الحمد لله الذى ملا قلوبنا بحبه وحب حبيبه ومصطفاه ، وأخذ بأيدينا لما يحبه ويرضاه ، ووفقنا للعمل الصالح والعمل الرافع الذى به القبول من الله والاقبال على الله .
والصلاة والسلام على إمام المصطفين ، وصفوة المجتبين ، وشمس الهداية فى قلوب العارفين ، وروح أرواح المجتبين ، والشراب الطهور لجميع أفئدة المؤمنين .. سيدنا محمد وآله الطيبين ، وصحابته المباركين ، وكل من إهتدى بهديه إلى يوم الدين .. آمين .. آمين يارب العالمين .
فيا إخوانى ويا أحبابى فى الله ورسوله .. بارك الله فيكم أجمعين :
الامام الغزالى رضى الله عنه وأرضاه لما كان فى مرض موته ، جلس حوله أحبابه ومريدوه وقالوا له أوصنا ( نريد وصيّة جامعة ) فوصّاهم بكلمة واحدة ، لم يقل لهم درسا ً ولا حكمة ولا عظة ، ولكن هى كلمة واحدة هذه الكلمة هى أساس حياة المؤمن الايمانية عند الله وهى التى يتوقف عندها درجة كل مؤمن فى القرب عند مولاه وبمعيارها وسنجتها يكون وزن كل الاعمال يوم لقاء الله .
فالمؤمن الذى تحقق بهذه الكلمة يا هناه فى الدنيا وعند مولاه ، والمؤمن الذى ملا الارض والسماوات والجبال والبحار عبادة ولم يتحقق فى هذه العبادة بهذه الكلمة فياحسرته على مافرّط فى جنب الله .. فما هى هذه الكلمة ؟ .. الرجل يقولون له أوصنا ، وهذا إمام كبير ، وهو الامام الغزالى رضى الله عنه ، قال لهم : { الاخلاص .. الاخلاص .. الاخلاص ….. حتى خرج النفس الاخير}، فاخذ يكررها حتى خرج النفس الاخسر .. هى كلمة واحدة ، ربنا لا يريد منّا عدد ركعات ، ولا عدد خَتَمَات ، ولا الاكثار فى الصيام لايام ٍ متتابعات ، إلا ّإذا كان روحها الاخلاص لله فى كل هذه العبادات .
ولذلك سيدنا بن عطاء الله السكندرى رضى الله عنه كان يقول ليوضّح لنا هذا الامر : { الاعمال أجسامٌ قائمة وروحها وجود الاخلاص لله عزّ وجلّ فيها } .. فما هى الاعمال ؟ .. هياكل أو أجسام ، وهل الجسم يمشى من غير روح ؟ .. هل ينفع ذلك ؟ .. فما هى روح الاعمال يا إخوانى ؟ .. الاخلاص .. â فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا ، وما شرط هذا العمل ؟ وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا á (الكهف 110) .. شرط هذا العمل أن يكون فيه إخلاص ، ومامعنى الاخلاص ؟ .. أن يقصد بعمله وجه الله .. إذن الاخلاص هو أن يقصد بعمله أو بقوله أو بحركاته أو بسكناته أو بتوجهّاته أو بعباداته يقصد بها وجه الله والذى يعمل عملا ً لكى يرضى الناس فيكون أجره عند الناس ، وهل الناس معهم شيء؟
أيوجد أحدٌ فى الاولين أو فى الاخرين يملك لنفسه فضلا ولا لغيره أجراً ولا ثواباً ولا نفعاً ولا ضرّاً ، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً ؟
الحساب كله عند الله والاجر كله على الله والخلق كلهم من بدأ البدء إلى نهاية النهايات فقراء إلى عطاء الله وفضل الله وكرم الله وعطف الله عزّ وجلّ â يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ á (فاطر15) ، هذه النقطة لو أحدنا ضبطها .. إذن فلن يهمه شيء، فلو صلّى كل يوم ٍ الفرائض فقط يكفيه ، ولو صام شهر رمضان فقط يكفيه ، ولذلك الحبيب صلوات الله وسلامه عليه قال لسيدنا أبى ذرّ: ( أخلص يكفيك قليل من العمل ) ، إياك أن تبحث عن الكمّ أو العدد ولا الناس ، وأهم شيء تقصد بسّرك وقلبك وباطنك بهذا العمل وجه ربّ الناس عزّ وجلّ ، ولكن الذى يعمل لاجل الخلق وهذه نقطة أريد أن أوضِحّها شويّة :
إذا كان هذا العمل لاجل الخلق بمعنى : أن الخلق لو لم يَرَوْهُ لم يعمل ، فيكون هذا العمل شركا ً وباطلا ً ولا يُقبل عند الله عزّ وجلّ ، بمعنى أن الناس رأوه يصلىّ ولو لم يروه يصلّى فهذا شركٌ واضح .. الامورواضحة يا إخوانى جدّا ً.
يروه يصوم ولم يروه يفطر ، إذن أيضا ً كله إسمه شرك ، ولكن هذا الشرك هو الشرك الخفى ، وليس
الشرك الظاهر وهو الكفر ، لكن إذا كان يعمل لله ، لكن عندما يراه الخلق يتجمّل أكثر ، يعنى هو يصّلى لكنه عندما يلاحظ أن أحدا ً يراه يتأنّى ويتظاهر بالخشوع ، وينّزل رقبته قليلا ً حتى يبين أنه رجلٌ خاشع ، قانت كله لله ، ويُحَسّن التلاوة ، فهذا عمله لله ، ولكن عمله ليس حابط ولا هابط ، لانه يعمل العمل أصلا ً لله ، لكنه يزيد شويّة عندما يراه الخلق ..هذا الكلام عادى إذا كان العمل لله ، ولكن رجلٌ عالم ويعمل العمل لكى يَقتدَى به الناس ، فهذا له أجران ، أجرٌ لنفسه وأجرٌ على إقتداء من يراه ويتبّعه ، لان نيته بالاظهار أن يراه الناس ويتبّعوه ويعملوا مثل عمله .
فما الذى فيه الشرك ؟ .. الذى يريد أن يراه الناس ، ويقولون أن فلانا ً هذا رجلٌ صالح : ماأحسن قراءته ، ما أحسن إطالته فى الركوع والسجود ، ما أحسن كذا وكذا .. يريد الثناء من الناس ، وهذا الثناء يعجبه ، ويريد أن يستزيد منه ، ويريد أن يسمعه ، فهذا الذى فيه شيءٌ من الشرك الاخفى وليس الشرك الخفى ، فما هو الشرك الاخفى ؟
الشرك الخفى نحن ذكرناه وهو الذى يعمل العمل فى ظاهره لله ، ويرجوا به خلق الله ــ لكن الشرك الاخفى وهو الذى يعمل العمل لله ويزيّنه إذا رآه خلق الله طلبا ً لمَحْمَدَتِهْم والثناء منهم والاعجاب لديهم لكن إذا كان همّه كله ليقتدوا به فهذا ليس شركا ً ، فهذه دعوة ، وهذا إقتداء وإهتداء كما كان عليه الرسل والانبياء عليهم السلام أجمعين ، وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم ، وعلينا معهم أجمعين .
فأى عمل يحتاج الروح لكى يصل إلى الله ، ومن أين نأتى بالاخلاص ؟ .. من قلبك ومن نيّتك ومن سريرتك وباطنك ، ولذلك المؤمن الناس يرون ظاهره ، وهو ينظر إلى باطنه ، لا يلاحظ الخلق لكن ، يلاحظ مدى إقباله على حضرة الحق : فأنا لماذا أفعل هذا ؟ .. ولاجل من ؟ .. وهذه هى النقطة التى يعيش فيها الصالحون والمؤمنون فى كل أطوارهم ، فى كل حياتهم الدنيا ، والله عزّ وجلّ جعل الخلق فى هذا المقام ثلاثة أقسام وثلاثة منازل :
أصحاب المنزلة الاولى : يعملون الاعمال الصالحة ويحسّنون النيّة ، ويجوّدوا فى الطهارة القلبية ، ونيّاتهم أن يصلوا فى نهاية أعمالهم إلى الاخلاص فيها لرب البريّة ، يريدون فقط أن يكون العمل خالصا ً لله عزّ وجلّ â لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ á (البينة 5) فيظلّ مرّة يلاحظ الخلق فى بداية العمل ومرّة يلاحظهم قبل العمل ، ومرّة يغيبون عنه ، ويأخذ باله منهم بعد العمل ، إلى أن يأتى عليه يوما ً لا يلاحظ إلا ّ الله ، قبل وأثناء وبعد العمل ، هذا مقام شديد ، وهذا هو المقام الذى نحن فيه كلنا ، والمنزلة التى هى أعلى من هذه ، هى منزلة الصالحين ، بدايتهم الاخلاص لله â أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُá (الزمر3) كذا كم يعبدون الله للوصول إلى الاخلاص ، فإن كانت بدايتهم الاخلاص ، كانت نهايتهم أن يكونوا مخلصين â إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ á (الحجر 40) الذين أخلصهم ربنا لذاته ، فهؤلاء إجلالهم لله والمخلصين عملهم بالله ، وفرقٌ بين من يعمل لله ومن يعمل بالله .. فرقٌ كبير بين هذا وهذا:
فيعمل بالله يعنى لا يرى لنفسه حولا ً ولا طولا ً ولا قوة ً ولا علما ًولا عملا ً .. دائما ًيرى كل ذلك بتوفيق الله ومعونة الله وعناية الله عزّ وجلّ ، ولا يرى لنفسه شيئا ً ابدا ًإنما المخلصين الذين هم بداياتهم هى نهاية الصالحين .. وربنا فى الايات التى سمعناها فى الصلاة فى آخر سورة الكهف ، بيّن لنا منزلة الفريقين :
الفريق الاول : الجماعة الذين يعملون الاعمال الصالحة ويقصدون بها الاخلاص لله ، هؤلاء ما جزاؤهم ؟
جزاؤهم الجنّة ، وجنّة الفردوس ، والتى هى أعلى منزلةً عند الله عزّ وجلّ ، والتى قال فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ( إذا سألتم الله الجنّة ، فاسألوه الفردوس الاعلى ، فإنها أعلى منزلة ًفى الجنّة) .
والفريق الثانى : الذين هم بدايتهم الاخلاص ، وهؤلاء هم الخواص الذين جزاؤهم وبغيتهم ونهايتهم وجه الله â فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا á (الكهف 110) ، وهؤلاء لا يهتمون بظاهر العمل قبل الباطن .
فأهل المنزلة الاولى يهتمون بالظاهر أولا ً: الوضوء ـ الوقوف – الركوع – السجود ، وبعد ذلك يبحث عن الاخلاص .. لكن أصحاب المنزلة العليا أهم شيء عنده أن يرى ما بداخله ، ينظر إلى باطن القلب وكيف يتجهّز للقاء الله عزّ وجلّ قبل أى عمل ، وبعد ذلك يدخل على العمل فيعمل العمل فى الباطن فيتبعه الظاهر ، لكن الاول يعمل العمل بالظاهر فيتبعه بالباطن ، ولذلك مرّة يحضر ومرّة يسرح ، ومرّة يسهوا .. أليس كذلك ، ولكن هذا .. لا .
جلس جماعة يتكلمون فى السهو ، وقد دخل عليهم الامام الحسن رضى الله عنه ، فقالوا له : هل تجد هذا الامر عندك ، وانت تسهوا مثلنا ؟
قال : { لان تختلف فىّ السيوف ، أحبُ إلىّ من الشيء الذى تذكرونه ، كيف أسرح وانا مع الله عزّ وجلّ ؟ } ، لانه جهّز باطنه وقلبه وجهّز نيّته لله عزّ وجلّ قبل الصلاة وقبل أى عمل يبغى به وجه الله .
من أين تعلّم هذا الكلام ؟ .. من أبيه الامام على كرّم الله وجهه ورضى الله عنه وأرضاه :
واجه فى يوم ٍ مبارزة فى معركة حربية مع أحد الكافرين ، وأخذا يتقاتلان حتى حتى سقط الحصانان ميتين ، فترجّلا ، وأخذا يتقاتلان بالسيوف واقفين على الارض حتى إنكسرت السيوف – لان الاثنين كانا بطلين من الصناديد – فتجاولا وتصارعا ، وتداخلا فى بعضهما ، فحمله الامام علىّ وجلد به على الارض [ لمس أكتاف كما يقولون فى المصارعة ] وركب عليه وأخرج الخِنجَرليقتع رقبته ، فالرجل سيموت فماذا يعمل ؟ .. بصق فى وجه الامام علىّ [ تفل فى وجهه] .. ماذا يفعل الامام علىّ ؟ .. قام وتركه ، فقال له : لم تركتنى بعد إن تمكنّت منى ؟
فقال له الامام على ّ: كنت أقاتلك لله ، فلما بصقت فى وجهى خفت أن أقتلك إنتقاما ً لنفسى ، لاننى غضبت .. قال أفتراقبون الله فى هذا المقام ؟
قال له : وفى أدق من ذلك ..
أنظر كيف تكون المراقبة لله ، وفى أدّق من هذا .. فشرح الله صدره للاسلام ونطق بالشهادتين .
ماهذه الحكاية ؟ وما هذا الاخلاص ؟
ير يد ان يكون اى عملٍ لله ، والنفس ليس لها فيه شيءٌ أبدا ً، يرى أن الناس لاتبش ولا تهش فى وجهه ، ولا تعظمّه ولا تكرّمه .. لا ينفع هذا .. فيراجع نفسه ويقول لها : أنا أريد أن يكون العمل لله .
وسيدنل علىّ من الذى درّبه على ذلك ؟ … سيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه .
درّب أصحابه جميعا ً على الاخلاص ، فالذى يفلح يقذف بنيّته إلى ربه بصفاء نيّة وصدق طويّة ، فيكون هذا هو الذى نجح فى الرباية الالهيّة .. خلاص هذا هو الذى سيقبله ربنا ، ومادام ربنا سيقبله ويتقبله ، فسيفتح له أبواب الفتح ، ويفتح له كنوز الفضل ويحفه بواسع النعماء ويجعله دائما ً وأبدا ً مجاب الدعاء ، ومحقق الرجاء ، وليس معنى ذلك انه كما يفهم بعض الناس ويقولون : ان المخلص هو الذى يريد أن يعتزل الناس ولا يراه أحد .. لا .. ليست هذه القصّة ، لانه يوجد أحيانا ً من يحب أن يراه من الناس لكى تزيد مكانته عند الناس فيقولون فلان هذا لا يمشى مع أحد ، ولا يجلس مع أحد ، إذن هو رجلٌ صالح ، إنه جالس فى الخلوة دائما ً .
سيدى أبو العباس المرسى رضى الله عنه قال هكذا : { من كان يحب الظهور فهو عبدٌ للظهور ، ومن كان يحب الخفاء فهو عبدٌ للخفاء } لانه لن يتعلّم منه أحد ، فماذا يتعلّم منه الناس ؟
ومن كان عبدا لله ً فلا يضّره ، سواءٌ أظهرهه أو أخفاه ، لانه خلاص أصلح مابداخله لله عزّ وجلّ .
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بداية البداية وعلامة الفلاح فى النهاية ، وأصل الاصول فى تحقيق الرعاية .. الذى بدأ به مع أصحابه : هذه الحقائق ، فمَرّسَهُم على الاخلاص فى كل عمل ، وهذا سرّ فتحهم وسرّفلاحهم وسرّ نجاحهم .. والمخلص سواء الناس ذمّوه او مدحوه لايهمه ذلك الامر ، والناس إذا قدحوا أو مدحوا .. ماذا يعملون ؟ { أذا ذمّنُونى أو شانونى ، هل يستطيعون يوم القيامة أن يخزونى ؟ .. أبدا ً .. إن مدحونى وأثنوا علىّ وأطرونى ، هل يستطيعون يوم القيامة أن يرفعونى } ؟
أبدا ً لا هذا ولا ذاك لهم .. ولكن الخافض والرافع والمعزّ والمذلّ هو الله عزّ وجلّ .
فلما يتحقق بهذا الامر خلا ص لا يهمه ثناءهم أو مدحهم ، وإنما يهمه ثناء الايات المحكمات ، فينظر على من تثنى ، ويريد أن يكون فى هذا المكان وفى هذا المقام العظيم الذى يثنى عليه الله .. وهذا هو الثناء الخالد الذى لا يفنى ولا يتبدد ولا يتغيّر ، وإن فنيت وتبددد ت هذه الحياة ، لانه ثناء الله عزّ وجلّ.
فالاخلاص يا إخوانى هو الدرس الاول الذى يركّز عليه كل مشايخ الصوفية ، وكل الصالحين من العلماء وكل الناصحين من الحكماء وجميع الرسل والانبياء ، وإمامهم وعظيمهم سيد الرُسُل والانبياء صلوات الله وسلامه عليه .
وبعد ذلك إعمل الذى تريده … وأشبّهه لكم تشبيها ً لكم تشبيها ً لطيفا ً :
الاخلاص للقلب كالبذرة الطيبة فى الارض ، مادامت البذرة طيبة فلابد أن تنتج ثمارا ًطيبة ، لكن لو كانت البذرة خبيثة ، حتى لو راعيتها وربيتها وإهتممت بها فلن تؤتى ثمارا ً طيبة أبدا ً.
â وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ á (الاعراف : 58) والبلد الطيب هنا أيضا ً ، الاشارة إلى القلب الطيب الصالح التقى النقى لله عزّ وجلّ يخرج نباته ، لان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( ألا أدلّكم على غراس الجنّة { نبات الجنّة } سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أإكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ) وهذا نبات الجنّة يخرج نباته وذكره وفكره بإذن ربه ، والذى خبُث لا يخرج إلا نكدا ً، وحتى يأتى لصاحبه بالنكد عنما يعمل العمل لاجل الناس ، والناس لا تعطى له الاجرة ، عمل هذا العمل لكى يعظّموه … لم يعظّموه يحدث له ضيقٌ فى نفسه ، وياتيه النكد .. أليس كذلك ؟ .. أم ..لا؟ والغم والهم ويقول هؤلاء جماعة ليس فيهم خير ، كيف لا يعظّموننى ، ولا يكرّموننى ؟ .. ولا يهتمون بى ؟ .. ولذلك ذهب جماعة من العلماء إلى سيدنا الامام اليافعى رضى الله عنه فى اليمن ، وقالوا له لماذا تقبل الناس على الصوفية ، ولا تقبل على غيرهم ؟ .. مع أن غيرهم يمكن أن يكونوا من العلماء المعروفين ، قال : لان الصوفية ماتت نفوسهم وغيرهم بقيت نفوسهم ، وقال لهم سأضرب لكم مثلا ً :
قالوا له كيف ؟ .. قال لهم إجلسوا بجوارى هنا ، وسوف نرسل لفلان الفقير وفلان العالم ، وقال للجماعة الذين حوله عندما يدخل أحدهما ويلقى عليكم السلام ، فلا يردّ أحدكم عليه :
فجاء الرجل الفقير وألقى عليهم السلام ، فلم يردّ أحدٌعليه ، فقال لهم : ماذا جرى يا إخوانى ؟ .. هل أغضبتكم فى شيء ؟ .. هل أنا أخطأت في حقكم ، هل أنا إرتكبت ذنبا ً .. إصفحوا عنّى ، أطلبوا لى المغفرة من الله ، وأخذ يتضّرع ويتوب إلى الله ويرجوا منهم أن يسامحوه إذا كان أخطأ فى حقهم فقال له إجلس .. وجاء العلم وألقى عليهم السلام ، فلم يردّوا عليه ، فقال لهم : أنتم جماعة غير مؤدّبين ، ألا تعلمون أن الدين قد أمر بتوقير العلماء ، وتبجيلهم وتعظيمهم ، فلقنّهم درسا ً قاسيا ً.
أرأيت الفارق بين من ماتت نفسه ، وبين من ظلّت نفسه حيّة ؟
الذى ماتت نفسه لا يرجوا إلا ّ رضا ربّه ، وبعدها عظّمه الناس أو وقروه أو أهملوه .. فلا يهمه ذلك الامر .. من الذى قال هذا الكلام ؟ .. إسمع كلام أ نبياء الله ورسل الله كما حكى عنهم الله ، فماذا كانوا يقولون لاقوامهم : â قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ á (سبأ : 47) لا أريد منكم شيئا ً، انا أريد الاجر من الله عزّ وجلّ ، وليس المال شرطا ً للاجر ، ولا يوجد أجرا ً حسّيا ً والذى هو الفلوس والملابس والهدايا ، أو أجرا ً معنويا ً وهو التعظيم والتوقير والتبجيل ، أيضا ً هذا يسمّى أجرا ً .. الصالحون لا يريدون هذا ولا ذاك .. لا يريدون غير وحه الله عزّ وجلّ .
فالانسان المؤمن هو الذى يعمل العمل لا يرجوا عليه ثناء الخلق ولا أجرهم ولا ردّهم ولا يرجوا إلا ّ من الله عزّ وجلّ ؟
فالجماعة المُخلِصون والمُخلصِِين حياتهم كلّها أصبحت عبادة لله ، إذا أطعَم واحدا ً لا ينتظر منه ان يطعمه مرّة مقابل مرّة .. لا .. هذه لله عزّ وجلّ .. إذا زار رجلا ً يزوره لله ، لا يريد زيارة مقابل زيارة
ومن الناس من يزور أخاه ، فإذ لم يقابله بالزيارة مثلها فيقول له : يا فلان لماذا لم تعد تزورنى ن فيقول له انا زرتك وأنت لم ترد الزيارة ، فلما أزورك وأنت ترد الزيارة تكون زيارة مقابل زيارة ، أين الذى لله هنا ؟ .. أنا ازورك لله وأنت كذلك تزورنى لله فيكون أجرى من الله وأجرك من الله ن فيكون كلنا يعمل عند الله عزّ وجلّ .
زار مريضا ً يزوره لله ، المريض يكون بجواره وهو زميله فى العمل ، يأتى واحد يقول له هيّا بنا نزور فلان ، فيقول : لا.. لماذا ؟ يقول له : أنا مرضت كم يوم ولم يأتى لزيارتى ، هل هذا العمل مثل ذاك ؟ .. إذنً أصبحت أنا وهو خارج دائرة الايمان .
فالمؤمن يعمل لله .. ألم تسمع الحديث الذى يقول : ( عبدى مرضت ولم تعدنى ؟ قال سبحانك تنزّهت كيف تمرض وأنت رب العباد ؟ قال : مرض عبدى فلان ولو زرته لوجدتنى عنده ) أنا الذى فى معيّة المريض أنتظرك ، فإذن ذهابك للمريض لمن ؟ .. لله عزّ وجلّ .. لكن زيارة مقابل زيارة ؟ لم نفعل شيئا ً .. يافلان تعالى نعزّى فلاان ، قال : لا .. لماذا لانه لم يعزّينى ، فأصبح العمل هنا ليس لله .
فالجماعة الذين تحرّوا الاخلاص .. زيارتهم لله ، وعيادتهم لاى مريض لوجه الله .. عطفهم على أى مسكين إبتغاء وجه الله .. عملهم أى عمل لاى إمرأة أو رجل أو صبّى فى أى مكان أو زمان .. لمن ؟
لوجه الله عزّ وجلّ .. وهؤلاء أصحاب الاجور ، أصحاب النظر إلى وجه الديهور يوم النشور ، لانه أخلصوا له قلبا ً وقالبا ً تكون حياته كلهّا لله ، ويكون داخلا ً فى قول الله عزّ وجلّ : â قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ á (الانعام 162) بالنقطة التى تدخل بين النفوس ، ولا يوجد واحدا ً يريد أن يعمل عملا ً إذا كان ينتظر الرّد من البشر ، فهذه تضيّع علينا يا إخوانى فرصة لن نعرفها يوم لقاء الله وسنقول إذا لم نخرج منها ونحن فى هذه الحياة :â يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ á (الزمر 56) لماذا ؟ .. لاننى أريد ان يرانى البشر فى كل عمل أعمله ، فأعمله لهم .. لماذا ؟ .. مالذى مع البشر ؟
إجعل تجارتك أنت مع من ؟ .. مع الله .. أطعمت أحدا ً فعليك أن تنتظر الاجر من الله .. تصدقت على مسكين ، فاطلب الرحمة من الله .. شيّعت جنازة ، فاجعل همّك طلب الاجر من عند الله .. لا تجعل الخلق محل نظرك .. وهذه النقطة التى يقول فيها الامام أبو العزائم رضى الله عنه :
فخلى الخلق خلفك ثم عامل بصدق ٍ ذات مولاك العليّة
هذه الفضيلة هى التى ربّى عليها سيدنا رسول الله أصحابه ….. فى أى بلد ٍ ؟
فى بلاد فارس .. ظلوّا يحاصرونها ستة شهور ولم يستطيعوا دخولها ، لان السور الذى كان حولها كان كبيرا ًفجاء رجلٌ من المسلمين قال لهم : إحملونى وأرمونى حتى أصل إلى هؤلاء الجماعة .. فالجماعة عند باب البلد رفعوه ورموه ، أخذ يقاتل كل من حوله حتى فتح الباب ودخل المسلمون وأتم الله عليهم النصر ببركته .
فقال القائد للمسلمين إئتونى به حتى أكرّمه لانه سبب هذا النصر ، فجاءوا به ، والمسلمون كانوا عند الحرب يضعون غطاءا ً على وجوههم حتى لا يُعرفوا ، قال له القائد : من أنت ؟ قال له : لماذا ؟ .. قال له : لكى نرسل إلى أمير المؤمنين عمر لكى يكرّمك .. قال له : لو كنت أقصد بعملى هذا عُمَر ما عملته ، وإنما أقصد بعملى هذا وجه الله عزّ وجلّ ، والله عزّ وجلّ يطلعّ علىّ ويرانى وسيكافئنى ويجازينى بذلك يوم أن ألقاه .. مشوا على هذه الوتيرة .
فنسأل الله عزّ وجلّ أن يرزقنا الاخلاص فى حركاتنا وسكناتنا وقلوبنا ونيّاتنا ، وأن يجعلنا من عباده المخلصين .