• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:59 PM

Sermon Details

4 ديسمبر 2015م

(خطبة الجمعة) شكرالله عز وجل

فضيلة الشيخ/ فوزي محمد أبوزيد

شارك الموضوع لمن تحب

شكرالله عز وجل   

     الحمد لله، خلق الخلق بقدرته، وغمرهم بما لا يُعدُّ ولا يُحدُّ من موائد كرمه ونعمه وبرِّه عز وجل، وطلب منهم سبحانه وتعالى نظير ذلك أن يشكروه ويحمدوه، فعجزوا عن حمده، فحمد نفسه بنفسه، وارتضى ذلك الحمد من خلقه، وقال لنا معلماً: (الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ) (2الفاتحة).

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، طلب من عباده المؤمنين أن يكونوا له دوماً من عباده الشاكرين، ووعد الشاكرين بزيادة النعم، والحفظ من الأسقام والضُرِّ والنقم، وأن يجعلهم في الدنيا دائماً في طاعته، وأن يجعلهم في الآخرة من أهل الدرجات العُلى في جنته. وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، إمام الذاكرين، وسيد الشاكرين، الذي حكت عنه زوجه السيدة عائشة رضي الله عنها فقالت:

{دخل رسول الله صلى الله عليه وسلَّم عليَّ ذات ليلة ونام بجواري، حتى مسَّ جسمه جسمي، وتدثَّر بلحافي، ثم قال: (يا عائشة، تأذنين لي أن أعبد ربي عز وجل هذه الليلة؟) قالت: فقلت يا رسول الله إني لأحبك ولا أحب فراقك، ولكني أوثر هواك على هوى نفسي، قالت: فانطلق صلى الله عليه وسلَّم حتى دخل البقيع، فلما جاء بلال ليؤذنه بصلاة الفجر، خرجت معه فإذا به صلى الله عليه وسلَّم ساجداً والدموع تملأ عينيه، ونزلت من عينيه على لحيته، ونزلت من لحيته على الأرض، وهو يقول لمولاه مناجياً: (أعوذ برضاك من سخطك، وبك منك، لا أُحصي ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، جلَّ وجهك، وعزَّ جارك، وتناهى سلطانك). قالت: فلما انتهى من الصلاة قال له بلال: أأنت تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟، فقال صلى الله عليه وسلَّم: (أفلا أكون عبداً شكورا)}[1].

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على هذا النبي المبارك سيدنا محمد، وآله الذين ساروا على هداه، وأصحابه الذين تابعوه على ما يحب الله عز وجل ويرضاه، وعلى كل التابعين من بعدهم وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين يا رب العالمين.

أيها الأحبة جماعة المؤمنين: فرض الله عز وجل على عباد الله المؤمنين ليرتقوا عند الله، ولترتفع درجاتهم يوم القيامة بين يدي الله، وليكونوا مع الذين يحبونهم من أنبياء الله ورسل الله، أن يقوموا بهذه العبادة التي يظن البعض أنها عبادة زائدة، لكنها فريضة في كتاب الله، هذه العبادة هي عبادة شكر الله عز وجل على جميع نعماه، وهذه العبادة لابد أن يسبقها عبادة التفكر.

فلو تفكر الإنسان في نفسه وما سوَّاه الله عز وجل في جسمه، وما صنعه سبحانه وتعالى في الحقائق التي أخفاها في جسمه، من الروح والقلب والعقل والفؤاد، والسر والخفى وغيرها، ثم لو نظر بعد ذلك إلى ما سخَّره الله له في الأكوان، مما حوله في عالم الأرض والبحار، وما فوقها من عالم السموات والأفلاك والنجوم، وما صنعه الله عز وجل له من عالم الدواب والطيور والأنعام وغيرها، لتحقق بقول الله في كتاب الله: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا) (34الرعد)، وهو مُطالب بكل نعمة من هذه النعم – إن كانت في نفسه أو حوله – بشكرٍ لله، أن يشكر الله عز وجل على ما أعطاه، وعلى ما وهبه له ليعيش به في هذه الحياة.

