Sermon Details

***********************
ينقسم الناس على حسب نياتهم فى الإقبال على الصالحين إلى أقسام كثيرة منهم وهم فى المنزلة العالية من يريدوا أن يكونوا معهم ويمشوا على هديهم ويسيروا على منهاجهم وهؤلاء فى المرتبة العليا المقبلين على الصالحين لأن الله جل جلاله اقتضت حكمته العلية أن لا يصل واصل إليه إلا بخبير قرآني يهذب نفسه ويرقى طبعه ويجمل قلبه ثم يأخذ بيده ويوقفه بين يديه ويقول: ها أنت وربك، فالله عزوجل لا تحده الإشارات ولا تحيط بكمالاته العبارات، لا يوصل إليه بالخطوات وليس بيننا وبينه مسافات او جهات وإنما هو أقرب إلينا من حبل الوريد، وكل ما بيننا وبينه هى حجب نفسانية أو غيوم قلبية أو آفات روحانية، تجعل السالك لا يستطيع ان يصل إلى المعبود جل جلاله } {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ، كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ { سورة المطففين، الحجاب يأتى مما كسبته الجوارح من عالم الأكوان من الذنوب والآثام والغفلة والمعاصى والبعد عن حضرة الله عزوجل، لذلك قال الإمام ابن عطاء الله السكندري رضوان الله عنه: كيف يرحل قلب إلى الله وصور الاكوان منطبعة فى مرآته أم كيف يصل إلى الله وهو مكبل (يعنى مقيد) بشهواته”
يجب أن تفك قيود الشهوات وتمحوا الصور والمناظر التى على دائرة الفؤاد والقلب حتى تلوح له أنوار حضرة المبدع جل جلاله ، والكيف لا يستطيع البيان التعبير عنه، وخلاصة ما قاله العارفون فى ذلك:
فكان ما كان مما لست أذكره |
فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر |
فإن قلت كيف فإن الله لا يلحقه الكيف، وإن قلت أين فلن تصل إلى الله عزوجل إلا بعد محو الأين، فهو عزوجل كما قال الإمام على رضى الله عنه وكرم الله وجهه: (لا تراه الأحداق ولكن تراه القلوب إذا صفت من الآثام والذنوب والعيوب) كيف تراه القلوب؟
بلا كيف ولا حد ولكن |
بأنوار تعالت معنوية |
حالات خاصة تريد خواص عباد الله الذين أوصلهم الله به إليهم وأوقفهم بعد فنائهم عن الأكوان بين يديه وقال لهم بلسان الحال: (هاكم جمالى فشاهدوه وهذا حسني فعاينوه وهذا كمالى فانظروه ثم خذوا بأيدي الطالبين وبينوا لهم الطريق الأمين الذي يوصل إلى هذا المقام الكريم الامين)
} الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا { (59) سورة الفرقان، لم يقل فاسأل عنه، لأن السؤال لا بد ان يكون لله بالله، ولذلك قال العارف: “عرفت ربي بربي ولولا ربي ما عرفت ربي”
فأنت فيك حسن من حضرته وجمال من بهاء طلعته وقد واجهك جل جلاله بذلك فشاهدت وسمعت كلام الله وفهمت الخطاب وقمت بالرد بروحك وسرك على حضرة الله وسجل الله جل جلاله فى قرآنه فقال: } وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ { (172) سورة الأعراف
لم يقولوا بلى سمعنا، لكن: شهدنا، فشهدنا جمال الله وتمتعنا بكمال وبهاء الله فى هذه الحضرة، الذي يقول فيها سيدي إبراهيم الدسوقى رضى الله عنه:
على الدرة البيضاء كان اجتماعنا |
وفى قاب قوسين اجتماع الأحبة |
ويذكرنا بها الإمام أبو العزائم رضى الله عنه فيقول:
من ألست قد شهدنا |
من جمال الجميل إذ خاطبنا |