Sermon Details

شكرالله عز وجل
الحمد لله، خلق الخلق بقدرته، وغمرهم بما لا يُعدُّ ولا يُحدُّ من موائد كرمه ونعمه وبرِّه عز وجل، وطلب منهم سبحانه وتعالى نظير ذلك أن يشكروه ويحمدوه، فعجزوا عن حمده، فحمد نفسه بنفسه، وارتضى ذلك الحمد من خلقه، وقال لنا معلماً: (الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ) (2الفاتحة).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، طلب من عباده المؤمنين أن يكونوا له دوماً من عباده الشاكرين، ووعد الشاكرين بزيادة النعم، والحفظ من الأسقام والضُرِّ والنقم، وأن يجعلهم في الدنيا دائماً في طاعته، وأن يجعلهم في الآخرة من أهل الدرجات العُلى في جنته. وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، إمام الذاكرين، وسيد الشاكرين، الذي حكت عنه زوجه السيدة عائشة رضي الله عنها فقالت:
{دخل رسول الله صلى الله عليه وسلَّم عليَّ ذات ليلة ونام بجواري، حتى مسَّ جسمه جسمي، وتدثَّر بلحافي، ثم قال: (يا عائشة، تأذنين لي أن أعبد ربي عز وجل هذه الليلة؟) قالت: فقلت يا رسول الله إني لأحبك ولا أحب فراقك، ولكني أوثر هواك على هوى نفسي، قالت: فانطلق صلى الله عليه وسلَّم حتى دخل البقيع، فلما جاء بلال ليؤذنه بصلاة الفجر، خرجت معه فإذا به صلى الله عليه وسلَّم ساجداً والدموع تملأ عينيه، ونزلت من عينيه على لحيته، ونزلت من لحيته على الأرض، وهو يقول لمولاه مناجياً: (أعوذ برضاك من سخطك، وبك منك، لا أُحصي ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، جلَّ وجهك، وعزَّ جارك، وتناهى سلطانك). قالت: فلما انتهى من الصلاة قال له بلال: أأنت تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟، فقال صلى الله عليه وسلَّم: (أفلا أكون عبداً شكورا)}[1].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على هذا النبي المبارك سيدنا محمد، وآله الذين ساروا على هداه، وأصحابه الذين تابعوه على ما يحب الله عز وجل ويرضاه، وعلى كل التابعين من بعدهم وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين يا رب العالمين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين: فرض الله عز وجل على عباد الله المؤمنين ليرتقوا عند الله، ولترتفع درجاتهم يوم القيامة بين يدي الله، وليكونوا مع الذين يحبونهم من أنبياء الله ورسل الله، أن يقوموا بهذه العبادة التي يظن البعض أنها عبادة زائدة، لكنها فريضة في كتاب الله، هذه العبادة هي عبادة شكر الله عز وجل على جميع نعماه، وهذه العبادة لابد أن يسبقها عبادة التفكر.
فلو تفكر الإنسان في نفسه وما سوَّاه الله عز وجل في جسمه، وما صنعه سبحانه وتعالى في الحقائق التي أخفاها في جسمه، من الروح والقلب والعقل والفؤاد، والسر والخفى وغيرها، ثم لو نظر بعد ذلك إلى ما سخَّره الله له في الأكوان، مما حوله في عالم الأرض والبحار، وما فوقها من عالم السموات والأفلاك والنجوم، وما صنعه الله عز وجل له من عالم الدواب والطيور والأنعام وغيرها، لتحقق بقول الله في كتاب الله: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا) (34الرعد)، وهو مُطالب بكل نعمة من هذه النعم – إن كانت في نفسه أو حوله – بشكرٍ لله، أن يشكر الله عز وجل على ما أعطاه، وعلى ما وهبه له ليعيش به في هذه الحياة.
هذا الشكر جعله الله عز وجل عبادة، ولكنه عز وجل جعلها عبادة للأنبياء ومن يرد أن يلحق بهم من الأولياء والأتقياء، قال الله عز وجل لداود وأهله: (اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (13سبأ). وقال في نوح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام: (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) (3الإسراء). وقال في أبينا إبراهيم – أبو الأنبياء عليه وعلى نبينا أفضل الصلوات وأتم التسليم: (شَاكِرًا لانْعُمِهِ) (121النحل).
فوصف الأنبياء بأنهم شاكرين لله، وكما سمعنا فقد كان الحبيب أعظمهم شكراً لله جل في علاه، وجعل الله عز وجل هذا المقام لمن يريد أن يكون معهم، وأن يُحشر يوم القيامة في جملة من يقول فيهم الله: (فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) (69النساء).
——————————————–