هذا الشكر جعله الله عز وجل عبادة، ولكنه عز وجل جعلها عبادة للأنبياء ومن يرد أن يلحق بهم من الأولياء والأتقياء، قال الله عز وجل لداود وأهله: (اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (13سبأ). وقال في نوح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام: (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) (3الإسراء). وقال في أبينا إبراهيم – أبو الأنبياء عليه وعلى نبينا أفضل الصلوات وأتم التسليم: (شَاكِرًا لانْعُمِهِ) (121النحل).

فوصف الأنبياء بأنهم شاكرين لله، وكما سمعنا فقد كان الحبيب أعظمهم شكراً لله جل في علاه، وجعل الله عز وجل هذا المقام لمن يريد أن يكون معهم، وأن يُحشر يوم القيامة في جملة من يقول فيهم الله: (فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) (69النساء).

——————————————–

كيف نؤدِّي هذه العبادة، وهذه النعمة، وهذا الشكر لله؟

ظنَّ كثيرٌ من عوام المؤمنين أنه إذا قال بلسانه: ((الحمد لله)) فقد شكر الله عز وجل على جميع نعماه، لكننا نقول له: ذاك لا يكفيك، ((فالشكر لله قولٌ باللسان، واعتقاد بالقلب والجنان، وعملٌ بالجوارح والأكان))، لابد أن يتم في هؤلاء ليكون عبداً لله عز وجل من الشاكرين، وأولهم وأهمهم القلب، أن يعتقد تمام الإعتقاد أن كل ما فيه من نعمٍ فهي من الله، وكل ما يأتيه من خيرٍ فمن فضل الله، وكل ما يُصرف عنه من سوءٍ أو ضُرٍّ فبحفظ الله، ويعلم علم اليقين بقلبه أن الله وحده هو الفعَّال لما يريد، وكل ما نراه أسباباً، والأسباب لا تفعل إلا بإذنٍ من مسبب الأسباب عز وجل.

فكلما رأى نعمة – في نفسه، أو في ماله أو في أهله أو في عمله أو في أى شيء له – يعلم بقلبه ويُقر به إقراراً يقينياً أن هذا من فضل الله. هذا نبي الله سليمان بن داود، أتاه الله الملك، ووهبه الله النبوة، وسخَّر الله عز وجل له الريح، وسخَّر له الجن، وعلمَّه منطق الطير، لكنه كان يقول عن ذلك كما انبأ ربه عز وجل: (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) (40النمل)، كل هذا من فضل الله، وقال الله لنا أجمعين: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) (53النمل).

فإذا أقرَّ القلب واعترف بأن جميع النعم من الله، وأن دفع النقم والشر والسوء لا يتم إلا بحفظ الله وصيانة الله، تعمل الجوارح التي في هذا الجسم بما أمر الله، فلا تنظر العين إلا إلى ما أحله الله، لتكون عيناً شاكرة. تنظر إلى كلام الله، وتنظر إلى آيات في الآفاق لتعرف فيها قدرة الله وإبداع صُنع الله، تتحسَّس أحوال الفقراء والمساكين ليكفلهم بالفضل الذي أفاءه عليه مولاه، تنظر بعين رحمة ومودِّة إلى الأبوين وذوي الأرحام لتصلهما كما طلب الله وأوصى رسول الله. لكنها لا تنظر إلى المحرمات، ولا تنتطلق إلى الممنوعات، ولا يسمح لها أن تنظر في الطريق إلى الغاديات والرائحات، ولا يسمح لها ولو كان في منزله أن تنظر على النت أو على القنوات الممنوعات، وإلى الأشياء التي حرمها الله عز وجل، لأنها تكون عيناً عاصية.

واللسان لكي يشكر الله لابد أن يكون ذاكراً لله، تالياً لكتاب الله، مؤدياً النصيحة لمن احتاجها من عباد الله، ومُخففاً بكلامه عن المنكوبين ومن عندهم موتى من عباد الله. ولا يستخدمه في سبٍّ ولا شتم، ولا لعن ولا كذب، ولا زور ولا سحر، ولا غيرها من الأقوال التي نهى عنها الكبير المتعال ووضحها لنا الحبيب صلى الله عليه وسلَّم.

