الحمد لله رب العالمين ، أنار قلوب عباده المؤمنين بنور الإيمان واليقين ، فجعلهم به عز شأنه يستضيئون ، وبنور الإيمان به سبحانه وتعالي يمشون فيميزون به بين الخبيث والطيب ، وبين الحسن والسيء ، فيهتدون بنور الله إلي مايحبه الله ويرضاه سبحانه سبحانه ، لا نور كاشف لظلمات المعاصي ، إلا نور قدرته ، ولا نور يبرز جمال الطاعات ، إلا نور قرآنه وعظمته ، فهو نور القلوب ونور السما وات والأرض ونور الجنات ونور العرش والفرش ، ونور كل شيء وهو السميع البصير .
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلي النور بإذنه ، فيخرجهم من ظلمات المعاصي إلي نور الطاعات ، ومن ظلمات المتشابهات إلي نور الآيات المحكما ت ، ومن ظلمات الشرك إلي نور اليقين ، ومن ظلمات الكفر إلي نور الإيمان ، لأنه عز وجل هو النور الذي يحصل للمؤمنين في الدنيا الطاعة ، وفي الآخرة المقام الرفيع والسرور .
وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله ، السراج المنير والبشير النذير ، الذي أرسله مولاه علي فترة من الرسل فهدي به بعد ضلالة ، وعلم به بعد جهالة ، وجمع به بعد فرقة ، وأعز به بعد ذلة ، وجعل به عالة الأمم الحفاة العراة هم سادة العالم علما وحكمة ، وقوة وعزة ومنعة .. فصاروا حكماء ، فقهاء ، علماء ، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء .
اللهم صلي وسلم وبارك علي نور الأبصار وضيا ئها ، وروح القلوب وريحانها ، وطب الأجسام وعافيتها ، وصلاح المجتمعات ومفتاح إصلاحها ، وباب الجنة ومفتاح دخولها … صلي الله عليه وسلم وعلي آله الطيبين ، وأصحابه المباركين ، وكل من إهتدي بهديه إلي يوم الدين .. آمين ..آمين يارب العالمين … أما بعد فيا عباد الله جماعة المؤمنين
كان في الآيات التي إستمعنا إليها اليوم قبل الصلاة من كتاب ربنا عز وجل ، معاني لطيفة وعلوم رقيقة ، وفوائد عظيمة ، حصلناها جميعا من كتاب الله فيضا وفضلا وإلهاما من الله جل في علاه ، ومن ذلك علي سبيل التذكار ، ذكرنا الله عز وجل أننا جميعا : قد ركب المولي عز وجل لنا في قلوبنا مصباح لا يضيء بنور الكهرباء ، ولا يضيء بنور الشمس ولا يستضيء بنور القمر ، ولا تستطيع محولات أرضية ، أو شبكات نووية أو ذرية ، أن تضيء هذا المصباح ..
من الذي يضيئه ؟ .. وما كيفية إضائته ؟ .. وما فائدة إضائته ؟… سنقولها بإيجاز شديد ، والله علي ماٌ أقول شهيد
أولا : مان الذي يضيئه ؟ .. ثانيا : وما كيفية الإضائته ؟ .. ثالثا : وما فائدة الإضاءة ؟ ..
إجابة السؤال الأول : يقول رب العزة جل شأنه :â الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح á )9النور)
مثل نوره في قلب المؤمن كمشكاة .. كطاقة أو نافذة فيها مصباح ، وهذا المصباح لا يضيء إلا بنور الإيمان بالكريم الفتاح وبالحبيب حبيب القلوب والأرواح صلوات الله وسلامه عليه ، فالمفتاح الذى نضىء به هذا المصباح لا اله الا الله محمد رسول ، فمن قالها أضيىء نور مصباحه ، وبدا على وجهه ، تقواه وصلاحه واوصله الله عزوجل الى طريق نجاحه وفلاحه وحياته الطيبه فى الدنيا وسعادة يوم لقائه عزوجل فى يوم الدين ، أما من لم يفتح قلبه بالمفتاح فلو ملك كل ما فى الدنيا من خيرات ونعم ومن تكنولوجيا وتقدم وإزدهار لا يستطيع أن يضيء مصباحه أو مصباح من يحبه ، الا إذا إستضىء بمفتاح لا إله إلا الله محمد رسول الله â إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ á ( 56 القصص) ، إذن هذا المصباح لا يضيء إلا بنور الكريم الفتاح عز وجل ، فنحن جميعا والحمد لله قد أوصل نور قلوبنا بشبكة حضرة الله ، وأصبحنا ننظر كما قال حبيب الله ومصطفاه : ( إتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ) ، فلم يقل بنور الشمس ولا القمر ولا المصابيح التي تشتعل بالزيوت ولا الشموع ولا الكهرباء الحرارية ، أو المياهية أو النووية ، وإنما ينظر المؤمن بنور من يقول للشيء كن فيكون .
هذا المصباح يتوقف عليه في النجاح وفي الآخرة الفلاح ، فمن حافظ علي إستضاءته ، ومشي في الدنيا بنور قدرته كان كما قال الله : وجعلنا له نورا يمشي به في الناس .
فإذا أوصل هذا النور إلي غرفة النفس ، كشف ما فيها من لبس ، فعلم الشهوات المحرمات والشهوات المباحات ، وعلم مواطن الشبهات ومواضع الغفلات ، فتجنبها بما فيه من نور الله ، وأقبل علي ما يحبه الله ويرضاه ، وإذا هجست في نفسه النفس بشيء لا يحبه الله أضاءت اللمبة الحمراء في أفق نفسه لتنبهه بمخالفة ربه ، وهي ما يسميه المولي عز شأنه â وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ á (2 القيامة ) ، فتلوم صاحبها عند كل أمر يغضب الله وتعاتبه ، وقد تشدد عليه العتاب ، فلا يهدأ له بالا ولا يطمئن له خاطر ، بل ربما لا يذوق طعم النوم من شدة تأ نيب نفسه له ، لأنها تستنير بنور من يقول للشيء كن فيكون .
إما من مشي في ظلمة النفس ولم يمدها بكهرباء الإيمان ، فتزين له المعاصي وتسوف له الطاعات وفعلها ، وتجعله يفرح بالمعاصي ، فإذا سرق فرح ، وإذا غش سر ، وإذا خدع إستسر ويفرح بذلك ، ومن يفرح بذلك فهو هالك ، لأن نفسه تعيش في ظلام حالك فلم يستضيء بنور الملك المالك عز وجل .
وهل هناك نفس مؤمنة تقية نقية تفرح عند الذنب ؟ .. حا شا لله عز وجل .. هل هناك نفس إستضاءت بنور الله تتباهي بمخالفة الله ، وتتحدث بين خلق الله بما فعلت فيما يغضب الله ؟ .. لا يكون ذلك أبدا ، ولذلك قال الحبيب صلوات الله وسلامه عليه : ( الحياء من الإيمان ) فعلامة النفس وتنويرها بنور القدس أن يكون صاحبها حيا ، ويستحي أن يعصي الله ، ويخشي أن يخالف مولاه ، ويجد في نفسه وقعا شديدا كلما هم بأمر فيه مخالفة لكتاب الله أو فيه ارتكاب محظور نهي عنه حبيب الله ومصطفاه صلوات الله وسلامه عليه .
ويصور الحبيب ذلك فيقول : ( كلما عمل المؤمن ذنبا كان نكتة سوداء علي قلبه ، فإذا توالت الذنوب ، كان ذلك الران ) ، يعني الغطاء الذي يحجب هذا النور ، ثم تلي قول رب العزة :â كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ á ( 14، 15 المطففين ) ، نحن جميعا يإخواني في أمس الحاجة إلي تقوية هذا النور في هذا الكون ، وفي هذه الظلمات ، فإ ن نور الإيمان با لله ، إذا قوي يعين الإنسان علي تحمل مصائب الحياة ، ويعين الإنسان علي السير علي طريق الهداية بين أرجاء أهل الضلالة والغواية .
فأنا وأنت نحتاج إلي أن نسير علي طريق الهدي ، ونبتعد عن طريق الردي ونمشي علي الصراط المستقيم ، ونبتعد عن طريق الشيطان الرجيم ، وهذه الطرق ليست ظاهرة وتراها عين الرأس ولكنها معنوية لا تراها إلا عين القلب ، فتعلم أن هذا فيه الهداية وهذا فيه العناية وهذا فيه الولاية … وهذا فيه الضلالة والغواية وهذا فيه جهنم وبئس المصير وهذا فيه الحرمات والبعد عن العلي الكبير .
تعمل هذا وذاك بماذا ؟ … بمصباح الإيمان وبنور القلب الذي نوره حضرة الرحمن ، ومصباح الإيمان يا إخواني يقويه كتاب الله والعلم بالله ، ولا ينفع فيه التلاوة فقط ، لكن لا بد من التلاوة مع التدبر والتذكر والتعلم ، والتفكر ، ولذلك رب العزة يوجه عباده المؤمنين فيقول : â وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ á ( 17 القمر) لم يقل هل من تالي أو هل من قاريء ، ولكن قال : هل من مدكر يقرأ ويفهم ويتدبر في معاني كلام الله ، وعاتب أقوام يقرأون ولا يفقهون فقال لهم :â أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا á (24 محمد ) ، لم يقل أفلا يقرأون ، ولكن قال أفلا يتدبرون ، فالذي يقوي النور في قلب كل مؤمن نور الإيمان ، هو تدبر معاني القرآن وزيادة العلم بسنة النبي العدنان ، فإن العلم هو الذي يجدد مصابيح القلوب ولذلك الحبيب المحبوب صلوات الله وسلامه عليه قال : ( العلماء سرج الدنيا ومصابيح الآخرة ) ، أو كما قال ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة …..
الخطبة الثانية :
الحمد لله الذي هدانا للإيمان وجعلنا من عباده المسلمين ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إختار لنا الإسلام دينا والقرآن كتابا ، وسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم نبيا ورسولا .
وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله ، وصفيه من خلقه وخليله ، الذي وصفه مولاه فقال : â لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ á (128التوبة )
اللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم واعطنا الخير وادفع عنا الشر ونجنا واشفنا وانصرنا علي أنفسنا وعلي أعدائنا يارب العالمين … أما بعد فيا عباد الله جماعة المؤمنين :
إن الله عز وجل جعل لنا في الدنيا طريقا إليه ، وجعل للأعداء والكافرين والملحدين والجاحدين طريقا إلي جهنم ، هذا الطريق له علامات ، وهذا الطريق له إشارات وملامح ، والفارق بين الإثنين هو الفضائل والرذائل …. والقيم الأخلاقية القرآنية ، والرغبات الدنية السفلية الإبليسية .
فطريق الله لا يوضحه إلا قلب قد إستنار بنور الله فبين له نور الصدق فيتحراه ، وظلمة الكذب فيبتعد عنه لينال رضا الله … نور الحلال في الأكل والنكاح والعمل ، فيبتغيه ويسعي فيه ولو كلفه في سبيل ذلك مشقة … فنبي الله موسي عليه السلام لكي يعف فرجه وينكح في حلال جعل مهره عشر سنين يرعي الغنم وأجره في العشر سنين هو الذي قدمه لصهره وأبو زوجته شعيب عليه السلام عشر سنين يرعي في الصحراء ليحقق لنفسه طريق الخير ويتزوج علي طريق البر والهدي والرشاد ….وطريق السعادة .. بأي نور ؟ … لا نور الكهرباء ولا نور الشمس وإنما نور الإيمان ونور القرآن ونور العلم ، ومصدر النور تحدث عنه الله عز وجل في قرآنه المصدر الأول وقال : ( الله نور السماوات والأرض ) ، ومنه إنشق النورإلي مصدرين : القرآن ، وسنة النبي العدنان صلي الله عليه وسلم ، أما القرآن فقد قال فيه الرحمن : â وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا á ( 52 الشورى ) ، ولم يجعل الهداية قاصرة عليه ، فسن لحبيبه صلوات الله وسلامه عليه وقال : â وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ á 52 الشورى ، فنحن جميعا في أمس الحاجة إلي نور العلم ، ونور تدبرالقرآن ونور سنة النبي العدنان ، حتي نمشي فيما يحبه الله ونترك الطريق الذي يمشي عليه من ضل سعيه في هذه الحياة ، وهو يحسب أنه يحسن صنعا ، وهو يحسب أنه علي خير أو علي بر.. فمن يحافظ علي الصلاة ، ويستقم علي قراءة كتاب الله ، ولكنه لا يتعامل مع عباد الله بالطريق المستقيم الذي وضحه الله ، فمن يحافظ علي الصلاة ، ويكذب علي عباد الله ، ويغش خلق الله ، ويخدع المساكين من عباد الله ، ويزور في الأقوال ، وفي الأفعال ، وفي الأوراق والستندات لينال حق ليس له ، وليس في كتاب الله عز وجل ، فإلي أين يكون مصيره ؟ … لقد سئل الحبيب صلوات الله وسلامه عليه عن إمرأة ، تقوم الليل وتصوم النهار ولكنها تؤذي جيرانها ، فقال في شأنها صلوات الله وسلامه عليه : ( لا خير فيها هي في النار ) ، لأنها سارت علي هذا المنهج ، الهوي علي غير سبيل … وطريق النبي صلي الله عليه وسلم ، هو طريق الهدي والنورد في الأخلاق والمعاملات والعبادات والعقائد الصحيحات وكلها جملة واحدة .
فلا يجوز في منهج الله أن يحج المرء كل عام ويغش عباد الله في البيع والشراء ، ويقول هذا شيء وهذا شيء آخر ، فلا ينفع في شرع الله عز وجل ، أن يحسن الإنسان فيما بينه وبين الناس ، ويسيء إساءة بالغة إلي زوجته بلا سبب ، لأن الله ملكه أمرها ، وجعله مهيمن ومسيطر عليها ، لكن لابد أن يتبع منهج الله كما قال الله لحبيبه ومصطفاه : â قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِá ( 162 الأنعام ) .
فلا بد أن تكون حياتك كلها بمنهج الله ، فإذا مت ..علي منهج الله ، وهذا لا يكون إلا إذا إتصل القلب إتصالا وثيقا بنور الله ، فلا يضيء المصباح تارة ويخفق أخري ، لأن هذا وصف المنافقين في سورة البقرة ، لكن مصباح المؤمن يضيء علي الدوام ، فيجتنب دائما وأبدا الذنوب والمعاصي وجميع الآثام فيكون كما قال الله في شأن عباد الله المكرمين : â لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ á ( 6 التحريم ) .
ثم الدعاء ……. وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم
â الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح) á9النور)