Sermon Details

23 ديسمبر 2010م
أسباب تأييد الله لحبيبه ومصطفاه
فضيلة الشيخ/ فوزي محمد أبوزيد
الحمد لله الذي يؤيد بنصره من يشاء، فينصره وهو النصير، ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [126آل عمران]. والصلاة والسلام على نصر الله الأعظم ، ومفتاح الله الأكرم لكل عبدٍ مُكرَم، سيدنا محمد عبد الله ورسوله، الذي أحاطه الله عزَّ وجلَّ باسمه النصير، وجعله علامة النصر في كل صغيرٍ وكبير، من بدء البدء إلى يوم الدين.
صلى الله عليه وعلى آله التقاه، وأصحابه الهداة، وكل من مشى على نهجههم إلى يوم الدين، آمين .. آمين ، يا ربَّ العالمين.
إخواني وأحبابي بارك الله عزَّ وجلَّ فيكم أجمعين: أهل بور سعيد والمدن الساحلية منحهم الله عزَّ وجلَّ ميزة في حياتهم الدنيوية، لا يأكلون الأسماك إلاَّ طازجة طرية، فلا يأكلون ما بات، ولا ما فات، لأن الله عزَّ وجلَّ تعهَّد بأرزاقهم وأقواتهم في كل الأقوات، وإن شاء الله الحال كذلك بالنسبة للأقوات المعنوية، وأرزاق العلوم الوهبية التي تفاض من الحضرة العلية، ومن لدن خير البرية صلى الله عليه وسلم.
وسنتحدث في هذه الليلة المباركة عن بعض آيات تأييد الله لحبيب الله ومصطفاه، ونذكرها لنعلم جميعاً علم اليقين أن تأييد الله عزَّ وجلَّ الغامر والوافر لسيد الأولين والآخرين يوفِّره الله عزَّ وجلَّ بجلاله وقدرته لعباده الصالحين في كل وقت وحين إلى يوم الدين.
فكل ما تفضل به الله عزَّ وجلَّ من العطايا الإلهية على حبيبه ومصطفاه، فإنه يُكْرِمُ سلفه الصالح ومن مشوا على هديه ونهجه بذلك إلى يوم الدين، لأن هذا وعد الله الذي لا يتخلف، والذي ذكره وبينه في كتابه المبين عزَّ وجلَّ: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [55النور]. وَعْدُ الله، وَوَعْدُ الله لا يتخلف ولا يتخلى عن عباده الصالحين الذين صدقوا في الإتباع لسيد الأولين والآخرين طرفة عين ولا أقل.
صدق الإتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فإذا رأى عبد في نفسه أن عناية الله تخلَّفتْ عن نصرته، أو أن الله عزَّ وجلَّ لم يكلأه بعنايته فليفتش في نفسه، وليبحث عن لبسه الذي أسقطه في ذلك، لأنه لو صدق في الإتباع فإن الله عزَّ وجلَّ يصدق معه في التأييد، وحتى يصدق في الإتباع لابد أن يتحقق أنه دخل في قول الله: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [23الأحزاب].
والصدق يستتبع أن المرء يُبعد الوهم والخيال من مخيلته وذاكرته ولا يعيش في الأوهام، فقد تُخيل له نفسه أنه من أكمل الأتباع وهو يمشى على هواه!! لأن الذي يُزين له ذلك خياله ونفسه الأمارة بالسوء، والميزان لابد له من وَزَّان، والوَزَّان والميزان الذي يزن الرجال لابد أن يكون قسطاساً مستقيماً نصبه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. هل يجوز أن يجعل كل تاجر ميزانه على مزاجه الشخصي وعلى هيئته وحالته؟!! لابد أن يكون ميزانه يطابق مصلحة الموازين التي جعلتها الدولة لضبط الموازين.
فالدولة العلية الإلهية جعلت الميزان في الأعمال والأحوال لجميع الرجال – من قبل القبل إلى بعد البعد؟ هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [21الأحزاب]. لكن لو تُرك الأمر للخلق، لكان كل رجل يريد أن يزن نفسه بما تخيله خياله، وبما توهمه وهمه، ولذلك يقول إمامنا أبو العزائم رضي الله عنه في شأن ذاته، وهو ميزان جعله الله لأهل هذا الزمان:
أنا الميزان للأحوال فانهض لأحوالي تنل رتباً علية
ويقول للواهمين والسامعين والحاضرين أجمعين:
كل ما توهمته بميزان كسب فهو مهواة حاطب حيران
لا تُحَكِّمْ الوهم ولا الخيال ولا النفس، في أحوال الرجال، ولكن عليك بالموازين التي وضعها رسول الله، والتي سار عليها المحققون من العرفاء بالله إلى يوم الدين.
الوسطية
والميزان رمانته: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [143البقرة]: الوسطية، ويقول فيه إمامنا أبو العزائم رضي الله عنه: (وَسَطاً فَكُنْ يا طالب الإقبال).
ولذلك يقول سيدي العربي الدرقاوي رضي الله عنه، وهو من المجددين للطريقة الشاذلية: (الناس ثلاثة: رجال مُغيبون بالكلية وهم أهل الجذب وهؤلاء كثير، ورجال في صحو بالكلية ويُحكمون عقولهم في كل أمر، ويتبعون ظاهر الشريعة وهم كثير، ورجال مُغيَّبون بالكلية وحاضرون وفي صحو بالكلية، وهؤلاء أقل من القليل)، لأنهم في تمام المحو وفي تمام الصحو، في تمام الجذب وفي تمام اليقظة مع الخلق، جعلوا الجذب لقلوبهم وجعلوا الصحو مع الخلق لأجسامهم، فيُعطون لكل حقيقة حقَّها، وهؤلاء هم الأقلون عدداً الأكثرون مدداً، وهم النَّمط الذين ينبغي علينا أن نحتذي بهم، وأن نمشى على حالهم.
نرجع للهجرة حتى لا يفوتنا موضوعها ..﴿ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا﴾ [40التوبة].
ما الجنود الذين أيَّد الله عزَّ وجلَّ بهم حبيبه ومصطفاه؟ أيَّده الله بجنود في الهجرة وقبل الهجرة وبعد الهجرة وفي كل وقت وحين، وأبقى الله عزَّ وجلَّ تأييدهم للعدول من أُمته، والقائمين بنشر شريعته إلى يوم الدين.
جنود لا يستطيع أحد عدَّهم: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ﴾. [31، المدثر]. والمباح لنا منهم والذي نستطيع أن نشير إليه: جنود كونية، وجنود ملكوتية، وجنود قلبية، وجنود إلهية ذاتية. نكرر وفي التكرار إفادة: جنود كونية، وجنود ملكوتية، وجنود قلبية، وجنود إلهية ذاتية – من حضرة الذات الإلهية، وسنعرج إليهم لكن على سبيل الإشارة، والإشارة تغني عن العبارة!!
أنواع التأييدات الإلهية
—————————
* الجنود الكونية
أما الجنود الكونية فقد جعل الله عزَّ وجلَّ كل عوالم الأكوان عوناً، ومدداً، وجنداً، وعتاداً، وسلاحاً، وقوةً، لسيد الأكوان صلى الله عليه وسلم، وأصدر الله عزَّ وجلَّ أمراً لهم في صريح القرآن، ولا يستطيعون جميعاً أن يتخلفوا عن طاعة الله طرفة عين ولا أقل، فقال لهم: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ ﴾ [64النساء]، لابد أن تكون كل الأكوان طوع أمره
الأرض طوع أمره! والشمس طوع أمره! والقمر طوع أمره! والبحار طوع أمره، وكل من عليها وما تحتها وما فوقها طوع أمره! وكل الحيوانات طوع أمره، وكل طيور الأرض طوع أمره، وكل حشرات الأرض طوع أمره! وكل مخلوقات الأرض – عدا الكافرين والمشركين والمُبعدين – كانوا جميعاً طوع أمر سيد الأولين الآخرين صلى الله عليه وسلم، لا يستطيعون أن يتخلفوا عن حضرته طرفة عين.
والتفصيل تعلمونه جميعاً، فقد أيَّده الله عزَّ وجلَّ بالهواء، وأيَّده الله عزَّ وجلَّ بالضياء: فالهواء أخذ صوته صلى الله عليه وسلم ولم يوصله إلى أسماع المحيطين ببيته، عندما كانوا يتحدثون مع بعضهم ويقولون: إن محمداً يزعم أن من آمن به يكون له جنان كجنان العراق وبلاد الشام، فخرج عليهم وقال لهم: نعم، أنا أقول ذلك. ولكن الهواء لم يُسمعهم هذا الصوت حتى لا يتبينوه ولا يعرفوه!!
والضياء أخفي صورة حضرته فلم يروه ولم يتبينوه مع أنه مرَّ عليهم أجمعين ووضع على رأس كل رجل منهم حفنة من التراب، لكنهم لم يروه ولم يسمعوه لأن الله عزَّ وجلَّ أيَّده بهذه الجنود الكونية التي في عالم الأكوان.
وأيَّده الله بذلك ليس حول بيته فقط، فإن أهل مكة عندما جمعوا جموعهم، ووضعوا خططهم، حصروا الطرق التي توصل إلى مكة ويخرج الخارج منها، فوجدوها اثني عشر طريقاً، فأوقفوا على كل طريق منها جماعة من الجُند الأشداء، أربعون حول المنزل، ثم كتيبة على كل طريق من الطرق التي توصل إلى مكة لمن يريد أن يدخلها، ويمشى فيها من يريد أن يخرج منها!! ومرَّ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يروه ولم يعرفوه ولم يسمعوه!! واخترق كل هذه الحواجز لأنه يمشى بالله، ومن يمشى بالله فإن الله عزَّ وجلَّ يجعله معزَّزاً ومؤيداً في كل خطواته بأمر مولاه جلَّ في علاه.
وعند الجبل صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الجبل – كما ذكرت إحدى الروايات، في الأثر: أنه ذهب أولاً إلى غار حراء فقال له: يا رسول الله لا أريد أن يصيبك مكروه على ظهري! فنزل وذهب إلى غار ثور، فسمع الجبل وهو يقول: إلىَّ يا رسول الله، إلىَّ يا رسول الله!! دعاه الجبل إليه، وتولى حمايته بأمر من يقول للشيء كن فيكون.
وقيَّد الله عزَّ وجلَّ له على ما تقول الروايات المذكورة في السِيَّر جنداً من عالم الأرض!! حمامتين وعنكبوتاً ونباتاً! أو كما يذكر بعض العارفين: أن الذي تمثَّل في ذلك كله كان الملائكة المقربون، وقد تمثلوا بهذه الصور الظاهرة ليوهموا الكافرين، ولم يوجد في الحقيقة عند الغار نبات ولا عنكبوت ولا حمام ولا يمام، وإنما هي ملائكة الله، والملائكة أعطاها الله قوة التشكُّل، فتشكلت على هذه الهيئات لتحمى وتُخفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذه الرواية في السيرة الحلبية وغيرها لمن أراد المتابعة.
وهيأ الله عزَّ وجلَّ له الأرض فكانت طوع أمره عندما أدركه سراقة، يُصدر لها الأمر ويقول لها: خذيه، فتنشق وتقبض على أقدام سراقة وأقدام فرسه، فيتضرع إلى حضرته ويستغيث به، فيُصدر الأمر للأرض ويقول لها: دعيه، فتُخلى عنه وتتركه، وتكرر هذا الأمر ثلاث مرات، لنعلم علم اليقين أن الأرض كانت مسيَّرة ومذلَّلة بأمر سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم.
* جند الملكوت الأعلى
أعطاه الله عزَّ وجلَّ كل جند الأرض ليحفظوه ويحموه، ولكن الله عزَّ وجلَّ لم يكتفي له بذلك، بل أيده بالملكوت الأعلى، جند السموات، وأنتم تعلمون أنه قبل هجرته عندما رجع من الطائف وقد آذوه ووقف يدعو دعاءه المشهور:
يقول صلى الله عليه وسلم: {فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي. فَقَالَ: إنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ. قَالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ. ثُمَّ قَالَ: (يَا مُحَمَّدُ! إنَّ اللّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ. فَمَا شِئْتَ؟ إنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ). فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: (بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً)}.[1]
فالله عزَّ وجلَّ كشف لنا الأستار عن مكنون الشفقة الإلهية الموجودة في قلب هذه الحضرة الربانية، لأنه يطمع أن يخرج من أصلابهم من يُوحِّد الله عزَّ وجلَّ …. ذلك رغم أنهم – كما تعلمون – آذوه وعارضوه وسفهوه، وما تركوا شيئاً يصيبه بأذى إلا ونالوه، ومع ذلك لم يتغير نحوهم ولم ينقلب حاله ويريد بهم سوءاً أو شراً، ولم يضمر نحوهم إلا الخير وإلا البر لأن الله فطره على ذلك، وأعدَّه لذلك، وجعله صلى الله عليه وسلم أهلاً لذلك.
*نزول السكينة
ثم بيَّن الله عزَّ وجلَّ في الآيات القرآنية التأييدات الإلهية القلبية: ﴿ ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ ﴾ [26التوبة]. والسكينة ما هي؟ وأين تنزل؟
السكينة خطاب ضمان وخطاب تأمين من ربِّ العالمين، إذا وصل لقلب العبد يطمئن أن عناية الله عزَّ وجلَّ معه، ولا يخشى سوى الله عزَّ وجلَّ أحداً، في قوة: (نحن معك) – ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ﴾ [51غافر]. فأبشروا لأن الله عزَّ وجلَّ أدخلنا في هذه المعية !!! أين تنزل السكينة؟ ﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [4الفتح].
خطاب ذاتي، تأييد من الله، وإعزاز من الله، وضمان من الله ليعلم العبد – علم اليقين – أن الله عزَّ وجلَّ لن يتخلى عنه بعنايته ونصرته طرفة عين ولا أقل! ولذلك كان حبيبنا وقرة عيننا صلى الله عليه وسلم يقول: {أنا عبد الله ورسوله ولن يُضيعني الله عزَّ وجلَّ أبداً}. لن يضيعه الله لأنه أخذ خطاب ضمان ممن يقول للشيء كن فيكون.. بل إنه صلى الله عليه وسلم أعطاه الله إصدار خطابات الضمان لسواه!
فقد قال للإمام علىّ: توَسد في مكاني هذا، أي نَم في مكاني، قال: يا رسول الله إنهم إذا نظروا ولم يروك في فراشك ودخلوا علىَّ قتلوني بضربة واحدة، فقال صلى الله عليه وسلم ما معناه كما في السير: { لن يخلصوا إليك }، وهذا هو خطاب ضمان من الحبيب صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ [33الأنفال]. مادام حُبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ساكن في القلوب، حبٌّ صادق للحبيب المحبوب فإن الله عزَّ وجلَّ يكشف عن العبد كلَّ ضُرٍّ، ويحفظه من كلِّ عناء ومن كل لغوب، ببركة حب الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم.
والسكينة بالنسبة للمؤمنين تنزل في قلوبهم إذا صلحت، وأصبحت صالحة لتنَزُّلات رب العالمين: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [4الفتح]، لكن بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ظاهره كباطنه، وباطنه كظاهره، ظاهرُه نور وباطنهُ نور: ﴿ نُّورٌ عَلَى نُورٍ ﴾ [35النور]، وأصبح كلُّه كأنه قلبٌ نوراني أنزل الله سكينته عليه كله: ﴿ فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ﴾ [7الحشر].
أنزل الله عزَّ وجلَّ عليه سكينته، وزاده الله عزَّ وجلَّ فأنزل عليه طمأنينته.
والطمأنينة تنزل لمن؟ للذاكرين بالقلوب وبالروح لربِّ العالمين: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [28الرعد].
وزاده الله عزَّ وجلَّ فأنزل عليه أُنسه، آنسه بوجهه، وآنسه بجماله، وآنسه بكماله، ولذلك قال لصاحبه عندما قال له: يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، قال: {يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللّهُ ثَالِثُهُمَا} (البخاري ومسلم عن أبى بكر رضي الله عنه). كان في أُنس بمولاه لا يستطيع أحد من الأولين والآخرين وصفه، لأنه أُنس حبيب الله بالله جل في علاه، يكفي في وصفه قول الله لمن أراد أن يلمح ذلك بعين قلبه: ﴿ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾ [40التوبة].
كان في الغار اثنان!! والخطاب – في اللغة العربية – كان يقتضى أن يقول: ثالث اثنين، لكن الله قال: ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾. لأن الحبيب غاب في مولاه، وفَنَى بالكلية في حضرة الله، فأصبح غائباً عن نفسه موجوداً بمولاه جلَّ في علاه، فلم يعد هناك مثنوية لفنائه بالكلية في الحضرة الإلهية.
(أذان العشاء)
[1] صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها.
المحاضرة بعد صلاة المغرب بمسجد الغفران ببور سعيد الخميس 17 من المحرم 1432هـ الموافق 23 من ديسمبر 2010م