والأذن: لكي تكون شاكرةً لله، فلا أسمع بها إلا ما يحبه الله؛ من علمٍ نافعٍ، أو من قرآن يتلوه إنسانٌ خاشع، أو نصيحة إيمانية أو أحاديث نبوية أو أى أمرٍ يحبه رب البرية. لكن أُنزهها عن سماع الغيبة والنميمية، والسب وقول الزور، لقوله صلى الله عليه وسلَّم: (السامع والمغتاب في الإثم شريكان)[2].

وهكذا في الجوارح كلها من اليد والرجل والفرج والبطن والعقل كذلك شكر الله به أن يُفكِّر فيما ينفع به الإنسان في دنياه من حلالٍ أحلَّه الله، أو ما يرفع الله به الإنسان في أُخراه من أعمالٍ صالحة يتأسى فيها بحبيب الله ومصطفاه، فلا يُفكِّر به في ضُر مسلم، أو في شكوى كيدية لمؤمن، أو في تُهمة يُلصقها ببريئ، أو أى تفكير لقتل المسلمين أو تشويه المؤمنين، حتى يكون هذا العقل شاكراً لرب العالمين.

والمال إذا كان الإنسان يريد أن يكون به شاكراً لله فلابد أن يُحصِّله من حلال، وأن يُنفقه في طرقٍ تُرضي ذي الجلال والإكرام، فلا يُنفقه في الآثام، لا يُنفقه في شراء المخدرات والمسكرات، ولا يذهب به إلى أماكن اللهو، ولا غيرها إلى الأمور التي تُغضب الله، بل يجعل ماله للإنفاق على أهله أولاً، ثم الباقي يحولِّه لهم ولنفسه عند الله يكتسب به بسمة ليتيم، أو يكتسب به مداراة سوءة فقير، أو يكتسب به أى عملٍ خيريٍ يدوم، وهكذا حتى يكون الإنسان عند الله عز وجل من الشاكرين.

وضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلَّم وحكى لنا مثلاً من الأولين لنعلم قدر نعم الله عز وجل وما تحتاج إليه من شكر، فقال صلى الله عليه وسلَّم: (حكى لي أخي جبريل أن هناك رجلاً كان يقيم في جزيرة، وجعل الله له فيها عين ماء يتوضأ منها ويشرب منها ويغتسل منها، وجعل له شجرة رمان تُنبت له كل يوم عند غروب الشمس ثمرة يصوم اليوم ثم يُفطر عليها. أحيا خمسمائة عام، الليل قائماً والنهار صائماً، ثم طلب من الله عز وجل أن يقبضه وهو ساجد، فقبضه الله وهو ساجد.

قال جبريل: (إنا لنمُرُّ عليه عند الصعود وعند الهبوط وهو ساجد، ونجد له في علم الله عز وجل: أنه إذا كان يوم القيامة ووقف بين يدي الله يقول الله تعالى: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، فيقول: بعملي يا رب، فيقول الله تعالى: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، فيقول: بعملي يا رب، فيقول الله تعالى: أدخلوا عبدي النار، فتأخذه زبانية جهنَّم فيستغيث بالله، فيأمر الله عز وجل بردِّه، ثم يقول لهم: ضعوا عمل الخمسمائة عامٍ في كفة من كفَّات الميزان، وضعوا نعمة واحدة من نعم الله – وهي نعمة البصر في كفَّة، قال صلى الله عليه وسلَّم: فرجحت نعمة البصر على عمل الخمسمائة عام)[3].

تدبَّر يا أخي المؤمن لو قيل لك: ادفع كهرباء العين التي تنظر بها آناء الليل وأطراف النهار فكم تدفع؟!!، ولو قيل لك ادفع تليفون الأذن التي تسمع بها الأصوات وتُميِّز بها اللغات واللهجات فماذا معك لكي تدفع؟!!، ولو قيل لك ادفع ما يُحرِّك اللسان ويجعله ينطق بما يخطر على القلب والجنان، فماذا تصنع؟!!، إلى آخرها من نعم الله عز وجل التي لا تُعد ولا تُحد!!!

فاشكر الله عز وجل باللسان، واعتقد بالقلب والجنان أن الأمر كله فضلٌ من الرحمن، وحافظ على العمل بالجوارح والأران، فهذا هو الشُكر الذي يحبه الرحمن، قال صلى الله عليه وسلَّم: (من لم يشكر الناس لم يشكر الله تعالى)[4].

