• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

30أكتوبر2015

لما جعل رسول الله مراعاة الجار مقام من مقامات الإيمان؟

إقرأ الموضوع

شارك الموضوع لمن تحب

*****************

السؤال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، (والمؤمن من آمن جاره بوائقه)، (والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)[1]. لِمَ جعل النبي صلى الله عليه وسلَّم مراعاة الجار مقاماً من مقامات أهل الإيمان؟، وكيف يرقى المؤمن في هذه الدرجات الثلاث؟

———————

المؤمن هو الذي يجاهد نفسه في ثلاثة أمور: في تغيير نفسه إلى ما يريده منه ربه عزَّ وجلَّ، وفي المعاملة بينه ويبن خلق الله – وأقربهم إليه جاره الذي يجاوره في مسكنه أو في عمله، وفيما بينه وبين الله. ولذلك دائماً نعمل ميزاناً لأتباع الصالحين، متى يرتقي الرجل من مقام محب إلى مقام سالك؟ إذا تغير في هذه المنازل.

يعني واحد جاءنا ومحب لنا ومكث معنا خمسين سنة ولم يتغير فيظل محباً وانتهى الأمر، فليس له في البضاعة الباطنية الإلهية المعنوية التي إئتمننا عليها الله عزَّ وجلَّ ورسوله صلى الله عليه وسلَّم، لأن هذه البضاعة لابد فيها من تغيير الأوصاف.

أولاً: الصدق: مثلاً هو تعوَّد مثل أهل الزمن على الكذب، إذا لم ينتهِ عن الكذب ويتعود على الصدق فما له وما للصادقين؟!!، فمتى يصحبهم؟ ومتى ينتفع بمواهب الصادقين؟، وكيف يأخذ عطاءات الله عزَّ وجلَّ التي أعطاها العارفين وهو من الكاذبين؟!!، والله يقول: (لَعْنَةَ الله عَلَى الْكَاذِبِينَ) (61آل عمران). لابد وأن ينتهي عن هذا الخُلُق فوراً.

ثانياً: الإنشغال بذكر وطاعة الله: يميل إلى الغفلات وهذا ما نشاهده عندما يتغير واحد ويدخل إلى طريق الله، تجده وقد تغيرت حياته كلها!!، حتى أن كل من حوله يقولون: قد تغير مائة في المائة، وكان طوال النهار يشاهد الأفلام والمسلسلات وغيرها، ولكن تجده الآن مشغولاً عن ذلك كله، ويمسك طوال النهار بالقرآن ويقرأ فيه، أو ممسكاً بالمسبحة ويذكر الله طوال النهار عليها، أو نجده يتصفح كتاب دين ومشغولاً عن هذا الكلام نهائياً. وعندما يتكلم أمامه أحدٌ بكلام أهل الدنيا تجده يثور ويفور ويقوم من المجلس، لماذا؟، لأنه تغير، ولكن لو لم يتغير من هذه الأمور فكيف يطلب العطاء من العليِّ الكبير عزَّ وجلَّ؟

يحاسب نفسه ويجاهد نفسه في أى كلمة يقولها، إلى أين؟ ومن أين؟، ولذلك تجد المريد إذا سلك ملك اللسان، فيميل إلى الصمت. أما كثير الكلام ومن يتكلم بصفة مستمرة بغير هوادة فتعرف أن هذا لم يدخل طريق القوم، ولا يزال في الخارج. هل يسمح المدرس لأحد التلاميذ في الفصل أن يتكلم كثيراً؟!!، ممكن في الفناء أو في الشارع، لكن في الفصل يتكلم كثيراً؟ لا، فلن يستفيد شيئاً.

فعلامة السالكين الصمت، لأنه يريد أن يتكلم مع أحكم الحاكمين ربِّ العالمين عزَّ وجلَّ، فلا يريد أن يضيِّع وقته الثمين في الكلام مع الآخرين، ومشغول عن هذه الأمور، لأنه يعرف أن الدنيا ساعة فيجعلها طاعة، لأنه يريد أن يُكثر من البضاعة، فيخرج من هنا يوم الساعة فيجد نفسه من الوجهاء، ومن العظماء، ومن الذين أنعم الله عليهم عند الله عزَّ وجلَّ. فلابد للإنسان أن يغير من أخلاقه وسلوكياته، فلا أنظر إلى العبادات ولكن المهم هو تغيير السلوك والأخلاقيات.

