Sermon Details

23 ديسمبر 2010م
أسباب تأييد الله للصحابة والصادقين
فضيلة الشيخ/ فوزي محمد أبوزيد
الحمد لله والصلاة والسلام على حبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم:
نوجز ما افتتحنا به حديثنا هذه الليلة في قول الله عزَّ وجلَّ: ..﴿ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا﴾ [40التوبة]، وقلنا أن الله عزَّ جلَّ أيد حبيبه – ويؤيد أحبائه المتابعين بصدق لحبيبه – بجنود كونية – من عالم الكون، أو جنود ملكوتية – من عالم الملكوت، أو بتأييدات قلبية تتنزل في قلوبهم من الحيِّ الذي لا يموت، أو بتأييدات ذاتية وهذا لأهل المشاهدات العِيَانِيَّة الذين يتلقون شفاهاً من ربِّ البريَّة عزَّ وجلَّ.
الآيات الكونية كما ذكرنا – أيده الله بالهواء، وأيَّده الله بالضياء، وأيَّده الله بالأرض، وفي مرة أيَّده الله بالقمر عندما أشار إليه بأصبعه فانشق نصفين!! مرة أيَّده الله بالريح في غزوة الأحزاب … تأييدات لا عدَّ لها ولا حدَّ لها.
والتأييدات الملكوتية في نزول الملائكة – وهذا لا عدَّ له ولا حدَّ له – نزل الملائكة في غزوة بدر، ونزل الملائكة في غزوة أحد، وفي كل الغزوات: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [9الأنفال]، ﴿ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ ﴾ [7الحشر].
مرَّةً بألف، ومرَّةً بثلاثة آلاف من الملائكة – وأكثر وأقل – يمدهم الله عزَّ وجلَّ بالملائكة لرفع الرُّوح المعنوية. مرة الملائكة يكونوا مشجعين يرفعون الروح المعنوية، ومرَّةً يكونوا محاربين يمسكون بالسلاح ويحاربون الكافرين.
التأييدات القلبية – التي تكون من ربِّ البريَّة: أشرنا إلى بعضها، وقال الله في شأنها: ﴿ ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ ﴾ [26التوبة]. بالنسبة للمؤمنين يقول للله في شأنهم: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [4الفتح]، إذا صلحت وصبحت صالحة بنزلات ربِّ العالمين.
لكن بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ظاهره كباطنه، وباطنه كظاهره، ظاهرُه نور وباطنهُ نور: ﴿ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ ﴾ [35النور]، وأصبح كلُّه كأنه قلبٌ نوراني أنزل الله سكينته عليه كله: ﴿ فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ﴾ [7الحشر].
أنزل الله عزَّ وجلَّ عليه الطمأنينة: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [28الرعد]. وأنزل الله عزَّ وجلَّ عليه من جند لطفه ما لا يستطيع أحد من الأولين والآخرين ذكره أو عده، يكفي أن تعلم في هذا الميدان أن الله عزَّ وجلَّ تجلى على قلبه بكل أسماءه وصفاته، وكان كل وصف من أوصاف الله معيناً لحبيب الله ومصطفاه، وعوناً له في مواجهة أعداءه وأعداء الله جل في علاه.
والتأييدات الذاتية أن الله كشف عنه الحجب، وواجهه بجمالاته الوهبيَّة. آنسه بوجهه، والأُنس يجعل الإنسان يغيب عن الأكوان ولا يشعر بأحد إلا بحضرة الرحمن عزَّ وجلَّ. وجعله الله عزَّ وجلَّ في هذا المجال ليس له اعتماد ولا استناد ولا توكل إلا على من يقول للشيء كن فيكون: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [64الأنفال].
معك الله ومن اتبعك من المؤمنين: ﴿وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ﴾ [4التحريم]، ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ ﴾ [11محمد]. ومن كان الله مولاه هل يُرِد أحداً آخر؟!!
﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾. [3الطلاق].
فكان صلى الله عليه وسلم يشاهد تجليات الله، ويعلم أن الله عزَّ وجلَّ هو الذي يأويه، وهو الذي يسانده، وهو الذي يُعززه، وهو الذي ينصره، وهو الذي يقوِّيه، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم في عزٍّ دائم بحضرة الدائم عزَّ وجلَّ: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾. [8المنافقون].
——————————-
تأييد الله للصحابة والصادقين
هذه التأييدات الإلهية – التي ألمحنا إلى بعضها – تفصيصها وتفصيلها يحتاج إلى أرواح فارقت الأشباح، وعاينت الكريم الفتاح، وتتلقى شفاهاً وجهاراً من يد المنعم الفتاح عزَّ وجلَّ، لكن ما أريد أن أقوله أن الله عزَّ وجلَّ كل تأييد أيَّد به حبيبه فإن الله عزَّ وجلَّ يؤيد به أحبابه الصادقين في اتباعه إلى يوم الدين، إذا كان الله عزَّ وجلَّ أيَّد الحبيب بالأكوان فإن الله أيَّد أتباع الحبيب بنُصرة كل ما في الأكوان.
– العلاء بن الحضرمي
منهم من جعل الله عزَّ وجلَّ له الماء لوحَ ثلجٍ كبير يعبر عليه وجنوده، كسيدنا العلاء بن الحضرمي رضي الله تعالى عنه، عندما أرسله الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى البحرين، فاعترضهم البحر فوقف وقال لجنده قولوا خلفي: (يا علىّ يا عظيم يا حليم يا كريم) – ولذلك قال بعض الصالحين: أن ذلك اسم من أسماء الله العظمى الذي إذا دُعي به أجاب.
فقالوا: (يا علىّ يا عظيم يا حليم يا كريم) ونزلوا البحر، ومعهم جمالهم، والجمال لا تجيد السباحة، وكذلك هم لأنهم أهل صحراء، ولكنهم كما ذكرت الرواية – والراوي هو سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه – يقول:
{لمّا بَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم العَلاءَ بنَ الحَضْرَمِيّ إلى البَحْرَيْنِ تَبِعْتُهُ فَرَأَيْتُ مِنْهُ ثَلاثَ خِصالٍ لا أَدْرِي أَيَّتُهُنَّ أَعْجَبُ. انتَهَيْنَا إلى سَاحِلِ البَحْرِ فَقَالَ: سَمُّوا اللَّهَ وتَقَحَّمُوا، فَسَمَّيْنَا وَتَقَحَّمْنَا، فَعَبَرْنَا، فَمَا بَلَّ الماءُ أَسَافِلَ أَخْفَافِ إِبِلِنَا، فَلَمَّا قفلْنَا صُرْنَا مَعَهُ بِفَلاةٍ مِنَ الأرْضِ وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ. فَقَالَ: صَلُّوا ركْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا فإذَا سَحَابَةٌ مِثْلَ التُّرْسِ، ثُمَّ أَرْخَتْ عَزَالِيْها فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا، فَمَاتَ فَدَفَنَّاهُ في الرَّمْلِ فَلَمَّا صِرْنا غَيْرَ بَعِيْدٍ قُلْنَا يَجِيءُ سَبْعٌ فَيَأكُلُهُ، فَرَجَعْنَا فَلَمْ نَرَهُ} (رواه الطبراني في الثلاثة).
فعبروا اليمَّ ولم تبتل أخفاف إبلهم!! تجمد الماء وصار كأنه لوح ثلج، فلما رآهم سكان الجزيرة قالوا: ما هؤلاء إلا ملائكة أو جن ولا طاقة لنا بحرب الملائكة ولا الجن فاستسْلموا!! هذا تأييد من الله لأعوان الحبيب صلى الله عليه وسلم حتى نعرف أن ما يحدث لرسول الله يحدث لأتباعه الصادقين.
– سعد بن أبى وقاص في القادسية
سيدنا سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه لما أراد أن يحارب الفرس في موقعة القادسية، وكان بينه وبينهم نهر دجلة، وقام الأعداء بقطع كل الجسور حتى لا يستطيع أن يعبر!!!
وكان الله عزَّ وجلَّ ومازال على ما عليه كان؛ يؤيد جنده بالرؤيا الصالحة، فرأى في منامه أنه وجنده عبروا دجلة إلى صفوف الكافرين، فلما استيقظ في الصباح عقد اجتماعاً عاجلاً لكبار القادة، وقال: جاءتني إشارة من ربِّ العالمين بعبور النهر، ولابد من العبور – لأنهم كانوا على يقين، وأهل يقين – قالوا له: كيف سنعبر؟
قال: قولوا: (بسم الله توكلنا على الله حسبنا الله ونعم الوكيل) وألقوا بأنفسكم وخيولكم وجمالكم في النهر! فنزلوا النهر بخيولهم وجِمَالهم، وحملهم الماء، ومشوا يتحدثون مع بعضهم، وكلما تعب رجل منهم من السير ظهرت له جرثومة – أي جزيرة – من الأرض يقف عليها حتى يستريح ثم يستكمل المشي.
فلما عبروا دجلة، ولم ينقص من أحدهم شيء إلاَّ جندي فقدَ كوب الماء الذي يشرب به في النهر، فتوجَّه إلى الله وقال: يا رب لماذا حرمتني من كوبي دون بقية إخواني الجُند؟!! وإذا بالنهر يموج – أي يحدث به موج- وتحمل الموجة كوبه وتقذف به إليه فيهبط في حجره، فيقول لإخوانه فرحاً: وهذا كوبي لم أفقده .. ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [51غافر]. ليس الرسل وحدهم وإنما وأتباعهم الصادقين
– سفينة والأسد
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من عنده برسالة، وكان اسمه سفينة، فوجد الناس يهرعون فارِّين خائفين في الطريق الذي سلكه، فسألهم: مم تَهربون؟ قالوا: الأسد هائج على الطريق، وكأنه جائع ويريد أن يصطاد أي أحد ليأكله، قال: تعالوا خلفي ولا تخشوه، فذهب عنده وقال: إنِّي جندٌ من جنود رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني برسالة فتنحَّ عن الطريق، فنظر إليه الأسد ثم هزَّ ذيله ثم ابتعد عن الطريق ووسع له ومن معه – إكراما للرسالة التي يحملها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذه القصة مشهورة ومروية بروايات عديدة في كتب السيرة لمن أراد الإطلاع عليها!
وحتى في العصر الحديث آلاف الإكرامات التي أكرم بِها الله أحباب رسول الله إذا صدقوا في إتباعه صلوات ربى وتسليماته عليه: ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ﴾ [2-3الطلاق]. هذه الآية عامة أم محددة؟ عامة في أي زمان ومكان، إذا تحققت بها تصير من أهلها، ويفتح الله عليك كما فتح على جميع رجالها، لا تتطلب شيئاً وهو تقوى الله جلَّ في علاه.
– نصر الملائكة للمؤمنين
حتى التأييدات الملكوتية يُنزلها الله عزَّ وجلَّ لأهل حسن المتابعة لخير البرية وكم في ذلك من روايات لا عدَّ لها ولا حصر، منها:
أن رجلاً في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تاجراً، وخرج في تجارة من المدينة إلى الطائف، وليس معه إلا الله معتمداً على مولاه، وفي الطريق تعرض له قاطع طريق وأخذه إلى وادٍ ملئ برءوسٍ لقتلى كثيرين، وقال: أعطني ما معك ومصيرك كهؤلاء، قال: خذ ما معي ودعني أذهب إلى أولادي، قال: لابد، قال: إذا كان ولابد، فاتركني حتى أصلى ركعتين لله عزَّ وجلَّ، قال: لك ذلك!!
فأخذ الرجل في الصلاة، وهو عند الركوع سمع قائلاً يقول: دعه يا عدو الله، فواصل الصلاة، وعند السجود سمع الصوت مرة أخرى يقول: دعه يا عدو الله، وفي التشهد الأخير سمع الصوت مرة ثالثة يقول: دعه يا عدو الله، فأنَهي صلاته وسلمَّ فوجد الرجل مقتولاً بجواره، وبجواره رجل يلبس ملابس بيضاء ومعه السيف الذي قتله به وهو ملطخ بالدم، فقال له: من أنت؟! ومن الذي أرسلك إلىَّ؟!
قال: أنا مَلك من السماء الرابعة، لما حدث لك ما رأيت، واستغثت بالله عزَّ وجلَّ، نادى منادى الله: من يُغيث عبدي فلان بأرض كذا؟ قلت: أنا يا رب! فنزلت … فهَمَّ الرجل بقتلك وأنت في الصلاة، فقلت: دعه يا عدو الله، فهمَّ بقتلك مرة ثانية وأنا في السماء الأولى، فقلت: دعه يا عدو الله، فهمَّ بقتلك مرة ثالثة وأنا على باب هذا الوادي، فقلت: دعه يا عدو الله، ثم قتلته.
إذن تأييد الله للمؤمنين كتأييده لسيد الأولين والآخرين بكل جند الأرض وكل جند السماء: إن كان الهواء في الرجل الذي قال: يا سارية الجبل، أو الماء كما قلنا، أو الأرض، أو غيرها في أكثر من موضع! وتغص كتب السيرة المطهرة بمثل هذه الوقائع. وكذلك يؤيدهم الله عزَّ وجلَّ بنزول الملائكة لإغاثتهم! وكذلك يُنزل الله عزَّ وجلَّ في قلوب المؤمنين السكينة والطمأنينة والحكمة واللطف، حتى يعتقدوا ويعلموا علم اليقين أن عناية الله عزَّ وجلَّ تحيط بهم من كل جهاتهم، فلا يخافون إلاَّ الله، ولا يخشون إلاَّ غضب الله جلَّ في علاه تبارك أسماؤه وتنزهت صفاته.
– أسباب تأييد الله لعباده المؤمنين
فالله عزَّ وجلَّ أعدَّ لعباد المؤمنين في الدنيا كلَّ أدوات النصر والتمكين، إن كانوا في أنفسهم، أو على غيرهم، أو بين إخوانهم، أو على أعدائهم، لكن كل ما يطلبه الله عزَّ وجلَّ من لمؤمنين نظير ذلك هو قوله عزَّ وجلَّ في كتابه الكريم: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [55النور]. لم يطلب الله أكثر من الإيمان والعمل الصالح ليستخلفهم الله في الأرض وليمكن لهم دينهم وليؤيدهم بكل ألوان التأييد التي أيَّد بها حبيبه ومصطفاه.
وإن أرادوا البشريات وأرادوا الكرامات وأرادوا عطاءات الأولياء والصالحين فنظير ذلك قوله عزَّ وجلَّ: ﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴾. [62-63يونس]، الإيمان والتقوى، فإذا آمنوا واتقوا: ﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ﴾ [64يونس].
– بركة المداومة
نحن نتقى الله ونعمل الصالحات!!! لكن المشكلة عندنا المداومة على ذلك! فمعظمنا موسِميُّون!! حيث نعمل في رمضان عقداً مع الرحمن على تلاوة القرآن وصلاة القيام والصيام، والذكر والتسبيح والطاعات، ومدة العقد إما تسع وعشرون أو ثلاثون يوماً حسب الرؤيا !! وبعد رمضان نرجع إلى ما كنا عليه من قبل، لكن الموضوع يحتاج إلى المداومة، السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها تقول عن الحبيب صلى الله عليه وسلم: {كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً} (البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها)، أي يداوم عليه، والحبيب صلى الله عليه وسلم قال لنا: {أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَىٰ الله تَعَالَىٰ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ} (البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها)، فلا تُحَمل نفسك عملاً كثيراً لا تستطيع أن تقوم به إلا وقتاً قليلاً، وفي هذه الحالة تكون قد أخطأت في متابعة البشير النذير!
فإذا أردت أن تتابع رسول الله لابد أن تمشى على الميزان وهو المداومة … هل هذا واضح ؟ اعمل لك عملاً يناسبك، المهم أن تديم عليه، لو كان هذا العمل حتى قليل!!! لكن المهم المداومة عليه: {أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَىٰ الله تَعَالَىٰ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ}.
ولذلك كان يقول بعض الصالحين: {صلِّ ولو ركعتين في جوف الليل تُكتب في ديوان القائمين} المهم أن تداوم عليها، لكن تصلى في رمضان التراويح بعد العشاء، ثم تصلى بالليل صلاة التهجد، ثم يوم العيد لا تصلى تراويح ولا تهجد ولا حتى ركعتين نفل!! حتى أنه ثبت صحياً من طب القلوب والأبدان معاً أن الإنسان إذا دام على عمل ثم تركه مرة واحدة يمرض الجسم، فلابد للإنسان أن يُعَود نفسه على المداومة.
فصلِّ ركعتين في جوف الليل تكتب في ديوان القائمين، وتصدق ولو بقروش كل يوم تُكتب من المتصدقين! المهم المداومة !!!! (والذاكرين الله كثيراً والذاكرات) (النور) هؤلاء في أي وقت؟ في كل الأوقات، لكن لهم ذكر داوموا عليه، وترفع الملائكة لهم هذا العمل إلى حضرة الله، والله عزَّ وجلَّ يُقبل عليهم بهذا العمل الذي ينظر إليه ويطلع عليه ويراه، لأنهم داوموا على هذه الحال.
لكن الصالحين يقولون لنا: (دوام الحال من المحال) هذا لأهل النفوس، كيف يكون علاج النفوس؟ يحتاج من الإنسان أن يُرغم نفسه على دوام الطاعة لحضرة الرحمن عزَّ وجلَّ، فإذا داوم على هذا الحال سيكون من الرجال الذين يقول فيهم الله: ﴿رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ﴾ [37النور]، واظبوا على العمل الذي يُرفع منهم إلى حضرة الله عزَّ وجلَّ في علاه.
فحتى يكون الإنسان في رعاية الله على الدوام، ويتنزل الله عزَّ وجلَّ بأحوال الصادقين والصالحين على التمام، لابد من الدوام على الطاعات والقربات التي يرفعها ويتقرب بها إلى الله عزَّ وجلَّ.
نكتفي بهذا القدر خوفاً من الإطالة والسآمة والملل، وأرجو الله أن يعيننا على أنفسنا أجمعين، وينصرنا عليها نصراً عزيزاً، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يوفقنا لطاعته، وأن يجعلنا في الدنيا من خيار أحبته، وفي الآخرة من الناظرين إلى جمال حضرته، وأن يرزقنا في الجنة جوار خير بريَّته.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
بعد آذان العشاء بمسجد الغفران ببور سعيد الخميس 17 من المحرم 1432هـ الموافق 23 من ديسمبر 2010م