التائب حبيب الرحمن والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، الذي أكرمنا بحمده وشكره في كل وقتٍ وحين، ونسأله عز وجل أن يجعلنا أجمعين دوماً ن عباده الذاكرين الشاكرين الفاكرين الحاضرين بين يديه عز وجل في كل وقتٍ وحين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يحب عباده التوابين والمتطهرين والشاكرين. وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، نعم المعلم الذي علمنا ما ينفعنا في الدنيا وما يرفعنا يوم الدين.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد صاحب القدوة الطيبة، والنموزج القويم، صلى الله وعلى آله وصحبه وكل من اتبع هديه إلى يوم الدين.

أيها الأحبة جماعة المؤمنين:

الإسلام دين الذوق الرفيع واللُطف البديع، وما يسمونه في عالم اليوم “بالإتيكيت” أول من أسَّسه ووضع أُسُسه الكلية هو الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلَّم بتوجيهٍ من الله عز وجل. وجَّهنا الله عز وجل إلى أنه كما ينبغي أن نشكر الله على عطاياه، ينبغي أن نشكر من عباد الله كل من أسدى لنا نعمة، وكل من صنع لنا جميلاً[5]، ومن لم يفعل ذلك كان جاحداً، والجحود ليس من دين الإسلام.

وأول من أسدى إلينا نعماً لا تُعد ولاتُحد الأبوين الأب والأم، ولذا قال الله عز وجل لنا: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) (14لقمان). أشكر الله ثم أشكر الوالدين؛ سبب كل نعمة لك، وسبب كل منفعة تحققت فيك. وشكر الوالدين يكون ببرِّهما وطاعتهما، والحرص على رضا قلوبهما نحوي، وأن أحرص حرصاً شديداً أن لا أغضبهما قطّ، وأن أحرص على دعائهما، فإن الإنسان يمشي في الدنيا بدعاء الوالدين موفقٌ في كل وقتٍ وآن.

وليس من عقوبة تُعجَّل في الدنيا ولا تُؤجَّل إلى الآخرة إلا عقوبة عقوق الوالدين، فقد اقتضت حكمة الله عز وجل ان يُعجِّل بهذه العقوبة في الدنيا، حتى نراها رأي العين، لأن الله عز وجل حريصٌ على أن يكون المسلم كما هو شديد الأدب مع مولاه، شديد الأدب مع جميع خلق الله.

وكذلك كل من أسدى إلينا معروفاً، أو صنع إلينا جميلاً، علينا أن نشكره ونعترف له بالفضل، ونذكره دائماً بالخير والبر، قال صلى الله عليه وسلَّم: (يقول الله تعالى: عبدي لن تشكرني ما لم تشكر من أجريت لك النعمة على يديه)[6].

ونحن نسمع في هذا الزمان رجالاً يقدمون معروفاً ويأتي من قدّم له المعروف في لحظة ويقول له: ماذا عملت لي؟، وما الذي عملته لي؟. ويُنكر ويجحد!!، وهذا الجحود يجعله حتى عند الله غير شاكرٍ لله، لأن الشكر لله معه الشكر لخلق الذين كلفهم الله لنا وأسدُوا إلينا معروفاً، يجب أن نشكرهم على ما أسدوه إلينا من جميل، ولو أن نقول له: جزاك الله خيرا[7].

الشكر لله عز وجل؛ جعل له النبي صلى الله عليه وسلَّم دعاءاً إذا قاله الفرد صباحاً ومساءاً فقد أصبح شاكراً لله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلَّم: (من قال حين يُصبح اللهم إني اصبحتُ وما بي من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك،  فلك الحمد ولك الشكر فقد أدَّى شكر يومه، فإذا قالها في المساء فقد أدَّى شكر ليلته)[8]. ولذا كان سلفنا الصالح يحافظون على هذا الدعاء صباحاً ومساءاً: ((اللهم إني أصبحتُ وما بي من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر  وفي المساء يقول: اللهم إني أمسيتُ وما بي من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر)). من قالها حين يُصبح فقد أدَّى شكر يومه كما قال الذي لا ينطق عن الهوى، ومن قالها حين يمسي فقد أدَّى شكر ليلته.

فحافظوا عليها ولا تسهوا عنها يوماً قط، أما الخلق فينبغي أن يقول الإنسان لهم: جزاك الله خيراً، أو يدعو له بخير قال صلى الله عليه وسلَّم: (من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تستطيعوا فادعوا له)[9].

من أسدى إليك جميلاً أو معروفاً فكافئه بما تستطيع فإن لم تسطع فادع له، وخير الدعاء من كان عن ظَهر غيب. ما كان بظهر الغيب لا يسمعه ولكنك بينك وبين الله لقوله صلى الله عليه وسلَّم: (دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب لا يُردُّ، وإذا دعا يقول له المَلَك: ولك مثله)[10]. فيستجاب دعاءه ويستجيب الله له مثله.

فعلينا جماعة المؤمنين أن نكون من الشاكرين نسأل الله عز وجل أن نكون من عباده الشاكرين الذاكرين الفاكرين الحاضرين بين يديه في كل وقتٍ وحين.

اللهم أعنا على ذكرك وحُسن عبادتك، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل زاهقاً وهالكاً وارزقنا اجتنابه.

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، ومتعنا بحصن المتابعة للحبيب المصطفى واجعلنا يوم القيامة تحت لواء شفاعته وفي الجنة من أهل جوار حضرته أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات يا رب العالمين.

اللهم تفضَّل على أهل مصر بتوحيد الصفوف وتوحيد الكلمة واجمعنا ولا تفرقنا وأعزنا بعزك ولا تذلنا باللجوء إلى غيرك واجعل أهل مصر في أمنٍ وخيرٍ وبرٍ وسخاء إلى يوم الدين.

اللهم اهلك الكافرين بالكافرين وأوقع الظالمين في الظالمين، وأخرج المسلمين من بينهم سالمين غانمين.

اللهم فُلَّ سيوف الذين يعادوننا في مياه النيل واجعل بأسهم بينهم شديد، وكثِّر خيرنا وبرِّنا ولا تحوجنا إلى غيرك طرفة عينٍ ولا أقل يا أرحم الراحمين. 

   عباد الله اتقوا الله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (90النحل).

أذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، وأقم الصلاة.


[1] روي ابن حبان في صحيحه أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها سئلت عن أعجب ما رأته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت ثم قالت: كان كل أمره عجباً، أتاني في ليلتي التي يكون فيها عندي، فاضطجع بجنبي حتى مس جلدي جلده، ثم قال: ياعائشة ألا تأذنين لي أن أتعبد ربي عز وجل؟ فقلت: يارسول الله: والله إني لأحب قربك وأحب هواك- أي أحب ألاّ تفارقني وأحب ما يسرك مما تهواه- قالت: فقام إلى قربة من ماء في البيت فتوضأ ولم يكثر صب الماء، ثم قام يصلي ويتهجد فبكى في صلاته حتى بل لحيته، ثم سجد فبكى حتى بلّ الأرض، ثم اضطجع على جنبه فبكى، حتى إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الفجر رآه يبكي فقال: يارسول الله، ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟، فقال له: ويحك يا بلال، وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل الله عليّ في هذه الليلة هذه الآيات: (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب)، فقرأها إلى آخر السورة، ثم قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها. وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام حتى تفطر رجلاه، قالت: يا رسول الله، أتصنع هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟، فقال صلى الله عليه وسلم: يا عائشة، أفلا أكون عبدا شكوراً).

[2] الطبراني، وفي شرح المائة كلمة للبحراني قال الإمام عليّ: (السامع للغيبة أحد المغتابين). قال الإمام النووى رحمه الله: اعلم أن الغيبه كما يحرم على المغتاب ذكرُها يحرم على السامع استماعُها وإقرارها، فيجب على من سمع إنساناً يبتدىء بغيبه محرمه أن ينهاه إن لم يخف ضرراً ظاهراً، فإن خافه وجب عليه الإنكار بقلبه، ومفارقة ذلك المجلس إن تمكَّن من مفارقته، فإن قدر على الإنكار بلسانه، أو على قطع الغيبه بكلام آخر، لزمه ذلك ،فإن لم يفعل عصى، فإن قال بلسانه: “اسكت”، وهو يشتهى بقلبه استمراره، فقال أبو حامد الغزالى: “ذلك نفاق لا يخرجه عن الإثم ولابد من كراهته بقلبه.

[3] رواه الخرائطي والحاكم عن جابر رضي الله عنه: (خرج من عندي خليلي جبريل آنفا فقال: يا محمد، والذي بعثك بالحق إن لله عبداً من عباده؛ عبد الله خمسمائة سنة على رأس جبل في البحر عرضه وطوله ثلاثون ذراعا في ثلاثين ذراعا، والبحر محيط به أربعة آلاف فرسخ من كل ناحية، وأخرج له عينا عذبة بعرض الأصبع تفيض بماء عذب فيستنقع في أسفل الجبل، وشجرة رمان تخرج له في كل ليلة رمانة، يتعبد يومه فإذا أمسى نزل فأصاب من الوضوء وأخذ تلك الرمانة فأكلها ثم قام لصلاته، فسأل ربه عند وقت الأجل أن يقبضه ساجدا، وأن لا يجعل للأرض ولا لشيء يفسده عليه سبيلا حتى يبعثه الله وهو ساجد. قال: ففعل، فنحن نمر عليه إذا هبطنا وإذا عرجنا فنجد له في العلم: أنه يبعث يوم القيامة فيوقف بين يدي الله فيقول له الرب: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، فيقول: رب بل بعملي، فيقول: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، فيقول: ربِّ بل بعملي، فيقول الله: قايسوا عبدي بنعمتي عليه وبعمله، فتوجد نعمة البصر قد أحاطت بعبادة خمسمائة سنة وبقيت نعمة الجسد فضلا عليه، فيقول: أدخلوا عبدي النار، فيجر إلى النار فينادي: رب برحمتك أدخلني الجنة. فيقول: ردوه، فيوقف بين يديه فيقول: يا عبدي من خلقك ولم تك شيئا؟، فيقول: أنت يا رب، فيقول: من قواك لعبادة خمسمائة سنة؟، فيقول: أنت يا رب، فيقول: من أنزلك في جبل وسط اللجة وأخرج لك الماء العذب من الماء المالح، وأخرج لك كل ليلة رمانة وإنما تخرج مرة في السنة، وسألته أن يقبضك ساجداً ففعل؟، فيقول: أنت يا رب، قال: فذلك برحمتي، وبرحمتي أدخلك الجنة، أدخلوا عبدي الجنة، فنعم العبد كنت يا عبدي!!، فأدخله الله الجنة. قال جبريل: إنما الأشياء برحمة الله يا محمد).

[4] رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس).

[5] روى أحمد عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: (من أتى إليه معروف فليكافئ به، فإن لم يستطع فليذكره، فمن ذكره فقد شكره).

[6] رواه البيهقي عن عائشة قالت: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقول لي: ما فعلت أبياتك؟، فأقول: أي أبيات تريد فإنها كثيرة؟، فيقول: في الشكر، فأقول: نعم بأبي وأمي، قال الشاعر:

ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه …… يوما فيدركك العواقب قد نما
يجزيك أو يثني عليك وإن من … أثنى عليك بما فعلت كمن جزى
إن الكريم إذا أردت وصاله ……… لم تلف رثا حبله واهي القوى

قالت: فيقول: نعم يا عائشة، أخبرني جبريل، قال: إذا حشر الله الخلائق يوم القيامة، قال لعبدٍ من عباده اصطنع إليه عبدٌ من عباده معروفا: فهل شكرته؟، فيقول: أي رب علمت أن ذلك منك فشكرتك، فيقول: (لم تشكرني إذا لم تشكر من أجريت ذلك على يديه)}.

[7] روى الترمذي عن أسامة مرفوعاً: (من صنع إليه معروف فقال لفاعله : جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء).

[8] روى أبو داود والنسائي عن عبد الله بن غنام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر فقد أدى شكر يومه، ومن قال ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته). وهذا لفظه لكنه لم يذكر: “حين يمسي”، وأخرجه ابن حبان بلفظ النسائي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

[9] أخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ورواه أبو داود بلفظ: (مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ).

[10] مسلم عن عويمر بن مالك رضي الله عنه.


    حدائق المعادي ـ مسجد النور ـ خطبة الجمعة 4/12/2015م

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid