغله إلا الإقبال على الله، أو المهمة التي كلَّفه بها الله وهي إظهار جمال دين الله لخلق الله جلَّ في علاه، والذي لا يتكلم إلا نادراً نُسميه حكيم، وهل هناك لقب أفضل من ذلك؟! قال صلى الله عليه وسلم: {مَنْ صَمَتَ نَجَا} (سنن الترمذي والدارمي ومسند الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو).

إذاً الذي ينجو في هذا الزمان من يحافظ على الصمت مع الخلق، لو صدقت النية فإن الله عزَّ وجلَّ يوفر للإنسان كل ما يحتاجه بلا سبب وإنما من ربِّ البرية.

قد يقول البعض: كيف أجمع بين الصمت وبين الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟ أولاً تأمر نفسك وتنهى نفسك، ثم الأقرب فالأقرب. ابدأ بنفسك ثم أهلك ثم الأقرب فالأقرب. لكن المصيبة أن يأمر الناس وينهى الناس وهو لم ينته ولم يمتثل، فيأمر الناس بالحجاب والنقاب وابنته تمشي وعورتها ظاهرة!! ويتكلم عن قيمة الوقت في حياة المسلم ثم يجلس على القهوة ويلعب الدومينو أو الشطرنج!! إذاً يجب أن يكون أولاً هو قدوة في هذا الأمر.

* الوصية الثالثة

 عن عليٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قالً صلى الله عليه وسلم: {أَلا إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، فَقُلْتُ: مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: كِتَابُ اللَّهِ} (سنن الترمذي والدارمي ومسند الإمام أحمد). عليك بالقرآن لأنه حبل النجاة الذي أنزله الله عزَّ وجلَّ في الأكوان!

وهذه مشكلة تواجه الصالحين، كيف يسوقون المريدين إلى مداومتهم على تلاوة كتاب الله، لأن المريدون لا يقرؤون القرآن إلا في رمضان، وبعد رمضان يأخذون أجازة من القرآن!! لماذا؟!! هل وجدتَ الخير في كتابٍ غيره؟! هل وجدتَ البرَّ في تركه؟! هل وجدتَ ضرًّا في الاستمرار في تلاوته وقراءته؟! ألم تتنزل عليك الخيرات؟! ألم تأتيك البركات؟! ألم يُحطك الله عزَّ وجلَّ بالعطاءات والنفحات؟!

عليك بالقرآن، والقرآن يسره الله لنا في هذا الزمان: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ [17 القمر].

فمن لم يستطع القراءة يسمع، فإذا ركبت سيارة فسماعه متوفر في مسجل السيارة، ويتوفر سماعة في التليفون المحمول، فلا يوجد شيء يمنع عن القرآن، المهم التدبر: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ [17القمر]. فالقرآن حصن الأمان لأهل هذا الزمان.

* الوصية الرابعة

 دوام الاجتماع مع الصادقين الذين صدقوا في إتباعهم للنَّبِيِّ الأمين، لأنهم يحفظون أحوال الخلق في هذا الزمان من الخزعبلات الفكرية، ومن الموجات الإلحادية، ومن الأفكار النفسية التي لا تليق بالعبد نحو رب البرية، ومن كل الأشياء المخزية، ولذلك قال لنا الله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [119التوبة].

لأن الإنسان دائماً يتشاكل – وإن لم يدري – مع من يخالطه ويجالسه ويصاحبه، فلا يوجد عدوى تُعدي الإنسان قدر عدوى الأخلاق والسلوكيات التي ينقلها من المجالسين.

ولذلك لا بد للإنسان أن يختار من يجالسه أو يؤانسه ليحفظ نفسه من الخطأ والزلل، ولا يضمن العصمة والحفظ من الخطأ والزلل وهو يجلس مع الهالكين أو البعداء أو التعساء، لأن اللسان أحياناً يتكلم بما لا تريده ولا تستطيع منعه، ولكن الحفظ يأتي بمجالسة الصادقين.

أما رفقاء السوء فيجب البعد عنهم بالكلية. ولذلك عندما جاء رجل للإمام أبي العزائم وقال له: أريد أن أسلك الطريق إلى الله عزَّ وجلَّ، فقال له:  (طريقنا: مصاحبة الأخيار، ومفارقة الأشرار، والسير على المناهج والسنن والآثار).

وتكفي هذه الروشتة علَّ الله عزَّ وجلَّ يجعلنا ممن قال فيه في كتابه الكريم في محكم التنزيل: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ [82الإسراء].

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه سلم


المعادي – بعد صلاة الجمعة 12 من صفر 1433هـ 6/1/2012م

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid