أما السلام على النبيِّ صلى الله عليه وسلم في المنام، فيعني أن الله عزَّ وجلَّ راضٍ عن تصرفات هذا المرء وعمله الشرعي الذي يعمله لله عزَّ وجلَّ، لأن الله قال لنبيِّه: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيرًا﴾.[47، الأحزاب].
والبشارة في الآية لا تقتصر على من كان في زمانه، بل هو يبشر المؤمنين إلى يوم القيامة!! في عصره صلى الله عليه وسلم كان يُبشرهم شفاهاً، فقد بشّر أناساً بالجنة، يقول البعض عشرة – هؤلاء وردت بُشراهم في حديث واحد – لكن لو بحثنا عن المبشرين بالجنة في الأحاديث لوجدناهم كثيراً جداً بدليل أن جبريل نزل وقال: {يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْكَ، وَمَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَأَقْرِئْ عَلَيْهَا السَّلامَ مِنْ رَبِّهَا، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لا صَخَبَ فِيهَا وَلا نَصَبَ} (البخاري ومسلم والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه)… وخديجة رضي الله عنها ليست من العشرة، وهناك كُثيرٌ من أصحاب رسول الله بُشّروا بالجنة غير العشرة.
كيف يُبشّر أمتّه بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى؟
عن طريق المنام، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: {مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُ بِي} (صحيح البخاري ومسند الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه). لكي نعرف أن رؤية حضرة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حقٌ، وفى نفس الوقت حذَّر النبيُّ لمن يدَّعي رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، لأن هذا كذب ومصير هذا الكذب يقول فيه : {مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ} (البخاري ومسلم وسنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه).لكي لا نُدخل أنفسنا في هذا الباب ونفتري بالكذب ونقول أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأيناه في المنام ولم يحدث.
فرؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام تكون بُشرى للإنسان إن كان صالحاً أن يواظب على عمل الصالحات، لأن الله راضٍ عن عمله فيستزيد من ذلك .
وقد تكون رؤيا النبيِّ صلى الله عليه وسلم لمسلمٍ قد وقع في ورطة فيأتيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ليُبشره بأن الله سيفرِّجُ عنه، وقد كان كثيرٌ من القادة في العصور المختلفة في المعارك الحساسة يرون رسول الله يُبشّرهم بالنصر، وأظن أنكم تذكرون آخر معاركنا في السادس من أكتوبر والعاشر من رمضان أنه عندما صعد الإمام/ عبد الحليم محمود منبر الجامع الأزهر – في أثناء المعركة – وقال: نحن إن شاء الله سننتصر لأن رجلاً من الصالحين أخبرني ـ ورفض ذكر اسمه ـ وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الصحابة الكرام متجهِّون إلى سيناء وقال لي اتبعني فعلمت أن الله عزَّ وجلَّ سينصرنا. ولو تتبعنا التاريخ في كل المعارك الحربية الرئيسية في الإسلام، كان النبي صلى الله عليه وسلم يُبشّر القادة، أو الجند، أو العلماء، أو الصالحين، بالنصر من الله عزَّ وجلَّ.
وقد تكون رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجلٍ مسلمٍ يريد الله به الخير، فيكون منحرفاً أو يكون بعيداً عن المنهج فيأتيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هيئة تدعوه إلى أن ينتبه ويتيقظ ويرجع إلى دائرة الإيمان ويرجع إلى دائرة الإسلام، كل هذه وغيرها تكون من أسباب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن يريد أن يرى حضرة النبي، فما الأذكار لذلك ؟ ليست العبرة بالأذكار، ولكن العبرة بالتذكار للقلب بالنبيِّ المختار، إذا الإنسان أحبَّ حضرة النبيِّ حبًّا مَلَكَ كلَّ جوانح قلبه، وهو الحبُّ الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم : {لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَأَهْلِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (البخاري ومسلم ومسند الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه).إذا غلب هذا الحُبُّ على الإنسان، واشتغل بسنته ومتابعته، والإكثار من الصلاة والتسليم عليه، فعندما يغلب الحبُّ عليه، فينام وهو يُفكر في حضرة النبَِّيِّ، وينام وهو مشغول بسنة النبيِّ، فيأتيه وهو في المنام . لكن سأمسك بالمسبحة وأصلى على النبيِّ خمسة آلاف مرَّة، واللسان يتحرك بالصلاة والعين لا تزال تلتفت يميناً وشمالاً لمن حولي من خلق الله، فلن أرى شيئاً من ذلك.
إذن العبرة بالتذكار وليست بالأذكار، والتذكار هو تذكر حضرة النبي، وتذكره بالقلب، واستحضار صورته وهيئته والتأسي به ومتابعته، والإكثار من الصلاة والتسليم عليه صلوات ربي وتسليماته عليه، وهذا هو السبيل الوحيد لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يجد ويجتهد في هذا الباب.
********************
الحلقة الثانية: قها – قليوبية 26من ذي القعدة 1433هـ الموافق 12/10/2012م