• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

30أكتوبر2015

و أيده بجنود لم تروها

إقرأ الموضوع

شارك الموضوع لمن تحب

……………………………………………………………………

السؤال: ما معنى قوله تعالى: (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا) (40التوبة)؟

———————

قلنا: (بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا)، يعني: جنودٌ لا تراها العين، وبعض العلماء ذكر أن الجنود هنا وهي العنكبوت والنبات الذي كان موجوداً على باب الغار، واليمامتان، وقد رأتهم العين، أما الآية فتقول: (بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا)، فما هذه الجنود؟

أولها: توفيق الله عزَّ وجلَّ؛ مدد التوفيق الإلهي لحضرته.

ثانيها: السكينة: هو الذي أنزل السكينة أين؟، (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) (4الفتح). فالسكينة تنزل على القلب، وكذلك: (فَأَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا) (40التوبة).

ثالثها: قال فيه صلى الله عليه وسلَّم: (نُصرتُ بالرعب مسيرة شهر)[1]. فكان صلى الله عليه وسلَّم إذا قصد قوماً وبينه وبينهم مسافة شهر يحدث لهم رعب، مع أنه بينه وبينهم مسافة ومسيرة شهر، وهذا حدث في موقعة تبوك، وتبوك موجودة في شمال الجزيرة العربية وجنوب الأردن وبينها وبين المدينة المنورة حوالي 700 كيلومتراً. والروم جهَّزُوا جيشاً تعداده 50 ألف جندياً جهَّزه قيصر الروم ليغزو المدينة ويأسر النبي صلى الله عليه وسلَّم ومن معه ويقضي على الإسلام، وتجمَّع الجيش في تبوك.

جمَّع النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم جيشاً مع أنه كان في وقتٍ كان الناس على غير أُهبة للخروج، وكان في وقت حصاد التمر وهو المحصول الرئيسي في المدينة، فكيف يتركوا الحصاد ويذهبون؟ وفي موسم الحصاد كذلك قد أصابهم الكساد وليس معهم شيء، فكان الناس يعانون من قلة الشيء، وكان الجو شديد الحرارة، ومع ذلك لما خرج النبي بجيشه ووصل إلى تبوك لم يجد هناك أحداً!!، فمجرد أن سمعوا بخروجه من المدينة تفرقوا وانفرط عقدهم!!، لماذا؟، لقوله صلى الله عليه وسلَّم: (نُصرت بالرعب). وهي جنود لا يراها الإنسان، ومن أين يأتي هذا الرعب: (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) (26الحزاب). يقذفه الله عز وجل في القلوب، فيحدث لها رعبٌ من الإنسان الذي هو مُؤيدٌ من حضرة الرحمن عزَّ وجلَّ.

فالرعب والتأييد والستر والحماية، {فقد خرج صلى الله عليه وسلَّم صلى الله عليه وسلَّم من بيته، والجند من حوله يتحدثون، وليسوا نائمين ولكن مستيقظون، فيقول بعضهم لبعض: إن محمداً يزعم أن من يتبعه سيصير له جنان – يعني حدائق – كجنان بلاد العراق وبلاد الشام، فخرج وقال: (نعم أنا أقول ذلك)، فلم يسمعوه ولم يروه، فأخذ الله بأسماعهم وأبصارهم، وزاد على ذلك أنه أخذ حفنة من التراب ووضعها على رؤسهم، فلم يترك رأساً إلا ووضع عليها الحصى، ومع ذلك فلم يشعروا. وكان سلاحه في هذا الأمر أن تلا قول الله تعالى: (يس)، إلى قوله: (فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ) (9يس)، وأعادها فحدثت لهم الغاشية فلم يسمعوا ولم يبصروا، حتى جاء قائدهم أبو جهل لعنة الله عليه يمر على جُنده وهم جلوس عنده، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: ننتظر محمداً، قال: خيبكم الله، لقد خرج وما ترك رجلاً منكم إلا ووضع تراباً على رأسه، وخلع حذاءه وأخذ يضربهم به، وظنَّ أن الأمر بأيديهم، ولكن الأمر من القدير عزَّ وجلَّ}[2].

وأيضاً أيده الله (بجنودٍ لم تروها): أى جنود الأرض، فعندما لحق به سراقة بن مالك، قال الأمين جبريل: الأرض طوع أمرك فمُرها بما شئت، قال: يا أرض خذيه فانشقت وانضمنت على أقدام الفرس وأرجل سراقة وانطبقت عليهما، فأعلن سراقة التوبة وقال: يا رسول الله تُبتُ ولن أعود إلى ذلك فادعُ الله لي، قال: يا أرض أتركيه فتركته. ثم عادت له الخواطر السيئة وقال: أنها مائة جمل لمحمد ومائة جمل لأبي بكر وأنا أريدهم، فهمَّ بسوءٍ، فقال: يا أرض خذيه – ثلاث مرات، فكانت الأرض طوع أمره.

جُندٌ آخر من جُند الله يجد الإنسان فيه عجباً: الناقة يركبها الحبيب ويريد الناس الإمساك بها واستضافته، واليهود من جملة الناس، فعند بيت اليهودي تمر مسرعةً، فما الذي عرفها أنه بيت يهودي؟، هل كانت هناك علامة حمراء؟!!، وعند بيت المؤمن تقف، والمؤمنون مجهزين تحية لسيد الأولين والآخرين، فمنهم من جهَّز تمراً، ومنهم من جهز لبناً، ومنهم من جهز عسلاً، فكل واحد منهم جهَّز شيئاً فيحاولون أخذها، فيقول لهم صلى الله عليه وسلَّم: (دعوها فإنها مأمورة)[3]. وهل الناقة تُؤمر؟!!، فهذا سرُّ لا يعرفه إلا صاحب سرّ، وكيف تكون مأمورة؟، وهل معها خط سير؟، وكيف عرفت؟، فظلت تمشي وتمشي حتى وصلت إلى مكان – وهي من نفسها حلحلت وذهبت وعادت – ثم بركت فيه. ما الذي عرفها أن هذا المكان هو المكان الذي اختاره الله لبناء مسجد النبي العدنان؟، ومن أين عرفت؟، وكان هذا المكان بجوار بيت حضرة النبي الذي جهَّزه له ربنا.

وحضرة النبي عندما هاجر للمدينة لم يذهب إلى أحد ولكن نزل في بيته، في بيته هو وملكه، فقد كان ملك اليمن أسعد الحميري – قبل أن يهاجر النبي بثلاثمائة سنة – خرج ومعه جنده ويريد أن يستولي على ما حوله من الأرض. فعندما وصل إلى المدينة فقابله اليهود وقالوا له: لن تسطتيع أن تدخل هذه المدينة لأنها مُهاجر خاتم الأنبياء، فهم يعرفونه: (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ) (146البقرة). سيدنا عبد الله بن سلام يقول لسيدنا عمر: أنا أعرف حضرة النبي أكثر من إبني، فقال له: كيف؟، قال: أنا لا أشك في معرفة النبي، ولكن بالنسبة لإبني فأنا غير متأكد إن كان من صُلبي أم لا، يعني أنجبته زوجتي مني أو من أحد آخر؟[4]، وهذا كلام ربنا: (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ) (146البقرة).

والمَلِكُ كان معه مجموعة من العلماء، قيل: سبعون، وقيل: أربعمائة حسب إختلاف الروايات، سألهم: فقالوا: هذا الكلام صحيح وموجودٌ في الكتب السابقة. بنى لكل واحد من العلماء بيتاً، وزوَّج كل واحدٍ منهم بجارية، وقال لهم: تظلون هنا تنتظرون هذا النبي إلى أن تنصروه، وهؤلاء هم أصل الأنصار، ولذلك الأنصار جاءوا من اليمن. وبنى بيتاً من دورين وهو لإمام العلماء – رئيسهم، وقال له: هذا البيت معك أمانة إلى أن يأتي حضرة النبي، فهو بيته هو، وترك معه رسالة وقال له: تعطيها لنجلك إلى أن يوصلوها لحضرة النبي.

وعندما نزلت الناقة وكل واحد يريد أن يأخذ رحل حضرة النبي عنده، فقال صلى الله عليه وسلَّم صلى الله عليه وسلَّم: من أقرب بيتٌ هنا؟ قالوا: بيت أبي أيوب، فقال: إذن احمل الرحل أبا أيوب، فقالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: المرء مع رحله[5]، وبعد أن دخل عند أبي أيوب قال له: يا أبا أيوب أين كتاب تُبَّع؟ – الكتاب الذي موجودٌ عندكم لحين حضور حضرة النبي – والكتاب كان مكتوباً فيه:  

شهدتُ على أحمــــــــــــــــد أنه        رسولٌ من الله باري النســــــم

فلو مُدَّ عمري إلى عمــــــره         لكنت نصيراً له وابن عـــــــــــم

          وجالدت بالســيف أعداءه         وفرجت عن صدره كل غــــم

إلى بقية الأبيات، فقال صلى الله عليه وسلَّم فيما معناه: (أول من آمن بي تُبَّع). فنحن نعلم أن أول من آمن به هو أبو بكر، لكن أول من آمن به كان تُبَّع لأنه آمن من قبل هجرة النبي بثلاثمائة سنة، وجهَّز له بيته. فما هاجر صلى الله عليه وسلَّم إلا في بيته، ولم ينزل عند أحدٍ آخر من إعزاز الله عزَّ وجلَّ له.

فالجنود التي لا نراها، جنودٌ لا عدَّ لها ولا حصر لها، منها ما ذكرناه، ومنها ما هو مبثوثٌ في كتاب الله، فأمده الله عز وجل بجنود الإخلاص، وأمده الله عز وجل بجنود الخشوع، وأمده الله عز وجل بجنود الثقة بالله، فأبو بكر كان خائفاً فيقول له: {ما بالك باثنين الله ثالثهما، (لا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا) (40التوبة)}.

التوكل الصحيح على الله، وكل هذا يا إخوانا هو جنود وهي الجنود القلبية التي تنزل مباشرةً من الذات الإلهية على الحضرة المحمدية، وهي جنودٌ إلهية لا تراها الأعين لأنها مددٌ من الله لقلب حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلَّم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

**************************

[1] روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ).

[2] ابن اسحاق عن محمد بن كعب القرظي (الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني).

[3] الطبراني والبيهقي عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.

[4] قال الإمام ابن كثير: ((يخبر الله أن علماء أهل الكتاب يعرفون صحة ما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم كما يعرف أحدهم ولده، والعرب كانت تضرب المثل في صحة الشيء بهذا كما جاء في الحديث أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لرجل معه صبي صغير «ابنك هذا» ؟ قال: نعم يا رسول الله أشهد به، قال: «أما إنه لا يخفى عليك ولا تخفى عليه». ويروى عن عمر أنه قال: «لعبد الله بن سلام» أتعرف محمداً صلّى الله عليه وسلّم كما تعرف ولدك؟. قال: نعم وأكثر، نزل الأمين من السماء على الأمين في الأرض بنعته، وإنى لا أدرى ما كان من أم ولدي، فقبل عمر رضي الله عنه رأسه)).

[5] الطبقات الكبرى لابن سعد ودلائل النبوة البيهقي: عن شُرَحْبِيلَ بْنَ سَعْدٍ: {لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ قُبَاءَ اعْتَرَضَتْ لَهُ بَنُو سَالِمٍ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَخَذُوا بِخِطَامِ رَاحِلَتِهِ هَلُمَّ إِلَى الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ وَالسِّلاحِ وَالْمَنَعَةِ، فَقَال: (خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ) ، ثُمَّ اعْتَرَضَتْ لَهُ بَنُو الْحَارِثِ بْنُ الْخَزْرَجِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ اعْتَرَضَتْ لَهُ بَنُو عَدِيٍّ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى بَرَكَتْ حَيْثُ أَمَرَهَا اللَّهُ، قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى الأَوَّلِ، قَالَ : ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَتَهُ وَأَخَذَ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ حَتَّى جَاءَ بَلْحُبْلَى، ثُمَّ مَضَى حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَسْجِدِ فَبَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُكَلِّمُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النُّزُولِ عَلَيْهِمْ، وَجَاءَ أَبُو أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبٍ فَحَطَّ رَحْلَهُ فَأَدْخَلَهُ مَنْزِلَهُ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الْمَرْءُ مَعَ رَحْلِهِ).

……………………………………………………….

    الزقازيق بعد صلاة الجمعة 30/10/2015 الموافق 17 المحرم 1437هـ

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid