• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

6 يونيو 1997

أحوال الرجال

شارك الموضوع لمن تحب

قال الله عز وجل: }اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ { (13) سورة الشورى فى هذه الآية آيات ابتداء وهناك اهتداء، يوضح الله عز وجل الفارق بين الاثنين فالاهتداء جعله خصوصية من خصوصيات الله لا لعمل ولا لأمل ولا بشيء قدمه المرء لنفسه أو لربه عز وجل بل محض فضل وخالص إكرام من الملك العلام عز وجل لمن شاء من الأنام ولذا قالوا: “ملك الملوك إذا وهب لا تسألن عن السبب” والوهب هنا من محض فضل الله وخالص جود الله غير متعلق بالأسباب التى يتسبب بها الناس فى هذه الحياة.

الولاية عناية والهداية تحتاج إلى رعاية، الولاية عناية من الله سابقة، ومعها تدابير القدرة وإمدادات الحضرة توالى صاحبها فتجعله دائماً وأبداً لا يكل ولا يمل ولا يفتر طرفة عين عن مولاه عز وجل حتى قالوا للإمام الجنيد رضي الله عنه عند موته: “إذكر الله، فقال رضي الله عنه: وهل نسيته حتى أذكره” هو معى دائماً ثم قال بلسان الحال:

إن بيتاً أنت ساكنه

غير محتاج إلى التوب

وجهك المعمور حجتنا

يوم ياتى الناس بالحجج

المسافر إلى حضرة الله هل ينقطع عن حضرة الله وإنما يذكر مولاه تنزهاً وتنعماً بذكر الله عز وجل وليس للقرب لأنه فى عين القرب، الذين يريدون الوصول إلى الله يديموا ذكر الله:

أديموا لذكر الله فالذكر نوره

لأهل الهداية لا شك فارق

على كل حال: } قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ { (191) سورة آل عمران ، استدامة الذكر تفتح عين القلب وتجعله بقوة ما أوتيه من الرحمن من منح إلهية وعطاءات ربانية يستطيع أن يرى أنوار الزمان وسواطع لاءلئ تجليات الكمال وأن الله ثبت فؤاده وأعانه على بلوغ مراده فيديموا بذكر الله لأجل أن يصلوا إلى أهل الله عز وجل ويصلوا لرضوان الله ومواجهة مولانا رسول الله ﷺ لكن الجماعة الذين يذكرون تلذذ بذكر الله أو تنعم بذكر الله وهو الذكر العالى الذي يذكره أهل المقام، فالله بدأ بأهل الإبتداء لأنهم أعلى المقامين وخير الدرجتين فإن انتهى إلى الدرجة الثانية فهى توصل إلى الدرجة الأولى، يجب من الإنابة وهى الرجوع إلى الله بالكلية وعلامة الإنابة لله عز وجل كما قال رسول الله ﷺ: {الإنابة لدار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله}

أهلها لا يريدون بزهرة الدنيا وزخرفها وإنما يطلبون الله وتجدهم فى حركة دائبة من العمل الصالح سعياً لرضوان الله والقرب من حضرة الله عز وجل فإذا اناب وصدق فى الإنابة هداه الله إلى حضرته: } وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ { (13) سورة الشورى ،

الإنابة هى الرجوع الكلى إلى حضرة الله عز وجل بكل الحقائق الظاهرة والباطنة حتى يصل العبد إلى مقام قال فيه ﷺ: {سيروا سبق المفردون، قيل: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: المستهترون بذكر الله عز وجل – “الإستهتار هنا معناه الولع الشديد وليس الإستهتار المعنى الذي نعرفه} ولكنه الولع الشديد والوله بذكر الله عز وجل حتى أن الواحد منهم لا يستطيع أن يعيش لحظة بدون ذكر الله، يشعر أن هناك شيء ناقص لديه أو كأنه ميت ولا يزال المرء منهم يذكر الله حتى يذكره مولاه .. يذكره بلطفه وفضله وكرمه وعطفه ومننه وسابق عنايته ويدخله فى قوله عز وجل: } اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء { (13) الشورى، ويجعله من أهل الإبتداء بمعنى الاصطفاء، إما أن يصطفيه لذاته ولا يشغله إلا بحضرته وإما أن يصطفيه لهداية طريقته ويعلمه العلوم الوهبية وما تطيقه العقول الإنسانية لكي يقربهم بهذه العلوم إلى حضرة المعلوم عز وجل ، وإما أن يصطفيه لأسرار القدر ويفتح له كنوز الغيب ويطلعه على ألواح الأقدار حتى يعلم حكمة الواحد القهار ويخبر عنها أهلها بمقدار عن أمر من الواحد القهار عز وجل وإما أن يصطفيه الله عز وجل لتحمل أعباء الخلق فيحمل عنهم أوزارهم وأثقالهم وبلائهم ويكون وجوبه شجب إقرار من الله عز وجل لهم كما قال ﷺ: {إن الله يرفع البلاء عن أهل مائة بيت من جيران الرجل الصالح إكراماً لإيمانه وتقواه} وهناك من يرفع الله البلاء عن أهل مركز أو يرفع عن دولة وهناك رجل يرفع الله به عن أهل الأرض جميعاً وهو القطب الغوث الوارث الفرد الجامع لسيدنا رسول الله ﷺ ، والوارث لمقام: } وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ { (33) سورة الأنفال،

بمعنى أهل الإصطفاء والإبتداء لا عد لهم ولا حصر لهم ولا يختار الإنسان النوعية التى يريدها وإنما الأمر لله عز وجل وهو الذي يختار ويريد، فمن أراد ان يكون من أهل الابتداء والعناية فعليه أن يميل على طريق أهل البداية ويقوم برعاية أوامر الله ورعاية الجوارح المجترحة التى جعلها فيه الله فيحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ويتذكر فى كل أنفاسه الموت والبلى ويعمل بعد ذلك بجد وصدق وإخلاص طالباً من الله عز وجل القرب من حضرته وليس طالباً أن يكون من الخواص وأنه إذا عمل عملاً ويبغى من وراء هذا العمل أن يجعله من الخواص كان عمله ليس فيه إخلاص ولكن يعمل عملاً ابتغاء وطلباً لرضوان الله لا يبغى إلا رضاه ولا يطلب منه عز وجل إلا أن يرضى عنه وأن يكون من الذين قال فيهم الله: } رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ { ، وتأتى لمن؟ لأهل الخشية:

} ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ { (8) سورة البينة ، والذي يريد هذا المقام يجب أن يملأ قلبه بالخشية لله عز وجل فإذا سار على طريق أهل الإنابة وكانت خشية الله ساكنة فى تجاويف فؤاده ومراقبة الله عز وجل لائحة فى أسوار قلبه ويرى الله عز وجل الصدق منه فى الأفعال والإخلاص فى الأحوال أنزله منازل الرجال وبلغه مقام أهل الوصال وتفضل فمنحه حلل الأبدال ويُنيله مقام الإجتباء ويجعله من عباده الأتقياء ويقيمه عز وجل بدلاً عن حضرته فيما يشاء لأنه جاهد فشاهد، جاهد لله حتى صار أهلاً للقرب من الله فاجتباه الله.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid