سؤال: البعض يسأل عن الصيام في شهر رجب: هل هناك أحاديث تحضُّ على الصيام في شهر رجب؟
—————-
الجواب: الأحاديث الواردة في صيام شهر رجب كلُّها – تقريباً – موضوعة وليست ضعيفة فقط، لكن الصيام في أي شهر قال صلى الله عليه وسلم: (صُمْ من الحُرُمْ واترك)[1].
ورجب شهرٌ حرام، صم فيه واترك، لكن لا أصوم على أنه سُنَّة، فالسُنَّة معناها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عملها، ولم يَرْد عن رسول اللهصلى الله عليه وسلمأنه صام السابع والعشرين من رجب، ولا أنه صام غير يوم الإثنين والخميس من الأيام العادية، فصوم يوم الإثنين والخميس اقتداءً برسول الله- وهو صيام مسنون- لكن يوم السابع والعشرين من رجب يقال أن فيه حديثاً يقول: (إن رجب نهر في الجنة، ماؤه أبيض من اللبن…. ) وقول آخر: (من صامه فكأنما صام ستين شهراً).
كل هذه أحاديث موضوعة ليس لها أساس في دين الله عزَّ وجل. لكن من أراد الصوم في أي يوم فليصم، الصيام ليس حرام مادام لا يفرد يوم الجمعة بصيام. إذا كان يوم الجمعة فسنصوم معه يوم الخميس أو يوم السبت، أي يوم بعد ذلك من أيام الأسبوع فليصم. لكن لا أصوم لعلة غير شرعية، أصوم لله لا بأس في أي يوم من الأيام ولا مانع من ذلك. هذا – يا إخواني – حكم الصيام في هذا الموضوع، أي: (الصيام في شهر رجب).
فالصيام المسنون هو ما صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم (الإثنين والخميس، يوم عاشوراء)، هذه الأيام هى المسنونة التي صامها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حتى يوم النصف من شعبان، جاء فيه حديثاً صحيحاً، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها)[2]. لكن لم يثبت أنه صامها، إذاً يكون صياماً غير مسنون، وإنما يكون صياماً مستحباً، فأنا أصومه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبب فيه لكن صيامه ليس مسنوناً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصمه وإنما حبب فيه، فإذا صمت فأصوم على أنه مستحب، حبب رسول الله فيه وليس على سبيل السنة، لأن السنة لابد أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله بنفسه لكن الاثنين والخميس كان رسول الله يحافظ عليهم ليس في ذلك شيء.
صيام الثلاثة أيام من كل شهر حبَّب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (صوم شهر الصبر- أي: شهر رمضان- وثلاثة أيام من كل شهر كصوم الدهر كله)[3]، يعني كصيام السنة كلها. وهذا أقل الصيام للسالكين والمجاهدين في طريق الله، ويعتبر صياماً راقياً لأنك تصوم ثلاثة أيام وتكتب عند الله صائمأ السنة كلها.
هذه الثلاثة أيام لم يحددها أحد، بعض الناس تحسبها على أنها الأيام البيض (الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر)، وليس كذلك لأنه لم يرد، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تركها من غير تحديد، فأنت تستطيع أن تصوم يوماً من كل أسبوع، وهذا يكفيك، وجائز أن تكون ثلاثة أيام متتاليات من غير أن تشق على نفسك.
إذاً فالأمر هنا مباح على حسب المتاح – من وقت الإنسان، ومن صحة الإنسان – والطاعات كلها الأمر الجامع فيها: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (16سورة التغابن)، على حسب الاستطاعة التي لديك: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) (286 سورة البقرة). إذاً فلِمَ تشق على نفسك؟!! ولِـمَ تُبَغّض إلى نفسك العبادات؟!! اجعل لنفسك أن يكون عندها الرغبة في عمل هذه العبادات، بمحبةٍ وتقربٍ إلى الله عزَّ وجل. هذا هو أمر الصيام في هذه الأيام.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
———————————————-
[1]رواه أبو داود عن مجيبة الباهلية أن أباها أو عمها عن أبيها أو عمها أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق، فأتاه بعد سنة وقد تغيرت حاله وهيئته فقال: يا رسول الله أما تعرفني؟ قال: ومن أنت؟ قال: أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول. قال: فما غيرك وقد كنت حسن الهيئة؟ قال: ما أكلت طعاماً إلاَّ بليل منذ فارقتك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لِـمَ عذَّبت نفسك؟!! ثم قال: (صم شهر الصبر ويوماً من كل شهر، قال: زدني، فإنَّ بي قوة. قال: صم يومين. قال: زدني، قال: صم ثلاثة أيام. قال: زدني، قال: صُمْ مِنْ الحُرُمِ واترك، صُمْ مِنْ الحُرُمِ واترك، صُمْ مِنْ الحُرُمِ واترك)، وقال: بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها.
[2] رواه ابن ماجه والبيهقي والديلمي عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه: (إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول ألا من مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر).
[3] روى النسائي وأحمد وابن حبان عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَصَوْمُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ).
أسئلة محيرة وإجابات شافية بمسجد جمعية الدعوة إلى الله – الزقازيق الجمعة 17-6-2011