ولذلك لِمَ جعل الجماعة الصالحون الأورواد والأذكار؟، لأن النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، ولذلك أشغلها بالأوراد في طاعة الله، ولذلك عندما نرى بعض الأحبة السالكين في طريق الله يترك بعض الأوراد تجده قد رجعت له نفس الأعراض مرةً أُخرى، فيرجع للغفلة، ويرجع للتليفزيون، ويرجع للهو وللعب، لأنه ترك الأوراد.

فنفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، لأنه لابد من شيء يشغل النفس، إما هذا أو ذاك. ولذلك جعلوا الأوراد ليشغل الإنسان نفسه بما ينفعه عند الله عزَّ وجلَّ، فتضحك عليه نفسه رويداً رويداً في ترك بعض الأوراد حتى يترك الأوراد كلها، ويقول أنا تمام هكذا، وهذا تمام في نظر نفسه – ولكنك تركت الأصل الذي به الوصول، لأنهم قالوا: ((لا ورود لمن لا ورد له)). فلا يوجد من يترك الورد ويرد على فضل الله وإكرام الله وعطاء الله عز وجل، فلابد للإنسان من أن يتغير في هذه الأمور.

إذا كان في مقام الإسلام – يعني يتعامل مع المسلمين – فيكون: (سلم المسلمون من لسانه ويده)، تقول له: إن فلاناً قال عنك كذا، يقول لك: لا، إن فلاناً لا يخرج من فمه مثل هذا الكلام، والناس تعرفه، لأنه رجلٌ موزون ولا يخرج منه إلا الكلام الموزون، لا غِيبة ولا نميمة، ولا نقل كلام، ولا فتنة، ولا وقوعٌ في فتنة، ولا سب ولا شتم، ولا إشاعات، ولا كلام زور، ولا كلام يشير إلى الفجور، فليس له شأنٌ بهذا الكلام، فما يخرج من لسانه إلا كلام يورِّث النور، وهذا دليل على أنه سالك إلى الله عزَّ وجلَّ.

بالنسبة لتعامله مع من حوله فكما قال الإمام على رضي الله عنه في شأن الصالحين: ((شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة – يخاف مما يأتي – أنفسهم عفيفة، وحاجاتهم خفيفة)) ـ لا يحتاج إلى شيء من أحد، فلا يمد يده لفلان أو علان لأن عنده عفَّة، فجيرانه سيحبونه، فلا تصدر منه كلمة لاغية ولا عبارة جافية، ولا سب ولا شتم ولا لعن، فلِمَ يكرهوه؟!!، فيحبوه، إلا إذا حسدوه فيعادوه، فيعاديه من يحسده الذي يريد أن يكون مثله ولا يستطيع، وهي أيضاً موجودة ولن تمنع الحافز.

(والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه): لأن المهاجر يتشبه بالملائكة، والملائكة: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (5التحريم)، وهو يريد أن يكون حاله ملكي روحاني، فلابد وأن يهجر المعاصي بالكلية، وأول ما يهجره معصية الغفلة عن الله، فتجده دائماً ذاكراً لله عزَّ وجلَّ. المؤمن من إذا رأيته ذكرت الله عزَّ وجلَّ – لأنه دائم لذكر الله عزَّ وجلَّ.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

*************************

[1] روى أحمد عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (تَدْرُونَ مَنْ الْمُسْلِمُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ. قَالَ: تَدْرُونَ مَنْ الْمُؤْمِنُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: مَنْ أَمِنَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ فَاجْتَنَبَهُ). وروى أحمد وابن حبان والحاكم عَنْ أَنَسٍ بن مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَبْدٌ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ).

****************

الزقازيق بعد صلاة الجمعة 30/10/2015 الموافق 17 المحرم 1437هـ

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid