Sermon Details

سؤال1: عقل الإنسان يعجز عن الإحاطة بعلم الله، ولكن وسوسة الشيطان تجعله يفكر هل هو على صواب؟، هل وصل إلى الإيمان؟، وغير ذلك من الأفكار. هل لنا أن نفكِّر في تلك التساؤلات؟
—————–
هذا سؤال ينتاب بعض الشباب الذي يكون عندهم شك وريبة في الدين وفي ذات الله عزَّ وجلَّ، وما ساعد على ذلك في هذا الزمان إنتشار الفكر الإلحادي، والناس الذين يدُعون إلى ترك الأديان والتخلي عن الله، وأن الإنسان يمشي في الدنيا على حسب هواه، وهذه طائفة موجودة وزادت وخاصةً في المجتمعات الآن.
وهؤلاء الناس لِمَ بدأوا بهذا الأمر؟!!. رأوا أنا الأديان تُقيد الإنسان، هذا حلال وهذا حرام، وهو يريد أن يفعل كل ما يريد ولا يقبل أن يقول له أحدٌ: أن هذا حلال وهذا حرام، وكيف يكون ذلك؟، بترك الأديان. فيدعون الشباب بهذه الكيفية.
يعني يقول له: أنت تريد في الدين بنتاً فتذهب تخطبها من أبيها وأمها، وإذا وافقت فيكون بعقد زواج شرعي، وفيه حقوق وفيه واجبات، وبعد ذلك تتزوج بشرع الله. وهو لا يريد ذلك، لا يريد حقوقاً ولا واجبات، ولا حتى عقد زواج ولا مسئوليات، يريد أن يصحب هذه البنت اليوم لمدة أسبوع، فإن لم تعجبه يتركها ويمشي مع أخرى، فإن لم تعجبه يتركها ويمشي مع واحدة ثالثة ولا مسئولية عليه. كيف يصل إلى هذه الأسلوب؟!!!، يُنكر وجود الله، ويُنكر وجود الأديان، وهي ظاهرة إنتشرت في شبابنا في هذه الأيام، نسأل الله حفظ أولادنا وبناتنا من هذه الظاهرة أجمعين.
لكننا لو نظرنا إلى الدين ونقول: أننا نعرف الأشياء التي حولنا بالعقل، والعقل أين هو؟!!، وأين موضعه من الإنسان؟!!، وكيف نكتشفه في جسم الإنسان ونعرف مكانه؟!!. العلم عاجز حتى وقتنا هذا عن معرفة العقل، وما الذي في الرأس؟ المخ، وهذا المخ هو الذي يسيِّر الجهاز العصبي في الإنسان.
ولكن العقل الذي فيه الذاكرة وكل الأفكار والخبرات التي أكتسبها أضعها فيه، وفيه العلوم التي أُحصِّلها، والذي فيه دائرة اسمها دائرة التصور، أتصور الموضوع الفلاني وماذا يحدث فيه؟، وفيه دائرة الخيال، فأتخيَّل موضوع في المستقبل وماذا يحدث فيه؟، أين هذا العقل؟، العلم الحديث إلى الآن عاجز عن معرفة عقل الإنسان، فإذا كان العلم قد عجز عن معرفة العقل، فهل يستطيع العقل أن يصل إلى معرفة مَنْ خلق العقل عزَّ وجلَّ؟!!. فهذا أمرٌ فوق الخيال، والإسلام قال لنا: هذا موضوع لا ينبغي التفكر فيه: (تفكَّروا في خلق الله، ولا تفكَّروا في ذات الله فتهلكوا)[1].
عندما يذهب خيالنا إلى: أين ربنا؟، ومتى وُجد؟، وغيره، قال لنا: لا، أنت ليس لك شأنٌ بهذا الموضوع لأن العقل لا يدركه، فكَّر في مخلوقاته وفي مصنوعاته، ولكن لا تتفكَّر في ذات الله عزَّ وجلَّ. لماذا؟، لأن: (كل ما خطر ببالك فالله تعالى بخلاف ذلك). لأن الإنسان لن يصل إلى هذه الحقيقة!!، فلابد للإنسان إذا نفسه حدَّثته بالتفكر في ذات الله عز وجل ينهاها ويكُفَّها، ويقول: هذا غيب!!، وأنا لا أستطيع أن أعرف شيئاً من الغيب، فكيف أستطيع أنا معرفة عالم الغيب عزَّ وجلَّ. وماذا علينا؟ كما قال ربنا في القرآن: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (3البقرة). فنحن نؤمن بالغيب الذي علمه ربُّنا لحضرة النبي، ونحن أخذناه من حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم.
*****************************
سؤال2: كيف أتخلص من صفة الجُبن؟
———————
الجبن في الحروب، فمن يدخل معركة حربية نقول له: لابد وأن تكون شجاعاً، لكن الجبن يُستحب من المرأة في حالة تعرضها بما لا قبل لها به، فلو علمناها رياضة الكاراتيه، ونُعطيها أيضاً سلاحاً على قدرها مثلاً كصاعق كهربائي، ولكن هل نقول لها: كلما ضايقك إنسان فاستخدمي الكاراتيه واصعقيه بالصاعق؟. لا، أحسن شيء لها في هذه الأمور أن تنسحب، وهذا ما يُسمَّى بالجُبن، لماذا؟، حتى لا يتطور الضرر. نفرض أن معها صاعقاً، وهو معه سلاح أقوى، وهي مهما كانت ضعيفة أمام الرجل، فلابد لها أن تتخلَّص من هذه الصفة.
لكن الجُبن الذي هو غير مطلوب هو أن تكون جبانة في المطالبة بحقوقها، وتدَّعي أن ذلك حياءً منها!!. لا، الحياء لا يمنع طلب الحقوق. أو ترى إعوجاجاً في زوجها، وتقول: أنني أستحي أن أكلمه، مع أنها تراه فعلاً معوجَّاً، فلا تكلمه، ولكن كما قلت بطريقة لطيفة ولا تجرح مشاعره، وتُنبهه في نفس الوقت بالخطأ الذي وقع فيه، فهنا الشجاعة كما يقولون: في التعبير عن الرأي فقط، لكن شجاعة المرأة غير ذلك لا يجوز لها أن تستخدمها وإنما هي للرجل فقط في هذه الأمور.
*****************************
سؤال3: كيفية التوفيق في المذاكرة؟
—————-
كيفية التوفيق في المذاكر يعني من يُرد أن يوفقه ربنا في المذاكرة – وقد جربناها، والعلماء كذلك جربَّوها – وهي المحافظة:
أولاً: على فرائض الله عزَّ وجلَّ في وقتها في جماعة، والبنات كيف تصلي جماعة؟!!، في البيت، لأن الرسول صلى الله عليه وسلَّم عندما قال: (صلاة الجماعة تفضُل صلاة الفذ – والفذ: يعني المتفوق في الصلاة – بسبعٍ وعشرين درجة)[2]، ولم يشترط أن تكون في المسجد، فأنا في البيت أصلي أنا وواحدة في البيت كإبنتي، أو أصلي أنا وزوجي، أو أصلي أنا وإبني، أو أصلي أنا وأخي، المهم أن نصليها في جماعة وخاصة صلاة الفجر، ونسميها – صلاة الفتح.
فكنا النَّصُ الذي نريد أن نحفظه – والنص صعب – أو واحد يريد حفظ الإنجليزي أو الفرنساوي، الوقت المخيَّر لذلك بعد صلاة الفجر، فيكون الذهن صافي والذاكرة جاهزة، وما يقرأه الإنسان يحفظه بالمحافظة على الصلاة في وقتها في جماعة.
الأمر الثاني الهام: حفظ الجوارح من المعاصي والمخالفات، بأن الإنسانة تراقب جوارحها حتى لا يُخطئ اللسان ويقول كلاماً يُغضب الله، ولا الأذن أفتحها لغيبة ولا لنميمة، ولا الرجل تمشي إلى أماكن فيها شبهات أو فيها شهوات، فتحفظ الجوارح من هذه المعاصي. الإمام الشافعي رضي الله عنه كان قد أعطاه ربنا موهبة؛ ما يقرأه مرةً يحفظه – من أول مرة – فلا يحتاج إلى التكرار ولا غيره، فكان يذهب للرجل الذي يبيع الكتب لأنه لا يستطيع شراء الكتب، يقول له: أنا أريد أن أنظر في هذا الكتاب وأنا جالس بجوارك، فيأخذ الكتاب ويجلس بجواره ويقرأ الكتاب ثم يقول له: خذ كتابك وقد حفظته والحمد لله.
يحفظ الكتاب من قراءته مرةً واحدة، فكان في الحفظ كذلك في القرآن على هذه الكيفية، فالشيخ الذي يحفظه كان اسمه الشيخ وكيع، وله ضريح أمام الإمام الشافعي، ففي يوم من الأيام سمَّع له فلم يجده حافظاً، فقال له: ماذا جرى لك اليوم؟!!، لِمَ لَمْ تحفظ؟!!، قال له: وأنا قادم اليوم إليك – وكانوا صادقين لا خداع عندهم – قال له: رأيت واحدة تمشي أمامي والهواء هفهف ورفع ثيابها فكشف ساقها فنظرت إلى ساقها مرةً – لأنه نظر إلى ساق واحدة مرةً فذهبت منه الموهبة التي أعطاها له الله؛ وهي ملكة الحفظ، فقال:
شكوت إلى وكيعٍ سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعــــــــــاصي
وأعلمني بأن العــــــــــــــــــــــــــلم نورٌ ونور الله لا يُهــــــــــــدى لعاصـــــــــي
فيكون الموضوع ماذا يحتاج؟، يحتاج إلى هذه الحكاية.
الشاب أو الفتاة التي تجلس على النت حالياً وتشاهد الأشياء المحرمة، ماذا تفهم مما تُحصِّله بعد ذلك؟!!، وماذا تُحصِّل من العلم الذي تقرأه بعد ذلك؟!!، فتنصرف وكل ما بداخلها قد تلوث، فلن تقرأ شيئاً ولن تستوعب شيئاً لأنها ضيَّعت نفسها بهذه المعصية.
جلست في مجلس – مع بعض صديقاتها – كله غِيبة ونميمة؛ يقلن: فلانة صفتها، وفلانة نعتها، ولفلانة كذا وفلانة كذا، مجلس مثل هذا ينتهى ويضيِّع الموهبة والذكاء الذي أعطاه ربنا لها، فتقرأ بعد ذلك لتفهم فلن تفهم، وتقول: أنني أمسك بالكتاب وأقرأ، وبعد قليل أجد نفسي قرأت عشر صفحات، وماذا فهمت؟ لا شيء، ولا كلمة!!، لماذا؟!!، لأنها شتتَّت فكرها وذهنها بالكلام الذي استمعت إليه في مجلس الغِيبة والنميمة.
إذن التفوق في الدراسة يحتاج إلى أمرين:
الأمر الأول: المحافظة على الفرائض في وقتها.
الأمر الثاني: البعد عن المعاصي بالكلية.
الأمر الثالث: والذي لا غنى عنه؛ هو رضا الوالدين، لأننا نمشي بدعاء الوالدين، ودعوة صالحة خيرٌ من تحصيل الطالب عشرات الساعات، دعوة صالحة يستجيبها الله وتُيسر له الأحوال إن شاء الله رب العالمين.
**********************
سؤال4: كيفية المواظبة على الصلاة؟
——————–
الموضوع كله تدريب، ولذلك البعض يقول: الصلاة عادة، إذا تعوَّد المرء منذ الصغر على الصلاة في وقتها فضميره لن يطاوعه ذات يومٍ على ترك الصلاة أو التخلى عنها. ولذلك أمرنا حضرة النبي صلى الله عليه وسلم أن نبدأ الصلاة مع الأولاد من سن سبع سنين، لماذا؟ حتى يتعوَّد عليها ولا يتهاون في هذا الأمر، فنتخذ كل الوسائل بحيث أن الولد أو البنت في سن سبع سنين لابد وأن يؤدِّي الصلاة.
إذا تركناه إلى أن وصل لسن خمسة عشر سنة فمن الذي يستطيع أن يُعوِّده على الصلاة؟ لا أحد، فقد انتهى الأمر وأفلت الزمام من أيدينا، لكن في سن سبع سنين نبدأ تعويده، فيعتاد على تأدية الفريضة في وقتها، فسيواظب على ذلك بإذن الله عزَّ وجلَّ.
إذا اعتادت البنت أو المرأة أن تصلي الصلاة في وقتها ولا تجمع فرضين معاً، ستستنكف في يوم من الأيام أن يفوتها الظهر حتى يحين وقت العصر، لأنها تعوَّدت أن تصلي حاضراً. أما إذا كانت من البداية إلتمست العُذر لنفسها وشرَّعت لنفسها وقالت: أنا ورائي ظروفٌ كثيرة وأعمال كثيرة، فأنا أصلي الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء وقد تعودت على ذلك، فصعب أن ترجع مرةً ثانية لتحافظ على الفرائض في وقتها. فالإنسان على ما عوَّد نفسه تعتاد، ويحتاج إلى قليل من الجهاد في البداية حتى تتعود النفس على أداء فرائض الله عزَّ وجلَّ في وقتها، وبعد ذلك تمشي هي بنفسها في طاعة ربها عزَّ وجلَّ.
**********************
سؤال5: ما حكم الدين في إهمال الزوج لزوجته؟
————–
الدين وضع لكل شيء حدوداً، إهمال الزوج لزوجته؛ إن كان في ناحية الإنفاق فهذا له حلٌّ، وإن كان في ناحية حاجياتها الشخصية فله حلٌّ، وإما من ناحية صلتها لرحمها لأهلها فله حلٌّ. كل شيء من هذه الأمور له حلولٌ شرعية.
ولكن من يخرجنا من ذلك كله؟ وهذا ما نطالب به: هو أن الشباب والفتيات ما يحرصون عليه في بداية الزواج أو فترة الخطوبة، تقول له: تعالى نجلس معاً وننظر في شرع الله ونعرف ما لنا وما علينا؟. ما الذي لك وما الذي عليك؟، وما الذي لي وما الذي عليَّ؟، إذا فعلنا ذلك في البداية سنستريح إلى النهاية.
ومعظمنا ينشغل!!، فالبنت تنشغل بالتجهيز وتريد اليوم أن تختار الملابس، وغداً تختار الشنط، وبعده تختار الأحذية، وبعده تختار أدوات المطبخ، وهذا ما يدور برأسها وهذا ما يشغلها!!، وتسأل هذه وتسأل تلك وتعمل بحوث واستقصاءات حتى تشتري الحاجات الأفضل بأرخص الأسعار!!. لكن موضوع الحقوق الزوجية ليس على بالها بالكلية.
والولد نفس النظام مشغول بتجهيز المكان، ومشغول بتجهيز الأساس، ومشغول بتجهيز القاعة التي يتم فيها الإحتفال، ومشغول بالملابس التي يحضر فيها الإحتفال وبالدعوة وبالوليمة، وأين الموضوع الآخر – وهو حقوق الزوجة؟ لا يوجد.
ولذلك في هذا العصر الذي نحن فيه حالات الطلاق للمتزوجين حديثاً زادت في مصر زيادة كبيرة عن الحد، يتزوجون لشهرين ويتم الإنفصال، أو ثلاثة أشهر ويتم الإنفصال، لماذا؟ لأنهم لا يعرفون الأحكام الشرعية التي تحكم العلاقات الزوجية.
فهذه أمور لابد منها إما في فترة الخطوبة وإما في بداية الحياة الزوجية، والحمد لله الآن الكتب ميَّسرة، توجد كتب اسمها حقوق الزوجين في الإسلام، فنشتريها ونقرأها ونطلع عليها، إذا عرفنا الحقوق الشرعية فكل واحد يلتزم بما عليه، وهي تتلتزم بما عليها، فلن يحدث هناك خلافٌ أبداً بين الطرفين، وخاصة إذا اجتمع مع الحقوق الشرعية التعامل بالآية القرآنية: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (21الروم).
فتكون حكيمة وهو حكيم، فإذا أرادت منه شيئاً، تلمح له وفي وقت رضا وبطريقة لطيفة، فلا تظل تُلِّح حتى يعاند، ولكن تحتاج الأمور إلى اللطف في المعاملة بين الزوجين، وكل واحد يعذر الآخر، فجائز عنده ظروفٌ تمنعه من تحقيق هذه المصلحة أو المنفعة التي تُريدها، فتصبر عليه.
فإذا مشينا بهذه الكيفية وعرفنا الحقوق الشرعية، ومشينا على المودَّة والرحمة فكيف تحدث خلافات؟ لن تحدث خلافات بينهم أبداً، وخاصة إذا كانوا من البداية حريصين أن لا يختلطوا إلا بأزواج صالحين وزوجات صالحات، يستعينوا بهم على أداء هذه المهمة.
لكن لو صاحب مجموعة على غير هذا النسق، ويستمع إلى أفكارهم ويظن أنها صحيحة، فتحدث المشاكل. أو هي كذلك تكون مصاحبة واحدة وتتظاهر أنها تحبها – ولكنها تغار منها وتريد أن تُفسد عليها حياتها – فتعطيها تعليمات بحيث أنها تجعل بينهما خلافات فيما بينها وبين زوجها، لأنها تريد ذلك، فلابد أن ننتبه لهذه الأمور في الحياة الزوجية.
***********************
سؤال6: قدَّر الله لكل شيء قبل بدء الخلق، وكتب علينا الشقاء والسعادة، وهل كل ما يدور بيننا وما ينزل علينا يُعد شقاءً؟
أم للشقاء مفهومٌ آخر؟
————–
ما مفهوم الشقاء؟!!، الله عزَّ وجلَّ قدَّر للإنسان رزقه وأجله وشكله ومكان ميلاده وأبويه وطريقة حياته، لكنه ترك للإنسان الأمر الذي سيحاسبه عليه ـ فما هو؟!!. (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (29الكهف). ترك له هذا الأمر.
ولذلك لا يحاسبنا على الشكل لأنه هو الذي صنعه، ولا على البلد الذي وُلدنا فيه، أو الأبوين لأنه هو الذي اختاره، وما الذي يحاسبنا عليه؟!!. الهداية!!، من يرُد الآن الهداية فمن الذي يمنعه؟ فهذا إختيار للإنسان وهو الذي يختار: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (29الكهف).
مع أن الله عزَّ وجلَّ اختار للخلق جميعاً عندما خلقهم أرواحاً – اختار لهم الهداية، ولكن عندما جاءوا إلى الدنيا، فمنهم من استمر على الهداية، ومنهم من رفض الهداية واستجاب لنفسه وسلك طريق الغواية، لأن ربنا خلق الأرواح كلها جملةً واحدة وأخذ عليهم العهد في يوم اسمه يوم الميثاق، يقول فيه في القرآن: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)، الأرواح كلها مرةً واحدة وكلمهم: (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا)، كانوا يشاهدون أيضاً فقال لهم: (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (172الأعراف).
وعندما جاء الإنسان في الدنيا، والنفس ظهرت!!، لأنها هناك كانت أرواحاً فقط، فالنفس تميل للشهوات، وتميل للمعاصي، وتميل للغفلة، إذا أرخى لها الإنسان الزمام تجرُّه إلى هذه الأشياء، وإذا كبح الإنسان زمامها بالشريعة والعمل بالسنة فهنا يفوز.
ولذلك يقول القرآن لنا ضارباً لنا المثل لنعلم ذلك: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ)، كتبنا لهم الهداية، (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) (17فصلت).
فالموضوع هنا من اختيار من؟!!، من اختيار الإنسان، لأنه كتب لهم الهداية هنا، وهم الذين اختاروا العمى، وحضرة النبي قال لنا: (كل مولودٍ يُولد على الفطرة)، الفطرة النقية فطرة الله، وما الذي يحدث؟ قال: (فأبواه يهودانه أو ينصرناه أو يمجسانه)[3]. يعني يجعلوه يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً – وهذا ما يحدث من الآدميين، لكن هو في الأصل نازل على الفطرة، التي هي فطرة الله، والتي هي صبغة الله، والتي هي الإسلام.
كل هؤلاء الجماعة الذين من حولنا يكابرون، لماذا؟!!، يقولون: كيف نترك دين أباءنا ودين أهلنا وندخل في الإسلام؟، مع أنهم يعرفون الحقيقة.
فخلق الله الناس جميعاً على فطرة الإسلام، لكن النفوس هي التي تحولهم إلى الطريق المعوجّ، ولذلك كان الحساب، فلو كان أمر الدين في الدنيا قدراً من الله فلِمَ يحاسبنا؟، ولو كان الله عزَّ وجلَّ – كما يقول بعض أصحاب النفوس العنادية – هو الذي قدَّر عليَّ هذا الذنب فلم يحاسبني عليه؟ ولماذا يُدخلني جهنم؟ يحاسبني عليه لأن لي الخيار.
كتب الله علينا الصلاة، فهل هناك عند وقت الصلاة من يأخذنا رغماً عنا لنؤدي الصلاة؟ لا ـ ترك لك الحرية، فمن يذهب من نفسه فله الأجر والثواب، ومن يجلس ويكسِّل فمن أين له بذلك؟، هل ربنا الذي كتب عليه؟ أم هو مَنْ اختار ذلك؟ وما الذي أخرَّه؟ نفسه، ولذلك فهو عليه حساب.
سؤال7: نسيان القرآن بعد حفظه؟
————–
(القرآن -كما أنبأ النبي صلى الله عليه وسلَّم – يتفلَّت من صدور الرجال!!، الرجال الأقوياء معرضون لنسيان القرآن وليست النساء فقط – يتفلَّت من صدور الرجال كما تتفلت الإبل من عقالها)[4].
وعقالها: أى من الرباط الذي نربطها به – ماذا يريد القرآن؟!!، يريد المداومة. لابد للإنسان أن يداوم عليه، يعني أداوم على حفظه إن كنت أحفظ، لكن لا أترك ما حفظته، ولكن لابد أن يكون لي وقتٌ أراجع فيه كل يوم جزءاً مما حفظته، فيكون جزءاً جديداً، وجزءاً مما حفظته ومراجعته، لابد منها لأي إنسان.
القرَّاء المشهورون – وتسمعوا عنهم – في التليفزيون لا يوجد واحد منهم يستطيع أن يقرأ القرآن على الأقل من خمسة أيام مرة، لابد وأن يعيده كل خمسة أيام مرة حتى يظل يحفظه، وإلا يكون في محفل يقرأ فيه فينسى الآية، فماذا يكون حاله؟!!، فتحدث مشكلة!!، ولذلك كلهم يقولون في قاعدة عندهم: (من قرأ القرآن في كل خمس لم ينس).
هذه قاعدة يقولها القراء مع بعضهم، أنه لابد كل خمسة أيام يكون قد قرأ القرآن كله مرةً واحدة، يعني يقرأ كل يوم ستة أجزاء حتى يظل حافظاً لكتاب الله عزَّ وجلَّ.
فلابد من استرجاع القرآن دواماً. أحفظ كل يوم ثلاث آيات، أو أربع آيات، أو خمس آيات، لا مانع ولكن يجب أن أراجع ما حفظته قبل ذلك، كل يوم سورة أو سورتين على قدر استطاعتي بحيث كل فترة أكون قد راجعت ما حفظته مرة، وبذلك لا يتفلَّت القرآن من صدر الإنسان إن شاء الله.
وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
****************************
سؤال8: يأتي على وقت لا أستطيع فيه الإغتسال سواء من الجنابة أو الحيض نظراً لظروف عملي، هل يجوز لي التيمم مؤقتاً حتى لا يضيع الفرض؟ وأعاني من حساسية الصدر ولا أستطيع الإغتسال كثيراً.
———————-
ما دام يتوافر الماء لا ينبغي للمرأة أن تلجأ إلى التيمم مع وجود الماء، وخاصَّة أننا والحمد لله أصبح الماء الساخن متوفراً عندنا. المرأة إن كانت في مكان لا تجد فيه ماءً فهنا أباح لها الشرع الشريف أن تتيمَّم مؤقتاً بالتراب أو بحَجَرَةِ لحين العثور على الماء، لكن ما دام الماء موجوداً لا ينبغي التيمم إلا عند فقدان الماء.
لابد من الإغتسال بأى كيفية، والإغتسال ولو حتى مرة واحدة، لأن الغُسل الشرعي مرةً واحدة بالماء فقط، وهي تريد أن تغتسل باللوف والصابون لا مانع، ولكنها ليس لها شأنٌ بالإغتسال، لابد مرةً قبلها أو بعدها بالماء فقط.
إما أن تبدأ أولاً مرة بالماء وبعد ذلك باللوف والصابون، أو تبدأ باللوف والصابون وتزيل أثر الصابون ـ ثم بعد ذلك مرةً واحدة بالماء فقط، فالغُسل الشرعي شرطه: أن يكون بالماء، وأن يعُمَّ الجسم كله، ولابد أن يعم الشعر كله، والماء يصل إلى منابت الشعر وأصول الشعر. وإذا لم يصل الماء إلى منابت الشعر وأصوله فهذا الغسل يكون غير كاملاً في نطاق الشريعة المطهرة إن شاء الله.
وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
**************************
سؤال9: ما حكم مجالسة العلماء ومزاحمتهم؟ وكيف نكون في حضرتهم؟ وهل هناك آداب لذلك؟ أرجو توضيحها، لأن بعض المريدين تصدر عنهم تصرفات تسيء للعالم أثناء المجالس،
أو بعد الإنصراف إلى الحياة؟
—————————-
أولاً: مجالسة العلماء تقتضي أن الإنسان يستعد لها قبل المجلس بوقتٍ كافٍ – كيف؟!!، بالطهارة والوضوء والإستغفار وملازمة الأذكار، لكي يدخل ويكون مؤهلاً لتلقِّي العلم، وقلنا آنفاً: (ونور الله لا يُهدى لعاصي).
فلو أنا فعلت ذنباً ودخلت فوراً على العلماء، فالذنب يجعلني أغفل، فلا أستمع لما يقول، أو أسمع ولا يحتفظ ذهني بهذا الكلام، ولذلك كان يقول بعض الصالحين: (زكِّ نفسك قبل السماع، تشرقْ عليك أنوار الكلام)
كيف أُزكِّي نفسي؟، بأن أتطهر وأتوضأ وأستغفر الله عزَّ وجلَّ، وأنشغل بذكر الله حتى أذهب إلى العلماء، وأستمع إلى العلم فيثبت في ذهني بأمر الله عزَّ وجلَّ، وهذا ما علَّمه ربنا لأصحاب النبيِّ، فقال لهم في القرآن: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ)، وماذا يفعلون أولاً؟!!، (فَاسْتَغْفَرُوا الله)، ولِمَ يأتوك؟!!، (وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّابًا رَحِيمًا) (64النساء).
إذا جلسنا في المجلس؛ فننسى كل الشواغل التي بخارج هذا المجلس، فتكون الحاضرة منكنَّ قد نظمَّت – رتبَّت – بيتها بحيث لا تكون مشغولة بشيءٍ هناك، وفي الوقت – كالذي نحن فيه – وتعرف أن الأولاد يعودون من المدرسة ورجوعهم من الدرس، فلابد أن تكون نظمَّت حياتها وقد جهزَّت الطعام لأولادها، فيجدون الطعام جاهزاً. فلا تعود من الدرس وتقول لهم: انتظروا يا أولاد حتى أُجهِّز لكم الطعام!!، فمتى تجهِّزيه؟ والتجهيز بهذه السرعة لا يصلح، لأن الله يُحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه، فلابد أن تُجهِّز أولاً قبل أن تأتي إلى هنا كل طلبات المنزل؛ إذا كان مُتسخاً تُنظفه وترتبه، وتجهز الطعام وكل ما ينبغي عليها في المنزل، فتأتي إلى هنا وهي مستريحة البال.
وتكون منظمةً لأمور الأولاد، فنفرض أنها تتأخر قليلاً، فتكون منظمة أن هذا الولد يذهب للمكان الفلاني لحين رجوعها، فتكون غير مشغولة فتجلس متفرغة للعلم.
ومن آداب درس العلم: الصمت وحسن الإستماع لدرس العلم، وعدم النقاش الجانبي، أحيانا يتكلم العالم في موضوع ونحن نميل على بعضنا ونتكلم في الموضوع، لا – ولو أردنا أن نتناقش في الموضوع نؤجله لبعد المحاضرة، أو حتى في كلام خاصٍ بيننا فيكون أيضاً بعد انتهاء المحاضرة. فيكون السكون أساس المجلس، ولذلك كانوا يقولون عن درس رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: (كان أصحابه يجلسون في مجلسه كأن على رءوسهم الطير) ، يعني صامتين جداً حتى أن الطيور يُخيَّل لها أنهم جمادات وليسوا أرواحاً من شدة سكونهم فتقف عليهم.
والطيور لا تقف على إنسان، بل تقف على شيء جامد لا يتحرك، فيُهيأ لها أنهم جمادات لا تتحرك فتقف عليهم الطيور من شدة الصمت والسكون والإستماع لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
قولوا جميعاً: (تبنا إلى الله، ورجعنا إلى الله، وندما على ما فعلنا، وعلى ما قلنا، وعزمنا على أننا لا نعود إلى ذنبٍ أبداً، وبرئنا من كل شيء يخالف دين الإسلام. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا؛ ما قدَّمنا منها وما أخَّرنا، ما أسررنا منها وما أعلنا، ما أظهرنا وما أبطنَّا، ما علمنا منها وما لم نعلم، وباعد بيننا وبين المعاصى كما باعدت بين المشرق والمغرب، واحفظنا بحفظنك وصيانتك، واجعلنا في الدنيا من خيار أحبتك، ومن خيار المقبلين على حضرتك.
واحفظنا بحفظك من الشر والأشرار، ومن كل شيءٍ يباعد بيننا وبين رضاك يا عزيز يا غفار، وبارك لنا في أسماعنا وفي أبصارنا، وفي قوتنا، وفي أولادنا وفي بناتنا وفي أزواجنا، وفي أموالنا وفي أوقاتنا، وفي كل شيءٍ هو لنا.
واجعلنا مباركين أينما كنا وحيثما وُجدنا، وفقِّهنا في ديننا، وألهمنا رشدنا، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
وبارك الله فيكنَّ أجمعين
*********************
[1] رواه أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس رضي الله عنهما ورواه ابن أبي شيبة في كتاب العُرْس له من قوله عن ابن عباس بلفظ: (تفكروا في كل شيء ولا تتفكروا في الله)، رواه الأصبهاني في ترغيبه بهذا اللفظ، ولأبي نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه فقال: ما جَمَعَكم؟، فقالوا اجتمعنا نذكر ربنا ونتفكر في عظمته، فقال: تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في الله، فإنكم لن تَقْدُروا قدْرَه).
[2] متفق عليه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
[3] البخاري ومسلم واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء)، ثم يقول أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم: (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله) الآية.
[4] روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (بِئْسَمَا لِأَحَدِهِمْ يَقُولُ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّيَ، اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ، فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ، مِنْ النَّعَمِ بِعُقُلِهَا).
الخميس 12/11/2015م الموافق 30 المحرم 1437هـ جـ2 درس النساء ـ مركز شباب الرزيقات بحري ـ الأقصر